حققّت الجزائر الجديدة بفضل رؤية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تقدما كبيرا في مجال الرقمنة، وفق استراتجية وطنية صارمة، لمواكبة التطوّر التكنولوجي، فأضافت إلى كفاءة الأداء، وضمنت فعالية أكبر في العمل اليومي، والجزائر عازمة على بلوغ أعلى مستويات الرقمنة لإضفاء مزيد من الدينامية على المنظومة الاقتصادية، وتحكم آليات تسيير مختلف القطاعات، في ظل حرص كبير قائم على ترسيخ الحوكمة وتجسيد الشفافية، لقصد قطع الطريق على أي محاولة فساد، ومحو البيروقراطية بصفة نهائية.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون وإيمان كافي
شكلت الرقمنة أحد أهم ملفات الإصلاحات التي أقرّها برنامج السيد الرئيس، والتزاما مهما من التزاماته، باعتبارها مفتاحا أساسيا لتحقيق استدامة النمو، إذ يُعوّل عليها، كآلية متطوّرة في صياغة كفاءة النموّ، وإرساء قوّة أداء الاقتصاد، ومن الطبيعي أن تندمج الجزائر بسرعة قياسية في التحوّل الرقمي، فقد ظل الرئيس حريصا، طوال السنوات الأربع الماضية، على المتابعة الشخصية لمدى التقدّم المحقق وحجم الحصيلة المسجّلة، وفي كل مرّة، كان يقدم توجيهاته الحكيمة، بقصد الوصول إلى تحقيق السيادة الرقمية.
لقد سمحت الرقمنة الجاري تعميقها من رفع سقف موثوقية مختلف النشاطات، الإدارية منها والمالية، لتمهّد الطريق لتحوّل رقمي تاريخي، لم يسبق له مثيل، والرهان في الوقت الحالي، لا يزال متواصلا لمواجهة التحدي القائم، وهو ما أسس له رئيس الجمهورية محافظة سامية للرقمنة، تسعى إلى تقديم كل التسهيلات والإشراف على السير الجيّد للعملية، علما أن الجزائر حققت طفرة نوعية غير مسبوقة في المجال.
الخبير يزيد أقدال: استراتيجية الرئيس للانتقال الرقمي.. مُحكمة صارمة..
أولى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون مسألة الرقمنة بعناية كاملة، فقد سجّل في التزاماته الرقّي بالجزائر إلى مرتبة لائقة في محفل الأمم، ما يفرض خوض غمار المتغيّرات العالمية التي ميزتها ثورة إلكترونية غير مسبوقة، وسباق قوّي لمضامير المعلوماتية، فالرقمنة اليوم معيار جدّيّ لمدى نجاعة أي منظومة، ولأجل إنجاح مشروع تجسيدها ببلادنا، استحدث رئيس الجمهورية المحافظة السامية للرقمنة، تحت إشرافه المباشر، لبلورة قانون للرقمنة وإستراتيجية للتحوّل الرقمي..
أوضح الخبير في تكنولوجيا المعلومات، الدكتور يزيد أقدال، في اتصال مع “الشعب” حول التحوّل الرقمي ببلادنا، أن الرقمنة تمثل رهانا خصّه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون باهتمام خاص ومتابعة صارمة، مؤكدا أن مشروع الرقمنة لم يطرح من قبل، ولم يكن في صلب اهتمامات القيادة السياسية بالقدر الذي عرفه خلال الأربع سنوات الأخيرة، ما يؤكد المجهودات الملموسة ميدانيا لتجسيد مشاريع الرقمنة، بما أنها أحد أكبر الورشات المطروحة على الساحة الوطنية حاليا، نظرا لأثرها المباشر على الصعيدين الإداري والاجتماعي، إذْ على الصعيد الأوّل، تتم من خلال تسهيل عمليات التسيير وضبط البيانات المتعلقة بكل قطاع، مما يسهّل عملية تسطير الإستراتيجية التي تتأسس وفق معطيات حقيقية وواقعية، وبينما تتجلى على الصعيد الاجتماعي، في معاملات المواطن، بما هو المستفيد الأول من تسهيل المعاملات الإدارية والتجارية.
التغيير صار واضحًا – يقول أقدال – والإرادة السياسية لتحقيقه يقين لا يشوبه شك. إذ لم يكتف رئيس الجمهورية بإعلان التغيير الجذري فحسب، بل ربطه بآجال حدّدتها تعليماته الصارمة المسداة إلى مسؤولي القطاعات الوزارية خلال مجالس الوزراء التي يرأسها دوريا، لضمان متابعة آنية للورشات الكبرى التي تم إطلاقها منذ بداية سنة 2020.
قطاعات حققّت السبق
وعن القطاعات التي تسابق الزمن اليوم من أجل رقمنة كل معاملاتها وهياكلها، وفيها التي قطعت أشواطا مهمة من خلال النتائج المحققّة، يستشهد يزيد أقدال بقطاع المالية ومختلف هياكله من الجمارك والضرائب وأملاك الدولة، نظرا لحساسيته في ضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، وإعطاء صورة مكتملة عن الأرقام التي تسجلها هذه الهياكل الحيوية بالنسبة لتطوّر الاقتصاد الوطني وأمنه. كما ثمّن أقدال التقدّم الذي أحرزه قطاع العدالة من خلال إطلاقه لتطبيقات تسمح بتسيير المؤسسات العقابية، واستخراج شهادات الجنسية والسوابق العدلية. هذا لا يعني إنكار التقدّم الذي أحرزته وزارة الداخلية والجماعات المحلية التي تمكنت من رقمنة كلية لوثائق الحالة المدنية، إضافة إلى استحداث جواز السفر البيومتري وبطاقة التعريف البيومترية التي حلّت محل ملفات الإدارة المكتظة بالوثائق، فقد تم اليوم دمجها ضمن المعطيات المخزنة على مستوى بطاقة التعريف البيومترية.
بدوره أحرز قطاع العمل والتشغيل – يقول أقدال – تقدما معتبرا فيما يخص إجراءات الضمان الاجتماعي، إضافة إلى التغيير الرقمي الذي طال الحياة الجامعية. دون التغاضي عما تم تحقيقه على مستوى وزارة التجارة وترقية الصادرات التي قطعت شوطا كبيرا في مجال التعاملات عبر المنصات الالكترونية التي ساهمت كثيرا في قمع الغش وكبح المضاربة وتسهيل عملية تموين السوق المحلية وتنظيم حركة التجارة الخارجية من تصدير واستيراد.
حوكمة وذهنيات
أهمية الرقمنة وأثرها المباشر على الحوكمة والتسيير السليم القائم على المعطيات الدقيقة التي تعكس الواقع بوضوح، لا يمكن أن يكون محل اختلاف أو جدل، يؤكد أقدال، فأثرها يتجلى في إضفاء الشفافية على مجمل التعاملات اليومية، اقتصادية كانت، تجارية أو إدارية ذات صلة بحياة المواطن، ومن خلال ذلك، القضاء على المحسوبية والبيروقراطية والتضييق على الفساد، مع سرعتها وإمكانات إجرائها عن بعد. كما تمكّن رقمنة الإجراءات من الاطلاع بصورة آنية على النتائج العملية والمعطيات الحقيقية الميدانية. ولم ينكر أقدال بعض العراقيل التي تعترض المشروع، مشيرا إلى ما أسماه “بمقاومة التغيير وعدم تقبله”، مما يتطلب تحضيرا عميقا مسبقا لتبني مثل هذه الخطوة، فقبل أن نخوض تغييرا متعلقا بالتحوّل الرقمي، لابد من تغيير شامل في الذهنيات ونمط التفكير وطرق الحوكمة والممارسات اليومية.
مركز وطني للبيانات
من جهة أخرى، ومن الجانب التقني، أكد أقدال أن الخوض في مشروع بحجم رقمنة البيانات الوطنية، يتطلب أرضية لاستيعابه، تتمثل هذه الأخيرة في مركز للبيانات Data Center، وقد أسندت مهمة تجسيده إلى المحافظة السامية للرقمنة إلى جانب مهمتين أخرين، تتعلق الأولى بالانتهاء من الإستراتيجية الوطنية للرقمنة التي تحدّد التوجهات الكبرى والآجال الزمنية لتجسيد المشروع، أما الثانية فتتعلق بالجانب القانوني المؤطر لمجال الرقمنة بالجزائر. وبالعودة إلى المركز الوطني للبيانات، ومن أجل الاستفادة من المعرفة الأجنبية لكبار الروّاد في مجال الالكترونيات، أبرمت المحافظة السامية للرقمنة مؤخرا، اتفاقية تعاون وشراكة من أجل تجسيده مع “شركة هواوي” الصينية، إضافة إلى الجهود التي بذلتها الجزائر في مجال تعميم استعمالات الانترنت وفك العزلة الرقمية من خلال ربط مختلف مناطق البلاد بالألياف البصرية.
ويرى الخبير في تكنولوجيات المعلومات، يزيد أقدال، أن مشروعا بحجم المركز الوطني للبيانات، يعتبر حتميا، كون رقمنة جميع القطاعات تستلزم إيواء بياناتها وأنظمتها المالية ومنصاتها المعلوماتية ضمن مراكز بيانات وطنية، تستجيب للمعايير العالمية المتعلقة بالأمن الالكتروني وحماية البيانات وأداء مواردها البشرية العالية التأهيل.
في هذا الإطار، شدّد المتحدث على أهمية المشروع من أجل مرافقة إستراتيجية التحوّل الرقمي التي تبنتها السلطات العمومية بمتابعة شخصية من رئيس الجمهورية، من خلال إعطاء الدعامة التقنية والبنية التحتية التكنولوجية اللازمة لرقمنة جميع القطاعات الوطنية، التي انطلقت منذ سنوات.
تكييف هيكلي منجمانتي
من جهة أخرى، ومن الجانب المنجمانتي، أوضح أقدال أن الانتقال من وزارة الرقمنة إلى محافظة سامية للرقمنة، كان ضمن الحلول الإجبارية لبسط حتمية الرقمنة من خلال منح صلاحيات سيادية أوسع للهيئة المشرفة عليها، فلا يمكن لوزارة أن تفرض قرارات على وزارة أخرى، لذا وجب استحداث هيئة عليا ممثلة في المحافظة السامية للرقمنة تعمل تحت الوصاية المباشرة لرئاسة الجمهورية، وتمتلك سلطة القرار في فرض رؤيتها واستراتيجيها المتعلقة بهذا المشروع، ومتابعة ومراقبة وتيرة تقدّم أشغاله.
بالمقابل تواجه الرقمنة تحدّيات كبيرة متعلقة أساسا بالإمكانات التقنية والمالية والمورد البشري، حيث يستلزم مشروع بحجم المركز الوطني للبيانات إلى إمكانيات ضخمة، أولها غلاف مالي معتبر، ولأجل ذلك رصدت الحكومة في إجراء غير مسبوق، غلافا ماليا مخصصا للرقمنة والتحوّل الرقمي، ضمن قانون المالية لسنة 2024.
واستنادا إلى ما سبق، تعمل اليوم المحافظة السامية للرقمنة عبر الإستراتيجية الوطنية للرقمنة وقانون الرقمنة على بلورة برنامج عملي، مختصر الآجال وبأهداف واضحة من أجل إطلاق مشاريع رقمنة على نطاق واسع، يشمل جميع مجالات الحياة اليومية للمواطن، فالرقمنة – وفق أقدال- تتعدى نطاق مجرد مشروع تفرضه المواكبة للمتغيرات التكنولوجية والمعرفية العالمية، إلى نطاق أوسع ليصبح ثقافة تعمل الحكومة على نشرها وتعميمها وإدراجها ضمن الممارسات والمعاملات اليومية للمواطن.
جيل متجاوب ومهيأ رقميًا
وفي السياق تطرق يزيد أقدال إلى التطبيقات الالكترونية بنوعيها الهاتفية أو الحاسوبية، كمنتوج أصبح يحتل مساحة واسعة أكثر فأكثر، لتشمل تقريبا كل مجالات الاقتصاد والحياة الاجتماعية، فقطاع التربية والتعليم العالي، كمثال استدّل بهما أقدال، أصبحا من القطاعات التي تمكنت من كسب رهان “صفر ورق” بالنسبة لإجراءات التسجيل وتعميم الخدمات البيداغوجية الرقمية، والايجابي في معادلة رقمنة قطاعي التربية والتعليم العالي، هو أن طبيعة المتلقي، المتمثل في جيل جديد يتمتع بميول قوّي وتجاوب اتجاه كل ما هو إلكتروني ورقمي ومتعلّق بالهواتف الذكية، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بجيل مهيأ مسبقا لتبني مقاربة رقمنة التعاملات اليومية، تصبح العملية الاتصالية بينه وبين نواة المعلومة من المنصّات الالكترونية الخدماتية.
وعلى ذكر المنصات الالكترونية والخدمات “أون لاين”، يقودنا الحديث – يقول أقدال – إلى الإشارة إلى الكم الكبير والانتشار السريع للشركات المختصة في الالكترونيات، كنتيجة حتمية للتسارع الرقمي، الذي يشهده العالم وتحرص الجزائر على مواكبته، حيث نعيش اليوم تطوّر أدوات المعرفة أصبحت وحدة قياسه “الثانية” أو أجزاء من الثانية.
وفي ظل هذا التحوّل وتنوّع المنتجات الرقمية، برز الذكاء الإصطناعي كتقنية أحدثت ثورة رقمية ومعرفية، يمكن للمجتمع الرقمي الاستفادة من تطبيقاتها، بل يتوقع الخبير في تكنولوجيا المعلومات، أن يختصر الذكاء الاصطناعي العديد من المهام التي كان يقوم بها الإنسان، في مجالات عديدة كالتعليم والتصميم والمهن ذات الصلة بمعالجة البيانات وتحليلها، كما سيفرض الذكاء الاصطناعي نفسه – وفق أقدال – في مجال الإعلام فيما يتعلق بالصوت والصورة والفيديوهات، والأكيد في كل ذلك، أن الجيل الجديد له من القابلية الرقمية ما يبعث على التفاؤل بالنسبة لمستقبل الرقمة ببلادنا، في حال توفّر الإمكانات التقنية والمالية.
الخبـير مختار علالي: الثورة الرقمية.. التزام يتحقّق
يعرف مسار التحوّل الرقمي في الجزائر تسارعًا لافتًا لمواكبة التحوّلات الحاصلة في العالم، ومسايرة التحدّيات التكنولوجية والمخاطر المتزايدة للهجمات الالكترونية، من خلال تعميم استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال لاسيما في الإدارات والخدمات العمومية إضافة إلى تحسين تسيير القطاع الاقتصادي، بُغية الوصول إلى تحقيق تكامل في الموارد البشرية والمادية وترشيد نفقات الدولة وتجسيد مبدأ السيادة الوطنية الرقمية..
أكد أستاذ الاقتصاد مختار علالي، أن التحوّل الرقمي من شأنه القضاء على البيروقراطية، ومحاربة كل أشكال الفساد من خلال اعتماد الشفافية في تسيير الشأن العام، وتعزيز حماية المنظومة المعلوماتية داخليا وخارجيا والبنية التحتية للبلاد، وذلك بالاعتماد على السواعد الجزائرية في رسم معالم هذا التحوّل المبني على إستراتيجية وطنية، تجسيدا لالتزام رئيس الجمهورية بـ “تحقيق التحوّل الرقمي خدمة لراحة المواطن وتحسين الخدمات، والرقي بالعلاقة بين المواطن والإدارة وهي من الأهداف السامية للجزائر الجديدة..
وأفاد الخبير الاقتصادي، أن الرقمنة أصبحت ضرورة ملحة لكل القطاعات، لكن بحذر شديد، وفق ما أوصى الرئيس تبون الحريص على الأمن السيبراني، نظرا لمخاطر الحروب السيبرانية المؤثرة، مبرزا أن الاقتصاد، هو العمود الأساسي لكل الدول، لذلك فإن التكيّف مع المحيط الخارجي مهم في تسيير دواليب الدولة إلى جانب التحكم في المحيط الداخلي.
وأوضح علالي أن العالم يشهد تغييرات سريعة جدا، لهذا فإن تحوّل الأداء الاقتصادي نحو الرقمنة حاليا، يعتبر من أبرز العمليات التي غيّرت وجه الاقتصاد العالمي في العصر الحديث، وأشار – في السياق – إلى أن المعلومات الدقيقة تدعّم تطوير وظائف وآليات ترقية الأعمال بمختلف المجالات، على غرار التجارة الإلكترونية ومدى تأثيراتها على الأسواق، حيث يساعد التحوّل الرقمي في نقل المستهلكين من الاعتماد على المنتجات المادية إلى الخدمات الرقمية، ما يحقّق التكامل بين المنتج والمستهلك.
بهذا الخصوص، قال الخبير الاقتصادي إن الجزائر اعتمدت مسار التحوّل الرقمي في إطار الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، من خلال إطلاق برامج في إطار تأمين الشبكة والأجهزة والمعطيات، حتى يتم التأسيس للمناخ الآمن الذي يسمح للمواطن بالاستفادة من الخدمات الإلكترونية بأمان.
تعزيز الاقتصاد الرقمي
ولتحقيق رؤية اقتصادية فعّالة بحلول 2030 ــ يقول علالي ــ هناك مجهودات حكومية بالجزائر لتعزيز الاقتصاد الرقمي وتحسين جودة الخدمات الحكومية من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة والتطوّر الاقتصادي والاجتماعي، تماشيا ودور الدولة في إطار المبادئ الدستورية.
وفي السياق، أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة بشار، إلى أن النجاح في سياسة التحوّل الرقمي، تم من خلال رقمنة جميع الخدمات بتوفير حلول إلكترونية أسرع وأدق، باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بهذه المهام في وقت جد قصير، كما يمكن له قطع الطريق أمام ممارسات بائدة، ويحارب كل أشكال العراقيل البيروقراطية، حيث أن الذكاء الاصطناعي يسمح بتقديم الخدمات بطريقة شفافة للغاية، وأضاف أن تعميم الوسائل الالكترونية يشجع الشفافية ويحارب الفساد ويحدّد المسؤولية، ومثال ذلك المنصة الالكترونية “بلغني” التي تمكّن المواطنين من التبليغ عن الفساد، وفضح المماطلين، فيعاقب كل الذين يماطلون في أداء مهامهم بذرائع وهمية، فالرقمنة وسيلة ناجحة لمحاربة الفساد، والمضي في رقمنة القطاعات وتوفير المنصات الإلكترونية، ومن بين أهدافها محاربة الفساد وترسيخ مبدأ الشفافية في تسيير الشأن العام، وطمأنة المواطن الجزائري من خلال توفير خدمات جيّدة.
وسعت الجزائر إلى وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وهذا ما تجلى من خلال إنشاء عدّة هيئات لتحقيق هذا المسعى، من بينها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الديوان المركزي لقمع الفساد، وخلية الاستعلام المالي، مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، والسلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد واستحداث المحافظة السامية للرقمنة.
في هذا الإطار، أبرز المتحدّث أن “التحوّل الرقمي يعتبر عملية لتحسين العمليات للشركات والمؤسسات، حيث يتضمن استخدام التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الدقيقة، والإنترنت، لتحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية، مشيرا إلى وجود تحدّيات عديدة، تواجه عملية التحوّل الرقمي باعتبارها محيطا خارجيا يجب التكيّف معه ومنه الجوانب القانونية والتشريعية، والسياسية، والاجتماعية، والتي تتطلب معايير وقوانين جديدة لضمان حماية البيانات الشخصية وتنظيم استخدام التكنولوجيا، إلى جانب المحيط الثقافي والتنظيمي وحتى الديني، حيث يتطلب التحوّل الرقمي تغييرا في ثقافة العمل وثقافة الأشخاص والتفكير التنظيمي، وميولاتهم الدينية، بالنظر إلى التحول الرقمي الذي يوفر إمكانيات للابتكار والإبداع في تطوير الأعمال.
تقوية الأمن السيبراني..
وفي السياق، قال الخبير علالي إن الجزائر وضعت إستراتيجية واضحة للرقمنة، ورؤية متكاملة لتطويرها في البلاد، من أجل تقوية الأمن السيبراني ورفع درجة الوعي من خلال نشر ثقافة الرقمنة، مع توفير شبكات أنترنيت عالية السرعة، وتوسيع تغطيتها في جميع أنحاء البلاد، وتحسين جودة الاتصالات اللاسلكية، مع دقة الإستراتجيات الفعالة للحماية من هجمات القرصنة والاختراقات الإلكترونية، وترتيبها عبر التكوين والتدريب والرسكلة في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية”.
وأوضح محدثنا أن العمل يتضمن “التكوين من أجل تأهيل كل الفاعلين وتمكينهم من المشاركة في اقتصاد المعرفة والابتكار، إلى جانب تشجيع ريادة الأعمال الرقمية في قطاع التكنولوجيا والابتكار، عبر الدعم المالي والمرافقة للشركات الناشئة، مع التكيّف في مجال تعزيز التعاون الدولي والشراكات الإستراتيجية خاصّة بتوفير بيئة الأعمال وحماية حقوق المستخدمين في مجال الرقمنة”.
وعن أهم التحدّيات التي تواجه الجزائر في هذا المجال، أبرز علالي أن الجزائر تبذل مجهودات رائدة، وهي تتجاوز تحدّيات البنية التحتية الرقمية، حيث توسعت التغطية الشبكية وسرعة الإنترنت.
الجزائر على مسار التحوّل الرقمي
وأكّد أستاذ الاقتصاد أنّ الجزائر تعمل على إنجاح مسار التحوّل الرقمي من خلال اعتماد إستراتيجية تخصّ هذا التحوّل والتي تسمح بتعزيز السيادة الرقمية في ضوء التحدّيات كان آخرها العطل التقني العالمي، والذي تسبّب في شلّ مطارات وشركات للطيران وللاتصالات ووسائل إعلام.
وانطلاقا من ذلك أبرز الأكاديمي أن “استغلال منصّات التواصل خاصّة غوغل وفيس بوك، وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي حقّق تطورا مهماً في الاقتصاد الرقمي، باعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين خدماتها والتواصل مع المستخدمين بشكل أفضل.
وهذا ما تعتمده الشركات الكبرى في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يحقق تحولاً جذرياً في الاقتصاد العالمي، خاصّة أنها ثورة تقنية تفرض تحدّيات كبيرة، باستغلال المهارات الرقمية ووضع آليات الحماية من المخاطر بتقنيات الأمن السيبراني، ويتم ذلك من خلال تطوير بنية تحتية قوّية تجسّد هذا التحوّل وتحقيق النمو الاقتصادي”.
وخلص محدثنا إلى التأكيد على أن استعمال وتعميم الوسائل الالكترونية في مختلف القطاعات، يحقق ترشيد نفقات الدولة، ويسمح باستغلال أمثل للموارد البشرية ويحقّق تنمية اقتصادية واجتماعية منشودة.
أستاذ الاقتصاد بجامعة الجلفة سليمان شيبوط: الرقمنة الشاملة دعم للاقتصاد الوطني
تعتبر الرقمنة في الزمن المعاصر مظهرا من مظاهر تقدّم وتطوّر الدول، فقد أضحى الاقتصاد الرقمي موردا قائما في حدّ ذاته، يعتمد على المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والمعلوماتية، وفق ما أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الجلفة، الدكتور سليمان شيبوط..
اعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي سليمان شيبوط، أن الجزائر وفقت – بعناية خاصة من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون – في تجاوز مشكل الفجوة الرقمية، من خلال تبني إستراتيجية للتحوّل الرقمي في جميع القطاعات، وتحقيق رؤية الجزائر الجديدة 2030 للرقمنة الشاملة.
دعم التنمية وتعزيز الابتكار
وأكد محدثنا – في هذا الصدد – أن التحوّل الجاد للاقتصاد الرقمي، سيدفع بتسريع النموّ الاقتصادي، تحقيق الشفافية وبناء مجتمع رقمي، ذلك كون الرقمنة السبيل الوحيد لإدارة الاقتصاد الوطني، وتوفير المعلومات والإحصائيات، وتسهيل تدفق المعلومات، والحدّ من العراقيل البيروقراطية ومحاربة التهرب الضريبي والجمركي، والحدّ من الفساد، من أجل بناء نموذج اقتصادي مبني على الرقمنة، من خلال تحسين الخدمات الحكومية، على غرار الخدمات الإدارية والتعليمات والصّحية وحتى البنكية.
وقال الدكتور شيبوط إن الثورة الصناعية الرابعة، تعتبر محركا رئيسيا للتحوّل الرقمي في الجزائر، من خلال تعزيز الابتكار وتحفيز إنشاء الشركات الناشئة، ومن خلال تطوير النظام البيئي التكنولوجي، حتى ترتقي الصناعات الذكية الابتكارية والخدمات الرقمية. مشيرا إلى أن الشركات الناشئة وحاضنات الأعمال التي تم إطلاقها، ترتكز على الإبداع والتكنولوجيا، كما أن إنشاء وزارة اقتصاد المعرفة والشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة، دليل على اهتمام الدولة بالاقتصاد الرقمي.
الرئيس.. عاهد وأوفى..
وأوضح محدّثنا أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يحرص شخصيا على متابعة ملف التحوّل الرقمي وتجسيده على أرض الواقع وبشكل مباشر، خدمة للمواطن وضمانا لرفاهيته وللنهوض بالاقتصاد الوطني، والتعليمات التي يصدرها مرارا وتكرارا في كل اجتماعاته وخرجاته الميدانية، تؤكد أن هذا نابع من قناعته بأهمية وضرورة دعم الرقمنة الشاملة.
ولعلّ بعض القطاعات التي باشرت الرقمنة، توضّح عزم الرئيس وحرصه المباشر لتحقيق الرقمنة الشاملة، يقول محدثنا، مستشهدا بقطاعّي التربية الوطنية والتعليم العالي اللذين شهدا تقدّما ملحوظا في هذا الشأن، تبيّن من خلال إنشاء منصّة أولياء التلاميذ في قطاع التربية، حتى توظيف المعلمين والأساتذة، كما خطا قطاع التعليم العالي خطوات جبارة في مجال الرقمنة، من خلال التسجيل الإلكتروني للطالب والأستاذ، ومن خلال إطلاع الطالب على نقاطه، التسجيل الإلكتروني لطلبة الدكتوراه، متابعة الترقية، بطاقة الطالب، النقل، الإيواء، في انتظار استكمال الرقمنة الشاملة في باقي القطاعات قطاع العدالة والصحّة التي تشهد هي الأخرى خطوات إيجابية، وبالأخصّ القطاع التجاري، من خلال متابعة الاستيراد والتصدير، والتي تحتاج إلى آليات وميكانيزمات، بعد إنشاء السجل التجاري الإلكتروني، الدفع الإلكتروني.
وأضاف الدكتور شيبوط أن مسايرة التحوّل الرقمي وإنشاء البنية التحتية والهيئات المختصة، اقتضت استحداث المحافظة السامية للرقمنة التي وضعت تحت وصاية رئاسة الجمهورية سنة 2023، حيث تكمن أهمية هذه المحافظة في متابعة التحوّل الرقمي وتجسيد الإستراتجية الوطنية لتحقيق الرقمنة، وفي هذا السياق، تم الإعلان عن مشروع إنشاء قاعدة لتخزين وحماية البيانات الإلكترونية، لمجابهة التهديدات السيبرانية، وخطرها، والتي تتطلب ثقافة رقمية مواطنية ووطنية.
وتقول الإحصائيات – بحسب ما ذكر المتحدث- إن ما يقارب 5.5 مليون عائلة موصولة بشبكة الهاتف الثابت، وأكثر من 15 مليون مستخدم لبطاقة الدفع الإلكتروني والبطاقة البنكية، وحتى تطور شبكة الاتصالات من خلال الربط بالألياف البصرية وزيادة التدفق، وعلى مستوى الإدارة العمومية من خلال الرقم التعريفي الوطني وبطاقة التعريف البيومترية، كل هذه الإنجازات تعزّز مواصلة الدولة للتخلص من التكاليف الباهظة للأوراق والوثائق، وتحقيق نمط الحوكمة والشفافية وأمن الأنظمة والمعلومات.
استراتيجة التحوّل الرقمي.. مسار قويم
ولأن التحوّل الرقمي يقتضي مقاربة شاملة، جرى العمل على تنفيذ هذه الإستراتيجية من خلال وزارة الرقمنة والإحصائيات، وذلك عبر ترقية استعمال تكنولوجيا الرقمنة، وتعزيز ثقة المواطن وتحسين نوعية الخدمة العمومية وتحقيق الحوكمة والحكومة الإلكترونية، ولعلّ أولوية المحافظة، وضع إطار قانوني وتنظيمي، من أجل مرافقة تجسيد عملية الرقمنة الشاملة، وإعداد ورقة طريق لكل قطاع، بالإضافة إلى أن إطلاق العديد من المنصات الرقمية والأرضيات والبوابات والخدمات الرقمية في بعض الوزارات، يعد من بين الخطوات المؤكدة على اهتمام وحرص الرئيس عبد المجيد تبون على متابعة تنفيذ إستراتيجية التحوّل الرقمي الشامل، وعلى سبيل المثال، فإن إنشاء بوابة المركز الوطني للسجل التجاري، وبوابة الخدمات الإلكترونية عن بعد، بوابة الحالة المدنية…إلخ، يعطي دفعا كبيرا نحو تحقيق الرقمنة الشاملة، شرط مواصلة تطبيقها في كل القطاعات وتنفيذ قرارات رئيس الجمهورية، الذي يوصي دائما بضرورة تحقيق التحوّل الرقمي الشامل، والذي اعتبر سنة 2027 هي السنة الحاسمة لإتمام عملية الرقمنة حتى نجني ثمار تطوير الاقتصاد الوطني.