نمت سوق العمل في الجزائر بشكل غير مسبوق، ولم تعد البطالة ذلك الهاجس المرعب، بفضل ما تحقّق من مكاسب على المستوى الاجتماعي، ما شجّع استدامة النمو، وعزّز جهود مواصلة نهج امتصاص البطالة بمناصب عمل دائمة ومباشرة، فارتفعت معدلات التشغيل بمنحى قياسي.
وليس من ينكر أنّ القضاء على البطالة واستحداث مناصب شغل مباشرة في ضوء مقاربة اقتصادية مُحكمة، كان بين أبرز التزامات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، على مسار بناء الجزائر الجديدة، فالرهان كان يبدو صعبا.. بل مستحيلا، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية التي كانت تعيشها البلاد، لكن الرئيس تبّون، وهو لا يعترف بـ«المستحيل”، أولى الشباب الجزائري عناية خاصة، مؤمنا بقدراته العالية، وإخلاصه للوطن، فاختار أن يؤسّس الحلول الواقعية بدءا من بوابة ريادة الأعمال، لتتحول مذكرات التّخرج من الجامعة، إلى مشاريع بناء مؤسّسات اقتصادية، ينتقل الشباب عبرها إلى الحياة الاقتصادية بسلاسة وانسيابية بعيدا عن البيروقراطية البائدة..
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
هيأت رؤية رئيس الجمهورية جميع الميكانيزمات لعملية انخراط الشباب في عالم الشغل والحياة الاقتصادية، واحتضنت ابتكاراته، ووسّعت الآفاق أمامه.. ولم تلبث الرؤية الحصيفة حتى بدأت تلقي بثمراتها، وتحيي الآمال في أوساط الشباب.. وتواصل الحرص على تسريع نمو النسيج الاقتصادي، وتم إدراج منحة البطالة لمعرفة الحجم الحقيقي لعدد البطالين، ومن ثم التكفل بهم عن طريق التوجيه الصحيح، انطلاقا ممّا يناسب تكوينهم وتخصّصاتهم.
لم تقتصر الجهود الجبارة والخطط المتنوّعة على الدفع بالإجراءات الجادة نحو انكماش البطالة وانحسارها إلى أبعد حدّ، وإنّما فتحت جميع آفاق العمل، فالتنمية الوطنية تقوم على بعد محلي، وتمنح الفرص والامتيازات لجميع الشباب على حدّ سواء، من أجل أن تكون التنمية شاملة ومتجذرة، وتصبح البيئة الاقتصادية دافعا حيويا للمشروع الكبير، تتناسب مع طبيعة كلّ ولاية، وتحقّق التكامل الاقتصادي والانسجام التنموي..
وضعت الجزائر الجديدة الازدهار والاستقرار، هدفا ساميا لم تحِد عنه، وعملت على بعث فرص متعدّدة تتيح للشباب الأخذ بزمام الأمور، والدفع بقاطرة التغيير التاريخي الكبير، ما سمح باتساع سوق العمل بفضل استثمارات ضخمة ما تزال تتواتر بالساحة، وفق رؤية الرئيس تبّون الذي راهن على الشباب، وانتصر له حين خلّصه من قيود البيروقراطية، وأزاح عن طريقه كلّ الموبقات التي ظلّت تسمّم الواقع المعيش.. اليوم، تعيش الجزائر الجديدة حالا مختلفة تماما بفضل أبنائها المخلصين..
هكذا تخلّص الجزائريون من هاجس البطالة..
كشفت خطة الإنعاش الاقتصادي المصحوبة بالانفتاح على الاستثمار وتشجيع تنويع منتجات الآلة الاقتصادية، عن مكاسب معتبرة على صعيدي إرساء التنمية المستدامة وإدماج اليد العاملة المؤهّلة في قلب عملية التحوّل الاقتصادي الجاري تجسيده على أرض الواقع وفق إستراتجية محكمة، تقضي بتقوية مسارات التصدير وتكثيف الاستثمارات، ما سمح بتحقيق زيادة إيجابية على مستوى عروض العمل..
استفاد عدد كبير من الشباب الجزائريين خلال الأربع سنوات الماضية، من جملة امتيازات غير مسبوقة في سوق العمل، وضعتهم أمام خيارات متعدّدة، في ظلّ توفر فرص إنشاء مؤسّسات مصغرة أو حيازة مناصب عمل في القطاعين العمومي والخاص، ولأول مرة صارت العديد من الشركات تبحث عن الكفاءات وتتبنى ابتكارات وبحوث جامعيين، علما أنّ القطاع الخاص في الوقت الحالي يقوم بدور فعّال في استقطاب اليد العاملة باعتباره يشغل أزيد من 60 بالمائة من اليد العاملة.
ولقد حظي قطاع التشغيل بعناية خاصة من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، ولم تتوقف البرامج ولا الإجراءات الداعمة لفتح مناصب شغل جديدة، ولعلّ قرار إلحاق الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب “أنساج” بوزارة المؤسّسات الصغيرة والمؤسّسات الناشئة واقتصاد المعرفة لأهداف اقتصادية، جاء كخطوة مفصلية في رهان امتصاص البطالة واستحداث مناصب الشغل.
وفي ضوء التسهيلات والامتيازات، شقّ الشباب، خاصة خريجو الجامعات، الطريق إلى إنشاء مؤسّسات مصغّرة، فبناء المشروع المبتكر أفضل من البحث عن منصب عمل.. وبدأت الثقافة الجديدة تترسّخ خلال السنتين الماضيتين، ما أتاح للجزائر أن تصبح إحدى أهم الدول الرائدة في إنشاء المؤسّسات الناشئة على الصعيد الإقليمي.
الوثبة العالية المحقّقة بفضل جهود تنويع الاقتصاد، سجّلت دينامية غير مسبوقة على عدّة مستويات، وتحولت الجزائر – في خضم إصلاحات شاملة وبرنامج بناء محكم – إلى دولة ذات تجربة ناجحة في خفض نسبة البطالة، وصار متاحا للشباب سلوك طريق معبد بالتسهيلات والدعم، منها ما طرح في القانون الأساسي للمقاول الذاتي، وما رافقه في من التحفيزات الجبائية وشبه الجبائية، ستشكل ملامح بيئة ملائمة للعمل.
وتمكّنت الحكومة في إطار سعيها المتواصل لتشغيل اليد العاملة وكبح شبح البطالة، من الرفع من حجم تنصيب الطالبين لمناصب العمل، والإحصائيات الأخيرة كشفت عن الوتيرة المتسارعة لنمو الاستثمار وتوسيع نسيجه، ما أسفر عن ارتفاع محسوس في مناصب الشغل، على اعتبار أنه خلال الفترة الممتدة من 1 نوفمبر 2022 إلى غاية 21 جويلية 2024، سجل 8400 مشروع استثماري، أما عدد الوظائف الجديدة المسجلة بفضل المشاريع المحلية فقط، فقد وصل إلى 190420 منصب شغل جديد، في حين حجم مناصب الشغل المستحدثة بفضل مشاريع استثمارية أجنبية، بلغ في نفس الفترة 18069 منصب عمل جديد، علما أنّ قطاع الصناعة استوعب أكبر عدد من اليد العاملة النشطة، على خلفية استحواذه على نسبة تفوق 42 بالمائة من إجمالي المشاريع الاستثمارية.
وبفضل الإستراتجية المنتهجة في مجال التشغيل التي التزم رئيس الجمهورية بدعمها وكبح البطالة، فإنّ سياسة الدولة حرصت على تكريس نمط اقتصادي جذّاب يقضي على البطالة، من خلال تعزيز مكانة العمل وسط الطبقة المتوسّطة والهشّة بتوفير المناصب الشاغرة لطالبيها.
وتتواصل عملية تشجيع تدفق الاستثمارات، وفق منحى تصاعدي، وينتظر أن يثمر هذا المسار عن فتح المزيد من مناصب الشغل، في وقت ينتظر من الجامعة ومراكز التكوين المهني، أن تعكف على توفير اليد العاملة المؤهّلة لسوق العمل، خاصة في قطاعات الصناعة والبناء والأشغال العمومية والفلاحة، ونقدّر أنّ مشروع الرقمنة يحتاج إلى فتح المزيد من التخصّصات الجديدة التي تحرص الجامعة الجزائرية على توفيرها مع كلّ سنة جامعية جديدة.
مدير المعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين لـ”الشعـب”: اليد العاملة المؤهلة مفتاح البناء..ومدونة تكوينية لمرافقة الشركاء الاقتصاديين
فرضت الإستراتيجية التي أقرّها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، لبناء جزائر جديدة تحتل مكانتها اللائقة في محفل الأمم، تجنيد جميع القطاعات الوزارية بشكل تكاملي قائم على التنسيق القطاعي لضمان أداء الفعّالية. وقد يكون أحسن مثال عن ذلك، العلاقة التكاملية التي تربط قطاعي التشغيل والتكوين، حيث يمثل “التكوين” خزّانا لإمداد باقي القطاعات باليد العاملة المؤهّلة.
وفي ظلّ التطوّرات التي عرفها العالم بصفة عامة، برزت تخصّصات جديدة أفرزها التحوّل التكنولوجي وفرضتها تحديات يحرص رئيس الجمهورية على اجتيازها بنجاح، متمثلة في الأمن المائي والأمن الغذائي والأمن الطاقوي. ممّا فرض إعادة النظر في مدوّنة البرامج التكوينية وتحيينها وفقا للتوجّه الجديد للاقتصاد الوطني ومتطلّبات سوق الشغل، واحتياجات الشريك الاقتصادي.
وأوضح مدير المعهد الوطني للتعليم والتكوين المهنيين، بالأبيار، فاروق داسة، في اتصال مع “الشعب”، أنّ أهم ما ميز نشاطات القطاعات الوزارية خلال الأربع سنوات الأخيرة، هو ذلك التنسيق القوي وتكامل الأداء، كنقطة قوة أمام العراقيل التي بقيت – لعقود من الزمن – حجرة عثرة أمام تحقيق الأهداف المسطرة من طرف مختلف الدوائر الوزارية. وأشار إلى استراتيجية الحوكمة التي تسير الجزائر الجديدة وفق نهجها منذ أواخر 2019، وقال إنّها تقوم على التنسيق القوي بين القطاعات من أجل أداء فعّال، كحتمية يفرضها رهان التغيير.
ومن خلال المكون الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، تمس استراتيجية بناء الجزائر الجديدة، الفئة الأقوى تواجدا ضمن التركيبة الاجتماعية لبلادنا – حيث تمثل فئة الشباب أكثر من 70% من مجتمعنا – وتسعى الدولة الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون إلى التكفل بالشباب من خلال تجنيد جميع الهيئات والهياكل لتكوينهم ومنحهم أدوات بناء المنظومة الاقتصادية الجديدة، بما يعود بالنفع على الوطن وأبنائه، يقول داسة..
يلعب قطاع التكوين والتعليم المهنيين، من خلال مؤسّساته ومعاهده التكوينية – يؤكّد داسة – دورا بارزا في خضم التحوّلات التي تشهدها الجزائر على الصعيدين الاقتصادي والصناعي، فهو يتحمل مسؤولية إمداد المؤسّسات الاقتصادية والإدارية بموارد بشرية فنية مؤهلة وفقا لمعايير الجودة وتماشيا مع تطور المهن والوظائف، ولقد انخرط القطاع – يضيف محدّثنا – في مسعى بناء جزائر جديدة تتلاحم فيها السواعد دون استثناء ولا إقصاء لأيّ كان، باعتباره قطاعا أفقيا، يتقاسم الأهداف مع باقي القطاعات، ويعمل على تموينها بالمورد البشري المناسب لما تطرحه من فرص ومناصب شغل، وما تتطلبه من مؤهّلات ومعايير يجب توفرها في طالب الشغل، وفقا للتخصّصات المستجدة على الساحة الاقتصادية.
استراتيجية أفقية وعمل جواري
ويعتمد قطاع التكوين والتعليم المهنيين الذي كان دوما سبّاقا إلى تلبية احتياجات الشريك الاقتصادي بالمورد البشري، على الشراكات المثمرة مع مختلف القطاعات، يوجّهه في ذلك مجلس الشراكة الوطني، ومجالس شراكة ولائية تكرس جهودها لمراجعة التكوينات واستحداث تخصّصات جديدة، وضبط العلاقة بين قطاع التكوين والشركاء المحليين والأجانب، والشركاء من القطاعين العمومي والخاص. وأكّد داسة أنّ قطاع التكوين يمثل محورا حاسما ضمن إستراتيجية رئيس الجمهورية، خاصة أنّ دوره يقضي بمواكبة سوق الشغل فيما يتعلق بالتخصّصات الجديدة والمجالات الإستراتيجية التي تعتمد عليها بلادنا لإحكام البنية الاقتصادية، مثل الزراعات الكبرى والتكنولوجيا الفلاحية، السكك الحديدية، الرقمنة والذكاء الاصطناعي، تحلية مياه البجر، صناعة السيارات وغيرها..
ولأجل التعريف بمستجدات التخصّصات التي تؤمنها معاهد التكوين، قال داسة إنّ وزارة التكوين والتعليم المهنيين، تنظم الأيام الدراسية والملتقيات الوطنية والأبواب المفتوحة بإشراف مباشر من الوزير، حيث تم في ديسمبر 2023، تنظيم ملتقى وطني بالتنسيق مع وزارتي الفلاحة والصناعة حول المهن الفلاحية، بالإضافة إلى يوم دراسي حول متطلبات التكوين في مهن الإعلام، السينما والفنون، وفي جانفي 2024، نظمت الدائرة الوزارية يوما دراسيا حول العلاقة بين قطاع التكوين والشريك الاقتصادي وسبل تطويرها وآفاقها المستقبلية، إضافة إلى ورشة بيداغوجية تم تنظيمها شهر ماي المنصرم، على مستوى المعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين بالأبيار، حول التخصّصات المتعلقة بالشعب الفلاحية، هدفها إثراء مدونة البرامج التكوينية.
من جهة أخرى – يواصل داسة – ونظرا للحيز الذي يشغله الأمن السيبراني، تم تنظيم يوم دراسي حضره جميع الفاعلين ذوي الصلة بالموضوع، ويعتبر هذا الأخير، تخصّصا جديدا تم استحداثه في دورة فيفري 2024.
الشريك الاقـتصادي له كلـمة..
وقال فاروق داسة إنّ إعداد برامج التكوين يتم وفق مقاربة الكفاءات على مستوى شبكة الهندسة البيداغوجية، مشدّدا أنه لا يمكن أبدا إعداد أيّ برنامج تكويني دون استشارة الشركاء الاقتصاديين والخبراء في المجال موضوع التكوين، وقد تم إبرام العديد من اتفاقيات الشراكة أو اتفاقيات إطار مع مختلف الهيئات الاقتصادية من القطاعين العمومي أو الخاص، على غرار تلك التي تم إبرامها مع وزارة الصحة، ومثيلتها مع شركة “فيات” الإيطالية المتخصّصة في صناعة السيارات، وغيرها من الاتفاقيات التي تسعى وزارة التكوين المهني من خلالها إلى مواكبة السياسة العامة للدولة الجزائرية ومرافقة المشاريع الكبرى، من خلال تموينها وإمدادها باليد العاملة المؤهلة، في ظلّ إستراتيجية الحوكمة القائمة على التنسيق بين القطاعات، يؤكّد داسة..
ولدى الحديث عن أهم المشاريع الإستراتيجية التي تحظى باهتمام خاص من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، مثل تحلية مياه البحر التي تحتاج إلى يد عاملة متخصّصة، قال داسة إنّ معاهد التكوين المهني الجزائرية تمكّنت من رفع التحدي من خلال استحداث تخصّصات مباشرة أو غير مباشرة في مجال تحلية مياه البحر، إضافة إلى فتح تخصّصات جديدة في مجال الصناعات الصيدلانية، المناجم والمحاجر، أين ستلعب معاهد التكوين دورا يعوّل عليه في توفير اليد العاملة المتخصّصة، خاصة بعد بعث مشروع غارا جبيلات الذي سيوفر آلاف مناصب الشغل للشباب، وتخصّصات في مجال السكك الحديدية، في ظلّ انتعاش هذا النشاط وإطلاق السلطات العمومية للعديد من مشاريع الربط بين مناطق الوطن عبر خطوط السكك الحديدية.
ولا يختلف الأمر فيما يتعلّق بالأمن الغذائي، بما هو أولوية قصوى لرئيس الجمهورية، فالمسؤولية هنا مشتركة يتقاسمها الجميع – يقول داسة – ولقد سارعت وزارة التكوين والتعليم المهني إلى فتح تخصّصات تتماشى ومتطلّبات هذه المرحلة التاريخية التي تشارف الجزائر خلالها على تحقيق اكتفائها الذاتي من المنتجات الفلاحية، من أجل ضمان اليد العاملة المؤهّلة في مجال الزراعات الكبرى، لتطوير شعبة الفلاحة، تجسيدا لإستراتيجية رئيس الجمهورية المتعلقة بالأمن الغذائي. ما نلمسه كذلك على مستوى “التحوّل الرقمي”، فقد أكّد فاروق سادة، أنّ قطاع التكوين نسّق جهوده مع مختلف القطاعات، وتم إدراج تخصّص الأمن السيبراني الذي سيلعب دورا كبيرا في حماية وتأمين البيانات والمعطيات الخاصة.
تحدي مرفوع..
واضح أنّ قطاع التكوين المهني يؤدّي المهام الموكلة إليه، ما يجعل منه خزّانا حقيقيا لليد العاملة المؤهلة التي تستجيب لمتطلبات سوق الشغل، بحكم تحكمه في مختلف أنماط ومستويات التكوين، من خلال مدونة شعب تحتوي 23 شعبة مهنية موزعة على 495 تخصّصا، بالإضافة إلى تكوينات تأهيلية بلغ عددها 1300 تخصّص، وهذه يصفها المدير العام للمعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين بـ«التكوينات التأهيلية”، وهي التي تتراوح مدّتها بين شهر و6 أشهر.
وتقوم وزارة التكوين والتأهيل المهنيين، من خلال الديوان الوطني للتكوين المتواصل وترقيته، بالمصادقة على مكتسبات الخبرة المهنية. بالإضافة إلى تكوينات حسب الطلب لفائدة الشركاء الاقتصاديين. كما يعمل قطاعنا حاليا – يواصل فاروق داسة – على تحيين مدونة الشعب المهنية الصادرة سنة 2019، وإعداد مدونة جديدة تتضمن تخصّصات جديدة تتماشى والتطور الاقتصادي والتكنولوجي، بهدف تلبية متطلبات جميع الشركاء الاقتصاديين.
وبالنظر إلى الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية للأمن الغذائي، يقول داسة، يجد قطاع التكوين نفسه أمام تحدي تطوير شعبة الفلاحة وتوفير تخصّصات تتماشى مع الإستراتيجية الوطنية التي تسعى السلطات العمومية من خلالها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والتوجه إلى التصدير. حيث يضمن تكوينات معمّقة في تخصّصات موزعة بين 23 تخصّصا بالنسبة للإنتاج النباتي، و13 تخصّصا بالنسبة للإنتاج الحيواني، منها برنامج تكوين لتكثيف بذور القمح وبذور الصويا ودوار الشمس، وبرامج لزراعة الأشجار المثمرة، بالإضافة إلى تكوين تأهيلي في مجال إنتاج الزعفران، سيتم إدراجه ابتداء من سبتمبر 2024 على مستوى ولاية جيجل.. في هذا الإطار، فتح المتحدث قوسا للإشارة بأنّ التكوين التأهيلي للمتربصين يتم بعدة مؤسّسات تكوينية موزّعة عبر مناطق الوطن مع مراعاة الإنصاف الجغرافي، وتمكين ساكنة الجنوب من التكوين التأهيلي عبر مراكز ومعاهد التكوين الموزعة على الولايات الجنوبية.
بالمناسبة، أشار فاروق داسة إلى أنّ نزلاء المؤسّسات العقابية، لهم حظهم من البرامج التكوينية، تحديدا في الشعب الفلاحية، على غرار البستنة، إصلاح التربة، تربية النحل، غرس الأشجار المثمرة. حيث أكّد المتحدّث أنّ العديد من النزلاء ممّن تحصّلوا على شهادات تأهيلية، تمكّنوا من إنشاء مستثمراتهم الفلاحية المصغّرة، بعد انتهاء مدّتهم العقابية.
مستشارون للإدماج.. إصغاء وتوجيه
وفي الشقّ المتعلق بالمقاولاتية وريادة الأعمال، وعلى غرار جميع القطاعات الأخرى التي اندمجت ضمن هذه المقاربة، يلعب قطاع التكوين والتعليم المهنيين دورا محوريا في تكوين المتربصين في مجال المقاولاتية وتشجيعهم على إنشاء مؤسّساتهم الخاصة، والمساهمة بدورهم في خلق مناصب شغل، عوض البحث عنها. ويضيف محدّثنا أنه تم إدراج مقررات حول المقاولاتية على مستوى جميع التربّصات. ليثمّن العمل الجواري الذي تقوم به دار المرافقة والإدماج بالتنسيق مع مختلف الهيئات المختصة، على رأسها الوكالة الوطنية لتطوير المقاولاتية، من خلال توجيه المتربصين نحو إنشاء مؤسّساتهم الناشئة أو المصغّرة. يدعمهم ويوجّههم في ذلك مستشارو التوجيه والإدماج المهنيين الذين يقومون بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لتطوير المقاولاتية، على المستوى المحلي، بالإصغاء إلى انشغالات الشباب المتربص، والبحث عن الحلول الملائمة.
وكحصيلة لنشاط التكوين، كشف فاروق داسة أنّ القطاع قد تمكّن من توفير 62642 منصب تكوين للمستفيدين من منحة البطالة، خلال الموسم البيداغوجي 2024-2025، لتمكينهم من الاستعداد للحياة العملية. وأشار إلى نشاطات جوارية يقوم بها القطاع، من خلال مشاركة متربّصيه بمخيم “رواد المهن” المنظم من طرف المجلس الأعلى للشباب.
الخبيرة سليمة سايح حاكي: الإصلاحات الجذرية قوّمت مسارات التشغيل
أقرّت السلطات العليا بالبلاد تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، في إطار تجسيد التزامه رقم 44، جملة من التدابير لإعادة تنظيم آليات التشغيل في الجزائر منذ سنة 2020، برغم الصدمتين الصحية والنفطية التي ضربت العالم والجزائر على حدّ سواء، من خلال إدماج كلّ المستفيدين من الأجهزة العمومية للإدماج المهني والاجتماعي، واستحداث جهاز منحة البطالة والحقّ في عطلة من أجل إنشاء مؤسّسة، إلى جانب التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي..
أكّدت الخبيرة في التحليل الاقتصادي، الأستاذة سايح سليمة حاكي، أنّ التجربة الجزائرية في مجال التشغيل بصفة عامة وتشغيل الشباب بصفة خاصة، متميّزة، ولقد تمكّنت من إحداث الفارق، وراهنت على برامج تشغيل متعددة الصيغ، رغما عن الصعوبات التي اعترضت مسيرة الإصلاحات، على غرار جائحة كورونا عام 2020، وكان لها الأثر السلبي على اقتصاديات معظم دول العالم، دون إغفال الوضع الدولي والإقليمي غير المستقر..
إصلاحات جذرية..
وقالت سايح إنّ التجربة الجزائرية اعتمدت على صياغة خطط تفضي إلى التنوّع الاقتصادي والمبادرة الحرة والاستقرار الوظيفي، مع السهر على تحسين مناخ الأعمال الاستثمار، وأبرزت أنّ إرادة الدولة الجزائرية، ممثلة في شخص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، ظهرت في الالتزام رقم 44 الذي ورد في برنامجه وعمل على تنفيذه، ما انتهى إلى مراجعة شاملة للسياسة الوطنية للتشغيل، من خلال وضع آليات ترتكز على مقاربة اقتصادية محضة، لمحاربة البطالة وتعزيز آليات الإقلاع الاقتصادي.
وأبرزت الخبيرة أنّ ذلك يظهر من خلال جملة إصلاحات مست واقع سياسة التشغيل في الجزائر بشكل مباشر، وقالت إنّ جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة خاصة لدى فئة الشباب، ركّزت على تعزيز آليات الإقلاع الاقتصادي.
مناخ ملائم للاستثمار
وفي ردّها عن سؤال متعلق بالمناخ الاستثماري وعلاقته بالتشغيل، شدّدت محدّثتنا على أنّ “الجهود الرامية إلى إعادة بعث الاستثمارات الراكدة، أو رفع العراقيل عن تلك التي لم تعرف الانطلاق، والإجراءات المتخذة في مجال تعزيز آليات التشغيل، تم التأسيس القانوني لها من خلال إرساء ترسانة قانونية مشجّعة على الاستثمار، قدمت تحفيزات مختلفة، حيث شكّلت رافدا يغذي منابع التشغيل، وتمكّنت من تحقيق أرقام مذهلة في مناصب الشغل، وفتح الآفاق أمام القوى العاملة المعطلة، ممّا رفع من نسب الإسهام في بناء الاقتصاد الوطني، ودفع عنصر الإنتاج نحو الصعود بالموازاة مع الرفع من القدرة الشرائية، وهذا – تقول المتحدّثة – أدّى إلى تنشيط الاستهلاك وزيادة الطلب الكلّي الفعّال”.
ولفتت المختصة الاقتصادية إلى أنّ مسار تحسين المناخ الاستثماري وتعزيزه، تم بتتبع التنظيمات والتشريعات الخاصة بالاستثمار في الجزائر للواقع المعيش، ويمكن أن نستشف بوادر خلق مناخ ملائم للاستثمار – تضيف محدّثتنا – عبر الآليات التشريعية والتنظيمية الجديدة، وكذا المشاريع الاقتصادية الحيوية، مثل مشروع غارا جبيلات بتندوف، وواد أميزور ببجاية، ومشروع الفوسفات بالشرق الجزائري، ومشروع السد الأخضر، إضافة إلى المشروع العملاق في الصناعة الغذائية المرتقب في تيميمون وغيرها من المشاريع التي من شأنها خلق الثروة، وإمداد الخزينة العمومية بإيرادات كبيرة وتحسين المستوى المعيشي من خلال استحداث مناصب شغل، ما ينعكس إيجابا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
مشهد التشغيل.. تغيير شامل..
أكّدت الأستاذة سايح حاكي أنّ مشهد التشغيل بالجزائر وفر عشرات الآلاف من مناصب الشغل، وتم إدماج عشرات الآلاف من المستفيدين من أجهزة الإدماج، وكذا التوظيف المباشر لآلاف الأساتذة الجامعيين من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه في عملية توظيف واسعة لم تشهدها الجزائر من قبل.
بالتوازي مع ذلك – تضيف محدّثتنا – تم إنشاء المؤسّسات الناشئة وتأسيس المدوّنة الجزائرية للمهن والوظائف التي تم إرساؤها سنة 2023، وسمحت بتحكم أفضل في احتياجات سوق العمل والتكامل بين عروض وطلبات التشغيل، فضلا عن تطوير منظومة دعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة، ويندرج كلّ ذلك في مسعى تحقيق الإقلاع الاقتصادي.
وأضافت: “في جملة القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية لصالح الفئات العمالية والمتقاعدين من أجل تعزيز مسار تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، عرفت السنوات الأخيرة زيادات متتالية في الأجور بنسبة بلغت 47 بالمائة، وتثمينات في معاشات ومنح التقاعد التي بلغت 33 بالمائة عام 2023”.
وشرحت المختصة في المجال الاقتصادي قائلة: “هذا إجراء يمكّن من رفع القدرة الشرائية ورفع الطلب الكلي كعنصرين أساسيين من عناصر مجاميع الاقتصاد الكلي، شريطة أن لا يواكب زيادة الأجور رفع في الأسعار يمتص تلك الزيادات، كما يشترط – من جهة أخرى – أن يواكب الرفع في الأجور زيادة في الإنتاج الحقيقي حتى لا نقع في دائرة ظاهرة اقتصادية مختصرها أموال كثيرة تطارد سلعا قليلة وهو ما يعرف حرفيا بالتضخم”.
تدابير تحفيزية
من جهة أخرى، أفادت المتحدّثة قائلة: “نلحظ حزمة من التدابير التحفيزية المالية وشبه الجبائية التي يتكفل بها الصندوق الوطني للتأمين على البطالة، بالتنسيق مع مصالح الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، والتي استفاد منها الآلاف من العمال وخصّص لها الصندوق الوطني للتأمين على البطالة غلافا ماليا معتبرا خلال السنوات الأخيرة.
وفي السياق، أوضحت الخبيرة، أنّه قطاع التشغيل – في إجراءات تكميلية ومتممة – يسجّل تطورات في نظام المعلومات والخدمات الرقمية لفائدة المرتفقين بهدف الرفع من نجاعة آليات ضبط وترقية التشغيل وتحسين وتسريع الانتفاع، وهو ما يصبّ في رافد التحوّل الرقمي، كما تطرقت إلى الاستثمار في المورد البشري، وقالت: “لا تكتمل المعادلة في الحديث عن التشغيل إلا بإدراج رأس المال البشري، فهو العنصر المحرك والمدير والمنفذ والمقيم للعمل الإنتاجي وبالتالي لقطاع الشغل ككلّ، حيث أنّ الاستثمار في رأس المال البشري، وتمكينه وتحيين مناهج إدارته من خلال التكوين المستمر، يجعله مواكبا للتطورات العالمية الحاصلة في مختلف الميادين”.
ولفتت محدّثتنا – في السياق – إلى أنّ “تأهيل المورد البشري يشكّل أحد مفاتيح النجاح سواء للاستثمارات الوطنية العمومية أو الخاصة، وهو عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذكرت باستحداث جهاز منحة البطالة والفرص التشغيلية المترتبة عنه، وقالت: “هناك مستفيدين يوجّهون نحو عروض العمل، وآخرون يوجّهون إلى التكوين بغرض تحسين فرصهم في الحصول على مناصب عمل”.
جديد عالم الأعمال..
من جهة أخرى، عادت الأستاذة سائح حاكي إلى الحديث عن التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي، للتفصيل في أدبيات علم المانجمنت والمقاولاتية، وقالت إنّ المقاولاتية “تعرف على أنّها الممارسة الفردية لنشاط مربح يندرج في قائمة الأنشطة المؤهّلة المحدّدة عن طريق التنظيم والمنصب على تقديم منتج جديد أو تطويره أو طريقة جديدة في مزج عوامل الإنتاج”، ويشترط في النصوص التنظيمية المؤطرة للمقاولاتية الذاتية في الجزائر، أن لا يتجاوز رقم الأعمال السنوي للمقاول الذاتي 5 ملايين دج، كما يستثني مشروع القانون من نطاق تطبيقه المهن الحرة والأنشطة المقننة والحرفيين.
وأبرزت سايح أنّ تطوير روح المقاولاتية يسهل ولوج الشباب إلى سوق العمل عن طريق التوظيف الذاتي، إضافة إلى أنه يكرّس المفهوم الحقيقي للاستثمار المنطوي على المغامرة وظروف عدم اليقين والرغبة الشديدة في النجاح واقتناص الفرص في السوق، ويكتسي طابعا منشئا للثروة وليس فقط مجرد نقل الحيازة أو توظيف الأموال، حيث أنّ هذا القانون من شأنه حصر عدد الكفاءات التي تنشط في السوق الموازية، واستعادتها لإدماجها في الاقتصاد الرسمي، ممّا يسهل عملية التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد”.
وترمي الدولة من وراء إنشاء المقاولاتية الذاتية – تقول حاكي- إلى تنظيم بعض الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي ظهرت مع بروز اقتصاد المعرفة والوسائل الرقمية، والتي لم تكن تخضع إلى إطار قانوني، على غرار تطوير التطبيقات والتجارة الالكترونية وتسيير منصات التواصل الاجتماعي، حيث أنّ الدور الذي سيلعبه هذا المشروع في تخفيض أعباء المؤسّسات الناشئة من خلال تمكينهم من الاستعانة بالمقاولين المستقلين وكذا الاستغلال المشترك للموارد البشرية بين المؤسّسات المختلفة، بالإضافة إلى تسهيل تصدير بعض الخدمات الرقمية.والمتابع لهذا المسعى – تقول محدّثتنا – يلاحظ أنّ القانون حدّد المزايا الممنوحة للمقاول الذاتي وعلى رأسها مسك حسابات مبسّطة، والإعفاء من القيد في السجل التجاري، والخضوع لنظام ضريبي تفضيلي والتغطية الاجتماعية، بالإضافة إلى إمكانية فتح حساب بنكي تجاري.
في السياق، أبرزت الخبيرة الاقتصادية أنّ من جملة التدابير التي أقرّتها الدولة لصالح عالم الشغل في الجزائر، أنّها منحت الحقّ في عطلة للموظفين من أجل إنشاء مؤسّسة، وهذا ما يمثل المقاولاتية المؤسّسية، إلى جانب التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي بتخفيض استثنائي في قيمة الاشتراكات التي يمكن أن تصل – وفق اختيار المعني – إلى مبلغ قدره 24 ألف دج.