أوضح سفير الجمهورية الصحراوية بالجزائر عبد القادر طالب عمر، في حوار خص به «الشعب»، أن القرار الفرنسي الأخير حول القضية الصحراوية لن يغيّر شيئا من عدالة القضية ولن يؤثر على صمود الشعب الصحراوي، مؤكدا أن فرنسا التي لطالما دعمت نظام المخزن في قضية الصحراء الغربية في السر، جهرت اليوم بما كانت تقدمه في الخفاء وهو أمر متوقع ويأتي بعد خيبات تلقتها في إفريقيا خلال الآونة الاخيرة.
فرنسا تخندقت مع المُحتل وأقصت نفسها من أيّ وساطة
«الشعب»: تحوّل خطير أقدمت عليه الحكومة الفرنسية بالاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية، برأيكم إلى أي مدى يمكن أن يهدد هذا القرار السلم والأمن في المنطقة؟
السفير الصحراوي: هذا قرار خطير كما أشرتم إليه. بالفعل لا يشجع أبدا على تحقيق السلام والاستقرار، بل يدفع إلى التصعيد، لأنها اختارت طريقة تصعيد وتوتر ولم تقم بتشجيع السلم والدفع بقرارات الأمم المتحدة التي تتطلب حضور الطرفين والدول المعنية والمهتمة، للبحث والتعاون، مثلما نادت به قرارات الأمم المتحدة، والتي توصي بالتفاوض بين طرفي النزاع والدعم من الأمم المتحدة والمجموعة الدولية عموما. وقرار الحكومة الفرنسية يجانب الصواب ويحاول فرض حل من جهة واحدة، دون اعتبار لمواقف الجهة الأخرى، لا الدول المهتمة والمعنية ولا حتى مواقف المجموعة الدولية من هذا النزاع.وخطورة الأمر تكمن باعتبار أن فرنسا عضوا دائما في مجلس الأمن وتدعّي أن لديها مجموعة أصدقاء الأمين العام الخاصة بقضية الصحراء الغربية، وبالتالي ينهي مرحلة ازدواجية المواقف التي كانت تتبعها باريس. ففي عمقها ومنذ البداية منحازة للنظام المغربي ولم تترك وسيلة من وسائل الدعم إلا وقدمتها لنظام المخزن، وحتى التدخل المباشر ضد المقاتلين الصحراويين، إذاً هي في الجوهر لم تبخل ولم تترك وسيلة من وسائل الدعم إلا واستعملتها لصالح النظام المغربي المحتل، وضد الشعب الصحراوي. والسؤال اليوم، لماذا تترك الازدواجية في الموقف وتعلن جهارا نهارا انحيازها للطرف المغربي وهذا يعود إلى أسباب فشل الحكومة الفرنسية بعد الانتخابات الأخيرة في فرنسا وفشلها في الساحة الإفريقية وطردها من بعض البلدان، وترى أنها بهذا الموقف يمكن أن تعود بتأثيرها وتعود لضمان بعض نفوذها. لكني أرى بأنها متضررة، لأنها كانت في وضع يعطيها أريحية من ناحية هي مع النظام المغربي وهذا معروف، ومن ناحية أخرى تحاول إظهار دفاعها عن الشرعية الدولية وبالتالي موقفها كان أقرب في الظاهر إلى الوسط، لكن اليوم هي متضررة وستحصد الفشل، مثلما حصدته كل القوى الاستعمارية من سياساتها الاستعمارية.
كيف تلقيتم هذا الانتهاك الصارخ للموقف الفرنسي حول القضية الصحراوية، وهل كان متوقعا؟
كل شيء متوقع من فرنسا بعد أن اتبعت سياسة العداء ضد الشعب الصحراوي منذ بداية القرن الماضي، حيث تدخلت ووصلت إلى مدينة السمارة ودمرتها ودمرت مكتبها. وفي الخمسينيات تدخلت ضد المقاومة الصحراوية، وبعد ذلك في السبعينيات تدخلت ضد المقاتلين الصحراويين والجيش الشعبي الصحراوي، ولطالما كانت الحامية لنظام المغرب أمام المجتمع الدولي وفي مجلس الأمن لعرقلة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومراقبة حقوق الإنسان، وهي التي حاولت جر الدول الفرنكوفونية لفتح قنصليات في الصحراء الغربية، إذا هي لم تبخل بأي شيء لدعم النظام المغربي وكل شيء متوقع منها، وكانت تحاول من خلال شعاراتها في العلن الحفاظ على نوع من العلاقات بالمجموعة الدولية وتحترم القانون الدولي، واليوم هذا سقط وبالتالي هي نيّة عدائية جديدة وكأنها تدعو لتصعيد جديد وبناء تحالفات مشبوهة قديمة جديدة.
أمام هذا الواقع الذي تحاول باريس والرباط فرضه خارج التسوية الأممية ومظلة الأمم المتحدة، كيف تتعاطى الصحراء الغربية مع هذا على الصعيد الرسمي الشعبي وكذلك العسكري؟
هذا النزاع لم يبدأ اليوم، يعود إلى 51 سنة وهذه التحالفات كانت قائمة في الخفاء، والجديد اليوم أنها ظهرت إلى العلن، مثلما ظهر أيضا التعامل الصهيوني المغربي الذي كان في الخفاء وظهر إلى العلن، واليوم المجاهرة بالعداء ضد الشعب الصحراوي وضد الحلفاء وأصدقاء الشعب الصحراوي، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع وتشرع ما عجزوا عنه من خلال القانون والشرعية الدولية بالقوة وكل وسائل الضغط وهو تصعيد واضح ضد الشعب الصحراوي والمجموعة الدولية وضد كل أصدقاء الشعب الصحراوي وبالتالي فالرد نجده في تاريخ وتجارب الشعوب المكافحة والتي استعملت كل الوسائل المتاحة والمشروعة عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا وتعبئة شعبية، والشعب الصحراوي استطاع أن يصمد طيلة 51 سنة وهذا دليل على أنه مازال قادرا على الصمود والنظام المغربي كانت لديه قوة أكبر في وقت سابق، في حين كانت للشعب الصحراوي وسائل بسيطة، واليوم الشعب الصحراوي أقوى ولديه أصدقاء أكثر في العالم، والعالم اليوم يسير نحو المطالبة بإصلاح النظام الدولي وإنهاء هذا الظلم القائم على اتباع المصالح وازدواجية المعايير، فالجميع الآن يطالب بإصلاح المنظومة الدولية واحترام إرادة الشعوب، خصوصا تلك التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الهيئة الأممية، اليوم تطالب بحقها في تمثيل حقيقي بالمؤسسات الدولية ولم تعد تقبل بالإملاءات من بعض القوى أحادية القطب، وهذه التحولات تسير لصالح الشعوب المضطهدة، وبالتالي فالمستقبل هو للشعوب وللشرعية وليس مع الاستعمار وقوى الإقطاع التي أكل عليها الدهر وشرب، مثلما هو عليه الحال في نظام المخزن.
قررت الجزائر سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري، ما دلالات هذا الموقف بالنسبة للجمهورية الصحراوية؟
هذا ينسجم مع مواقفها. والجزائر تميزت بهذا السلوك وهذه الصفة ومعروفة أنها بلد يحترم الشرعية الدولية وبلد منسجم في مواقفه وتستحق كل الثناء والتحيّة لدفاعها عن الشرعية الدولية، وهي تدافع عن هذه القرارات بالأمم المتحدة، وهي في أريحية من مواقفها ومن يتمسك بمثل ما تتمسك به الجزائر لن يكون معزولا وسيكون في موقف إجماع من طرف الهيئات الدولية والقرارات واضحة في المحاكم والهيئات الدولية، والمعزول هو النظام المغربي والموقف الفرنسي، لأنهما يسعيان للدوس على هذه القوانين وضربها عرض الحائط وبالتالي لا يلتزمان بأي شيء، وبالتالي الاحتجاج الذي قامت به الجزائر خاصة بعد أن أصدرت بيانا أوليا للتنبيه والتحذير من عواقب هذا الموقف الفرنسي، والخاسر هنا هو الطرف الفرنسي، فتخفيض التمثيل الدبلوماسي وسحب السفير سيكون له أثره على العلاقات بين البلدين، ونحن نسجل هذا الموقف باعتزاز وافتخار وشكر للجزائر ودفاعها المستميت على القضايا العادلة رغم ما يكلف ذلك من مؤامرات الأعداء وضغوطهم.
والحقيقة أن القرار الفرنسي يتطلب هذه المواقف، لأن المناورة كبرى والاستعمار الذي خرج مهزوما يريد العودة إلى المنطقة وفرض نفوذه، وبالتالي فمواقف من هذا النوع هي حماية لمكاسب ثورة أول نوفمبر ومكانة الجزائر وتأثيرها واحترام القانون الدولي والشرعية الدولية في المنطقة.
الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة سابقة تمت اليوم باستخفاف كبير دون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها، ما هي هذه العواقب، برأيكم؟
هذا الموقف جاء بعد الانتخابات الأخيرة في فرنسا. ورغم النتائج فهناك أطراف حاقدة داخل فرنسا مازالت تمجّد الاستعمار ومازالت ترى باستعلاء الشعوب وكفاحها وتظن أنها القوى الفاعلة والمديرة لهذه المنطقة وبالتالي باستعمال الضغوط وفرض رؤيتها الأحادية وعدم إعطاء أي اعتبار للآخر.
المغرب نظام منهار، باع إمكاناته الاقتصادية على حساب الشعب المغربي لفرض احتلاله للصحراء الغربية، وباع حتى المقدسات وهو غارق في مشاكله وبحاجة لنجدة من طرف الاستعمار الفرنسي، مثل ماهو استعان بالقوى الصهيونية، واليوم يحاول الاستنجاد بهذه القوة لفرض تحالف واهٍ للدول المطلة على المحيط الأطلسي وهي استراتيجية مشتركة يقف وراءها تحالف فرنسي- صهيوني يسعى لإعادة النفوذ في إفريقيا ضد قوى التحرر التي تحاول بناء شمال إفريقيا وحتى إفريقيا حرّة وسيّدة.
الحكومة الفرنسية تنتهك الشرعية الدولية وتتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وتناقض الجهود الأممية في حل القضية، إن لم تستطع باريس أن تكون جزءا من الحل للقضية، لماذا تقحم نفسها كمشكلة؟
فرنسا مازالت تسكنها العقلية الاستعمارية، كما قال أحد القادة الجزائريين، عليها تصفية الاستعمار من ذهنها، فهي لم تقم بتصفية الاستعمار من ذهنها ولا من سياساتها ومازالت تتصرف بالعقلية الاستعمارية وأن المستعمرات السابقة يجب أن تبقى تحت نفوذها، وخسرت وربما ترى في هذه الخطوة المنحازة الفاضحة إلى جانب النظام المغربي كدولة وظيفية تقوم بمصالحها ممكن أن تضمن بها مصالح مجدّدا، وشراكة أو تحالف بين قوى عميلة وقوى استعمارية صهيونية وبالتالي فإرادة الشعوب هي التي ستفشل هذه التحالفات الاستعمارية، مثلما أفشلتها في السابق، والتاريخ خير دليل ومرشد وشاهد على النتائج المتوقعة في مثل هذا النوع من التوجهات الاستعمارية.
الخارجية الصحراوية دعت إلى إسقاط فرنسا من عضوية المينورسو، إلى أي مدى يمكن أن تتجاوب الهيئة الأممية مع هذا الطلب؟
فرنسا أقصت نفسها من أي وساطة ومن أي انتماء إلى أي هيئة تبحث عن الحل، لأنها أصبحت طرفا لا يختلف في شيء عن المحتل المغربي، وبالتالي فقدت المصداقية وفقدت الحياد والتوازن، وفقدت حتى الالتزام بالقرارات الأممية والتي تؤكد على أن القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار والحل يتم من خلال القرار 15/14 مثلما تم إنهاء الاستعمار في إفريقيا انطلاقا منه والصحراء الغربية تبقى آخر مستعمرة ولا يمكن أن تكون استثناء من هذا الموقف، لذا لم تعد لها أي مصداقية لتبقى أو تدعّي بأنها تقوم بعمل محايد أو ذي مصداقية، بالتالي الصحراويون لديهم كل الحجج لإقصائها من أي هيئة تتوسط في القضية الصحراوية.
الموقف الفرنسي لن يغير شيئا في عدالة القضية والشعب الصحراوي سيواصل دفاعه عن أرضه وحريته، كيف ترون مستقبل القضية؟
الآن النظام المغربي سيحاول استغلال القرار إعلاميا وأنه سيحسم القضية لصالحه، بينما بالنسبة للقانون الدولي قضية الصحراء الغربية مسجلة كمستعمَرة في إفريقيا والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن يتناولانها سنويا وبعثة الأمم المتحدة تسمى «بعثة الأمم المتحدة في استفتاء الصحراء الغربية» والحل واضح يملكه الشعب الصحراوي ولا تملكه فرنسا ولا أي طرف آخر، ومن يرد الحل القانون الدولي واضح وهذا الاستعمال للقوى الاستعمارية ومحاولة فرضه من خارج الشرعية الدولية أكد فشله، لأنه منذ 51 سنة وهم يسعون لفرض حل على هذا النحو وفشلوا بفضل صمود الشعب الصحراوي ووقوف حلفاء وأصدقائه معه.