ثمّنت التنظيمات الطلابية قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الرامي إلى إلزام الطلبة الحضور إلى مقاعد الجامعة في حصص الأعمال الموجّهة، التطبيقية والورشات إجباريا وليس اختياريا ابتداء من الدخول الجامعي المقبل، مشيرين أن الموافقة جاءت استجابة لمطالبهم، وهذا بعد التأثر المسجل في تحصيل الطلبة.
جاء قرار موافقة الوزير بإلزامية الحضور اليومي إلى مقاعد الدراسة خاصة في حصص الأعمال الموجّهة والتطبيقية والورشات بعد غياب الحركية عن المؤسسات الجامعية، بالإضافة إلى التأثير الكبير لتحصيل الطلبة والفوارق المسجلة بين من التزموا الحضور والذين وجدوا في التعليمة السابقة فرصة للحصول على النقاط دون أي جهد.
في هذا الصدد، صرّحت الدكتورة فيروز حوت أستاذة محاضرة بجامعة البويرة ومحامية معتمدة بمنظمة بومرداس، بخصوص قرار وزارة التعليم العالي بإجبارية حضور الطلبة لحصص الأعمال الموجّهة “أنه إيجابي يتماشى مع الظرف الراهن”، موضّحة حول القرارات السابقة أنها عملت على ضمان سيرورة المرفق العام، وبذلك فإن اعتمادها مخطط جديد في تلك الفترة كان كضرورة حتمية لمواجهة جائحة كورونا، وكذا مسايرة البروتوكول الصحي المعتمد من قبل وزارة الصحة سابقا، حيث أصدرت الوزارة القرار رقم 633 المؤرخ في 26 أوت 2020، والذي أكدت في مادته الثالثة على عدم إلزامية حضور الطلبة لمختلف الأنشطة البيداغوجية وهو نفس ما جاء في القرار الوزاري رقم 055، المؤرخ في 01 جانفي 2021، في مادته الثالثة بعدم إجبارية حضور الطلبة باستثناء بعض الأعمال التطبيقية وأعمال الورشات والتربصات التي صدر بشأنها رأي مخالف للّجنة البيداغوجية، وهو ما يؤكد عدم إلزامية حضور الطالب بعنوان السنة الجامعية 2019-2020 وكذا سنة 2020-2021.
وبعدها صدر قرار وزاري رقم 915 مؤرخ في 11 أوت 2021، والذي نصّ – حسب المتحدثة – على إجبارية حضور الطلبة في الأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية وأعمال الورشات مع ضرورة احترام البروتوكول الصحي، والذي اعتمد حقا في الجامعة من خلال نظام التباعد في الجلوس وضرورة لبس الواقي، لضمان عدم تفشي الفيروس.
وأشارت أيضا إلى صدور القرار رقم 992 المؤرخ في 1 أوت 2022، الذي يحدّد كيفيات التسجيل وإعادة التسجيل للتكوينات لنيل مختلف الشهادات الجامعية، والذي أكد على إجبارية حضور الطلبة على مدار السداسي، ثم القرار الوزاري رقم 171 المؤرخ في 9 فيفري 2023 المعدل بموجب القرار رقم 1023 المؤرخ في 25 جويلية 2023، حيث أكدت المادة 19 على إجبارية حضور الطلبة لمختلف الأنشطة البيداغوجية مع منح علامة 0 في حالة تغيّب الطالب، وذلك بموجب المادة 21 من هذا القرار.
وتحدّد المادة 42 منه المعايير الإقصائية للطالب المتغيب، لذلك ننوّه لفكرة ضرورية وهي أن الطالب المتغيب وجب إقصاؤه وليس منح علامة 0، لأن علامة 0 تعتبر علامة تقييمية، ومن غير المعقول ندرج علامة ولو حدّدت بصفر لطالب لم يكن له وجود فعلي في الجامعة.
وأكدت الأستاذة، أن وزارة التعليم العالي تمشي وفق خطى ثابتة حول تمكين الطالب من التحصيل العلمي بدلا من تحصيل العلامة، لأن حضور الطالب يعني الاحتكاك الفعلي بالمؤسسة الجامعية، وهنا يمكن الحديث عن التقييم المعرفي من أجل ضمان جودة المردودية التعليمية.
وعليه لا يمكن النظر في قرارات الوزارة بعدم إجبارية حضور الطالب للجامعة من جوانب سلبية نظرا لتدني التحصيل العلمي وتلقي المعلومة، بقدر ما نثمّن هذه القرارات لأنها جاءت تماشيا وسيرورة المرفق العام في ظلّ جائحة كوفيد 19، وما يؤكد ذلك هو تراجع الوزارة على هذه القرارات مع اعتماد البرتوكول الصحي، إلى غاية النص على إجبارية الحضور وهذه تعتبر قفزة نوعية، لأن خيار الطالب في الحضور من عدمه يجعله في توجه آخر وهو الخيار بين الجامعة النظامية التي تلزم حضور الطالب في مختلف النشاطات البيداغوجية وما بين اختيار التسجيل في جامعة التكوين المتواصل باعتبارها جامعة التكوين عن بعد.
مستوى التكوين
في هذا الصدد، قال الأمين العام الوطني للمنظمة الوطنية للطلبة الاحرار “اونال” رياض بوخبلة لـ«الشعب”، أن الجامعة عرفت في السنوات الأخيرة عامة وفي سنوات ما بعد الكوفيد خاصة، عزوف الطلبة عن الالتحاق بمقاعد الدراسة لتلقي الدروس سواء في المحاضرات، الدروس التطبيقية الأعمال الموجهة أو الورشات، ما جعل المستوى العلمي والإنتاج البحثي بالجامعة في تراجع.
وأوضح المتحدث أنّ العزوف خلّف أثرا بالغا في تكوين الطلبة الجامعيين وتحصيلهم القاعدي للأساسيات العلمية من منهجية وتكوين نظري يؤطر الطالب علميا ومعرفيا، وشكّلت اللامبالاة العلمية للطالب وعدم رغبته النفسية في ولوج مدرجات وقاعات المحاضرات والأقسام أثرا بالغا في انتشار الظاهرة في كل جامعات الوطن التي انتقلت عدواها حتى إلى بعض الأساتذة، وذلك من خلال عدم القيام بدورهم على أكمل وجه نظير هذا التجلي للظاهرة المستفحلة، والتي كانت عواقبها وخيمة على الطالب في تكوين بيداغوجي ناقص، خصوصا مع القوانين الجديدة التي لا تفرض حضورا إلزاميا للمحاضرات بخلاف الأعمال الموجّهة.
وأضاف أيضا، رغم وجود بيئة قانونية منظّمة للعملية بالجامعة، إلا أن انتشار الظاهرة وتفشيها على كل الأصعدة، رسم صورة أخرى عن الجامعة بالرغم من الانفتاح والتطوّر الذي عرفته في السنتين الاخيرتين في ظلّ الاصلاحات التي أقرتها وزارة التعليم العالي لجعل الجامعة قاطرة الابتكار والابداع لدعم الاقتصاد الوطني.
تكييف قوانين
بدورها طالبت المنظمة الوطنية للطلبة الاحرار وكبقية الشركاء الاجتماعيين من الوزارة الوصية إعادة النظر وتكييف قوانين تُلزم الطلبة بالحضور الشخصي لتلقي الدروس بالمؤسسات الجامعية، وتحدّد كذلك شروط وضوابط الغيابات عنها، خاصة وأن وزير التعليم العالي والبحث العلمي البروفيسور بداري كمال تلقّى هذه الانشغالات في الندوة الوطنية للجامعات جويلية الفارط ووعد بإيجاد حلول جدّية مع بداية الموسم الجامعي 2024 ـ 2025.
من جهته عضو المكتب الوطني للرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين نورالدين بويعقوب، قال إن إعادة تفعيل المادة 19 من قرار رقم 171 ستمكّن من إعادة الحيوية للجامعات، خاصة وأن الملاحظ مؤخرا غياب الكثير من الطلبة، ما أثّر سلبا على مردودية التعليم العالي، حيث شهد الموسمين الماضيين غيابا ملحوظا للطلبة في المؤسسات الجامعية والمعاهد بسبب اعتمادهم على التعليم عن بعد وعلى المطبوعات والملخصات عوض التسجيل الحضوري في الأعمال الموجهة ( td).
وأكدت الرابطة في ذات السياق، أن القرار يعود بالفائدة للطالب من أجل إثراء مهاراته الأكاديمية وكذا خلق الحيوية في الوسط الجامعي، موضحا بخصوص آراء الطلبة أنها كانت بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، خاصة أن الطلبة يريدون الحضور متى أرادوا وبهذا القرار يتمّ إلزامهم بالحضور، وإلا يتعرضون للإقصاء مثلما كان معمول به في السابق.
كما رحّب الأساتذة وشريحة من الطلبة بالقرار الذي وصفوه بالشجاع لإعادة الحركية المطلوبة في الشقّ البيداغوجي لتكوين نخبة المجتمع، موضحا بشأن المردودية، أن إعادة تفعيل قرار إلزامية الحضور للأعمال الموجهة ابتداء من الموسم الجامعي المقبل بالمثمر، من أجل إعادة النظر في كيفية تلقي الدروس حضوريا ورفع من قيمة البحث العلمي وتكوين طالب متمكّن أكاديميا، وليس تكوين نسخ ولصق وطالب “البوليكوب” كما يطلق عليه.
وخلصت الرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين إلى أن الوزارة الوصية أدركت التبعات والنتائج السلبية المترتبة عن عدم إجبارية الحضور، والتي أثّرت على نتائج ومعدلات الطلبة بسبب غيابات بالجملة في مقاعد الدراسة.