سجل الاقتصاد الوطني جملة من المؤشرات الايجابية التي عكست تواصل ديناميكية التحول في الاقتصاد الوطني، بحسب ما ورد في تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2023، الذي أوصى بضرورة تسريع الجهود لدعم بيئة مواتية للنمو.
وفقا لذات التقرير الذي تحصلت واج على نسخة منه، تميزت سنة 2023، “بمواصلة ديناميكية التحول في الاقتصاد الوطني على أساس الالتزامات الرئاسية الرامية إلى تكريس سياسة جديدة مستقلة عن عائدات النفط والانخراط في الإصلاح الشامل للدولة وأخلقة الحياة السياسية والعمومية، وتعزيز الحكم الراشد وإعادة الحوار الاقتصادي والاجتماعي إلى مكانه الصحيح في الصرح المؤسساتي، لاسيما من خلال إضفاء الطابع الدستوري على المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز سلطاته”.
ومست هذه الإجراءات مختلف المجالات ومن أبرزها المالية العامة، الإصلاح المصرفي، الاستثمار، التجارة الخارجية، تنظيم السوق، حماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وخلال سنة 2023، تم التنفيذ الفعلي للنمط الجديد لتسيير ميزانية الدولة، حيث تهدف عملية تخطيط الميزانية إلى ترشيد الموارد والنفقات العمومية في إطار ميزانيات البرامج متوسطة المدى، وفقا لأهداف الحفاظ على التوازنات المالية.
وخلال السنة ذاتها، صدر القانون النقدي والمصرفي الجديد الرامي إلى تعزيز النظام المصرفي وتحسين الحوكمة، وتم من خلاله استحداث العملة الرقمية للبنك المركزي (الدينار الجزائري الرقمي)، وإعادة تعريف المؤسسات المصرفية لتشمل تلك التي تتوافق مع مبادئ التمويل الإسلامي، وإنشاء لجنة وطنية للدفع.
وتم إصدار لائحة تحدد شروط الترخيص بإنشاء مكاتب الصرف، وتعزيز سوق الأوراق المالية وإعادة تنظيمها، وإصدار الإطار القانوني للتمويل التشاركي، إضافة إلى فتح بنكين جزائريين بكل من موريتانيا والسنيغال، بهدف دعم المتعاملين الوطنيين في أنشطتهم التصديرية للبلدان الافريقية.
ومست الإصلاحات كذلك -يضيف التقرير- مجال الاستثمار، حيث مكن تنفيذ القانون الجديد للاستثمار من تحقيق ”تقدم كبير”، لاسيما في إضفاء “اللامركزية في معالجة قرارات الاستثمار، وتوفير الضمانات، وإلغاء القيود على المستثمرين الأجانب، مع إنشاء هيئة للطعون على مستوى حكومي أعلى”.
ومكن ذلك من تسجيل 4574 مشروعا استثماريا على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بنهاية 2023.
وتم تسجيل 87 مشروعا استثماريا لدى الوكالة من طرف متعاملين اقتصاديين أجانب خلال 2023، بمبلغ 853 مليار دج، من شأنها استحداث 10315 منصب شغل، وهذا مقارنة بـ 14 مشروعا مسجلا في 2022 ومشروعا واحدا في 2021.
وفي مسعاها لتعزيز الإطار المعيشي والقدرة الشرائية للمواطنين وتنمية رأس المال البشري، اتخذت السلطات العمومية جملة من الإجراءات على غرار الرفع المستمر لأجور الوظيفة العمومية والمعاشات، ورفع منح البطالة، والمنحة الجزافية للتضامن، وعدم فرض ضرائب جديدة والابقاء على الدعم على المنتجات الأساسية الضرورية، تماشيا مع الطابع الاجتماعي للدولة.
وتم خلال ذات السنة، القيام بعدد من الخطوات بغرض إعطاء رأس المال البشري واقتصاد المعرفة المكانة التي يستحقانها، كإصدار قانون بشأن المقاولاتية، وإطلاق برامج للبحوث وتسريع الرقمنة، وإدراج تخصصات جديدة للتعليم العالي للإعداد لمهارات القرن ال21 كتكنولوجيا النانو.
وبخصوص إدارة التجارة الخارجية، تم العمل على ضبط الواردات لاسيما من خلال إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الاستيراد، المسؤول عن تحديد وتوجيه السياسة المطبقة بتنظيم الواردات واقتراح تدابير لحماية الانتاج الوطني، إضافة إلى إنشاء نظام رقمي على مستوى الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية “ألجكس” لدراسة طلبات المستوردين ومدى مطابقتها لتوجيهات وتعليمات السلطات العمومية.
وحول تنظيم السوق والمنافسة والتنظيم، “فلم تشهد السنة الماضية تغييرات كبيرة، على الرغم من الاضطرابات العرضية أو الدورية، حيث تم تزويد الأسواق بشكل كاف، لاسيما بالسلع الاساسية”، يضيف المجلس في تقريره.
بالموازاة مع ذلك، سجلت الصادرات خارج قطاع المحروقات ارتفاعا ملحوظا، سمح بمضاعفة نسبة تغطيتها للواردات من 5ر6 بالمائة في 2020 إلى 44ر11 بالمائة في 2023.
سجل ميزان المدفوعات خلال سنة 2023 فائضا قدره 35ر6 مليار دولار، بفضل أداء الميزان التجاري.
غير أن التقرير حذر من تبعات آلية معايرة الكربون الحدودية التي شرع في تنفيذها الاتحاد الاوربي في أكتوبر 2023 على الصادرات من الاسمدة والصلب والحديد.
وفي المجال المالي، أشار المجلس إلى عدة مؤشرات ايجابية على غرار ارتفاع الايرادات الضريبية ل17 بالمائة في 2023 على أساس سنوي، وارتفاع سوق التأمينات ب5ر3 بالمائة، وارتفاع التعاملات المالية عن طريق الانترنت ب77 بالمائة، إضافة إلى التطور الكبير للصيرفة الاسلامية.
وبشأن التضخم، أكد التقرير أنه “يظل تحت السيطرة، على الرغم من الاتجاه التصاعدي المسجل على المستوى العالمي”.
من جهة اخرى، أثنى المجلس على أداء بعض القطاعات الاقتصادية كالفلاحة التي تشكل “رافعة مهمة للنمو”، والاشغال العمومية التي تمثل 80 بالمائة من المشاريع التي رفع عنها التجميد في 2022 و2023، إضافة إلى النقل والسياحة الذي سجل 29ر3 مليون سائح العام الماضي 66 بالمائة منهم أجانب (ارتفاع 190 بالمائة مقارنة ب2022).
وقام المجلس في تقريره بإعداد جملة من التوصيات من بينها تحسين الشمول المالي لاسيما من خلال تعميم أكبر لأنظمة الدفع الالكتروني، وتعزيز كفاءة النظام المصرفي واستقراره عن طريق إنشاء وكالة تقييم مصرفية وطنية مستقلة، اتخاذ سلسلة من الاجراءات لتسريع تنفيذ استراتيجية ترقية الصادرات خارج المحروقات، والاسراع في منح العقار الاقتصادي لتنفيذ المشاريع الاستثمارية، تكثيف الاستثمار في الطاقة الشمسية، تنشيط قطاع المناجم، رفع تحدي تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الفلاحية الاستراتيجية، واتخاذ إجراءات لتنظيم الأسعار على مستوى السوق الوطنية ومكافحة التجارة غير الرسمية، والتسريع في إصدار قانون.