تجسيدا لالتزام رئيس الجمهورية المتعلق بتوفير سكنات لائقة لجميع الجزائريين، أطلقت الجزائر خلال الأربع سنوات الماضية، برنامجا عملاقا هو الأضخم إقليميا والأكبر قاريا، سمح ببناء حظيرة سكنية وفرت المساكن بمختلف الصيغ وبأسعار تنافسية لجميع الفئات من دون استثناء، وجّه الجزء الأكبر منها للطبقتين المتوسطة والهشة.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
أدت مقاربة رئيس الجمهورية المبنية على برنامج طموح، في قلب المعادلة في قطاع السكن ولم يعد الطلب يتفوق على العرض، بعدما تكفلت الدولة بتشييد مئات الآلاف من السكنات سنويا ودعم المستفيدين منها، مع استغلال جميع القدرات وتخصيص الموارد المالية الكافية لضمان عملية التمويل، فتحولت استراتيجية الإسكان إلى خطة بعيدة الأمد، شجعت على جلب استثمارات ضخمة في إنتاج مواد البناء، مما سمح بخلق الثروة عبر تصدير جزء معتبر من الإنتاج، إلى جانب تشغيل اليد العاملة وامتصاص البطالة.
تعد منظومة السكن قطاعا محوريا ضاخا للثروة ومحققا للاستقرار ومشجعا على الادخار، نما بقوة في الجزائر الجديدة وتحول إلى قطاع ديناميكي مرسخ للتنمية ويتكامل مع قطاعات أخرى في ضخ الموارد المالية بالعملة الصعبة.
وبعد ترجمة التزام الرئيس على أرض الواقع، تحول حلم السكن إلى حق لجميع الجزائريين، خاصة عقب إطلاق المزيد من البرامج السكنية في عام 2024، على غرار برنامج عدل-3، المشروع الوطني الاجتماعي والاقتصادي الكبير، إلى جانب رفع إعانة السكنات الريفية.
وتؤكد المؤشرات، وفق ما أكد خبراء لـ«الشعب”، بداية تلاشي أزمة السكن، بعد التوسع الذي عرفته حظيرة السكن بشكل جعل المضاربين في العقار يختفون، ويحل محل قلة العرض وفرة كبيرة في سوق الإيجار، مع انخفاض تدريجي في أسعار الكراء، بالإضافة إلى نجاح معركة القضاء على البيوت القصديرية.
كما كللت جهود عصرنة المحيط العمراني في المدن الكبرى وكذلك على مستوى المناطق الريفية بمكاسب ثمينة ساهمت في محو مناطق الظل بفضل حركية أحد أهم القطاعات الاستراتيجية التي تحظى بترقب واهتمام الجبهة الاجتماعية كما المتعاملين الاقتصاديين، على حد سواء.
الخبير محمد حيمران: الرئيس تبون.. متابعة دائمة واستراتيجيات مدروسة
عرف قطاع السكن في الجزائر تطوّرا لافتا خلال السنوات الأخيرة، حيث التزم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالدفاع عن الطبقة الوسطى التي تعتبر “ركيزة البلاد”.
لم تتوقف ورشات المشاريع السكنية بمختلف الصيغ عن التجسيد على أرض الواقع، حيث وضع السكن ضمن أولى أولويات الدولة، وباتت الجزائر بتعداد 58 ولاية، ورشات مفتوحة لإنجاز البرامج السكنية بجميع الصيغ، موجهة لفائدة جميع شرائح المجتمع، خاصة الهشة والفئات المتوسطة، ما خلق ديناميكية اقتصادية وطنية، في إطار استكمال مسيرة البناء والتشييد وبسواعد جزائرية، بنسبة 98٪ وبإمكانات وموارد محلية. كما تكفلت الوصاية أيضا بالآليات العمرانية، حيث حرصت على إنجاز مشاريع تستجيب لكلّ ما تتطلبه القوانين المعمول بها في مجال العمران.
أكّد الدكتور والباحث بمركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية محمد حيمران، أن الجزائر وضعت سياسة حقيقية في مجال العمران، تأخذ في الحسـبان المعايير الهندسية وتحفظ التراث الوطني، مشيرا إلى أن ميزانية سنة 2024 لمشروع التخطيط والتطوير الحضري كانت بقيمة 84.476 مليار دج في تراخيص الالتزام و60 مليار دج في اعتمادات الدفع المخصصة لبناء الطرق المجاورة للسكنات والمرافقة لمختلف أشغال ومشاريع التحسين الحضري، وكذلك برنامج المدن والمدن الجديدة بغلاف مالي 16.8 مليار دج في تراخيص الالتزام و34 مليار دج في اعتمادات الدفع المخصصة لدعم خمس عمليات جديدة تتعلق بأشغال التنمية بالمدن الجديدة.
راحة المواطن..
وأفاد الباحث بمركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية، في حديثه مع “الشعب”، أنه تم تقليص كبير للأحياء القصديرية التي كانت تنتشر بولايات الوطن، وقد تم وضع آليات قانونية ورقابية لمحاربة الغش في العقارات ومنح السكنات، مع العمل على استحداث محيط عمراني وريفي عبر تعزيز السكن في مناطق الظل سمح بتوفير راحة المواطن، وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع السكنية الجارية وضمان احترام مواعيد إنجاز وتسليم المشاريع المستقبلية من خلال تفعيل المسؤولية المالية لأصحاب المشاريع.
وبما أن 86% من السكان يقيمون في تجمعات سكنية داخل الولايات والبلديات، وهذا هو التوجه في السنوات السابقة والحالية، ما يعني أن المدن تعكس قوة الازدهار الديموغرافي، واقترنت بظاهرة النزوح الريفي، فإنه في منظور الخبير الاقتصادي لاتزال المدن غير قادرة على أداء وظائفها الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن تشخيص الإقليم الوطني في حاجة إلى إجراء هام وهو إعادة التوازن الجهوي، وهذا سيضمن توزيعا منسجما لأقطاب التنمية عبر التراب الوطني.
البرنامـج الخماسي.. خطى متسارعة
في هذا الإطار، أفاد حيمران بأن البرنامج الوطني لمختلف الصيغ السكنية، في إطار تحقيق البرنامج الخماسي الممتد من 2020 إلى غاية 2024، هو برنامج قوامه أكثر من مليون و20 ألف وحدة سكنية، موزعة على السكن العمومي الإيجاري 2400 وحدة سكنية، حوالي 190 ألف وحدة للترقوي المدعم، 382 ألف وحدة سكنية بصيغة البيع بالإيجار عدل، 21 ألفا و400 وحدة سكنية الترقوي العمومي، في إطار تنفيذ برنامج يضم مليون وحدة سكنية بمختلف الصيغ، خلال فترة 2020-2024، وهذا من أجل ضمان حق المواطن في الحصول على سكن لائق، عبر كل ولايات الوطن.
في السياق، وفي إطار تحقيق البرنامج الخماسي، الممتد من 2020 إلى غاية 2024، كشفت الأرقام المقدمة من قبل الوصاية، عن استفادة مليون و150 ألف جزائري من سكنات بمختلف صيغها خلال الفترة بين سنتي 2020 و2021، وهي من أشد الفترات حرجا التي مر بها العالم أجمع، والجزائر أيضا، في مواجهة جائحة كورونا، حيث انجر عن هذه الأزمة اتخاذ تدابير الإغلاق التي أثرت كثيرا على اقتصاديات دول العالم، حيث تم توزيع 234 ألف وحدة سكنية، استفاد بموجبها 1مليون و150 ألف جزائري من سكنات بمختلف الصيغ، من بينهم 25 ألف مواطن بالعاصمة لوحدها خلال سنتي 2020 و2021.
استراتيجيات مدروسة..
وتطرق الدكتور حيمران، لاستراتيجية السياسة السكنية المعتمدة بالجزائر ومدى نجاعتها، خاصة وأنها أحد التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال سنة 2019، وقال إنه “يوجد متابعة جدية للسلطات العليا في البلاد تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون لملف السكن من أجل التخفيف أزمة السكن على المواطن، وضمان الحصول على سكن لائق عبر صيغ مكيفة موجهة لاسيما للأسر ذات الدخل المنخفض، حيث تم في هذا الإطار تبسيط الإجراءات المتعلقة بالبناءات السكنية وضمان تسويات قانونية، وتم إنشاء تجمعات سكانية جديدة حول المدن الكبرى من أجل ضمان تهيئة أفضل للإقليم، مع تحفيز نقل النشاطات الاقتصادية من الساحل نحو المدن الداخلية”.
وأبرز في السياق، أنها تسير وفق استراتيجيات مدروسة، حيث أن برنامج سنة 2024 تطلب تراخيص التزام بلغت حوالي 1.104.32 مليار دج، أي بزيادة قدرها 100٪ مقارنة بعام 2023، بالإضافة إلى 564.313 مليار دج مخصصة لقروض الدفع، حيث تم تخصيص غلاف قدره 711,79 مليار دج لتراخيص الالتزام و313,52 مليار دج لاعتمادات الدفع، في إطار البرنامج الجديد لإنشاء 460 ألف وحدة سكنية”.
الطابع الاجتماعي
يعرف قطاع السكن بالجزائر، إنجازات غير مسبوقة ومشاريع متنوعة.
وبلغة الأرقام، أبرز الخبير في المجال الاقتصادي أن البرنامج المسجل في إطار قانون المالية 2024، تضمن حوالي 210.000 وحدة سكنية، بجميع الصيغ مجتمعة، يضاف إليها 250.000 وحدة أخرى (100.000 من النوع التأجير العمومي و150.000 وحدة سكنية ريفية)، ليصل إجمالي المساكن المسجلة في البرنامج إلى 460 ألف وحدة.
ويتوزع هذا البرنامج السكني على 130 ألف سكن عمومي إيجاري (الاجتماعي)، 20 ألف سكن ترقوي عمومي، 230 ألف سكن ريفي و80 ألف عقار للسكن الاجتماعي.
وفي سياق الجهود الجبارة للدولة الجزائرية في مجال السكن، التي تجسّد البعد الاجتماعي للدولة، أبرز محمد حيمران أن الجهود المبذولة خلال الأربع سنوات الماضية، أفضت إلى تسليم 1.25 مليون وحدة سكنية بين 2020 و2023.
في هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي إن الحكومة استعرضت مجموعة من الإجراءات المقترحة في مشروع قانون المالية لسنة 2024، مثل منح الدولة تخفيضا بنسبة 10% لفائدة المستفيدين من السكن من نوع “البيع بالإيجار” الذين دفعوا 25% من تكلفة السكن ويرغبون في تسوية أوضاع سكنهم قبل الموعد المحدد.
نجاح عدل-3.. الرّهان القادم
بالمقابل، تحدث الخبير الاقتصادي عن استمرار صيغة “سكنات البيع بالإيجار “عدل” لما يزيد عن عشرين سنة، في وقت وعد فيه المسؤولون على قطاع السكن أن يكون “عدل3 “ مختلفا في الشكل ومدة الإنجاز والتسليم، أقل من آجال الإنجاز في عدل1 وعدل2، وفق نمط معماري جديد. وذكر أن الحكومة قامت بنقل أكثر من 8.600 وحدة سكنية من المرقين العقاريين الخواص السابقين، كانوا في حالة عسر ويعانون من صعوبات مالية، إلى مرقين عقاريين تابعين للقطاع العام، وهذا من أجل القيام بإتمام المشاريع السكنية عبر كامل التراب الوطني وخلق التعديلات التي من شأنها التحسين من جميع الجوانب وخاصة في سرعة إتمام المشاريع.
وكان وزير السكن والعمران والمدينة محمد طارق بلعريبي، قد كشف أن برنامج “عدل3” سيتم تجسيده وفق نمط عمراني جديد يعتمد على الرفع من عدد الطوابق في العمارات، مع زيادة الشقق في الطابق الواحد، وبناء عمارات تتكون ما بين 15 طابقا و20 طابقا، بالإضافة إلى تواجد 6 شقق في الطابق الواحد، حيث أن مشاريع الإنجاز في البرنامج ستجري بوتيرة متسارعة.
نمو ديمغرافي..
بالمقابل، فقد اعتمدت الجزائر على مجموعة من الصيغ السكنية منذ الاستقلال إلى غاية الوقت الحالي، على غرار السكن العمومي الإيجاري– الاجتماعي SOCIAL، السكن الريفي، سكن البيع بالإيجار AADL، السكن الترقوي المدعم LPA -أو LSP سابقا- السكن الترقوي العمومي LPP، السكن الترقوي الحر LPL.
وأشار حيمران في نفس السياق، إلى أن القضاء على مشكل السكن، يواجه الزيادة المتزايدة في نسبة النمو الديموغرافي، إلا أنه على الأقل، يساهم في شكل كبير في توفير مساكن للمواطنين ويحد من أزمة السكن.
عبد القادر سليماني: الحق في السكن.. التزام شخصي من الرئيس لصون كرامة المواطن
جعل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من الأعياد والمناسبات الوطنية موعدا مزدوجا يربط ماضي الكفاح بمستقبل الكرامة والإنجازات.. أعياد الجزائر أصبحت اليوم موعدا يترقبه المواطن لاستلام مفاتيح سكنه. مئات الآلاف من السكنات بمختلف الصيغ، تسلم سنويا… وأربع سنوات كانت كفيلة بطي الملف نهائيا، من خلال برنامج تنموي لايزال متواصلا باستراتيجيات متكاملة فيما بينها، تقودها إرادة سياسية حقيقة، فمن القضاء على مناطق الظل إلى تحرير الاستثمار على مستوى الجماعات المحلية، من خلال قانون جديد للبلدية والولاية، يمكن من الاستغلال الأمثل للمقدرات المحلية ويحقق استقلاليتها، تكمله برامج سكنية بصيغ مختلفة، لا يكاد الانتهاء من إحداها، ليتم الإعلان عن أخرى. وتبقى صيغة السكنات الريفية المقاربة الأنجع لإعمار المناطق النائية، لاسيما الحدودية منها وتغيير وجه الريف الجزائري.
أوضح الخبير في الاستراتيجيات الاقتصادية عبد القادر سليماني، في اتصال مع “الشعب”، أن ملف السكن من الملفات التي تحظى بمتابعة شخصية من طرف رئيس الجمهورية، نظرا لزيادة الطلب على السكن.
ثورة صامتة، طويلة الأمد، تأهبت الدولة الجزائرية لخوضها، من خلال تخصيص حصص مالية ضخمة لفائدة جميع الصيغ السكنية والاستعانة بالشركاء الأجانب لتسريع وتيرة إنجازها، على رأسهم الشريك الصيني، من أجل الوصول إلى القضاء، أو على الأقل التخفيف من حدة أزمة السكن، باعتبار أن الجزائر تعرف نموا ديموغرافيا نشطا. والحديث عن هذا الأخير، يقول سليماني، يدفعنا إلى تناول الجانب الاجتماعي لملف السكن ببلادنا، الذي سيسمح بتحقيق الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن بعض الصيغ السكنية موجهة خصيصا لذوي الدخل الضعيف، كالبناء الريفي، فيما تم تخصيص صيغ أخرى، منها الترقوي العمومي لميسوري الدخل.
لا حرمان ولا إقصاء
وتزامنا مع برنامج “عدل3”، الذي صنع الحدث الوطني بعيد الاستقلال والشباب، في 05 جويلية المنصرم، والتأكيد من رئيس الجمهورية على استمرارية المرافقة الاجتماعية للمواطن الجزائري وضمان حقه في السكن الكريم، تم إطلاق الدورة الأولى لعملية إنجاز السكنات الريفية، استطرد المتحدث، في إطار برنامج السكن الريفي لسنة 2024، التي ستشمل سكان المناطق النائية، بما فيها منطقتا الهضاب والجنوب والمناطق الحدودية، إضافة إلى المناطق البعيدة عن المناطق الحضرية، من خلال مساعدة فئتي العمال والمتقاعدين للاستفادة من إعانات لبناء سكنات ريفية، غير خاضعة للتسديد، ولأول مرة، عبر منصة رقمية تسمح بمتابعة العملية ابتداء من إيداع الطلبات إلى غاية منح الموافقة النهائية التي سيتحصل المستفيد بموجبها على الإعانة المالية بكل شفافية، تجسيدا للالتزام رقم 25 لرئيس الجمهورية الذي تعهد من خلاله على تعميم رقمنة كل الخدمات والمرافق العمومية ذات البعد الاجتماعي.
أما بالنسبة للحصص السكنية المبرمجة، أفاد سليماني أن 60 ألف مواطن سيستفيدون خلال الدورة الأولى من الإعانات الممنوحة من طرف الصندوق الوطني لمعادلة الخدمات الاجتماعية، بقيمة مالية تقدر بـ30 مليار دج، وهو رقم مهم، بحسب المتحدث، يكرس اجتماعية الدولة الجزائرية ويجسد التزامات رئيس الجمهورية بعدم التراجع، بل استحالة التفكير في التراجع عن دعم المواطن الجزائري بكل فئاته الاجتماعية وانتماءاته الجغرافية، من خلال دعم القدرة الشرائية للفئة المتوسطة من عمال ومتقاعدين، وتمكينها من سكن لائق بإعانات مالية، حيث تم وضع شرط عدم تجاوز 6 مرات الأجر القاعدي بالنسبة للعائلات المعنية بالسكنات الريفية، وهي الشريحة الأكثر انتشارا ضمن التركيبة الاجتماعية لبلادنا.
المناطق الحدودية
في ذات السياق، أشار سليماني أنه وفي إطار العدالة الاجتماعية والإنصاف التنموي بين كل مناطق الوطن، أكد رئيس الجمهورية في كل مناسبة على إدماج الولايات الحدودية ضمن الحركية الاقتصادية للبلاد، وجعلها بوابة ذات بعد اقتصادي وحضاري إفريقي، ولا يمكن لذلك أن يتحقق دون إعمار هذه المناطق، من خلال اعتماد صيغ سكنية يتناسق طابعها العمراني مع طبيعتها الجغرافية، وتحترم القدرات المالية والدخل العائلي للأسرة الجزائرية وتحويلها إلى أقطاب اقتصادية واستثمارية، على غرار ولاية تندوف التي تعتزم الجزائر تحويلها إلى مدينة منجمية بامتياز، خاصة بعد فتح منطقة نشاط حرة بها. نفس المقاربة سيتم إسقاطها على كل من عين صالح، عين قزام، برج باجي مختار وتمنراست.
كما ثمن المتحدث إنشاء ولايات منتدبة، على غرار ولايات بريكة، عين وسارة، مسعد، بوسعادة وأفلو، معتبرا هذه الخطوة تعزيزا للامركزية وتجسيدا لمسعى تنمية مناطق الظل التي شكلت نقطة بداية الإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية منذ توليه قيادة البلاد ذات 12 ديسمبر 2019، أين تعهد بالقضاء على كل صور الإقصاء والتهميش التي عانت منها هذه المناطق لعقود طويلة. وسيلعب المخطط الوطني لتهيئة الإقليم دورا مهمّا في تحويل مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير إلى مناطق ذات حرية اقتصادية متكافئة مع تلك التي تعرفها المناطق الشمالية.
بالمقابل، يشكل العقار الفلاحي الوجه الآخر للمسار التنموي الريفي، باعتبار الفلاحة النشاط الرئيسي لساكنة الهضاب والسهوب، حيث سيتم توزيعه بشكل عادل على مستحقيه من المستثمرين المحليين وفتح آفاق جديدة من أجل تثبيت المواطن بمنطقته الريفية وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية لهذه الأخيرة، التي يتوقع الخبير أن تعرف نزوحا عكسيا من الشمال إلى الجنوب بهدف الاستثمار، مع ذكر مثال امتيازات استغلال مساحات واسعة من الأراضي الفلاحية بالجنوب لكبرى المؤسسات العمومية والخاصة، بهدف تحفيز الإنتاج الفلاحي وتشجيع التبادل التجاري بها.
سكن جزائري 100%..
يعتبر قطاع السكن قطاعا أفقيا وقاطرة لباقي القطاعات الحيوية، لتداخله الوثيق بها، يقول المتحدث، من خلال تدخلها المباشر أو غير المباشر في صناعة السكن، وتأثيره على النشاط الاقتصادي، على غرار المؤسسات المقاولاتية، والمؤسسات المنتجة لمواد البناء، من إسمنت وحديد وألمنيوم وخشب… إلى جانب تفعيل حركة النقل، وكذا إنعاش السوق المالية الجزائرية، نظرا للتدخل المباشر للبنوك في إنعاش الأسواق المالية.
في هذا الصدد، يأمل الخبير الاقتصادي، أن تحذو الجزائر حذو الدول المتقدمة، على غرار الصين التي قامت بإنشاء أسواق مالية كالبورصات والبنوك المختصة في العقارات لمرافقة الشركات العملاقة، الرائدة في مجال البناء. إضافة إلى الحركية التي تحدثها المشاريع السكنية في عجلة الإنتاج الاقتصادية، مساهمة بذلك في الرفع من معدل النمو والتشجيع على الادخار، باعتبار أن الفئة الأكثر استفادة من القروض البنكية السكنية، هي فئة المدخرين، والزيادة في نسبة الاستثمارات التي تعرف نسب إدماج محلية عالية تصل أحيانا إلى 95%، وقد تم تحقيق ذلك من خلال جملة الإجراءات والنصوص التنظيمية التي سنتها الدولة الجزائرية، كتلك التي تنص على منع استيراد المنتجات المصنعة محليا.
واستدل المتحدث في ذلك، بتعليمات رئيس الجمهورية التي تقر بإلزامية استعمال المواد المصنعة محليا في عملية صناعة السكن، حيث لاقى هذا الإجراء استحسان المنظمات والهيئات الاقتصادية والفاعلين الاقتصاديين من أرباب عمل ومصنعي مواد البناء كالإسمنت، الخشب، السيراميك، الألمنيوم وغيرها…
كما تطرق الخبير الاقتصادي إلى فرص العمل التي مكنت من توفيرها لشركات المناولة التي تحصل الشباب على حصص مهمة منها في إطار المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، من خلال مشاركتهم في مجالات مختلفة، من تصنيع وإنتاج للواحق السكنات من أبواب ونوافذ وغيرها.
أحمد الحيدوسي: تكريس التطور الاقتصادي والاستقرار الاجـتماعي.. مقاربة ناجعة
استعرض أستاذ العلوم الاقتصادية أحمد الحيدوسي، بالكثير من التفصيل، مكاسب البرنامج السكني الضخم والطموح، المندرج في إطار الالتزام ببرنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نجح من خلاله في امتصاص الطلب المرتفع على الوحدات السكنية، عبر طرح مختلف الصيغ لجميع الفئات، تصدرت فيها سكنات عدل والإعانات الريفية والسكنات الاجتماعية الأولوية، لأنها شكلت حصة كبيرة من خارطة المشاريع، وانسجم كل ذلك مع حتمية النمو الديمغرافي في ظل استمرار إطلاق المشاريع السكنية لمختلف الفئات والأعمار، خاصة برنامج عدل3، الذي حظي باهتمام وإقبال عدد كبير من الجزائريين.
قدم الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي بشكل مستفيض ومفصل، حصيلة قطاع السكن المسجلة خلال الأربع سنوات، معترفا بأن هذا القطاع الديناميكي المنفتح على شقين أساسيين، يتعلق الأمر بالشق الاجتماعي والاقتصادي، نجح في تحقيق وثبة تاريخية لم يشهدها سوق العقار الوطني من قبل، مشيرا في سياق متصل أنه شكل أحد أبرز التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، باعتبار أن السيد الرئيس مطلع بشكل جيد على أدق تفاصيل القطاع، وكان له الفضل الكبير في إطلاق العديد من البرامج من بينها برنامجي “عدل1 و2”، محققا نجاحات باهرة في تجسيد عرض مهم في سوق العقار.
برامج ديناميكية
أشار الخبير الحيدوسي، في إطار استعراضه للمكاسب بلغة الأرقام، أنه من الفترة الممتدة بين عام 2000 إلى غاية 5 جويلية 2024، تم توزيع أزيد من 452 ألف سكن بمختلف الصيغ، من بينها 70 ألف سكن في 2020، وكذا 120 ألف في عام 2021 وأما 115 ألف فتم توزيعها في سنة 2022، إلى جانب 80 ألف مسكن وزعت في 2023، بالإضافة إلى توزيع 67 ألف في عام 2024.
وقال الخبير، إن حظيرة السكن الوطنية، تعززت بنحو نصف مليون وحدة سكنية جديدة بمختلف الصيغ. علما أن حجم الحظيرة الوطنية للسكن تجاوز 10 ملايين مسكن، واصفا هذا الرقم الضخم بالمهم جدا، خاصة أن مدخلات عملية الإنجاز كانت جزائرية، ويتعلق الأمر بعدة مواد، نذكر من بينها الحديد والإسمنت والسيراميك والبلاط والدهن وكل ما يتعلق بعملية الانجاز.
وفي مقاربة تعكس أهمية ما تحقق، قال الخبير والأستاذ الجامعي، إن برنامج عدل2 لوحده استهلك ما لا يقل عن 12 مليون طن من الإسمنت، يمثل إنتاج 6 مصانع جزائرية أو أكثر خلال سنة كاملة.
اتسعت الأثار الإيجابية لنمو قطاع السكن على ضوء توجيهات رئيس الجمهورية، لأن عدة قطاعات أخرى تحركت وهذا ما شجع انتشار مصانع الإسمنت. علما أن قدرات الإنتاج بلغت نحو 30 مليون طن، مسجلة فائضا تجاوز 10 ملايين طن، مع تسجيل استهلاك نحو 20 مليون طن.
واعتبر الحيدوسي أنها تعد كمية كبيرة، تعكس أهمية البرامج التنموية المكرسة على أرض الواقع هذا من جهة، ومن جهة أخرى تؤكد أن برامج السكن تعرف ديناميكية واستمرارية بشكل ملفت وهذا ما جسد بروز قيمة اقتصادية، تعد إضافة مهمة للاقتصاد الوطني. وأما من الناحية الاجتماعية، توفر سكنا لائقا يضمن حياة كريمة للمواطن.
ويرى الخبير، أن القطاع في عهد الرئيس تبون حقق قفزة كبيرة قضت على العديد من الظواهر، بما فيها مضاربة السماسرة.
استمرار الطلب
وأوضح الخبير، أن صرامة تجسيد المشاريع وجدية تنفيذ البرامج، سمحت بحلحلة أزمة السكن، بفضل رؤية السيد الرئيس وجهود الحكومة، وأفضى ذلك إلى توسع تاريخي للحظيرة الوطنية للسكن، وفي حالة مقارنة هذا الانجاز المقدر بنحو 10 ملايين وحدة سكنية، فإنه يتناسب مع عدد الأسر في الجزائر بعدما سجل 9,5 ملايين أسرة في الجزائر، وتم الإعلان أن نسبة شغل هذه السكنات بلغ 4.16 مليون وحدة سكنية ويعد رقما مهمّا.
واعتبر الخبير الحيدوسي، أن عدد الزيجات المقدرة بحوالي 280 ألف عقد زواج سنوي جديد، يقابله سنويا ربع مليون طلب على السكن. وقال، إن إنجاز 1 مليون وحدة سكنية خلال عهدة انتخابية أو خلال 5 سنوات، يعد تحديا كبيرا وإنجازا فريدا من نوعه. ونفى الخبير وجود أزمة سكن، وأرجع قوة الطلب إلى النمو الديموغرافي المنعكس على النمو الاقتصادي، وتوقع أن يتواصل الطلب على السكن في السنوات المقبلة.
واستحسن الخبير بروز أقطاب حضارية ومدن جديدة لم تكن موجودة من قبل، وينتظر أن تكرس الاستقرار الاجتماعي. وبفضل تضافر عديد الجهود، صار قطاع السكن يسير في مسار حيوي، ونجح في تشجيع الاستثمار في مجال صناعة السكن، ورفع من قدرات إنتاج مواد البناء وفرض تنافسية في جودتها وبالموازاة مع ذلك تم كبح استيرادها وتخفيض أسعارها في السوق المحلية.
وبالنسبة للمناطق النائية، فقد شملتها العديد من المشاريع الضخمة وتعززت بدورها بأقطاب حضارية. وذكر الخبير أن قطاع البناء بصفة عامة، يعد من القطاعات التي توفر أكبر عدد من فرص عمل، مما يسهم في تقليل البطالة وترقية الاقتصاد. وخلص الخبير إلى القول، إن التزام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتطوير قطاع السكن، كان له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد الوطني وعلى حياة المواطن، بالإضافة إلى ذلك مكن من تنشيط العديد من الصناعات المحلية.