في الجزائر الطبيعة ساحرة بشكل يفتن آلات التصوير قبل طرفة عين من محبيها والساعين الى التمتع بها، في الفصول الأربعة، تشكل ثروة سياحية وطنية، تستدعي مزيدا من الاستثمار فـي الفضاءات الغابة كأولوية في المرحلة القادمة..
ملف: سفيان حشيفة وعلي عويش وغانية زيوي وأحمد حفاف وبراهمية مسعودة وخالد العيفة وعمر بن سعيد
السياحة الغابية.. ثروة بيئية بحاجة إلى تثمين
تعدّ السياحة الغابية من الأنماط الجديدة التي ستفتح آفاقا للاستثمار الداخلي، وخلق فضاءات للتسلية والاستجمام العائلي المنافس لباقي الأنساق السياحية على غرار السياحة الصحراوية والشاطئية الصيفية.
تمتلك الجزائر غطاءً غابيا هاما يُؤهلها للارتقاء بالمنتوج السياحي الوطني، ودعم وتيرة نمو الاقتصاد من خلال تخصيص فضاءات غابية للاستثمار الخاص، وتوفير مناصب شغل كثيرة مباشرة وغير مباشرة على صلة بالقطاع السياحي من جهة، وإتاحة أماكن ترفيه وتسلية على نطاق واسع بالولايات الساحلية والداخلية والسهبية للعائلات الجزائرية من جهة أخرى.
وفي هذا الشأن، يقول رئيس جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها، طلحي عبد العزيز، أن السياحة الغابية من أهم الأنماط السياحية التي تتميز بها الجزائر نظرا لما تحتويه من مؤهلات وثروة غابية، بداية من غابة المداد بتيسمسيلت إلى غابات المدية والبويرة مرورا بتيزي وزو وغابات تيزغبان بولايتي جيجل وميلة وصولا إلى غابات التفاح والصنوبر ببوحمامة في خنشلة على سبيل المثال لا الحصر.
وأكد طلحي عبد العزيز في تصريح لـ»الشعب»، أن تلك المؤهلات تُشَجِّعُ على توجيه الإعتناء بهذا النمط الجديد القادر على خلق تفاعلية اقتصادية؛ كونه يستقطب العائلات الجزائرية الباحثة عن الطبيعة والإسترخاء، وكذا تحفيز الإستثمار الأخضر فيها عبر خلق مؤسسات عبارة عن قُرى سياحية صديقة للبيئة، وإنشاء مركبات رياضية، وعيادات للسياحة العلاجية، وذلك حتى يرقى القطاع بهذا النوع إلى مستوى يضاهي ما هو موجود بالدول المتقدّمة.
وبالنظر إلى اهتمام العائلة الجزائرية بالطبيعة والبيئة بمختلف أشكالها وألوانها، فإن النمط الغابي لديه كل المؤهلات لاستقطاب استثمارات، واستغلاله على أكمل وجه مسؤولية جميع الفاعلين بالقطاع، إضافة إلى سياسة الدولة المشجّعة على تحقيق الإقلاع السياحي الخلاق للثروة، مثلما أضاف طلحي.
من جانبه، أوضح رئيس الجمعية الوطنية للاتصال السياحي، مقداد زهير، أن السياحة الغابية نوع يرتكز على استكشاف الغابات والمناطق الطبيعية، ويتضمن مجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى التفاعل مع البيئة الطبيعية والاستمتاع بجمالها وتنوعها البيولوجي مثل المشي في الغابات «الهايكينغ»، والتخييم، ومراقبة الطيور والحياة البرية، وركوب الدراجات الجبلية، والتسلق، التجديف وصيد الأسماك وغيرها من أنشطة التسلية.
واعتبر مقداد في اتصال مع «الشعب»، السياحة الغابية في الجزائر واحدة من أبرز أنواع السياحة التي يمكن أن يستمتع بها الزوار والسياح، حيث تمتلك مساحات شاسعة من الغابات ومتنزهات بيئية جاذبة لعشاق الطبيعة والمغامرة.
ويتطلّب تطوير السياحة الغابية في الجزائر، وفقا للمتحدث، جهودًا مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية، على غرار تحسين البنية التحتية من طرق ومواصلات إلى المناطق الغابية لجعل الوصول إليها أكثر سهولة، وبناء وتطوير مرافق الإقامة مثل النُّزل والأكواخ ومواقع التخييم، والحفاظ على الطابع البيئي الخاص بكل منطقة، مع وضع لوحات إرشادية ومسارات واضحة للزوار، ناهيك عن توفير معلومات عن المنطقة المعنية والحياة البرية التي تُميزها.
علاوة على ذلك، تشجيع الاستثمارات الخاصة على إنجاز مشاريع السياحة البيئية المستدامة، واستحداث تعاون مع الشركات السياحية لتنظيم رحلات وبرامج ترفيهية إلى المناطق الغابية للإسهام في تنمية الاقتصاد المحلي، وهذا يتأتّى من خلال إتاحة برامج تدريبية للمرشدين السياحيين لتعريفهم بالتاريخ الطبيعي والثقافي للمناطق الغابية، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية للسكان المحليين والزوار حول أهمية الحفاظ على البيئة، بحسب المصدر ذاته.
وبالنسبة للقوانين واللوائح، أبرز مقداد، أنه يتعيّن على السلطات تنفيذها بصرامة لحماية البيئة والحياة البرية، وضمان استدامة السياحة البيئية، مع ضرورة إشراك المجتمعات المحلية في مشاريع السياحة البيئية لتوفير فرص عمل ودخل إضافي ودعم وتسويق الحرف اليدوية والمنتجات التقليدية للزوار.
نجاح السياحة الغابية تفرض إشراك المجتمع المدني
دعا رئيس المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للسياحة الشبانية والمحافظة على البيئة والموروث الثقافي بتندوف حمزة مباركي، إلى ضرورة إعادة صياغة المفاهيم وغرس ثقافة سياحية بيئية في أذهان المتمدرسين، والعمل على إعطاء الغابات نصيبها من الترويج السياحي بدل الاعتماد المفرط على الشواطئ والحدائق والفنادق. وأشار مباركي إلى أن الشواطئ، الصحاري والحدائق العامة قد ترسّخت في ذهن المواطن الجزائري على أنها وجهات سياحية مفضّلة في الجزائر، في حين أن هذه الأخيرة تمتلك مساحات شاسعة من الغابات التي تنتظر الاستغلال الفعلي وإدخالها في الخارطة السياحية ببلادنا.
نوّه محدثنا بالأهمية الاقتصادية، البيئية، السياحية والثقافية التي تمتاز بها الغابات في الجزائر، مؤكداً بأنها ـ أي الغابات – من بين أهم عوامل الجذب السياحي، نظراً لغناها بالأحياء الحيوانية والنباتية ومختلف الأنظمة الإيكولوجية التي تستهوي وعلى نطاق ضيق فئات مجتمعية معينة.
وأضاف مباركي قائلاً، إن الغابات في الجزائر، إلى جانب كونها عامل جذب سياحي، فهي فضاء رحب لممارسة العديد من الأنشطة المرتبطة بأنواع شتى من السياحة، على غرار مراقبة الطيور وسياحة الأحياء البرية والسياحة الإيكولوجية.
وأعرب عن أمله في نجاح السياحة الغابية في الجزائر لما تمتلكه بلادنا من مؤهلات وإطارات وطنية قادرة على النهوض بالنشاط السياحي، إلى جانب مجتمع مدني واعٍ من شأنه ترقية هذا النوع من السياحة الذي لم ينل ـ حسبه – حقه من الاهتمام الإعلامي.
وأشاد المتحدّث بالمساعي الحثيثة للسلطات العليا، والرامية إلى النهوض بالسياحة الغابية ببلادنا باعتبارها نشاطاً يعتمد على وجود مساحة غابية معتبرة، وهو ما تمتلكه الجزائر من خلال غابات صحراوية وواحات وسد أخضر ينتشر عبر أقاليم العديد من الولايات، مؤكداً في الوقت ذاته بأن توفّر قدر كبير من الأمن على مستوى المناطق الغابية من شأنه المساهمة في انتشار وانتعاش السياحة الغابية وجعلها نشاطاً مدراً للدخل، وفضاءً رحباً لإجراء العديد من الأنشطة على غرار طواف الدراجات والجري والتسلّق وغيرها من الرياضات الجبلية الأخرى.
وأعرب رئيس المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للسياحة الشبانية عن أسفه لتعرض الثروة الغابية ببلادنا للحرائق كل عام، مشيداً بمجهودات قوى الأمن وأعوان محافظة الغابات والحماية المدنية الذين يتصدّون لأي محاولات لمساس بثروتنا الغابية.
وثمّن مباركي قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون القاضي بإعادة الاعتبار للسد الأخضر، واصفاً القرار بالخطوة الثمينة التي تحتاج إلى الدعم والمساندة الشعبية، مؤكداً بأن سعي السلطات العليا لإعادة السد الأخضر وتوسيع المساحات الغابية في بلادنا، هو قرار يستوجب تكاثف جهود المنتخبين المحليين وكل مكوّنات المجتمع المدني من جمعيات أحياء وجمعيات بيئية وسياحية للتسريع في تجسيد هذا القرار.
المتحدث وهو يعدّد مزايا قرار إعادة الاعتبار للسد الأخضر، دعا إلى تنظيم رحلات منظمة إلى الغابات لفائدة أطفال الجالية الوطنية بالخارج وأطفال مخيمات اللاجئين الصحراويين، والعمل على إنشاء مرافق على مستوى الغابات بهدف زيادة حمايتها وتدعيم أي نشاط سياحي مستقبلاً.
وأكّد المتحدث على ضرورة إنجاز هذه المرافق بشكل مضبوط وفق معايير مدروسة، وعدم الإفراط في إنجازها لما قد تشكّله كثرة المشاريع والمرافق السياحية في الغابات وكثرة أنشطتها من ضغط كبير على المساحات الغابية من حيث استهلاك الموارد البيئية والمساس بالتنوّع الحيوي والإخلال بالأنظمة الإيكولوجية جرّاء الاستغلال المفرط للغابات.
وذكّر مباركي بأهمية السياحة الغابية في بلادنا كمورد إضافي للمجتمعات الهشة المحاذية لها، والتي يمكن توظيفها في تسيير المرافق السياحية ومتابعتها وحماية الغابات، داعياً إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني بالمحيط القروي في السياحة الغابية، وإرفاق أي نشاط سياحي خاصة السياحة الغابية منها، بالمؤهلات التي تضمن بقاءها واستمرار توافد الزوار، إلى جانب تكوين الإطارات المكلفين بمتابعة وتسيير هذه المرافق تكويناً أكاديمياً.
مستغانم.. الاستثمار في الفضاءات الغابية لصناعة الثروة
تعدّ المساحات الغابية إحدى أهم الوجهات السياحية التي تقصدها العائلات للترفيه والاستجمام والتي تساهم في ترقية وتطوير سياحي واقتصادي للمناطق الغابية، لاسيما في ظل إجراءات الاستغلال المشجعة والتسهيلات التي أقرتها السلطات المحلية لولاية مستغانم بمعية محافظة الغابات بهدف تثمين الفضاء الغابي وإعطاء فرصة للاستثمار في هذا المجال الواعد.
تعرف السياحة الغابية بمستغانم توافدا منقطع النظير للزوار الذين يبحثون عن الهدوء والاستمتاع بخضرة المكان، بحيث تتوفر المدينة على سبعة غابات استجمام تمّ اختيارها لموقعها الاستراتيجي، وكذا لما تعرفه من ثروة غابية وسياحية هائلة لعلّ أبرزها غابة «بورحمة» التي أضحت وجهة للعائلات الباحثة عن الراحة والاستجمام.
تشجّع السلطات المحلية لولاية مستغانم على الاستثمار في السياحة الغابية من أجل خلق غابات ترفيهية للراحة والاستجمام مع توفير أماكن ومساحات للعب ومرافق أخرى بشرط الحفاظ على الغطاء الغابي حسب دفتر شروط المنجز من طرف مصالح الغابات، بحيث تضمّ الولاية ما يفوق 32 ألف هكتار من الغطاء الغابي.
وبذلك منحت ذات السلطات رخص لاستغلال غابات الاستجمام الواقعة بكل من سيدي بن ذهيبة ببلدية ماسرى، غابة سيدي منصور ببلدية استيديا، فيما سيتمّ الإعلان عن مناقصة استغلال غابة سداوي ببلدية سيدي لخضر قريبا، مما سيسمح بترقية المنتوج السياحي الوطني وتدعيم الاقتصاد من خلال خلق مناصب شغل جديدة ومتنفسا حقيقيا للعائلات مقصدها وراحتها.
غابة «بورحمة» وجهة العائلات المفضلة
تعتبر غابة الاستجمام كاب ايفي «بورحمة» عينة من بين سبع غابات استجمام سيتم تهيئتها عبر تراب ولاية مستغانم،
تتربع غابة «بورحمة» الواقعة ببلدية بن عبد المالك رمضان على بعد 30 كلم شرق عاصمة الولاية على مساحة قدرها 17 هكتارا، تحتوي على عدة مرافق وتوفر مجموعة من الخدمات على غرار الخيم التقليدية، ألعاب أطفال ومسالك التجوال داخل الغابة.
كما تتوفّر على مطعم خاص بتقديم أكلات تقليدية إلى جانب هذا تمّ إنجاز مطعم كبير باستعمال مادة الخشب الطبيعي كما تمّ بناء أكبر شلال طبيعي على مستوى الغابة، ديكورات زينت المكان وعكست جمال الطبيعة العذراء، فضلا عن الأمن والنظافة كلها عوامل ساهمت في جذب الزائرين من كل أنحاء البلاد.
أضحى هذا الفضاء السياحي الطبيعي خلال السنوات الأخيرة مقصدا للزوار من داخل وخارج الولاية لقضاء لحظات رائعة مع الأطفال، حيث يجلبون معهم كل ما يحتاجونه من مياه ومشروبات منعشة، كما يقوم البعض الآخر بتحضير المشاوي في الهواء الطلق، فيما يفضل آخرون تناول الغداء في المطاعم المفتوحة بهذا الفضاء.
هذا إلى جانب، وجود خيم صغيرة تعرض فيها الصناعة التقليدية من أواني فخارية وأدوات نحاسية وكذا مصنوعات الجلدية وحلي وغيرها من التذكارية، التي يقبل الزوار على اقتنائها كتذكار من المنطقة.
وتبقى غابة «بورحمة» ملاذ الكثير من العائلات المستغانمية والزائرين من مختلف ولايات الوطن لنيل قسط من الراحة بعيدا عن مشاغل الحياة في جو هادئ وآمن، حيث عرفت الغابة زيارة 90 ألف سائح خلال موسم الاصطياف الفارط.
للإشارة، أنشئ هذا الفضاء الترفيهي في إطار المرسوم التنفيذي 06-368، المحدد للإطار القانوني لرخصة استغلال الغابات الترفيهية، وهو واحد من ستة فضاءات مماثلة تتواجد بسيدي منصور 16 هكتارا (استيديا)، وأرض خضرة 10 هكتار (خضرة) وغابة الحرية 10 هكتار (مستغانم)، وعين إبراهيم 16 هكتارا (سيدي لخضر) وسيدي بن ذهيبة 09 هكتارات (ماسرة)، والسويدي 16 هكتار (بوقيرات) بمساحة إجمالية تفوق 92 هكتارا.
غابات البليدة.. ثروة سياحية وطنيـة تأسرُ الناظرين
انتعشت السياحة بالغابات المنتشرة عبر سلسة جبال الأطلس البليدي، حيث تتنوّع هذه السياحة بحسب الغاية التي يرغب في تحقيقها السياح المحليين والأجانب.
تٌشكل مياه الينابيع والشلالات والمناظر الطبيعية الخلابة أبرز المقومات التي تجذب السياح بحثا منهم عن الراحة النفسية والاستجمام في حضن الطبيعة، ولأجل التأمل في روائع الخالق. في فصل الشتاء يقصدون أعالي الشريعة لما تكتسيه من حلة بيضاء بالثلوج، وفي بقية الفصول يتمتعون بالطبيعة العذراء، وتعتبر الوديان ملاذهم لمجابهة الحر في الصيف بالسباحة في مياهها العذبة الصافية.
أبرز محافظ الغابات محمد مقدم أهمية السياحة الغابية بالقول: «تتميز البليدة بسياحة جبلية وبيئية جد متنوعة ثقافية حموية بيداغوجية دينية، وهذا بفضل الحظيرة الوطنية الشريعة المحمية دوليا والتي تتميز بتنوع بيولوجي جد هام (تشتهر بأشجار الأرز وأخرى مثل الفلين)».
وتابع بالقول: «هناك مناطق أخرى لا تقل أهمية مثل جبال حمام ملوان التي تتوفر على منشأة حموية في مركز البلدية وتُشكل أحد أدوات الجذب السياحي فيما يتعلق بالسياحة الحموية، وتتمثل السياحة الدينية في منطقة السباغنية أين تتواجد زاوية بن ميصرا الشهيرة (بني ميصرا أحد العروش التي جسدت المقاومة الأولى للاستعمار الفرنسي في سهل المتيجة)».
وأضاف المتحدث: «فيما يخص السياحة البيداغوجية فتكمن في مشجر المرجة في بلدية أولاد سلامة، والذي يعتبر أول مشجر أنشيء بالجزائر قبل حديقة التجارب بالعاصمة، وتمّ إنشاؤه سنة 1935 على مساحة تفوق 260 هكتار ويحوي على أزيد من 162 صنف نباتي تمّ إدخاله من مختلف أنحاء العالم، ويعتبر هذا المشجر مقصدا للطلبة والباحثين في إطار الزيارات البيداغوجية والأبحاث العلمية (حظيرة الشريعة وبعض الغابات الأخرى في المنطقة يتمّ زيارتها أيضا لأجلها هذا الغرض)».
وبالجهة الغربية لولاية البليدة تعتبر غابة «تمزقيدة» التي ينتمي جزء منها لولاية المدية، أهم المناطق السياحية التي يزورها السياح والتي تضمّ بحيرة جميلة ومحيط نباتي يسر الناظرين ويجعلهم يشعرون بالطمأنينة والراحة النفسية، كما هو الحال تمام لمضايق جبال بلدية الشفة أين يعيش القرد المغاربي والذي ينزل إلى قارعة الطريق المؤدي إلى المدية، كما يقصد السياح منطقة «الشرقية» أسفل جبال بلدية بوعرفة، حيث تُشكل مياه الشلالات مسابح طبيعية رائعة بالأودية.
بعدما أبرز أهم المواقع الغابية التي يقصدها السياح الجزائريين القادمين من كل الولايات، عرّج محافظ الغابات لولاية البليدة إلى استغلال الغابة في إقامة منتزهات وفضاءات للاستجمام والراحة في إطار تفعيل الاقتصاد الغابي (يتضمّن أيضا استغلال بعض النباتات في صناعة الزيوت الأساسية والطبيعية).
في هذا الإطار أوضح ذات المسؤول: نظرا لافتقار ولاية البليدة إلى مرافق ترفيهية برمجنا مشروعين مهمين لإنشاء غابات الاستجمام خلال السنة الحالية، حيث قمنا بوضع حجر الأساس للمشروع الأول بحي دريوش (بالقرب من القطب الحضري الجديد لبلدية بوعرفة) ضمن الاحتفالات بالذكرى الـ62 لعيد الاستقلال والشباب، لاستغلال مساحة أكثر من 13 هكتار من غابة «الدولة واد الكبير» جزء منها تابع لبلدية البليدة، وبمبلغ استثماري يفوق 39 مليار سنتيم.
كما تمّ وضع حجر الأساس أيضا لاستغلال مساحة قدر 27 هكتارا بمنقطة سيدي سالم (في بلدية بوعرفة التي تعتبر امتداد للحظيرة الوطنية الشريعة) من أجل إنشائها وتهيئتها لتكون متنفس للعائلات وفضاء ترفيهي لهم، وهي جزء من غابة الدولة بمنطقة «ماسكارو» بمبلغ استثماري يفوق 86 مليار سنتيم ومن شأن هذه الاستثمارات أن تُشجّع السياحة الجبلية وتفتح مناصب شغل جديدة».
وسيتمّ تجسيد هذين المشروع مع مراعاة القوانين والتشريعات التي تنصّ على استعمال مواد البناء تكون صديقة للبيئة ومتناغمة معها (الخرسانة ممنوعة) وذلك بموجب المرسوم التنفيذي 06-368 الذي يحدّد النظام القانوني لمنح الترخيص لاستغلال الغابات لإقامة مناطق للاستجمام، بالإضافة إلى قوانين أخرى مكملة.
وهران.. البحر يعانق المساحات الخضراء
وهران، تلك الجوهرة المتوسطية الساحرة، التي تظلّ متمسكة بمكانتها، كوجهة سياحية متكاملة، تلبي احتياجات ضيوفها على اختلاف أذواقهم وميولهم، فهي تجمع بين الطبيعة الخلابة والتراث الثري المادي واللامادي؛ ما يجعلها الخيار المثالي للباحثين عن تجربة سياحية فريدة بين الماضي والحاضر.
تنفرّد عاصمة الغرب، وهران، بتنوع طبيعي، انعكس على تنوّع الوجهات السياحية بموقعها الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط؛ ففي رحلة قصيرة يمكن للسائح أن يتنقل بين شواطئها الخلابة وتشكيلتها الرملية والسخرية الفريدة إلى الغابات الكثيفة والجبال الخلابة والمغارات الشيقة، بالإضافة إلى معالمها التاريخية الشامخة، التي لا تنفصل عن الجانب الطبيعي.
وتبرز من بين أهم الوجهات على خريطة السياحة البيئية، «الغطاء الغابي»، الذي يستقطب على مدار العام الملايين من الزوار والسياح، رغم صدور عدة قرارات ولائية بمنع الشواء والتخييم وركن السيارات، لحماية هذه الثروة الحيوية من مخاطر الحرائق والحد من إهدار الموارد الطبيعية، حسبما جاء على لسان سعد إلياس محمد خالد، مفتش الغابات، مكلف بالإعلام والإتصال بمحافظة الغابات لولاية وهران.
وأكد السيد سعد إلياس في تصريح لـ»الشعب»، أن وهران، تركز الجهود على حماية الغطاء النباتي وتنميته وازدهاره بالتعاون والتنسيق ومختلف الجهات المعنية، من خلال تكريس فكرة التنمية المستدامة، كركيزة أساسية لضمان احتياجات الأجيال الحالية، دون المساس بحق الأجيال القادمة من هذه الموارد.
ولمواجهة هذه التحديات وأخرى، يضيف المتحدث ذاته، سطرت محافظة الغابات، العديد من المبادرات والبرامج، الرامية إلى حماية الغابات وإدارتها بشكل مستدام، لعلّ أبرزها مشاريع إعادة التشجير والحفاظ على التنوع البيولوجي، مع الحرص على التطبيق الميداني لحملة الوقاية ومكافحة الحرائق من 1 ماي إلى 31 أكتوبر، من خلال تنصيب فرق متنقلة وثابتة وراجلة عبر كامل إقليم الغابات، تتكفل خاصة بالحراسة، والتدخل السريع والاحترافي، ناهيك عن تعزيز العمليات التحسيسية مع مختلف الأسلاك الأمنية والحماية المدنية، خاصة عبر المناطق الحساسة وأوقات الذروة، وفق تعبيره.
كما كشف محدثنا عن برنامج طموح لإعادة تنمية وتهيئة غابتي «كناستيل» و»عين الكرمة»، دون إعطاء تفاصيل كاملة عن المشروعين، منوّها في الوقت نفسه بأهمية مشروع تهيئة وإنجاز فضاءات الترفيه والمساحات الخضراء بجبل «مرجاجو»، الذي تمّ استلامه هذه الصائفة، ما أضفى على المكان بهاءً وزاده جمالا وعصرنة، من جهة، وعزز الشعور بالراحة والطمأنينة، من جهة أخرى، يضيف مفتش الغابات.
ووفقا للمصدر ذاته، يمتد الغطاء النباتي لوهران على مساحة قدرها 41 ألف و258 هكتار من الغابات والأدغال ومختلف التكوينات الأخرى، وهناك ميزة خاصة بالولاية، تتمثل في أن 85 بالمائة من هذه المساحة الهامة، عبارة عن غابات «ساحلية»، أبرزها عين الكرمة ومداغ والرأس الأبيض وكناستيل وبلقايد وكريشتل، وأخرى «داخلية»، مثل طافراوي وغابة الأسود، كما أنها تزخر بالعديد من الأصناف، والتي يطغى عليها «الصنوبر الحلبي» بنسبة 80 بالمائة، فيما يشغل صنف «الفلين» نسية 10 بالمائة و»الكاليتوس» 5 بالمائة، بالإضافة إلى 5 بالمائة من الأصناف الأخرى.
كما تتميز بـ»المغارات» الموجودة على مستوى غابة طافراوي، وكذا السياحة الجبلية ذات الطابع التاريخي، على غرار جبل المرجاجو، المعروف بمقام «مولاي عبد القادر»، الذي يعد موقعا سياحيا بامتياز، وبجوارها مسجد «رباط الطلبة»، الذي يحكي دور طلبة القرآن الكريم في تحرير وهران من الإحتلال الإسباني.
كما تنفرد هذه المدينة المتوسطية بواحدة من أفضل المحميات الطبيعية في العالم، إنها غابة «المسيلة»، المحاذية لشاطئ مداغ بدائرة بوتليليس، والتي تتربّع على مساحة تفوق 2000 هكتار، تسخر بتنوع نباتي وحيواني كبير، وغيرها من المكونات الطبيعية القيمة، التي تدعم التوازن البيئي وتحافظ على التراث الطبيعي، حتى أنها لقبت بـ»رئة وهران».
وتعتبر هذه المحمية الطبيعية، التي تمّ تصنيفها في عام 2015، موطنا لمجموعة كبيرة من النباتات، بما في ذلك الأشجار والشجيرات والأعشاب، التي يطغى عليها الفلين والصنوبر البحري، بالإضافة إلى ذلك، توفر المحمية موئلا لعدد كبير من الحيوانات البرية، أبرزها الخنزير البري والذئب، وكذا حيوان الزردي «المحمي».
سكيكدة.. المناطق الجبلية تستهوي السيّاح
بسبب موقعها بين البحر والجبال، تتمتع سكيكدة بثروة سياحية كبيرة، تتوفر على فرصًا ممتازة للسياحة الساحلية، بأطول ساحل بالجزائر، بينما في الجزء الغربي لها فصول حقيقية للمناظر الطبيعية الخلابة، الجبال والغطاء النباتي الكبير والمتنوع، المناظر الطبيعية للغابات في المناطق النائية وعلى شاطئ البحر، لاسيما وإن نسبة الغطاء الغابي يصل إلى 48 بالمائة من مساحة الولاية، وتحتضن جبل الغوفي، غابة بني توفوت، جبل سيدي ادريس، جبل حجر مفروش، جبل سطيحة، جبل الكوفي، جبل العالية وغابة ڤرباز، أعالي سطورة، منطقة أولاد عطية ومنارتي رأس الحديد ورأس بوقارون.
يرى، نبيل أرهاب، ناشط جمعوي، أن السياحة الجبلية بوصفها وجها من أوجه السياحة البيئية، تستقطب الزوار بشكل واسع، رغم غياب المرافق السياحة الجبلية، فقد شهدت هذه الأخيرة بمنطقة أولاد عطية، في الجهة الغربية من الولاية، انتشارا واسعا في السنوات الأخيرة، في ظلّ البحث عن فرص للراحة بعيدا عن أجواء البحر، ما جعل الكثير يلجأ إلى الجبال والمرتفعات والوديان كخيار مهم للترفيه واكتشاف الكثير من خبايا المنطقة، وهو ما يحدث في عديد المناطق، سواء بشكل فردي وعائلي أو في نطاق النشاط الجمعوي، أو من خلال تأسيس فرق خاصة بالسياحة الجبلية.
وعرفت العديد من مناطق بلديات دائرة أولاد عطية، وبلدية قنواع، يضيف نبيل أرهاب، على غرار تيزغبان وخناق مايون ووادي الزهور وثبة مهمة في مجال السياحة الجبلية، خاصة في ظلّ حركية بعض الشباب الخواص الذين يوفرون خدمات على إيقاع جلسات الشواء، وبناء على الخدمات المقدمة للأفراد والعائلات التي تفضلّ قضاء أمسيات هادئة على وقع النسيم العليل، ما جعل الكثير يشيد بهذه الجهود، رغم اعترافهم بضرورة تحسين الخدمات، وترقية الجانب الاستثماري لإعطاء صورة إيجابية عن المنطقة.
ويتحتّم علينا، يقول الناشط الجمعوي، وضع سياسة تنموية واضحة المعالم في هذا الجانب، ترتكز على إعادة تأهيل هذه المواقع باعتماد سياسة تشجير شاملة، وتشجيع المستثمرين على إنشاء هياكل استقبال وتوفير أحسن الخدمات للسواح، مع إنجاز فضاءات ترفيهية لفائدة الأطفال وتكثيف دوريات الأمن والمراقبة، بالإضافة إلى العمل على الترويج باستغلال كل ما يمكن استغلاله من الوسائط الرقمية والفيديوهات للتعريف والإشهار للمنطقة وإمكاناتها، وتخصيص أماكن لرمي القمامة، وقبل هذا وذاك ضرورة خلق وعي بيئي حقيقي يهدف إلى المحافظة على البيئة إضافة إلى محاربة ظاهرة الرمي العشوائي للقمامة.
ويعتبر ياسين رماش إعلامي واستاذ بالمعهد الوطني للتكوين المهني بفلفلة، أن السياحة الجبلية نوع من أنواع السياحة البديلة التي يبحث عنها السائح العصري بحثا عن الهدوء والراحة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، ومشاركة السكان المحليين في عاداتهم وتقاليدهم ويومياتهم، وبالحديث عن ولاية سكيكدة فالسياحة الجبلية أصبحت تنافس كثيرا السياحة الشاطئية، كون هذه الأخيرة تحوز على 48% مساحة غابية، هذه الغابات بها مسارات سياحية بانوراميه تستقطب الكثير من السواح لاكتشافها، على غرار الجهة الغربية للولاية التي مازالت منطقة غابية عذراء وتحوز أيضا على شواطئ محاذية للغابة وبها شلالات ووديان ومناطق للراحة والاستجمام.
ويضيف، ياسين رماش، كل هذه المعطيات جعلت من السياحة الجبلية تستهوي الكثير من السواح خاصة مع انتشار وسائط التواصل الاجتماعي والترويج لمختلف المناطق الجبلية عبرها، لكن يبقى نقص فادح في الخدمات اللوجيستيكية والتي لابد من اهتمام الدولة بها وتشييد مؤسسات سياحية صديقة للبيئة لاحتواء هذا الكم الهائل من الزائرين وكذا الحفاظ على عذرية الطبيعة، والتكثيف من الحملات التحسيسية تفاديا لإتلاف هذا الكنز البيئي الطبيعي من جراء تدخل البشر السلبي سواء عن طريق الحرائق أو قطع الأشجار والفتح العشوائي للمسالك الجبلية.
بسكرة.. حدائق ومساحات خضراء جديدة
تشهد مدينة بسكرة ثورة حقيقية في استحداث الحدائق والمساحات الخضراء، حيث افتتحت خلال الأسبوع الماضي حديقة 08 ماي 1945 ووضعت تحت تصرف مواطني المدينة، وتتربع هذه الجنة الخضراء الثالثة من نوعها على مساحة أربعة هكتارات، وبالمقابل يلاحظ أن هناك حدائق ومساحات قديمة يهدّدها الجفاف وقلة الصيانة والمتابعة.
جمعية موزاييك للثقافة والفنون والمحافظة على تراب ولاية بسكرة التي ثمّنت الانجازات المحققة في استحداث حدائق ومساحات خضراء، نبّهت في بيان لها بخطورة الوضعية المزرية التي توجد عليها الحدائق القديمة التي أصبحت تفتقر لعملية السقي والصيانة، الأمر الذي يهدّد بإتلاف الأشجار، والتي يعود بعضها إلى قرون من الزمن، وقد دعت الجمعية السلطات المعنية للتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الجمعية أشارت في بيانها إلى حديقة 05 جويلية وهي من أهم المساحات الخضراء التي يهدد الجفاف وقلة المتابعة غطائها النباتي، الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وكذا حديقة إبراهيم زيدان، التي استفادت مؤخرا من مشروع إعادة تهيئة لكن محافظة الغابات وهي الجهة المسؤولة على تسيير هذه الحديقة انسحبت من عملية المتابعة والسقي بحجة أنّ هذه الحديقة محل إعادة تهيئة وهي خارجة عن مسؤوليتها.
المساحة الأخرى والتي تشكّل الحزام الأخضر للمدخل الشمالي لعاصمة الولاية عند سفح جبل بومنقوش تم إنشاؤها منذ عقود وتتربع على مساحة 200 هكتار، منها 75 هكتارا من أشجار الزيتون و80 هكتارا من الأشجار المثمرة والتين الشوكي، ووضعت لها هياكل سقي بالتقطير، لكن وضعيتها حاليا جرداء خالية من أي نبات، وهي كارثة بكل المقاييس.
للإشارة، فإن وضعية الحزام الأخضر المذكور كانت محل سؤال كتابي تحوز «الشعب» نسخة منه، وجّهه النائب بالمجلس الشعبي الوطني عمر مسعودي لوزير الفلاحة والتنمية الريفية، ذكر في مستهله بأهمية مكافحة التصحر وحماية البيئة، خاصة ما يتعلق بالمحيطات التي أنفقت عليها الدولة أموالا باهظة، ويتعلق الأمر بشريط اخضر يتربع على مساحة 50 هكتارا من مجموع 200 هكتار تسقى بطريقة التقطير.
وحسب البيان، فإنّ الزيارة الميدانية للمكان المذكور بينت أضرارا كبيرة لحقت بالغطاء النباتي من مختلف أصناف الأشجار جراء الجفاف، وانعدام السقي وسرقة شبكة السقي بالتقطير لعدم وجود حراسة، وكذا غياب أعمال الصيانة والمتابعة في هذا المحيط.
وطالب صاحب السؤال الكتابي بتوضيحات وتفسيرات لما يعانيه هذا المحيط من إهمال متعدد الأوجه، خاصة وأنه يتوفر على خزان مائي بسعة 500 متر مكعب، و13 حوضا بسعة 100 متر مكعب للحوض الواحد، لكن لم يتم استغلالها وبقي معرضا للتلف.