تحيي الجزائر اليوم، اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، المصادف للرابع أوت من كل سنة، والذي أقرّه رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، عرفانا للدور المحوري للمؤسسة العسكرية في مسيرة بناء الوطن، والحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع عن السيادة الوطنية.
ملف: الشعب وآسيا قبلي وعلي مجالدي وسفيان حشيفة وعلي عويش
وكان الرئيس تبون قد أعلن خلال اجتماع عقده مطلع العام 2022 بمقر وزارة الدفاع الوطني عن قراره بترسيم الرابع من أوت يوما وطنيا للجيش الوطني الشعبي، منوّها في خطاب ألقاه بالمناسبة بجهود «الجيش الجزائري المسالم في الدفاع عن الجزائر بشراسة».
وفي العدد 39 للجريدة الرسمية الصادر شهر جوان من العام 2022، صدر المرسوم الرئاسي رقم 22-217 المؤرخ في 8 ذي القعدة عام 1443 الموافق 8 جوان سنة 2022، يتضمّن ترسيم هذا اليوم الوطني الذي يخلّد تاريخ تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي في 4 أوت 1962، مع إبراز مواصلة المؤسسة العسكرية القيام بدورها «بدون هوادة في مسيرة بناء الوطن والمحافظة على الوحدة الوطنية والاستقلال والدفاع عن السيادة الوطنية وكذا الحفاظ على وحدة التراب الوطني».
وقد تعزّزت المهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي في دستور نوفمبر 2020، الذي إلى جانب تكريسه للأدوار المنوطة بالجيش الوطني الشعبي، أكّد هذا التعديل الدستوري على أنّ الخيارات الاستراتيجية للجزائر لا رجعة فيها، وأن المبادئ العقائدية لسياستها الخارجية وتلك الخاصة بالدفاع الوطني ثابتة ولا تتغيّر، كما أبرز ضرورة تكيف الجيش الوطني الشعبي والبلاد مع المعطيات الجيوسياسية الجديدة التي تملي كخيار لا مناص منه، المشاركة في الأمن الجماعي للدفاع على المصالح الجيو-استراتيجية للجزائر.
للإشارة، ينفرد الجيش الوطني الشعبي عن بقية جيوش العالم بكونه لم يتأسّس بمرسوم، وهذا من بين العوامل التي تفسّر الدلالات العميقة للبعد الوطني، والامتداد الشعبي لسليل جيش التحرير الوطني الذي ولد من رحم معاناة شعب تكبّد الويلات، وقرّر تفجير واحدة من بين أعظم الثورات في القرن العشرين.
الجيش الوطني الشّعبي.. ريادة وكفاءة
ولد من رحم الشعب، وفجّر أعظم ثورات القرن العشرين، وعلى عكس بقية جيوش العالم كان الجيش الشعبي الوطني، سليل جيش التحرير الوطني سباقا لقيام الدولة الجزائرية المستقلة، لتتأسّس علاقة خاصة بينه وبين أمته، وتوطّدت أكثر بوقفاته إلى جانب الشعب الجزائري في عديد المحطات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بموجب الدساتير المتعاقبة، ومساهمته في الاقتصاد الوطني، وفي الإنقاذ وقت الكوارث، وفك العزلة عن المنكوبين، كل ذلك إلى جانب مهمته الأساسية في الدفاع عن الوطن وصون استقلاله.
يحتفي الجيش الوطني الشعبي يوم الرابع أوت بالذكرى الثالثة لـ«اليوم الوطني للجيش الشعبي الوطني»، الذي أقرّه رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عام 2022، عرفانا بالدور المحوري للمؤسسة العسكرية في مسيرة بناء الوطن، والحفاظ على الوحدة والدفاع عن السيادة الوطنية. تأتي الذكرى وهو يقوم على أكمل وجه بمهامه الدستورية التي نصت عليها كل دساتير الجزائر من أول دستور 1963 إلى دستور 2020، من خلال مزاولة مهامه الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وقبلها وظيفته الاولى في حماية الأمن القومي ووحدة وسلامة التراب الوطني، والحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنيين، بعيدا عن الحياة السياسة.
جيش – أمّة.. رابطة تتعزّز
حافظ الجيش الوطني الشعبي على مكسب الاستقلال على مدار ستة عقود، وكان بقدر المسؤولية الملقاة عليه عند كل مناسبة، وأبرزها ثلاث محطات كبرى، الأولى كانت ضد العدوان المغربي، بعد 15 شهرا فقط من الاستقلال، ليقدّم قوافل من الشهداء أضيفت لأكثر من خمسة ملايين شهيد.
وتتعلق المرحلة الثانية بمكافحة الإرهاب، حيث استطاع الجيش الوطني الشعبي القضاء على ظاهرة الإرهاب داخليا، وحور أساليب خاصة به وضع من خلالها حدّا لظاهرة عابرة للحدود، حيث حافظ على الدولة الجمهورية ومؤسساتها بعد أن كانت مهدّدة بالانهيار بفضل صمود أفراد القوات المسلحة، وتحليهم بروح الانضباط العالية والسلوك العسكري القويم والانسجام ووحدة الصف، وحرصهم الكبير على سلامة ووحدة التراب الوطني، وتحقيق الأمن والاستقرار في كل ربوعه، وهي القيم التي راهن الأعداء على تفكيكها من خلال الإشاعات والدعايات المغرضة والتصريحات التي كان يدلي بها بعض الأشخاص الذين باعوا ذممهم، ووضعوا أنفسهم في خدمة أعداء الجزائر، وروّجت لها بعض وسائل الإعلام الموجّهة والمأجورة، لكن الجيش الوطني الشعبي تصدى لها بكل ثبات وإرادة صلبة.
وبفضل تلك التجارب الفريدة أصبحت خبرة الجيش الوطني الشعبي في مكافحة الإرهاب مطلب القوى الكبرى في العالم، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.
كما أدّى الجيش الوطني الشعبي دورا مفصليا في مكافحة المخدرات باعتبارها تهديدا للأمن الوطني الجزائري، والتي أدرجت منذ العام 2011، في إطار مهامه ضمن مهمة مكافحة الإرهاب، وقد أكدت الإحصائيات المتزايدة بشكل مضطرد جاهزية الجيش في التصدي للظاهرة التي غزت الجزائر من حدودها الغربية، واحباط حرب المخدرات التي شنها المخزن على الجزائر.
وأما المحطة الثالثة فكانت في مرافقة الحراك المبارك، حيث التزم الجيش بمهامه في حماية الدولة بكل مكوناتها، وعلى رأسها الشعب الذي نزل إلى الشوارع رفضا للتدجين وطلبا للتغيير، فكانت تلك المرافقة تجسيدا حقيقيا لرابطة جيش – شعب، وتأكيدا على لحمة الجيش بالشعب، وأن أفراده هم من أبناء الشعب.
وتصدّى الجيش الوطني بحنكته التي اكتسبها على مدار عقود، لمحاولات تفكيك الرابطة القوية بينه وبين شعبه، وأحبطت المحاولات البائسة في تشكيك الشعب بجيشه، ومنذ ذلك الوقت، أصبح تاريخ 22 فيفري مناسبة وطنية تحتفي بالعلاقة المميزة، حيث وفي شهر فيفري 2021، وقّع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على مرسوم جعل 22 فيفري «اليوم الوطني للأخوّة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية».
الصّناعة العسكرية رافد في الاقتصاد الوطني
ففي إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي لرئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، السيد عبد المجيد تبون، واصلت الجزائر سياسة تطوير وعصرنة الجيش، من خلال تطوير الصناعة العسكرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي تمهيدا للتوجه نحو التصدير، وهذا من شأنه تقليص فاتورة الاستيراد، وتشغيل قدر كبير من اليد العاملة، وبالتالي المساهمة في النسيج الصناعي والاقتصادي للبلاد وتوليد الثروة، فإلى جانب صناعة بعض أنواع السلاح محليا، تصنّع المؤسسة العسكرية منتجات موجهة للاستغلال المدني على غرار الشاحنات وحافلات النقل الحضري الموجهة للمؤسسات العمومية والخاصة وكذا للأشخاص الطبيعيين، وصناعة البيوت الجاهزة، والمعدات الطبية والمستشفى المتنقل، والتي تم عرضها خلال معرض الجزائر الدولي في طبعته 55 شهر جوان الماضي، كل ذلك يتم في إطار محلي تام أو بالشراكة مع الشركاء الأجانب، ما يسمح بتشغيل قدر كبير من اليد العاملة المحلية.
في خدمة المهام الإنسانية
ومن الصناعة ودعم الاقتصاد الوطني إلى الدور المنوط به في المهام الإنسانية، ومنها التدخل السريع أثناء الكوارث الطبيعية على غرار تدخله في زلزال الشلف، عين تموشنت وبومرداس، وفيضانات باب الوادي وغرداية، وفك العزلة عن السكان في المناطق الجبلية جراء تساقط الثلوج كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، أو تقديم الخدمات الطبية والصحية في المناطق النائية والحدودية، والمرافقة الدائمة اثناء جائحة فيروس كورونا، حيث وضع الجيش الشعبي كل مقدراته العسكرية وموارده البشرية للتخفيف من حدة الضرر، وتقديم الخدمات الطبية لرعاية المصابين.
محطة أخرى قدّم فيها أفراد الجيش الوطني من أبناء الشعب الجزائري أنفسهم فداء لإخوانهم في الحرائق المدبرة التي شهدتها ولايتي تيزي وزو وبجاية خلال صائفة 2022، وارتقى خلالها 27 جندياً أثناء تأدية واجبهم الوطني.
وفي إطار تنمية المناطق الحدودية، كإحدى المهام الإنسانية، كانت المهمة الأولى التي اضطلع بها الجيش الشعبي الوطني نزع الالغام المضادة للأفراد على طول الحدود الشرقية والغربية فيما عرف بخطي «شال وموريس»، وهو التحدي الذي نجح فيه وأعلن الانتهاء منه بتاريخ 31 ديسمبر 2016. دون أن نغفل مجهودات أفراد الجيش الوطني الشعبي في مكافحة ظاهرة التصحر، من خلال بناء السد الاخضر، الذي أطلق سنة 1970م وأعيد بعثه عام 2023، بإشراف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، لدى زيارته إلى ولاية الجلفة، يوم 29 أكتوبر 2023، وأعطى إشارة إطلاق مشروع بعث السد الأخضر الذي يحمل أبعادا بيئية واقتصادية جديدة لخلق الثروة في مناطق شاسعة من الوطن.
ورافق هذه المهمة بناء القرى الفلاحية، وبناء المدارس وشق الطرقات، بناء القرى النموذجية ومختلف مرافقها الحيوية، وتشييد السدود وإصلاح القديم منها، شقّ الطرق، حفر الآبار ومدّ الأنابيب، وربط أعمدة الكهرباء وأسلاك الهاتف، إلى جانب شق طريق الوحدة الأفريقية بين الجزائر ونيجيريا، الذي أريد له أن يكون شريان الحياة العابر للصحراء
عصرنة واحترافية
بلوغ الجيش الوطني الشعبي هذا المستوى من الأداء على جميع الأصعدة العسكرية والاقتصادية والانسانية، جاء نتاج عمل متواصل من أجل عصرنته وتحقيق الاحترافية، بداية من مكننة وحداته التي بدأت العام 1971، أي بعد أقل من عشر سنوات من الاستقلال، بالتوازي مع تكوين المورد البشري الكفء، وإعادة تشكيل وهيكلة الجيش من خلال إنشاء أركان الجيش الوطني الشعبي في 28 / 11 / 1984 وقيادة القوات البرية في 03 / 05 / 1986، ثم القوات البحرية والقوات الجوية والمفتشية العامة للجيش ومندوبية الدفاع الشعبي، 27/10/1986، واكتمل بناء الجيش الوطني الشعبي بهياكله وفروعه مع إنشاء قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم في 05 ديسمبر 1988.
هذا عن هياكل وفروع الجيش، وأما التكوين فاشتملت المؤسسة العسكرية على عديد المدارس والمعاهد التي سهرت على تكوين عنصر بشري فعال وكفء قادر على مواجهة التحديات والتكيف مع المستجدات، وبلغ عددها 30 هيكلا بين مدارس عليا ومدارس تطبيقية، ومراكز تدريب، ومدارس أشبال الأمة التي تستقبل الحائزين على شهادة التعليم المتوسط، التي تمكّن المؤسسة العسكرية من اختيار العنصر البشري الفعال في سن مبكرة للاستفادة من تميزه لخدمة البلاد.
وتضمن هياكل التكوين المذكورة، والموزعة على مختلف النواحي العسكرية، إلى ضمان تكوين عسكري في مختلف التخصصات وتكوين جامعي وفق نظام «أل أم دي»، لتخريج ضباط على قدر عال من الكفاءة والجاهزية والرصيد المعرفي في عالم يتجه نحو التحكم في المعلومة والتكنولوجيا ويتطلب مردا بشريا ذا كفاءة عالية، وتجلى ذلك في تخريج الكثير من الدفعات التي تولت مناصب قيادية عسكرية عليا، قادت الجيش طيلة الستين سنة الماضية ليحافظ على استقلال البلاد وسلامته ووحدة ترابه.
ولم يقتصر توظيف المورد البشري الذي تلقى تكوينا عسكريا وأكاديميا على المؤسسة العسكرية، إذ وبموجب المرسوم الرئاسي رقم 24-218 المؤرخ في 27 جوان 2024، الصادر في الجريدة الرسمية رقم 46 لسنة 2024، المحدد لشروط انتداب المستخدمين العسكريين لدى الادارات المدنية العمومية، أصبح بإمكان الإدارات العمومية المدنية توجيه طلب إلى وزير الدفاع من أجل انتداب عسكريين عاملين أو متعاقدين لشغل منصب عمل على مستواها، وهذا إقرار آخر بكفاءة أفراد الجيش والصرامة في الإدارة بفضل التكوين النوعي الجاد.
ولا يمكن التمسك اليوم بإبعاد الجيش عن الحياة المدنية، في عصر أصبحت فيه التهديدات عابرة للحدود وللأزمنة، ولم يعد المدني آمنا حيالها، ولا العتاد العسكري وحده قادرا على حماية أمنه، وصارت التهديدات غير التماثلية السمة الطاغية عليها، وترتّبت على ذلك مهام جديدة لأفراد الجيش الشعبي الوطني، ومنها حماية مؤسسات الدولة سيما ذات الطابع الاستراتيجي، باعتبارها إحدى ميادين الأمن الوطني الواجب حمايتها.
إنّ التطور الذي وصل إليه الجيش الوطني الشعبي بفضل مسار العصرنة، جعله يحتل مكانة متقدمة بين أقوى جيوش العالم، إذ صنف موقع «غلوبل فاير» الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، الجيش الجزائري ضمن المراتب الأولى والمتقدمة ومن بين أقوى جيوش العالم .
إشادة وعرفان
وتثمينا لمجهودات الجيش الوطني الشعبي في كل المناحي، أشاد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة بزيارة إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، يوم 8 ماي 2024 بالمجهودات التي تقوم بها مختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي»، وأكّد أنّ «السّيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي مهاب واقتصاد متطور، وأن التطور الذي تشهده الجزائر أمر ملموس لا ينكره إلا جاحد، وأن وتيرة النمو وباستكمال المشاريع الكبرى ستعرف في آفاق 2027 إنجازات كبيرة على مختلف الأصعدة».
كما ثمّن المجهودات التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي، لاسيما ما تعلق بالبحث عن وسائل علمية جديدة تعطي للجزائر مناعة أكبر.
وذكر رئيس الجمهورية أنه سبق له أن أكّد على أهمية البحث العلمي خلال تدشينه المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، معتبرا أن «ما يقوم به الجيش الوطني الشعبي في كل الجوانب، وتحديدا في مجال البحث العلمي، بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مكّن الجزائر من أن تخطو خطوات عملاقة بهذا الخصوص».
ويتّضح اهتمام رئيس الجمهورية بأداء الجيش من خلال تأكيده في مناسبات عديدة عزم الجزائر على مواصلة مشوار تطوير وعصرنة أداتها الدفاعية من كافة النواحي، وذلك خدمة للدفاع الوطني. والميزانية الكبيرة التي تخصّص للدفاع التي تحتل المرتبة الأولى بين ميزانيات كل الوزارات.
وينبع اهتمام السلطات العليا في البلاد بتطوير وعصرنة الجيش الوطني الشعبي، من قناعة أن الأمن مصدر الرخاء والازدهار، ودافع لتحقيق النمو والتنمية، ومنه بناء اقتصاد قوي، وهذه الثنائية تعمل في شكل اعتماد متبادل، حيث أنّ الجيش القوي يحتاج إلى اقتصاد قوي لتزويده بالعدة والعتاد، ويحتاج الاقتصاد إلى قوة عسكرية تحميه وتوفر له شروط التقدم والانتعاش، لتشكّل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية عجلتين تسيران بالبلاد نحو المكانة التي تستحقها بين الأمم، والتي تليق بماضيها المشرق ومستقبلها المأمول، وركيزتين للحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنيين، لأنّه لا تطور ولا ازدهار في غياب الأمن.
باحثون وخبراء: الجيش الوطني الشّعبي.. درعُ الوطن وفخر الأمّة
إنّ العقيدة الراسخة لجيشنا العظيم الجيش الوطني الشعبي تقوم على الولاء والانتماء للأمة الجزائرية، والدفاع عن المصلحة العليا للدولة بلا هوادة؛ فهو درع الوطن وسيف بتّار مسلّط على رقبة كل متآمر خائن، ومعتد آثم على أرض المليون ونصف المليون شهيد.
أجمع باحثون ومختصون في الشؤون السياسية والأمنية، على أن الجيش الوطني الشعبي أصبح له شأنٌ عظيمٌ على المستويَيْن الإقليمي والدولي، وصار أعداء الوطن يهابونه ويعدّون له ألف حساب قبل أي محاولة للمساس بأمن البلاد واستقرارها، وأضحت مختلف أجهزته وتشكيلاته متكيفة مع المتغيرات الإجرامية الراهنة، وقادرة على مواجهة وصد الحروب السيبرانية والدعائية المَعنوية المُغرضة.
قال الباحث في علم الاجتماع السياسي، البروفيسور عبد السلام فيلالي، إن الجيش الوطني الشعبي ومعه الجزائريين يحتفلون باليوم الوطني للجيش الموافق لـ 04 أوت من كل سنة، كعنوان للاستمرارية على نهج ومآثر جيش التحرير الوطني.
وأوضح فيلالي في تصريح لـ «الشعب»، أنّ المناسبة تمثّل تأكيدا على دور الجيش الوطني الشعبي المحوري في الدفاع عن أمن واستقرار الجزائر ووحدتها الترابية، باعتبارهما يظلان مهمان في كل الأوقات ومهما تغيرت الوقائع على المستويين الخارجي والداخلي، بمضامين عقيدة جيشنا المستلهمة من قيم ثورة أول نوفمبر الخالدة في التاريخ والوفاء لتضحيات الشهداء الأبرار.
علاوة على ذلك، تتسق المجهودات مع العهد الذي قطعه المؤسسون بأن يكون الاستقلال أرضية يقوم عليها، ويُفعَّل المشروع التنموي في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الجزائر، الذي هدفه أن تصبح بلادنا ضمن قائمة الدول الناشئة، وبالتالي يبرز دور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي باعتباره العمود الفقري للدولة وتبعا لمهامه الدستورية، حاسما في النقلة التي تعيشها الجزائر منذ 22 فيفري 2019م بالتلاحم بين الشعب والجيش، مثلما أضاف المتحدث.
وتبعاً لهذه الخلفيات، أفاد فيلالي أنه يُلاحظ جيدا ظهور تحديات مستجدة في هذه المرحلة فيما يخص الأمن والاستقرار مع ما تشهده المنطقة من تغيّرات وتحولات يمكن وصفها بالخطيرة، في ظل الصراع المحتدم بين القوى الدولية الكبرى المتسم بثلاثة أبعاد؛ أولها ما يتعلق بمظاهر عدم استقرار دول الساحل والجوار، وبروز تهديدات ناتجة عن أزمات سابقة وتجلياتها الحالية التي يجب الانتباه بإمعان لانعكاسها على أمننا القومي مثل تنامي الهجرة والنزوح والإرهاب والأمراض والأوبئة والمخدرات وتجارة السلاح وغيرها.
أما ثانيا فيتجلى في تعديل إستراتيجية الدفاع وفق عقيدتنا الأمنية فيما يخص الوسائل والأدوات المستعملة المرتبطة بالتطور التكنولوجي الهائل التي غيرت جذريا من مفهوم الأمن واتصاله بالتهديدات السيبرانية ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث حصل ويحصل هذا من خلال تزويد مختلف مصالح الجيش الوطني الشعبي بإمكانيات تحصين وتدعيم وسائل الحماية والوقاية السيبرانية، وأصبح بذلك يستطيع مواجهة كل التهديدات والتصدي لكافة محاولات الاختراق.
وفي البُعد الثالث تحدّث الباحث السياسي على ضرورة إحداث تغيير جذري فيما يتعلق بـ «العقل الجمعي الجزائري»، الذي ينبغي أن يُساير التغيرات الحاصلة دوليا ومحليا تبعا لمشروع النهوض الاقتصادي، على أن يعني التغيير جميع بنى وفئات المجتمع الجزائري بترسيخ قيم الصرامة والتفاني في العمل للمساهمة في المجهود التنموي الوطني، ووفقا لهذه الخلفيات والسياقات تبرز أهمية وحيوية دور الجيش الوطني الشعبي في الاستشعار والتخطيط الاستراتيجي، وإنجاز الأهداف العامة للدولة.
من جهته، أفاد رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، شابو فوزي، أنّ الجزائر تحتفي في الرابع من شهر أوت باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، الذي أقره رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عرفانا بالدور المحوري الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في مسيرة البناء والحفاظ على الوحدة الترابية للوطن والدفاع عن سيادته، إذ جعل من هذا اليوم مباركا كونه يصادف ذكرى تحوير تسمية «جيش التحرير الوطني» إلى» الجيش الوطني الشعبي».
وأبرز شابو فوزي في تصريح أدلى به لـ «الشعب»، أنّ رئيس الجمهورية خلّد هذا التاريخ اعترافا بمدى التزام المؤسسة العسكرية قيادة وأفرادا بصيانة وديعة الشهداء والمجاهدين البواسل، وإقرارا بأهليتهم لمواصلة الوفاء لتضحياتهم الجسام من أجل أن تحيا الجزائر وشعبها الأبي حرة مستقلة على نهج سلفها باعتبارها سليلة جيش التحرير الوطني .
وتابع شابو بأنّ الرابطة التي تجمع بين الجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري أضحت وجدانية ومتينة جدا بينهما، نابعة من اعتراف الأمة بتضحيات وإنجازات السليل الذي وُلد من رحم الشعب وثورته التحريرية المظفّرة، ثم مساهمته بعد الاستقلال في بناء وتشييد الجمهورية، مرورا بالتضحيات الجسام لإخواننا الشهداء والضحايا من أفراد السليل ومختلف أسلاك الأمن، الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على استمرارية الدولة ومؤسساتها الجمهورية ضد الإرهاب الدموي.
وقد سعت قيادة الجيش الوطني الشعبي إلى رفع مستوى تأهيل أفرادها موازاة مع عملها الدؤوب على عصرنة وتطوير مختلف تشكيلاتها ومكوناتها، وترقية مهنيتها واحترافيتها وفق رؤية إستراتيجية واستشرافية محكمة، إضافة إلى نوعية العدة والعتاد والأسلحة، والجاهزية القصوى المجسدة ميدانيا من خلال مختلف المناورات والتمارين البيانية بالأسلحة والذخيرة الحية، تحت إشراف رئيس الجمهورية والحضور والمواكبة الدائمة والنوعية للفريق أول رئيس الأركان، ناهيك عن التصديات المتواصلة الناجحة في مجال الحروب السيبرانية، وكذا نتائج محاربة الجريمة المنظمة والإرهاب المترائية يوميا، بحسب قوله.
فضلاً عن ذلك، إسهامه في دفع عجلة الاقتصاد الوطني بتطوير الصناعية العسكرية المحلية، والتركيز على توطين ونقل التكنولوجيات المتطورة، وتنويع مجالات النشاطات الموجه أساسا للسوق المحلية، بما يعزز دور القاعدة الصناعية للسليل، وهو ما يجعل من المؤسسة العسكرية الجزائرية العتيدة ركنا أساسيا في «المشروع النهضوي الشامل للجزائر الجديدة».
جاهزية السليل القصوى، مثلما أضاف شابو، انعكست إيجابيا على معنويات الشعب الجزائري وطمأنينته، إذ تأتي في سياق جيوسياسي دولي وإقليمي متوتّر ومتغيّر، وفي ضوء العودة القوية لدبلوماسية الجزائر على المستوى العالمي، بفضل النشاط الدؤوب والنوعي المتوّج بانتخابها كعضو غير دائم بمجلس الأمن الأممي، الذي أظهرت في معتركه حفاظا على قيمها وثوابتها الوطنية الراسخة المستمدة من ثورتها المجيدة، ورافعت بصوت عال على حق الشعوب في تقرير مصيرها على غرار الشعبين الفلسطيني والصحراوي في إطار احترام الشرعية الدولية.
ومن جانبه، أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور عكنوش نور الصباح، أنّ المؤسسة العسكرية الجزائرية قائمة في وعي ووجدان الجزائريين، وهي أمّ المؤسسات التي ينطوي مسارها التأسيسي على أبعاد نضالية وأخلاقية ذات تأصيل تاريخي لجيش لم ينتج بقرار أو مرسوم أو نتيجة لانقلاب، بل يمثل نموذجا فريدا من نوعه على صعيد الهوية والبنية والرؤية لا مثيل له في العالم، ممّا يجعله يتبوّأ مكانة خاصة ضمن منظومة القيم التي تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع في الجزائر.
وقال عكنوش نور الصباح في اتصال مع «الشعب»، إنّ الجيش الجزائري ينفرد بطابعه الشعبي، ورمزيته الثورية، وعقيدته الوطنية، وإطاره الدستوري من جهة ومنطلقه الجمهوري من جهة أخرى، ويستمد قوته من مبادئ الحركة الوطنية وتراكم النخب والإرادات والأفكار، وهو ما أعطى له استقرار نسقي ووجودي أثر إيجابيا على بقاء الأمة ككتلة صلبة وموحدة رغم التحديات التي كادت تعصف بها على صعيد الإرهاب مثالا لا حصرا.
كما اعتبر عكنوش، الجيش الوطني الشعبي الوحيد في العالم الذي انتصر على الإرهاب عملياتيا وإيديولوجيا واستراتيجيا في مقاربة صارت مرجعية تأوي لها القوى الكبرى كركن شديد وقت الحروب والأزمات والنزاعات.
وعلى هذا الأساس، حازت المؤسسة العسكرية الجزائرية احترام وثقة المجتمع الدولي، وتجلى ذلك من خلال تصنيفها كقوة عسكرية محترفة ومتميزة بين جيوش العالم، ومن حيث تطبيقها معايير هندسة السلم والأمن الدوليين وفق أسس السيادة والاستقلالية والقانون الدولي التي تحرص مؤسسة الجيش على العمل في إطارها حماية للوحدة الوطنية، وصيانة للبلاد من التدخلات الأجنبية التي أصبحت حقيقة جيوسياسية في الإقليم والمنطقة الحبلى بجيل جديد من الحروب قائمة على الكلمة والصورة والفكرة، وتحسب على ثوان معدودات، مما يستدعي اليقظة والجاهزية والذكاء وفق منهجية محددة على مستوى الآليات والقرارات، وفقا لما ذكر محدثنا.
الجيش الوطني الشعبي يتمتّع بكفاءة عملياتية عالية في شتى التخصصات الأمنية، وأجهزته وتشكيلاته تتكيف سريعا مع المتغيرات الإجرامية والتكنولوجية والنيوكولونيالية، ويتميز بمستوى علمي وعملي عال يجعله مهيئا للمرحلة الجديدة من المهام والمسؤوليات الكبرى التي تحيط بالسليل في مساره الحافل بالنجاحات والانتصارات والالتزامات حفاظا على أمانة الشهداء، يختم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور عكنوش نور الصباح.
شراكة إستراتيجية.. الجيش-الشّعب ضمانة للأمن والاستقرار
يحتفل الشّعب الجزائري في الرابع من أوت من كل عام باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، وهو مناسبة على درجة كبيرة من الأهمية، إذ يجسّد هذا اليوم تاريخا حافلا بالنضال والتضحيات، ويؤكد على الدور المحوري الذي يلعبه الجيش في حماية الوطن وحفظ أمنه واستقراره.
أقرّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، عرفانا الأدوار الريادية للمؤسسة العسكرية في حماية الوطن، والاضطلاع بمهامها الدستورية النبيلة لضمان الأمن الشامل وفق رؤية متبصرة، وتكريسا لتلاحمها الأبدي مع الشعب الجزائري.
وفي خطابه الأخير في ماي الماضي، من مقر وزارة الدفاع الوطني، شدد تبون على أن السيادة الوطنية لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال الاعتماد على جيش قوي وعصري. وقد أُلقي الخطاب أمام قادة الجيش والنواحي وكبار الضباط، في جو مهيب يعكس التوافق الكامل للمؤسسة العسكرية والجدية في أداء مهامها الدستورية المتعلقة أساسًا بحماية الوطن من أي تهديدات وفي أي ظروف كانت.
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، والتي شكلت عهدة رئيس الجمهورية، عمل تبون بجد على تعزيز المؤسسة العسكرية لتكون على مستوى التحديات الكبرى التي تواجهها الجزائر على جميع الأصعدة. كما بذل جهوده للتصدي للحملة الكبيرة التي استهدفت المؤسسة العسكرية بعد الحراك الشعبي في عام 2019، والتي كانت تهدف إلى إضعافها، حيث تُعد المؤسسة العسكرية تاريخياً العمود الفقري للدولة الجزائرية.في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الرئيس تبون أخذ على عاتقه مهمة توفير الحماية السياسية لمؤسسة الجيش. وأشار إلى أنّ هذه الحماية تتجسّد عبر الخطاب الرسمي، حيث يصف رئيس الجمهورية الجيش بأنه «جيش الأمة والأمة يحميها جيشها». وأضاف أن الرئيس تبون يعزز هذا الالتزام من خلال إقرار احتفالات وطنية لتكريم الجيش، وفرض عقوبات صارمة على أي شخص أو جهة تحاول المساس بمؤسسة الجيش، التي تُعد رمزًا وضامنًا لأمن الجزائر والجزائريّين.
ويضيف الدكتور منصوري، أنّ جميع الدول في المنطقة سقطت في حالة من الفوضى بعد انهيار جيوشها. وأشار إلى أنّه يرفض مقارنة الجيش الوطني الجزائري بأي جيش آخر في المنطقة لعدة اعتبارات تاريخية، سياسية وجغرافية، حيث أن الجيش الوطني تأسس بالدماء والنضال ويتكون من أبناء الشعب. وأكّد أنّ رئيس الجمهورية عمل على توفير الحماية والإمكانيات اللازمة ليكون الجيش عصريًا وقويًا، وهو بالفعل الأقوى على المستوى الأفريقي.
علاوة على لك، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد الغاني لكحل، في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الاحتفال باليوم الوطني للجيش يهدف إلى إبراز الدور البطولي الذي يقوم به الجيش الوطني الشعبي في حفظ أمن الوطن وحماية سيادته. كما يُعتبر هذا اليوم مناسبة لتوجيه التحية والتقدير لكل من ضحّى بحياته من أجل الجزائر. وفي هذا السياق، يأتي اهتمام رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بالجيش الوطني الشعبي، حيث يحرص في خطاباته على التأكيد على أهمية الجيش كصمام أمان للبلاد، ودوره المحوري في بناء الجزائر الحديثة.
ويضيف الدكتور عبد الغاني، أنّ خطابات الرئيس أكدت على ثلاثة أشياء رئيسية، أولا الشراكة الاستراتيجية بين الجيش والشعب، حيث يشدد الرئيس تبون دائما على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الجيش والشعب، مؤكّدا أنّ الجيش هو ابن الشعب وفي خدمته، وأنّ الوحدة الوطنية هي السبيل لتحقيق التنمية والتقدم.
كذلك، تحديث وتطوير الجيش، فالرئيس أولى اهتماما كبيرا بتحديث وتطوير الجيش الوطني الشعبي، وذلك من خلال تزويده بأحدث الأسلحة والتجهيزات، وتدريب العناصر على أحدث الأساليب القتالية، مما يساهم في رفع قدرات الجيش وتعزيز جاهزيته.
والنقطة الثالثة المهمة هي «دور الجيش في خدمة المجتمع»، حيث يؤكد الرئيس أن الجيش ليس مجرد قوة عسكرية، بل هو مؤسسة وطنية تساهم في خدمة المجتمع، من خلال المشاركة في أعمال الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية، وهذا ما عشناه خلال الحرائق خاصة، وذلك المساهمة في التنمية المحلية عبر مختلف المستويات.
والاحتفال باليوم الوطني للجيش هو مناسبة لتجديد العهد والولاء للوطن، وتأكيد على أهمية الجيش كصمام أمان للجزائر. وفي ظل التحديات التي تواجهها المنطقة والعالم، فإنّ الجيش الوطني الشعبي يظل الحصن المنيع الذي يحمي الجزائر، ويضمن استقرارها وازدهارها.
جيشٌ نبيل وتاريخٌ أصيل
تحيي الجزائر، اليوم الأحد، اليوم الوطني للجيش المصادف للرابع أوت من كل عام، ويأتي الاحتفال باليوم الوطني للجيش للمرة الثانية على التوالي في ظل ما يحققه سليل جيش التحرير الوطني من إنجازات وأرقام تقف شاهدةً على احترافيته ومقدرته على التصدي للمتربّصين بأمن الوطن وسكينته.شكّل الجيش الوطني الجزائري مثالاً للعديد من دول العالم، تضبط عليه بوصلتها إذا ما أحسّت بالتيه واختلطت عليها المسالك، متأسيةً في ذلك بما كان عليه جيش التحرير الوطني إبان سنوات الثورة التحريرية، والذي شكّل هو الآخر طوقَ نجاة للعديد من حركات التحرّر ولزعمائها التاريخيين من أمثال تشي غيفارا، كاسترو ومانديلا.
إقرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ليوم وطني للجيش، هو من قَبيل الاعتراف بجهود رجال ضحوا في سبيل صون أمانة الشهداء والمجاهدين وإعلاء كلمة الوطن، وعرفانٌ بتضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أبناء الوطن المخلصين.
اليوم الوطني للجيش الذي أقرّه رئيس الجمهورية في ذكرى تحوير جيش التحرير الوطني الى الجيش الوطني الشعبي سنة 1962، يُعدُّ مناسبةً يستذكر فيها ومن خلالها الشعب الجزائري مآثر جيش التحرير وسليله، وفرصةً لتجديد العهد مع المؤسسة العسكرية والوقوف معها في بناء الوطن والدفاع عن سيادته ووحدته.
مسيرة طويلة قطعها الجيش الوطني الشعبي منذ الاستقلال، حملت في طيّاتها كل معالم الشرف، الوفاء، الكبرياء والشجاعة الممزوجة بالتجارب الرائدة التي جعلت منه جيشاً ذو خبرة وعقيدة قتالية قلّ نظيرها في العالم.
تقف الشواهد كثيرة على عظمة الجيش الوطني الشعبي، سواء داخل الوطن أو خارجه، فوقائع الحروب العربية المتعاقبة مع الكيان الصهيوني تُسَجِّل بأحرف من ذهب المواقف المشرّفة لأفراد الجيش الوطني الشعبي، الذين دافعوا باستماتة من أجل نُصرة أم القضايا العربية والاسلامية، وهو ذات الموقف المُسجّل خلال حرب الرمال سنة 1963، أين دافع أفراد الوطني الشعبي عن مناطق عين البيضاء وتينجوب ومركالة بتندوف وجراحهم لم تندمل بَعدُ من معاركهم مع المحتل الفرنسي، وصولاً الى سنوات العشرية السوداء التي قدّمت فيها المؤسسة العسكرية ومختلف مؤسساتها الأمنية ومستخدميها الشبهيين جحافل من الشهداء فداءً للوطن، فكان الثمن غالياً بقدر غلاء سلامة وأمن الوطن.
ولا تزال المؤسسة العسكرية الجزائرية الى اليوم، حاضرةً في المشهد الوطني، متصدّرةً كل أحداثه بتفاصيلها الدقيقة، حيث يُشارك أفرادها بعزم وثقة، وبوطنية منقطعة النظير في إخماد حرائق الغابات صيفاً وفتح الطرق والممرات الجبلية شتاءً.
إلى جانب ذلك، يبرز الجيش الوطني الشعبي كحامٍ لحدودنا الجنوبية المترامية الأطراف ضد الجماعات التخريبية التي تتحيّن الفرصة تلو الأخرى من أجل العبث بأمن وسلامة الوطن، وقد اكتسب جيشنا من الخبرة الطويلة والتكنولوجيات المتطورة ما مكّنه من مجابهة مخاطر جمّة وأحداث مصيرية وتحدّيات كبرى بشهادة قوى عالمية عظمى، وما أحداث تيقنتورين عنا ببعيد.
ولايات أقصى الجنوب شاهدةً هي الأخرى على بسالة المؤسسة العسكرية وإنسانيتها، حيث تشرع بين الفَينة والأخرى في إنشاء مستشفيات ميدانية في وادٍ غير ذي زرع، تُقدّم الرعاية الصحية لسكان البدو الرحل والمناطق الحدودية المعزولة، بالإضافة الى المشاركة في عمليات بحث عن المفقودين في الصحاري، وإنقاذ ضحايا الفيضانات الطوفانية بولايات الجنوب.
هذه المواقف الإنسانية لقوى الجيش الوطني الشعبي، سواء في شمال البلاد أو في جنوبها، قوبلت بترحيب شعبي وتآزر يَنُمُّ عن وحدة هذا الشعب وتلاحمه مع جيشه، ويؤكّد للمرة الألف على متانة رابطة «جيش -أمّة»، وعلى مدى قوة شعار «الجيش الشعب خاوة خاوة» التي تصدح بها حناجر الشعب الجزائري من الحدود الى الحدود.
الجيش الوطني الشعبي الجزائري وهو يحتفل بعيده الوطني الثالث، يقف شامخاً مُنافحاً عن كرامة الوطن وسيادته، يدفعه في ذلك كمٌ هائل من التجارب القتالية والمواقف الإنسانية التي شكّلت رصيداً معرفياً استطاع من خلاله مواجهة آلة الارهاب الدموية، متصدياً بحزم للجريمة العابرة للحدود، وسنداً قوياً للمواطن في كل الظروف.
استطاع سليل جيش التحرير الوطني من خلال تاريخه المشرّف أن يتصدّر المشهد الاقليمي من خلال النأي بالجزائر عن الصراعات الاقليمية والمصالح الضيقة، وأن يتحوّل الى شريك موثوق إقليمياً وقارياً، فقد أبانت عقيدته القتالية الحد الفاصل بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من التطرّف، محافظاً على الجزائر واحِدة، مُوحَّدة ومُوحِّدة.
للإشارة، يتم الاحتفال بهذا اليوم الوطني على مستوى جميع مكونات الجيش الوطني الشعبي المنتشرة عبر كامل التراب الوطني، من خلال تنظيم تظاهرات وأنشطة مختلفة تمجيدا وعرفانا لشهداء ومجاهدي ثورة التحرير المباركة، ولشهداء الواجب الوطني ولكبار معطوبي مكافحة الإرهاب، وكذا أفراد الجيش الوطني الشعبي على تفانيهم الراسخ وتضحياتهم الجسام.ويعرف الجيش الوطني الشعبي في السنوات الأخيرة طفرة مشهودة في عصرنة وتحديث قدرات قوام المعركة والاحترافية، وتنمية وتأهيل العنصر البشري.
وقد تمكّن من تحقيق نتائج باهرة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من باب الدفاع عن مبادئ الثورة المجيدة، وصون سيادة وأمن الوطن وحماية الحدود وحرمة الأراضي ووحدة الشعب، إلى جانب مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال استراتيجية مدروسة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتلبية حاجيات السوق الوطنية وتطوير القاعدة الصناعية للبلاد.
وقد كانت هذه الجهود محل تقدير وعرفان من قبل رئيس الجمهورية، الذي أشاد في كل مناسبة بالأدوار الريادية والمحورية للجيش الوطني الشعبي، الذي يواصل مهامه في حماية الوطن، وفاء لرسالة الشهداء.
وقد أكّد رئيس الجمهورية في تصريحاته في عدة مناسبات، أن قوة الجيش الجزائري تكمن في كونه «جيش – أمة»، بحيث تمكّن من تأسيس رابطة قوية مع الشعب الجزائري الفخور بمؤسسته العسكرية.
الدكتور منير قتال: موقف الجزائر من القضيتين الفلسطينية والصحراوية معروف جدّا
قال أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر-1، الدكتور منير قتال، إنّ فرنسا تعشق الاصطياد في المياه العكرة، وسعت بخبثها السياسي للاعتراف جزافا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مستخدمة كلّ قواها لمحاولة زعزعة قرارات وجهود الجزائر الدولية في المرافعة عن القضايا العادلة.
أكّد الدكتور منير قتال، في تصريح لـ«الشعب”، أنّ موقف الجزائر من كلّ القضايا العادلة واضح ومعروف جدًّا، وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية، حيث عبرت في بيان التنديد والاستنكار الذي أصدرته مؤخرا عن امتعاضها ممّا أعلنت فرنسا بدعمها خطة الحكم الذاتي المغربية التي ستُحملها المسؤولية الكاملة عمّا أقدمت عليه، واعتبر قتال، قرار الإليزي حول الحكم الذاتي الموهوم، “غباءً سياسيا ضيق الأفق يقصد إلى زعزعة الاستقرار بالمنطقة، مشيرا أنّ القرابين والهدايا الدبلوماسية التي قدّمتها باريس للرباط، ستتلاشى مع الوقت، وستضيع جهود ماكرون سدىً.
وتابع المتحدّث قائلا إنّ فرنسا تستشيط عندما تلاحظ أيّ حدث أو ملف ترافع لصالحه الجزائر في المحافل الدولية، رغم أنّ ادّعاءها بأنّها موطن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولقد عملت الجزائر وفق الضوابط الدبلوماسية، وردّت على باريس ببيان استنكرت فيه التهريج، ثم قررت سحب سفيرها بأثر فوري.
وأفاد محدّثنا – في السياق – أنّ ترصّد نظام المخزن للجزائر ليس وليد اليوم، بل هو قديم يرمي إلى الاستفزاز بالعمل مع فواعل وكيانات أجنبية لزعزعة الاستقرار، كما يحرص على تقديم تنازلات للقوى الخارجية في شتى المجالات، من أجل تحقيق مآربه على حساب مصالح شعوب المنطقة، على غرار الشعب الصحراوي المُكافح من أجل تقرير مصيره واستقلاله بموجب قرارات ولوائح الأمم المتحدة، يُضيف الدكتور منير قتال. وكان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، الأربعاء، قد كشف عن مبادرة داخل أروقة الاتحاد الإفريقي بشأن تفعيل مسعى تجريم الاستعمار في الأمم المتحدة، مؤكداً أنّ القمة الإفريقية القادمة في سبتمبر، ستُعالج هذا الملف وستتخذ قرارات بشأنه.
في معرض ردّه على أسئلة الصحفيين في ندوة صحفية نشطها الأسبوع المنصرم، شدّد عطاف على أنّ الجزائر ستكون من السبّاقين في الدفاع عنها.وقال الوزير: “عندما يتعلّق الأمر بالاستعمار بصفة عامة والاستعمار الفرنسي بصفة خاصة، فأنا شخصياً من المرافعين لصالح نشاط دولي جماعي، وأن نبادر كدول إفريقية وغير إفريقية لتجريم الاستعمار داخل المنظمات الدولية”.
وتابع: “هناك مبادرة داخل الاتحاد الإفريقي تخصّ موضوع تجريم الاستعمار في الأمم المتحدة، وستكون الجزائر من السبّاقين لدعم هذا التوجّه”، مؤكّداً أنّ القمة الإفريقية القادمة ستعالج هذا الملف وستتخذ قرارات بشأنه.
وخلُص عطاف إلى أنّ الصدى سيكون “أوسع” و«أقوى” في إطار “عملية جماعية كأفارقة، خاصّةً وأنّ القارة عانت من تبعات الاستعمار”.
هبة من لا يملك لمن لا يستحقّ
بالمناسبة، أكّد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أنّ إقدام فرنسا على الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية “هبة من لا يملك لمن لا يستحقّ”.وأفاد الوزير عطاف أنّ “اعتبار فرنسا خطة الحكم الذاتي المغربية كحلّ وحيد وأوحد في قضية الصحراء الغربية، إقصاء لأيّ جهد للبحث عن حلّ بديل لقضية الصحراء الغربية، وفقا للقرارات الدولية وفي مقدّمتها قرارات مجلس الأمن التي شاركت فرنسا في صياغتها وفي اعتمادها”.
ولفت إلى أنّ “ما يستشفّ من نصّ رسالة الرئيس الفرنسي للملك المغربي، أنّ فرنسا أصبحت تتبنى بشكل كلي الطرح المغربي المتعلّق بقضية الصحراء الغربية وتجعل منه أولوية تتعهّد بالدفاع عنها على الصعيد الوطني والدولي، وكأنّ الطرح المغربي حول الصحراء الغربية أصبح طرحا فرنسيا كاملا”.
وعن تداعيات الخطوة الفرنسية وتبعاتها على الصحراء الغربية وعلى السلم والأمن في المنطقة، قال عطاف إنّ هذه الخطوة “والتي تدعي (باريس) أنّها ترمي إلى إحياء المسار السياسي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، تسهم على النقيض من ذلك في تكريس حالة الجمود التي تعاني منها العملية السياسية منذ ما يقرب العقدين من الزمن”.
وتابع أنّ “حالة الجمود تسبّب فيها بصفة مباشرة مخطّط الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب سنة 2007، مشيرا إلى أنّ مآربه “كانت ولا تزال تنصبّ حول ثلاثة أهداف أساسية، تتمثل في القضاء على حقّ تقرير المصير المخوّل دوليا للشعب الصحراوي من خلال إجهاض تنظيم استفتاء في هذه الأرض ووأد الحلول السياسية البديلة والحيلولة دون بروز أيّ مبادرات جادّة وصادقة لحلّ هذا النزاع، غير تلك التي تريدها المملكة المغربية وهي شرعنة المغرب للواقع الاستعماري في الصحراء الغربية”، كما أوضح أنّ الهدف الآخر يتمثل في “ربح المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع الاستعماري وفرضه على المجتمع الدولي وحمله على التكيّف معه والقبول به، عبر تضييع الفرص تلوى الفرص”.
ومن هذا المنظور – يضيف عطاف – فإنّ “الدعم الفرنسي الكامل والمطلق للمقترح المغربي للحكم الذاتي يمثل محاولة لإعادة بعث هذا المشروع من الرماد وإعادة إحياء الأهداف المتوخاة منه، وهي الأهداف التي ترتبط تمام الارتباط بعرقلة جهود التسوية السياسية لقضية الصحراء الغربية وتثبيت الواقع الاستعماري المفروض على الشعب الصحراوي”.