أكلة “البايلا”، واحدة من أبرز الأطباق الشعبية، التي يسعى السياح لتجربتها أثناء زيارتهم لوهران، لارتباطها الوثيق بالهوية الجزائرية وتراثها الغني المتنوع، الزاخر بالأكلات التقليدية، التي تحمل في طياتها قصصا وذكريات عن الماضي، وتجسّد الارتباط الوثيق بين الغذاء والثقافة المحلية.
لطالما كان طبق “البايلا”، واحدا من أشهر الأطباق الوهرانية، التي تحظى بشعبية كبيرة، ومع افتتاح مطبخ “جمال”، ببلدية عين الترك الساحلية، أصبح هذا الطبق الشهير، أكثر شعبية من ذي قبل؛ حيث يقصده عشرات السياح الوطنيين والأجانب، يوميا، للاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها، لمذاقها المميز، والطبيعة البحرية للمنطقة.
ولقد كان لـ«الشعب” لقاء مع صاحب مطعم “الصياد”، “عباسيني جمال”؛ صاحب خبرة طويلة في مجال الطهي بداخل وخارج الوطن، ومنذ أن اختار هذا المكان، ليكون موطنا لمطعمه، لم يدخر جهدا في سبيل إرضاء زبائنه، وإبراز تميز أكلة “البايلا” التقليدية، التي يرجع أصولها إلى الغزو الإسباني لمدينة وهران.
واعتبر عباسيني، أن “هذا الطبق الشهير، ليس مجرد أكلة، بل تعبير عن ممارسات، وتقاليد اجتماعية متوارثة، وهو مستوحى من “البايلا” الإسبانية الشهيرة، التي يعود أصلها إلى منطقة فالنسيا؛ نشأت بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كوجبة سهلة التحضير للفلاحين والرعاة باستخدام المكونات المتوفرة لديهم في الحقول”.
وأشار أن “طبق “البايلا” في تلك الحقبة الزمنية، كانت مكوناته بسيطة، مثل الأرز، الزعفران، زيت الزيتون، ولحوم الطيور أو الأرانب، والخضروات الطازجة، ومع مرور الوقت، تطورت الوصفة، لتشمل المأكولات البحرية في المناطق الساحلية..”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “المدينة المتوسطية، وهران، غنية من حيث المطاعم التقليدية المتخصّصة في إعداد هذه الأكلة بطرق مختلفة، لكن لكل مطعم وطريقته الخاصة في إضافة التوابل والمكونات؛ ما يضفي على البايلا الجزائرية، طعما مميزا ونكهة فريدة”.
ويرى أن “أكثر ما يميز مطبخه، أنه يتمّ إعدادها بطريقة خاصة وعناية فائقة، من خلال خلط الأرز والمأكولات البحرية، كالجمبري والحبار والأخطبوط والسمك، إضافة إلى بعض أنواع الخضار والتوابل والأعشاب العطرية، ومكونات أخرى، تطهى في مزيج متناغم على شكل “مرق”، أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ “المرقة”، والنتيجة هي طبق لا ينسى، يجمع طراوة المكونات، وغنى النكهات”،
وأفاد أن “وصفة “البايلا الوهرانية”، المطبّقة بمطعمه، كما يفضل تسميتها، توارثها أبا عن جد، وحمل على عاتقه حمايتها والترويج لها بكل حب وامتنان”، ويروي أنها “تعود لجديه من جهة الأب؛ حيث كانا مشهورين بهذه الأكلة في سنوات الستينات، قبل أن يفتح والده مطعما في نفس التخصّص”.
واسترسل المتحدث ذاته، قائلا: “في بعض الأحيان، أحاول تطوير هذه الأكلة، وإضافة لمساتي الخاصة عليها، ولكن دائما ما أعود إلى طريقة الأجداد، وكلما حافظت عليها وصنتها، شعرت وكأنني أقترب أكثر من أصولي وأسلافي، هذا الإحساس يعطي لحياتي معنى أعمق..”
ولفت إلى أنه عندما ينقل هذه الأكلة إلى أطفاله وإخوته، يشعر وكأنه ينقل إليهم جزءا من هويتهم، معربا عن أمله في أن يحافظوا على هذا التقليد ويستمروا في تمريره إلى الأجيال القادمة، بما سيشكّل جسرا بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وفق تعبيره.
والكثير من المدح والإشادة، يتلقاه مطعم جمال عباسيني، الذي يتميز بالعديد من المميزات التي تجذب الزبائن من مختلف المناطق، أبرزها الموقع الاستراتيجي في قلب بلدية عيون الترك الساحلية، مع تصميم داخلي بسيط وديكور بحري أنيق، ما يضفي جوا من الراحة والاسترخاء.