الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، من الشخصيات الوطنية التي دافعت عن استقلال الجزائر.
رافع الأمير خالد، من أجل القضية الجزائرية في المحافل الدولية قصد الوصول إلى انتزاع حق تقرير المصير للجزائريين وأيضا دفاعه المستميت عن الهوية الجزائرية العربية الإسلامية.
أرسل رسالة الى الرئيس الأمريكي آنذاك توماس وودرو ويلسون، يطالبه بإقرار حقوق الجزائريين المهضومة من طرف الإستعمار الفرنسي ويطلعه عما كان يجري من عمليات تقتيل وإبادة جماعية وتهجير قسري للجزائريين الى جزر كاليدونيا والماركيز.
هو الأمير خالد بن الهاشمي بن الحاج عبد القادر، ولد في دمشق يوم 29 فبراير 1875، لأسرة أصيلة، حظي منذ نعومة أظفاره بعناية خاصة من قبل والده الأمير الهاشمي، الذي رباه وثقّفه.
تردد الأمير خالد، على معاهد دمشق الدينية ومساجدها، وبعدما أصبح شابا قرر والده العودة إلى الجزائر في 1892، وكان خالد انذاك طالبا في ثانوية لويس الأكبر بباريس منذ 1885 إلى 1893، وهي السنة نفسها التي إلتحق فيها بكلية سان سير، العسكرية بفرنسا، نزولا عند رغبة والده، الذي أراد بعد نيل ولده خالد بكالوريا العلوم الإلتحاق بالمدرسة المتخصصة في الأسلحة، التي كانت كشرف ضروري له، على الرغم ان خالدا كان رافضا ولا يقاسم والده وجهة نظره، متعللا بعدم وجود رغبة له في المهنة العسكرية، بحسب ما يؤكده الدكتور عبد المجيد عدة، استاذ محاضر بالمدرسة العليا للأساتذة بوزريعة، في دراسته “من اعلام الوطنية والإصلاح في الجزائر، الأمير خالد 1875-1936″.
وأضاف عدة: ” أشارت الدواوين الفرنسية السرية انذاك إلى أن الأمير خالد، الذي وفرت له قاعة لأداء فريضة الصلاة وخصص له طعام خاص مراعاة لقواعد الإسلام وكان يتناوله في غرفة التمريض للمدرسة، كان سئ الطوية والنوايا ازاء فرنسا”.
ويشير الباحث، “في فترة الإجازات كان خالد، يرتدي البدلة العربية التي كان فخورا بها ولا يتركها إلا عندما تستدعي الضرورة القيام ببعض الزيارات الرسمية، وكثيرا ما كان يعبر عن انتمائه العربي الإسلامي في الكلية العسكرية بشكل سافر واستفزازي للفرنسيين، فقد كان يغني بأعلى صوته المقطوعة الموسيقية، وهي للمجموعة الصوتية جنود فاوست، وقد جاء فيها “المجد والخلود لأجدادنا”.
وبدل خالد عن قصد أجدادنا بكلمة أجدادي، ولم يدع فرصة تمضي دون التعبير عن حقده على فرنسا والفرنسيين، وكان يتعمد تغيير الجنود المنتصرين ويقول العرب المنتصرين.
حاولت الإدارة الفرنسية قبول الأمير خالد، كمواطن فرنسي على أمل قبوله الجنسية الفرنسية قبل تخرجه من الكلية، التي أظهر فيها تفوقا واضحا في دراسته، لكنه سرعان ما ترك الكلية قبل الوقت المحدد لإمتحانات التخرح في 1895، ليستقر به المقام بمدينة الجزائر ، وذلك لظروف عائلية، وكذا نفاذ موارده المالية.
في هذا الصدد يقول الباحث عبد المجيد عدة، ” ورغم توجس السلطات الفرنسية خفية من نواياه المضادة لها وان تدفعه الظروف، التي هو فيها على القيام بثورة، فإنها لم تقدر على منعه من السفر إلى الجزائر، لكنها عمدت إلى فرض الإقامة الجبرية على عائلة الهاشمي بمدينة بوسعادة في 1895.”
وبعد موافقة خاصة حصل عليها الأمير الهاشمي، من فرنسا تمكن من إقناع ابنه خالد بالعودة إلى الكلية العسكرية، التي تخرج منها في 1897، برتبة ملازم ورغم ضغوط الإدارة الشديدة رفض الأمير خالد الجنسية الفرنسية المعروضة عليه، علما أنه لم يكن أحد ليترقى ما لم يتخل عن جنسيته، ولكن مكانته العائلية كوريث إمارة كان شفيعه في نيل الرتبة التي تعد الإستثناء الوحيد في تاريخ الجيش الفرنسي، يقول الباحث عدة.
ويضيف: “كان تاربخ ارتقائه إلى رتبة ضابط في 11-9-1897، وبعدها يؤدي خالد حسب العرف الإستعماري واجب الخدمة العسكرية في المغرب الأقصى في 1907، فيرقى إلى رتية قبطان اي نقيب في 1908، فكانت هذه أعلى رتبة يمكن أن ينالها ضابط جزائري لا يحمل الجنسية الفرنسية.”
عمل الأمير خالد، عسكريا محترفا منذ تخرجه حتى عام 1913، في مواقع مختلفة في الجزائر والمغرب، آمن أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى وأنا معاناة شعبه لا يمكن أن ترفع إلا بالإنخراط في الكفاح ومغالبة أعداء الأمة.
وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ جمال فنان: “لم يكن مسموحا للفرد الجزائري قبل 1919، بالتنفس والتعبير عن المطالبة الهادفة إلى التخفيف من معاناة المجتمع الناجمة عن الآلية القهرية المسلطة عليه.
النضال السياسي
ابتداء من 1913، برزت شخصية الأمير خالد، السياسية كوطني قومي بالجزائر، فبمجرد منحه اجازة ثلاث سنوات في 1913، بعد إلحاح منه وخلال وجوده بالجزائر أثناء الإجازات عاود من جديد الإتصال بالشبان الجزائريين، بحيث تدخل في الإنتخابات المخصصة لإختيار المندوبين الماليين وعمل على دعم أحد أصدقائه زروق الحلوي، ضد مرشح الإدارة الفرنسية بن صيام، وكان الفشل من نصيب صديق الأمير خالد.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في 1914، تطوع الأمير خالد، للتطوع في وحدات المتطوعين الجزائريين، حيث إستحسنت باريس هذه المبادرة لكن الحاكم العام للجزائر، رأى ان هذه المبادرة تنطوي على سوء النية وذات طابع تحريضي مثير، حسب ما يؤكده المؤرخ محفوظ قداش.
يقول عدة: “نظرا لكفاءة الأمير خالد القتالية وشجاعته، التي أظهرها في ميدان الحرب فقد منح وسام الصليب الحربي مع الإشادة ببطولاته في عدد من المرات (بواسطة تعميم الأوامر).”
وفي 1915، سرح الأمير خالد من الخدمة في الجيش الفرنسي بسبب مرض صدري أصابه، ولكن عودته إلى بلده لم ترق للإدارة الاستعمارية، التي أظهرت تذمرها بمجرد عودته بذريعة عدم إعلامها مسبقا بالأمر، ولأن محرضي الشعب ضد ممارساتها كانوا كذلك في استقباله مثلما زعمت.
ويجمع جل المؤرخين، على “أن حفيد الأمير عبد القادر، كشف عن نشاطاته السياسية الوطنية بصورة علنية منذ ان استقال من الخدمة في الجيش الفرنسي بصفة علنية سنة 1919، مستقرا بمدينة الجزائر، حيث انخرط في الكفاح السياسي العلني ضد الإستعمار الفرنسي.”
وقد تنوعت وسائل العمل الوطني عند الأمير خالد، باستعمال العرائض والنضال من خلال الصناديق الإنتخابية قصد إحداث تغيير لصالح الجزائريين، من خلال تمثيلهم في المجالس وايجاد منبر إعلامي وطني يمرر من خلاله أفكاره الإصلاحية، ويفضح أيضا من خلاله الممارسات الإستعمارية الدنيئة في حق الجزائريين، حيث أسس جريدة الإقدام وأوجد إطارا للعمل الجمعوي الوطني من خلال تأسيس جمعية الأخوة الجزائرية.
المطالبة بحق تقرير المصير
الأمير خالد، من السياسيين الجزائريين، الذي كان يحمل نضاله ضد المستعمر بعدا استقلاليا، فقد طالب بالإستقلال علنا، ويظهر ذلك حين استغل فرصة إعلان الرئيس الأمريكي آنذاك ويلسون، مبادئه الـ14 لحق تقرير مصير الشعوب، وأرسل له عريضة تتضمن مطالب عن حقوق الجزائريين، حيث هاجم فيها السياسة الإستعمارية ولفت فيها أنظار العالم الى الاوضاع السيئة، التي يعيش فيها الشعب الجزائري.
ومما جاء في العريضة: “يسهل على الملاحظ المتجرد ان يرى بأم عينه فقر الأهالي الكبير، ففي الجزائر العاصمة نفسها ترى مئات الأطفال من الجنسين يلبسون الرث من اللباس وأعظامهم تكاد تبرز من تحت اللحم، وهم يجرون فقرهم في الأنهج ويتسولون طالبين الحسنة العمومية..”
وأضاف: ” إن شروطكم الأربعة عشر من أجل سلم عالمي، سيدي الرئيس، قد قبلها الحلفاء والقوات المركزية ولهذا ينبغي أن تكون أساسا لإنعتاق كل الشعوب الصغيرة المضطهدة دون تمييز لا في الجنس ولا في الدين.”
يقول الدكتور عدة: ” مما يبرز ثورية الأمير خالد، وجرأته وشجاعته في الكشف عن شخصه والإعلان عن إسمه دون أن يخشى في ذلك لومة لائم ولا سطوة ظالم، فزيادة عن تذكيره بمقاومة الجزائريين للعدوان الفرنسي من أجل العيش في ظل الحرية والإستقلال، فقد طالب الوفد المرافق له بإستقلال الجزائر عن طريق اختيار ممثلين جزائريين يحددون مستقبل بلدهم بأنفسهم”.
ومن النشاط السياسي للأمير خالد، بحسب ما يذكره شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله، نشره مقال في جريدة الإقدام سنة 1919، يهاجم فيه جماعة النخبة الذين كانوا ينادون بتجنيس الجزائريين، واندماجهم وفق القوانين الفرنسية، حيث أنكر في مقاله قبول الجزائريين المواطنة الفرنسية إلا داخل إطارهم الخاص”.
وعندما أصدر البرلمان الفرنسي قانون 4 فبراير 1919، الذي يحدد الشروط الواجب توفرها للتمتع بحقوق المواطنة الفرنسية الكاملة، وجد فيه الأمير خالد مجالا لتحركه السياسي بما يساعد على تحقيق أماله ومطالبه.
وهنا بدأت معركة الإنتخابات للدفاع عن الجزائريين وإسماع صوتهم، فشارك تقدم لأول مرة في الإنتخابات البلدية على مستوى الجزائر العاصمة في 1919، وكانت ثلاثة قوائم متنافسة، اثنتان منها للشبان الجزائريين تضم الحاج موسى، مستشار بلدي منذ 1884 بمدينة الجزائر، إنسان تقي ومتعلق بالإسلام، بحسب ما تشير إليه كتابات تاريخية، وقائمة تضم أعيان العاصمة معروفين بتأييدهم لسياسة التجنيس، في حين القائمة الثالثة فهي مكونة من أعضاء جزائريين وإثنان من الأوروبيين المدافعين عن مصالح المسلمين.
وقد حصلت قائمة الأمير خالد، على عدد من الأصوات تتراواح بين824 و940 صوت لكل منتخب من أعضاء القائمة مقابل 107 الى 392 صوت لأعضاء القائمة المنافسة، وقد نشر أبو اليقظان مقالا في الصحافة التونسية، سنة 1919 بدعو الجزائريين لترشيح الأمير خالد للمجلس الجزائري وتأييد حركته، كيف لا وهو حفيد الأمير عبد القادر، ولم يهضم خصومه فوزه.
إضافة إلى ذلك، حقق الأمير خالد، فوزا في الإنتخابات المجالس الولائية والمندوبيات في 1920، في جميع المدن، وقد كتب الأمير خالد رسالة إلى وزير الداخلية الفرنسي في باريس بتاريخ 09 جانفي 1921، جاء فيها: “على الرغم من الضغوط، التي لا توصف فقد نجحت القائمة التي أترأسها بكاملها..”.
حاربت الإدارة الإستعمار التيار الوطني للأمير خالد، بعدما شاهدت إلتفاف الجزائريين من حوله ومطالبه السياسية، التي كانت تدعو صراحة لمنح الجزائريين كل حقوقهم والمساواة مع الفرنسيين في هذه الحقوق مع الإحتفاظ بالهوية الجزائرية الإسلامية، وإلغاء القوانين التعسفية ضد الجزائريين، الذين كان يطلق عليهم “الأهالي” وهذا ما لا تريده إدارة الإحتلال.
ومنذ سبتمبر 1922، بدأت الصحافة الإستعمارية التابعة للمستوطنين المتطرفين في فرنسا تهاجمه بالترويج لفكرة أن مطالب الأمير خالد، لا تقف عند حدود التمثيل النيابي للبرلمان وأنه يحاول جمع الأموال لإقامة مدرسة كبرى تدرس فيها اللغة العربية بصورة حرة”.
وعندما زار رئيس الجمهورية الفرنسية انذاك ألكسندر ميلران، الجزائر في 1922، اغتنم الأمير خالد المناسبة وخطب أمامه بإسم جميع سكان الجزائر، مذكرا إياه أن الجزائريين إيمانا منهم بالتقاليد الشريفة للأمير عبد القادر، حاربوا دفاعا عن الحق والحرية بجانب فرنسا زمن الأخطار وقال بأن الجزائريين يجب أن يحصلوا على تمثيل نيابي في المجلس الوطني الفرنسي”.
وقد أثار هذا الخطاب حماس الجزائريين وأغضب مسؤولي الحكومة الفرنسية، واعتبروا خطابه معادي لفرنسا، وأنه لابد من محاربة هذه الشخصية الوطنية.
جريدة الإقدام لسان حال الشبان الجزائريين
أسست جريدة الإقدام في 10 سبتمبر 1920، كانت تصدر باللغتين العربية والفرنسية وكان الأمير خالد مسؤولا عن تحرير الطبعة العربية، وفي 1921 أصبح مسؤولا عن تحرير كل الجريدة واعتبرها سلاح للدفاع عن مصالح المسلمين والوقوف في وجه الصليبية.
وقد أدت الجريدة دورا كبيرا في فضح ممارسات الإدارة الاستعمارية التعسفية وهاجمت القياد، الذين باعو أنفسهم للإدارة الاستعمارية، وندد الأمير خالد بتمديد قانون الأهالي والتجنيد الإجباري، وتصدى للخطط الإستعمارية التي تريد تفريق الجزائريين وزرع الطائفية والجهوية، ودعا كل الجزائريين إلى الإتحاد والأخوة,
في هذا الصدد أسس جمعية الإخوة الجزائرية في 1922 مع نخبة من المثقفين الجزائريين أمثال القايد، حمود، زهير بن سماية، حميدة يوسفي وغيرهم، حيث كان أعضاء الجمعية يلقون محاضرات حول القضايا المتعلقة بالحضارة العربية الإسلامية.
وفي إحدى اجتماعات الجمعية في مارس 1922، الذي حضره أربعة آلاف شخص خطب الأمير خالد، الذي ذكر الحاضرين بالتاريخ الحضاري الإسلامي والجزائري وشرح لهم كلمة الإتحاد، كما ألقى قصيدة معبرة ومؤثرة بعنوان “ذكرى للعاقلين وتنبيه للغافلين”، مستوحاة من كتاب جده الأمير عبد القادر، تصور الواقع المرير للجزائريين، وتدعوهم للإقتداء بسير السلف الصالح.
جاء فيها:
يا أهل الجزائر ما هذا الجمود وما هذا التأخر دون الناس كلهم
سيروا على منهج الأسلاف واجتهدوا وسارعوا لإكتساب العلم بالقلم
إن التفرق داء موصل بكم إلى الشقاق والخسران والنقم
وزينة الناس في الدنيا معارفهم دين وصدق وإخلاص لربهم
وكعادتها حاربت إدارة الإحتلال نشاط أعضاء الجمعية، لأنه يهدد مستقبلها ووجودها في الجزائر إذا ما تفطن الجزائريون وإتحدوا.
نفي الأمير خالد إلى دمشق سنة 1923، وتوفي هناك سنة 1936.