تشكّل محطة “فايجة اللبن” للنقوش الصخرية الكائنة ببلدية المليليحة، التي تبعد عن ولاية الجلفة بـ50 كيلومترا لوحة فنية لإنسان ما قبل التاريخ.
تعتبر نقوش محطة “فايجة اللبن”، من بين أروع الإبداعات الفنية التي جسّدها إنسان ما قبل التاريخ بمنطقة الجلفة، حسب المختصين في علم الآثار وباحثين جامعيين من جامعة “زيان عاشور”.
وفي هذا الصدد، ذكر المهتم بالآثار وتراث منطقة الجلفة، الباحث حكيم شويحة، لـ(وأج)، أنّ محطة “فايجة اللبن”، التي ظلّت متوارية عن الزوار، نظرا لبعدها عن الطرق التي يستقلها المواطنون وتمركزها بين سلسلتين جبليتين، تمثل حقيقة تحفة فنية للإنسان ما قبل التاريخ.
واعتبر المتحدّث هذا المعلم الأثري من بين محطات الفن الصخري، التي تدعى عند المختصين بنمط “تازينة”، وهي نقوش ذات خطوط إنسيابية فيها الكثير من الفن الذي يعكس الحسّ الجمالي عند إنسان العصر الحجري.
ويكتسي هذا المعلم الأثري أهمية من حيث موقعه ومن حيث ما يحتويه من نقوش حيوانية وبشرية، وهو ما يبرز أيضا التغير المناخي والبيئي للمنطقة.
وأضاف الباحث شويحة – في السياق – أنّ هذه المحطة تحوي مجموعة من النقوش التي تمثل مجموعة من الحيوانات كوحيد القرن وحيوانات تشبه الضباع المخططة، أو ما يعرف بكلاب السمع التي ما زالت موجودة في حظيرة العقار والطاسيلي. وأيضا على شكل إنسان بتسريحة شعر ذات ثلاث أجزاء.
وتشير البطاقة التقنية لهذه المحطة في لمحتها التاريخية، التي دوّنها كلّ من هنري لوط (باحث فرنسي)، ومليكة حاشيد (باحثة جزائرية)، أنّ النقوش الصخرية التي تحويها منجزة بالأسلوب الطبيعي “تازينة” وهي مرحلة امتازت بجمالية أشكالها، وتحويرها بأسلوب بسيط تنقص فيه تفاصيل الجسم مثل الذيل والقرنان، كما تكون الأجسام متوسطة وأحيانا صغيرة.
ووفقا لمدير قطاع الثقافة والفنون بالولاية بالنيابة، عيسى كعبوش، فإنّه بالرغم من تعرّض واجهات الصخور، التي تحمل النقوش الصخرية بهذه المحطة لمختلف العوامل الطبيعية، إلا أنّ حالة النقوش التي تتضمّنها هذه اللوحة الفنية ذات الجمالية في المتحف الطبيعي للمنطقة يبقى حفظها في حالة “حسنة” تظهر واضحة المعالم.
وأوضح المسؤول في السياق، أنّ هذا الموقع الأثري، الذي تم تحيينه في قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية العقارية وفقا لقرار ولائي صدر العام الماضي، أقترح للتصنيف الوطني إثر اجتماع عقد في ديسمبر الفارط، أشرفت عليه اللجنة الوطنية المكلفة بهذه المهام.
وقد أثمرت المصادقة على تصنيف هذا الموقع في قائمة التراث الثقافي، وينتظر صدوره في الجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي يعود لجهود تمثلت في إعداد ملف مدقّق شمل مخطّطات التصنيف والجانب البيبلوغرافي، وفقا لذات المسؤول.
56 ممتـلكا ثقافيا ضمن قائمة الجرد الثقافي
وإلى جانب الأهمية، التي يكتسيها موقع “ضاية اللبن”، الذي أضحى مسألة تصنيفه وطنيا كمعلم تراثي ذات قيمة وبعد تراثي هام يضاف لما تكتنزه الجلفة من حقيبة أثرية متعددة الشواهد، تحصي مديرية الثقافة 56 ممتلكا ثقافيا مسجّلا ضمن قائمة الجرد الثقافي، حيث اقترحت 10 مواقع منها لتنفيذ إجراءات التنصيف وجعلها ذات جاذبية.
ومن بين هذه المواقع، التي أقترحت للتصنيف، حسب مدير القطاع، موقع “شنابة” الذي يمثل معالم جنائزية، وكذا الحصن الروماني المتقدّم والمتمركز بمنطقة “بن لحواينية”، ببلدية البيرين (شمال الجلفة)، إلى جانب مواقع أثرية أخرى اكتشفت مؤخرا، وعدد من المساجد العتيقة التي تستحقّ التصنيف.
وتحصي المناطق الأثرية بالجلفة، الضاربة جذورها التاريخية في عمق الزمن والتي يرجّح تاريخ تعميرها إلى عصور ما قبل التاريخ، نحو 47 موقعا للنقوش والرسومات الصخرية، تحوي 950 نقشا حجريا.
إضافة إلى مختلف الصناعات الحجرية والعظمية والجنائزية، التي ساهمت في استقراء تواجد الإنسان القديم وأصل البشرية، وفقا للخبراء.
وتعبّر اللوحات الفنية الرائعة، التي خلّفها الإنسان عبر فترات زمنية مختلفة الكثير عن حياته اليومية، وظروف معيشته ومحيطه وتطوره الفكري والنفسي ومعتقداته الدينية، إضافة إلى الحرف المنتشرة كالصيد والصناعة.