«رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، أولى اهتماما خاصا لحماية التراث الثقافي الوطني، من خلال التوجيهات النابعة من السياسة الرشيدة المنتهجة، في ظلّ الجزائر الجديدة، حيث تجلّى ذلك بشكل واضح من خلال المكاسب المحقّقة في كنف متابعته لكلّ ما يتعلّق بالتراث الوطني”.. هي تصريحات اتفق عليها من حملنا إليهم سؤالنا عن “التراث”.. أساتذة ومختصّون في التراث الثقافي، ومتابعون لجهود الدولة الجزائرية في صون تراثها وحماية ذاكرة وتاريخ الأمة، بما هو العمود الفقري لأيّ منجز مستقبلي، يفرض الوجود ويعزّز المكانة ويمنح القدرة والفاعلية..
ملف: هدى بوعطيح واسامة إفراح وفاطمة الوحش ومحمد الصالح بن حود وإيمان كافي
ولقد ضاعفت الدولة الجزائرية من جهودها للحفاظ على التراث الوطني، خاصة مع ما يتعرّض له من محاولات نهب وسرقة، وضعت التراث الجزائري في دائرة الخطر، غير أنّ أبناء الجزائر انتفظوا لإنقاذ الموروث الزكيّ، وأحلوه محلّه السامي بما هو الذاكرة الحية للفرد والمجتمع بأكمله، والمساس به، هو مساس بتاريخ الجزائر الموغل في القدم..
ولقد التزم الرئيس عبد المجيد تبّون بـ«حماية التراث الوطني”، وأولى الثقافة عامة والتراث المادي واللامادي الكبير الذي تزخر به الجزائر خاصة، باهتمام خاص، ليكونا من بين أهم الأولويات، فصون ذاكرة الأمة، هو صون لوجودها ومستقبلها، وهذا ما تجسّد في إيداع ملفات لدى منظمة “اليونسكو” للحفاظ على الموروث الوطني، وقطع أيادي السرّاق عنه، فتم تصنيف عديد التحف من تراثنا المتنوّع، مادية ولامادية، على قائمة التراث العالمي.
اليوم، مسؤولية حماية التراث الثقافي واجب وطني بامتياز، ورهان كبير من رهانات الدولة الجزائرية، كما أكّدت على الدوام وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، فما يتحقّق لقطاعها من فتوحات كبرى، إنّما هو تجسيد لالتزام الرئيس تبّون، بتعزيز حماية تراثنا الثقافي وحفظه وتثمينه.
دسترة التراث الثقافي.. تحصين المنجز الوطني..
تزخر الجزائر بتراث مادي ولا مادي يعبر عن تاريخها العريق وإسهاماتها الفاعلة في الحضارة الإنسانية. ويحتاج هذا التراث إلى العناية والحماية، وإلا كان عرضة للاندثار والزوال، أو ضحية لمساعي السرقة والاحتيال. من أجل ذلك، سهرت الدولة الجزائرية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، على حماية التراث وتصنيفه، وطنيا ودوليا، من خلال إجراءات كان من أهمها دسترة التراث الثقافي..
تعرّف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التراث بأنّه “الإرث الذي ورثناه من الماضي، والذي ننعم به اليوم، والذي ننقله إلى أجيال الغد. ويُعتبر تراثنا الثقافي والطبيعي نبع حياة وإلهام لا بديل له”، تؤكّد المنظمة الأممية.
وتزخر الجزائر بكنوز تراثية لا حصر لها، نظرا لشساعة إقليمها من جهة، وتجذرها في التاريخ والحضارة الإنسانية من جهة أخرى، ما جعل حماية هذا التراث، الذي هو جزء من هوية الدولة الجزائرية، ضمن أولويات رئيس الجمهورية.
دسترة التراث الثقافي
ولعلّ من أهمّ إضافات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، إلى مسألة حماية التراث، المادة الجديدة في الدستور الجزائري لسنة 2020، وهي المادة 45، ونصّها: “الحقّ في الثقافة مضمون للمواطن. تحمي الدولة التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه”.
ونشير هنا إلى أنّ دسترة التراث الثقافي فتحت الباب لمراجعة وتحيين الإطار القانون لحماية التراث. مثلا، وبعد تنظيم “الجلسات الوطنية حول مراجعة المنظومة القانونية المتعلّقة بحماية التراث الثقافي”، نصّبت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، مطلع السنة الجارية، “اللجنة الوطنية المكلّفة بمراجعة قانون حماية التراث الثقافي”، وذلك من أجل “صياغة نصّ جديد يرتكز على تعديلات عميقة للقانون 98-04، أو إصدار قانون تراث ثقافي جزائري جديد إذا تعدّت التعديلات نسبة معيّنة من مواد القانون الساري المفعول، وضبط المصطلحات القانونية بما فيها المفاهيم الجديدة المتعلّقة بحماية وتثمين التراث الثقافي، وإصدار قانون لحماية التراث الثقافي الجزائري يواكب التحدّيات والرهانات، وتبسيط إجراءات تصنيف التراث الثقافي المادي وغير المادي، وتجسيد البعد الاقتصادي في استغلال التراث الثقافي، وتنفيذ الالتزامات الدولية للجزائر في مجال حفظ وحماية التراث الثقافي.
حرص الرئيس على حماية التراث
وتعدّدت المناسبات التي أكّد فيها رئيس الجمهورية على ضرورة حماية التراث. مثلا، خلال اجتماع مجلس الوزراء في 20 سبتمبر 2020، الذي عالج نقاطا منها الاستغلال المنجمي للذهب بولايتي تمنراست وإيليزي، كلّف رئيس الجمهورية وزارة الدفاع الوطني بمعالجة مسائل منها “حماية معالم التراث الثقافي والمواقع الأثرية بالجنوب الكبير”.
كما ترأس رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، في 30 أوت 2021، اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء، خصّص لدراسة والمصادقة على مخطط عمل الحكومة قبل عرضه على البرلمان، وكان من بين النقاط التي تضمّنها، وتحت المحور الأول “تعزيز دولة القانون وتجديد الحوكمة”، العمل على “ترسيخ وتعزيز وحماية مقوّمات الهوية الوطنية والذاكرة”. وأكّد المحور الثالث “من أجل تنمية بشرية وسياسة اجتماعية مدعّمة”، على “الحفاظ على التراث الثقافي وتفعيل دوره”.
ومن الجوائز الثقافية التي أسّس لها الرئيس عبد المجيد تبّون، “جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللّغة الأمازيغية”، والتي تشمل أربع فئات، إحداها فئة “الأبحاث في التراث الثقافي الأمازيغي غير المادي”، وتتعلّق بالأعمال الميدانية التي “تتناول جمع التراث الثقافي غير المادي الأمازيغي بجميع تنوّعاته”.
وقد تأسّست هذه الجائزة وفقا لأحكام المرسوم الرئاسي رقم 20-228 المؤرخ في 19 أوت 2020 (المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 24-57 المؤرخ في 23 جانفي 2024)، وتنظّمها المحافظة السامية للأمازيغية، التابعة بدورها لرئاسة الجمهورية. وتنصّ المادة الثانية من المرسوم على أنّ الهدف من الجائزة هو “مكافأة أحسن الأبحاث والأعمال التي ينجزها المشاركون إمّا فرديا أو جماعيا”، في المجالات المحدّدة للجائزة، وذلك في إطار “تشجيع البحث والإنتاج في الأدب واللّغة الأمازيغية وترقيتهما، سواء كانت الأعمال مؤلّفة باللّغة الأمازيغية أم مترجمة إليها”.
الجزائر.. قلعة للتراث الإنساني
والجزائر حاضرة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، من خلال قلعة بني حمّاد، ومواقع تيبازة، وتيمقاد، وجميلة، وتاسيلي ناجّر، ووادي مزاب، وقصبة الجزائر (حسب موقع اليونسكو).
ونجد من العناصر المدرجة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية (حسب موقع وزارة الثقافة والفنون)، أهاليل القورارة، العادات والمهارات الحرفية المرتبطة بتقاليد زيّ الزفاف التلمساني، والممارسات والمعارف المرتبطة بموسيقى الإمزاد وآلتها عند جماعات الطوارق في الجزائر ومالي والنيجر، الزيارة السنوية لضريح سيدي عبد القادر بن محمد سيدي الشيخ، الطقوس والاحتفالات الخاصة بعيد السبيبة في واحة جانت بالجزائر، “السبوع” (الزيارة السنوية إلى زاوية سيدي الحاج بلقاسم في قورارة بمناسبة المولد النبوي). كما نجد في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، المعارف والمهارات الخاصة بكيالي الماء العاملين في الفقارة في توات وتيديكلت.
ويضاف إلى هذه القائمة ثلاثة عناصر بالاشتراك مع دول مجاورة وهي “الإمزاد”، “الكسكسي” و«الخط العربي”.
وشهد عام 2022 إدراج اليونيسكو أغنية الراي الجزائرية في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية. كما تمكّنت الجزائر عام 2023 من تسجيل ملف “النقش على المعادن: الذهب، الفضّة والنّحاس، المهارات والفنون والممارسات” على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى اليونسكو بمشاركة عشر دول عربية أخرى.
وتتوالى مساعي الجزائر في حماية تراثها، حيث تعتزم إيداع ملفات لحماية عناصر تراثية أخرى، لتكون من أكثر الدول نشاطا ومصداقية في مساعي حماية التراث الثقافي.
وفي هذا السياق، كان عمار نوارة، مدير الحماية القانونية للتراث بوزارة الثقافة والفنون، قد تحدّث، أفريل الماضي، عن تصنيف 1600 موقع أثري ضمن الحظائر الوطنية الثقافية عبر التراب الوطني. وأكّد نوارة أنّ جهود الجزائر جعلتها تحتل الصدارة على الصعيدين العربي والإفريقي، والمركز العشرين على الصعيد العالمي، في تصنيف التراث الثقافي.
اعتراف عالمي
عرف جوان الفارط انتخاب الجزائر بالإجماع لعضوية لجنة التراث الثقافي اللامادي لعهدة 2024 ـــ 2028 باليونسكو. واعتُبر ذلك اعترافا بدور الجزائر في مجال صون التراث وطنيا ودوليا، ودليلا على ثقة المجتمع الدولي بالجزائر، وبجدية سياستها الوطنية في المحافظة على موروثها الثقافي غير المادي الغنيّ وتنميته وتطويره.
وفي هذا الصدد، أشار سليمان حاشي، مدير “المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ”، ومدير “المركز الإقليمي لحماية التراث الثقافي غير المادي في إفريقيا”، إلى ما يكتسيه هذا الانتخاب من أهمية كبرى بالنسبة للجزائر، التي ستعزّز مكانتها في المحافل الأممية، للمساهمة في تفعيل آليات دولية لحماية التراث الثقافي الإنساني، وأيضا للعمل أكثر على حماية التراث الثقافي الجزائري بكلّ مكوّناته المادية واللامادية.
وأضاف حاشي بأنّه قد صار للجزائر “منبر أممي لإسماع صوتها الهام، وهي المعروفة بمواقفها ومساهمتها الفعّالة في مجال حماية التراث الثقافي اللامادي”، خاصة وأنّ الجزائر كانت أول بلد يوقّع على الاتفاقية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي سنة 2003، وشاركت بشكل فعّال في صياغة نصوصها، وقبل ذلك كانت سبّاقة لإصدار قانون 98 – 04 المتعلّق بحماية التراث الثقافي، يؤكّد سليمان حاشي، مضيفا أنّ الجزائر أصبحت، في السنوات الأخيرة، مثالا يقتدى به في عديد الدول وخصوصا في القارة الإفريقية لإنشاء بنوك للمعلومات، وهو ما أدّى باليونسكو إلى الموافقة على احتضان الجزائر “المركز الإقليمي الإفريقي لصون التراث اللامادي الصنف 2”.
قاطرة التراث الإفريقي
بالحديث عن المركز الإقليمي بالجزائر لصون التراث الثقافي غير المادي في إفريقيا، من الفئة 2، تحت رعاية اليونسكو، فإنّ هذا الأخير يعدّ اعترافا بدور الجزائر المحوري في القارة الإفريقية.
ولتسليط الضوء أكثر على هذا المركز الذي تحتضنه الجزائر، نشير إلى المرسوم التنفيذي رقم 20-166 (27 جوان 2020) الذي يحدّد تنظيم وسير المركز. حيث وتعرف المادة السادسة من المرسوم التنفيذي المركز بأنّه “أداة إقليمية للصون والحفظ والبحث والدراسة وتثمين التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني والإفريقي”. وتلخّص ذات المادة مهام المركز في: ترقية التراث الثقافي غير المادي وصونه على المستويين الوطني والإقليمي، ودعم القدرات الوطنية وتعزيزها من أجل تحديد التراث الثقافي غير المادي وصونه، وتعزيز التعاون بين بلدان الإقليم في هذا الميدان، وتنظيم أنشطة ترمي إلى تعزيز القدرات الوطنية لبلدان الإقليم في ميادين تحديد وتعريف التراث الثقافي غير المادي الموجود في أقاليمها، وتوثيقه، وإعداد قوائم حصره وصوته وفقا للاتفاقية وتوجيهاتها التنفيذية، ومساعدة هذه البلدان بغية المحافظة على البيانات المتعدّدة الوسائط المتعلّقة بهذا التراث، ومعالجتها معالجة رقمية، وجمع المعطيات في ميدان التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني والإفريقي ومعالجتها وضمان المحافظة عليها ونشرها.
جهود متواصلة.. وعمل في الميدان
ولعلّ الإنجازات في مجال حفظ وحماية التراث، التي يتجاوز صداها الحدود، تستقطب الانتباه أكثر بالنظر إلى سمتها العالمية، إلا أنّ الجهود على المستوى المحلي لا تقلّ أهمية كمّا وكيفا، وهو ما يتماشى مع شساعة القطر الوطني وما يزخر به من تراث مادي.
على سبيل المثال، شهدت سنة 2020 صدور قرار تنفيذي يتضمّن مخطط حماية الموقع الأثري “هيبون” والمنطقة المحمية التابعة له واستصلاحها. وعرفت 2021 صدور مراسيم تنفيذية تتضمّن إنشاء القطاع المحفوظ وتعيين الحدود لكلّ من “قصر ازلواز” و«قصر أجاهيل”، وكذا الموافقة على قرارين وزاريين مشتركين يتضمّنان الموافقة على المخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لميلة، والمخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لتنس.
أما سنة 2022، فشهدت صدور قرارات تتضمّن تصنيف كلّ من “حصن القديس غريغوريو”، و«حصن روز الكزار”، و«حصن القديس بيدرو”، و«حصن سانتا كروز”، و«حصن سان تياغو”، إلى جانب تصنيف “زاوية سيدي منصور” بولاية تيزي وزو، وتصنيف “الموقع الأثري لمغارات غلدمان” بولاية بجاية.
فيما عرفت سنة 2023 صدور قرارين يتضمّنان فتح دعوى تصنيف المسرح الجهوي لباتنة “صالح لمباركية”، والمسرح الجهوي لسيدي بلعباس، ومرسوما تنفيذيا يتضمّن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمليانة وتعيين حدوده، ومرسوما مشابها يتضمّن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة “قلعة بني راشد” وتعيين حدوده.
وصدر في السنة الجارية 2024 مرسوم تنفيذي يتضمّن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة (غليزان)، وتعيين حدوده. كما صدر قرار تنفيذي يتضمّن مخطّط حماية الموقع الأثري لسيقار والمناطق المحمية التابعة له واستصلاحها، وقرار آخر يتضمّن مخطّط حماية الموقع الأثري لزموري البحري والمناطق المحمية التابعة له واستصلاحها.
حماية التراث الثقافي البيئي
ولا يقتصر الحديث عن التراث الثقافي على التحف والآثار والموروث الشعبي، بل يتعدّى ذلك إلى المحيط الطبيعي بتنوّعه البيولوجي وتعايش الإنسان معه على مرّ العصور. وهو ما كرّسه مشروع “المحافظة على التنوّع البيولوجي ذي الأهميّة العالمية والاستعمال المستدام لخدمات الأنظمة البيئية في الحظائر الثقافية بالجزائر”، المعروف اختصارا بـ«مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية”، وهو مشروع وطني في إطار شراكة دولية بين وزارة الثقافة وصندوق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، انطلق في أكتوبر 2013 واختتم في أفريل 2021، وكان من إنجازاته المحقّقة رصد الفهد الصحراوي، المهدّد بالانقراض، بعد أكثر من عقد من الزمن.
وعمل فريق المشروع في أقاليم شاسعة (تغطي ما يقارب 43 بالمائة من المساحة الإجمالية للتراب الوطني) مصنّفة حظائر ثقافية بموجب قانون 98-04 المتعلّق بحماية التراث الثقافي، مجسّدة بذلك مبدأ عدم الفصل بين التراث الطبيعي والثقافي والمكرّس في المواد 38، 39، و40 من ذات القانون. ويتعلّق الأمر بالحظائر الثقافية: الأهقار، الأطلس الصحراوي، تندوف، توات قورارة ـــ تيديكلت، والتاسيلي ن أزجر، المصنّفة ضمن التراث العالمي المختلط لليونسكو منذ عام 1982.
وقد نجح مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية، باعتباره تجربة استثنائية في تسيير التراث البيئي الثقافي للحظائر الثقافية، في إدراج حفظ التنوّع البيولوجي ضمن اهتمامات قطاع الثقافة، وإرساء نظام متابعة التنوّع البيولوجي، وإشراك السكان المحليين باعتبارهم الحلقة الأهم الواجب الاستثمار فيها للاستجابة لأهداف التنمية المستدامة، والترويج للسياحة البيئية.
المختصّة في علم الآثار عائشة حنفي: حماية التراث الوطني.. صون أمانة وحفظ عهد
أكّدت أستاذة علم الآثار عائشة حنفي أنّ الجزائر بقيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، تولي اهتماما كبيرا لصون وحماية تراثها الثقافي وتعزيز قيمته، وأشارت في تصريحها لـ«الشعب” إلى أنّ التشريعات والقوانين تلعب دورا حيويا في تنظيم وحماية التراث الثقافي وضمان الحفاظ عليه من التهديدات المحتملة.
وقالت البروفيسور عائشة حنفي: “من بين الجهود التي تبذل في هذا الصدد: حماية المواقع التاريخية، حيث تعمل الحكومة الجزائرية على حماية وصيانة المواقع التاريخية والأثرية الهامة كـ«تيمقاد” و«جميلة” و«تيبازة” و«قلعة بني حماد” و«أشير” وغيرها من المعالم والمواقع التاريخية، إضافة إلى الاستثمار في الثقافة، حيث تدعم الدولة الفعّالية الثقافية والمعارض التي تعزّز التراث الثقافي الوطني، كما تسعى إلى تحسين البنية التحتية الثقافية، وأيضا التعاون الدولي، إذ تعمل الجزائر على التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو لاسترجاع الممتلكات الثقافية المفقودة والمعرّضة للخطر.”
وأوضحت المتحدّثة أنّ الجزائر يمكن أن تستفيد من دعم ومساعدة المؤسّسات الدولية المتخصّصة في مجال التراث الثقافي، من خلال الحفاظ على التراث الثقافي، وذلك بمساعدة المؤسّسات الدولية في تقديم الخبرات الفنية والتقنية اللازمة للحفاظ على المواقع والمعالم الثقافية في الجزائر، مثل ترميم الآثار وتوثيق التراث. إضافة إلى تمويل المشاريع بتقديم المؤسّسات الدولية تمويلًا للمشاريع الثقافية التي تهدف إلى حماية وترويج التراث، ممّا يمكّن الجزائر من تنفيذ مشاريع كبرى بتكلفة قليلة، كما تستفيد من التدريب والتطوير، حيث توفر هذه المؤسّسات التدريب والتطوير للكوادر المحلية في مجال إدارة التراث الثقافي، ما يعزّز من قدراتهم في الحفاظ على المواقع الثقافية، دون أن يفوتنا الترويج والتسويق، إذ يمكن للمؤسّسات الدولية أن تكون سندا للجزائر في تسويق تراثها الثقافي على المستوى العالمي، ممّا يعزّز من السياحة الثقافية ويزيد من الوعي بقيمة التراث الجزائري، في إطار الشراكات والتعاون، حيث تساهم هذه المؤسّسات في بناء شراكات دولية تعزّز من التعاون بين الجزائر والدول الأخرى في مجال الثقافة والتراث، ممّا يتيح تبادل المعرفة والخبرات.
وقالت حنفي: “باختصار، يمكن للدعم الدولي أن يعزّز من جهود الجزائر في حماية وترويج تراثها الثقافي، ممّا يساهم في تعزيز هويتها الثقافية وتنميتها الاقتصادية.”
وفي سياق آخر، لفتت محدّثتنا إلى أنّ هناك التشريعات والقوانين التي تلعب دورا حيويا في تنظيم وحماية التراث الثقافي وضمان الحفاظ عليه من التهديدات المحتملة، من خلال عدّة طرق بينها وضع معايير لحماية التراث تكون واضحة لحماية المواقع الأثرية والتاريخية، بما في ذلك تحديد المسؤوليات والإجراءات الواجب اتباعها عند ترميم أو تغيير أيّ موقع ثقافي، وكذا تحديد العقوبات، حيث تشمل التشريعات عقوبات قانونية لمرتكبي الأعمال التي تهدّد التراث الثقافي، مثل التدمير أو السرقة أو التهريب، إضافة إلى تنظيم الحفر والتنقيب، حيث تضع القوانين تنظيمات دقيقة لحفر المواقع الأثرية والتنقيب عنها ممّا يضمن أن تتم هذه الأنشطة بطريقة علمية وموثوقة تحافظ على سلامة المواقع.
وقالت محدّثتنا إنّ القوانين تحدّد كيفية إدارة وصيانة الممتلكات الثقافية، بما في ذلك ضمان توافر التمويل والإشراف اللازم، وتنسجم التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية التراث العالمي لليونسكو، ممّا يساعد في حماية التراث الثقافي من التهريب العابر للحدود، ويعزّز تبادل المعرفة والخبرات، كما يمكن أن تدعم القوانين برامج التعليم والتوعية التي تعزّز فهم أهمية التراث الثقافي بين الجمهور وتعزّز الوعي بأهمية الحفاظ عليه.
ومن خلال هذه الإجراءات – تقول حنفي – تسهم التشريعات والقوانين في إنشاء إطار قانوني قويّ لحماية التراث الثقافي وضمان استدامته للأجيال القادمة، مشيرة إلى أنّ كلّ هذه الجهود تهدف إلى حماية التراث الثقافي الجزائري والحفاظ عليه للأجيال القادمة، بالإضافة إلى تعزيز مكانته على الصعيدين الإقليمي والدولي.
رئيس القسم الإقليمي بحظيرة الأهقار بلقاسم بن شرودة: الجزائر الجديدة.. سياسة رشيدة لحماية التراث
أكّد بلقاسم بن شرودة، أنّ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، أولى اهتماما خاصا لحماية التراث الثقافي الوطني، من خلال التوجيهات النابعة من السياسة الرشيدة المنتهجة، في ظلّ الجزائر الجديدة، وقال رئيس القسم الإقليمي ذو الطابع العلمي بالديوان الوطني للحظيرة الثقافية الأهقار لـ«الشعب” إنّ رئيس الجمهورية أسدى تعليمات صارمة في الموضوع..
وقال بن شرودة إنّ الرئيس تبّون حرص على عقد وتنظيم جلسات وطنية لمراجعة قانون حماية التراث 98/04 على مستوى الولايات، لضبط المفاهيم والمصطلحات الجديدة المتعلّقة بحماية التراث. ومنه تعديله وإصدار قانون جديد من شأنه المساهمة في توفير الحماية اللازمة والضرورية لتراث الجزائر. هذا التوجيه والاهتمام – يضيف المتحدّث – يتجلّى بشكل واضح من خلال المكاسب المحقّقة في ظلّ متابعة رئيس الجمهورية لكلّ ما يتعلّق بالتراث الوطني، والذي توّج ببداية استرجاع تاريخ الجزائر واسترجاع سيف الأمير عبد القادر الذي استلمته وزيرة الثقافة بفضل تعليمات رئيس الجمهورية القاضية بضرورة تعزيز حماية التراث الثقافي الوطني، وصون الذاكرة الجماعية، والسهر على استرجاع كلّ ما هو تراث جزائري في الخارج والمحافظة عليه وتثمينه.
في السياق، وصف بن شرودة الجزائر بالسبّاقة في مجال حماية التراث الثقافي، من خلال توقيع اتفاقيات دولية لحماية وصون التراث من جهة، وسنّ قوانين صارمة لحماية التراث، من جهة أخرى، خاصة قانون 98/04 المتعلّق بحماية الممتلكات الثقافية الذي يعد آلية للحفاظ على التراث.
المحافظ الرئيسي للتراث الثقافي بورقلة عبد الحميد غرياني: رئيس الجمهورية أعاد الاعتبار للتراث الثقافي
يرى المحافظ الرئيسي للتراث الثقافي بورقلة، عبد الحميد غرياني، أنّ التراث هو العمود الفقري لأيّ أمة، تفرض به وجودها، وتعزّز مكانتها وامتدادها التاريخي، ولهذا سعت السلطات العليا في الجزائر إلى حمايته والمحافظة عليه عن طريق إجراءات عملية، وميكانيزمات محكمة..
وقال غرياني في تصريح لـ«الشعب” إنّ أول هذه الميكانيزمات، إنشاء بنك معلومات للتراث في شقّه المادي واللامادي، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، والثاني تصنيف الموروثات الثقافية الجزائرية على المستوى العالمي لحمايتها من التبني والنهب، إضافة إلى إقامة معارض في مناسبات محدّدة، ومنها شهر التراث الممتد من 18 أفريل إلى 18 ماي، من أجل إبراز الزخم الثقافي الذي تزخر به الجزائر، وتعزيز التراث وإفراد حيز له في المقررات الدراسية، خاصة في الطور المتوسط، بالإضافة إلى حثّ الناشئة، والعمل على تذكير الأبناء بهذا التراث خاصّة في بعض المناسبات الثقافية مثل يناير.
وأكّد محدّثنا أنّ من بين الملفات التي أولاها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون اهتماما كبيرا، ملف الثقافة وخاصة التراث الثقافي، فبرنامجه أفرد اهتماما كبيرا للثقافة والتراث، كونهما يشكّلان لبنة أساسية في بناء شخصية الفرد، ومدخلا له أهميته القصوى في مجال التنمية؛ لهذا، أسدى رئيس الجمهورية العديد من التعليمات في الموضوع منذ تولى سدّة الحكم، وتجلّى ذلك في حرصه على تصنيف كافة الموروثات الثقافية الجزائرية، على مستوى منظمة اليونيسكو لحماية التراث الوطني من النهب والاستيلاء الذي تقوده منظمات ودول، وسعت وزارة الثقافة إلى جرد عام وإحصاء كلي، مع تحيين دوري لبعض الملفات وإرسالها لوزارة الثقافة، قصد تصنيف الأهم منها على مستوى اليونيسكو، كما تعمل وزارة الثقافة على تصنيف بعض الموروثات بشكل ربما دوري كلّ سنتين، ولعلّ من بين المواضيع المستجدة التي يتم البحث فيها، اللباس التقليدي للشرق الجزائري.
وذكر غرياني أنّ تسجيل الممتلكات الثقافية، خاصة اللامادية على مستوى منظمة اليونيسكو، هي خطوة جدّ مهمة لتحديد الطرف الذي يمتلك هذا الموروث الثقافي، وبالتالي، حمايته من النهب والسرقة، وقد يكون تذكيرا ملهما بالبعد التاريخي لتعزيز مكانة هذه الموروثات الثقافية في المجتمع الجزائري.
ويرى محدّثنا أنّ التسجيل على مستوى اليونيسكو، يعطي أهمية وصبغة ثقافية أكثر لتلك الموروثات، كما يمنحها قيمة اقتصادية، وضرب مثلا بـ«لباس القفطان” كجزئية من الموروثات الثقافية، تمنّى لو يتم إدراجه على مستوى اليونسكو كتراث جزائري.. “إذن، لأضفى قيمة اقتصادية أكثر وزادت العائدات المادية لهذا الممتلك الثقافي” يقول غرياني.
وتسعى وزارة الثقافة إلى إدراج هذه الممتلكات بشكل تدريجي على مستوى محلي، أيّ وضعها في الجرد الإضافي، وذلك بعد موافقة اللجان الولائية للممتلكات الثقافية، والعمل على تصنيفها على مستوى وطني لحمايتها، وبعد ذلك تأتي الخطوة الأساسية والمهمة أكثر، وهي التصنيف على مستوى عالمي، لإعطائها الحماية العالمية، وكذا المساهمة في التعريف بهذه الموروثات الثقافية على نطاق أوسع.
وأشار محدّثنا في هذا الشقّ، إلى أنّ الترويج للممتلكات الثقافية على مستوى عالمي، يعدّ في حد ذاته نقطة جذب سياحي، وقدم مثالا عن “الفقارات” في تيميمون وأدرار، والتي هي اليوم محجّ للعديد من السيّاح الذين يتوافدون بأعداد كبيرة، لاكتشاف هذه الموروثات الثقافية على مستوى هذه المناطق.
وعن أهمية التفكير في تجسيد هذه البرامج، أكّد محدّثنا أنّ الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المستدام، هو خطوة للتوجّه نحو الاستثمار في الثقافة والسياحة، وبالتالي، النظر إلى الثقافة والتراث – بصفة عامة – على أنّهما موردين اقتصاديين مستدامين، فالاستثمار في التراث يشكّل مدخلا اقتصاديا ومصدرا للعملة الصعبة، يؤكّد المتحدّث.
وقال غرياني إنّ التجنّد لحماية الموروثات الثقافية، واجب وطني، ومن المهم أن يكون المواطن الجزائري واعيا بأهمية هذا التراث، كما أنّ الجمعيات الثقافية تلعب دورا كبيرا لحماية الموروثات الثقافية.