أشاد خبراء بمستويات الاقتصاد الجزائري في السنوات الأخيرة، ونوّهوا بالسياسة المنتهجة من قبل الحكومة الجزائرية، فرغما من السياق الدولي الصّعب، تمكنت الجزائر من فرض نفسها في السوق الدولية، ودخول أسواق لم تكن في السابق متاحة، بالإضافة على دعم الإنتاج المحلي الذي عرف وثبة في الإدماج والصناعة المتكاملة.
أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور فارس هباش أن الاقتصاد الجزائري واجه تحدّيات عديدة في سياق عالمي معقّد ومضطرب، حيث شهدت الأسواق ولا تزال، أزمات حادّة في أسعار الطاقة وسلاسل الإمداد، ورغم هذه التحدّيات، سجلت الجزائر نموا في اقتصادها بفضل بعض القطاعات والميادين التي حسّنت من أدائها وحققت معدلات نمو عالية، وأكثر استدامة.
هباش: معدلات النمو العالية تحققت بفضل سياسات حصيفة
ومن أهم مميزات الاقتصاد الجزائري – يقول الدكتور هباش – القدرة على التكيّف مع الصدمات الخارجية بفضل صلابة اقتصادها المحلي، وهو ناتج عن السياسة الاقتصادية الجديدة التي اعتمدت فيها كثير من الإجراءات المحكمة، في مقدمتها تعزيز الإنتاج الطاقوي خصوصا الغاز الطبيعي، وتعزّز هذا التوجه من خلال اعتماد قانون المحروقات الجديد ابتداء من سنة 2020، وهذا قبل جائحة كورونا، وقبل الأزمة الجيوسياسية، وهو ما مكّن من الحفاظ على القدرات الإنتاجية للجزائر في المجال الطاقوي، وأضاف محدثنا أن هذا القطاع ساهم بشكل كبير في توفير السيولة المالية لدعم التوجهات الاقتصادية الأخرى للحكومة الجزائرية، وما معدل النمو سوى دليل على نجاح الجزائر في تنفيذ سياسات تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز، ورغم أن قطاع الطاقة لا يزال العمود الفقري للاقتصاد الجزائري، إلا أن الجزائر بدأت جني ثمار الاستثمار في قطاعات أخرى استراتيجية خارج قطاع المحروقات، مثل الفلاحة والصناعة والسياحة، ناهيك عما أنتج اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة.
وأشاد محدثنا بسياسة رفع العراقيل التي مكّنت من دخول أكثر من ألف مصنع حيز الخدمة، بعد أن كانت متوقفة بفعل العراقيل البيروقراطية، بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة في الزراعات الاستراتيجية أو في الزراعة الصحراوية، إضافة إلى مشاريع هامة في مجال الطاقات المتجدّدة.
تيغرسي: تدنّي مستوى التضخم.. استراتيجية محكمة
وأشار الدكتور فارس هباش إلى أن ميدان المؤسسات الناشئة يعتبر حلقة هامة في الاقتصاد اليوم، وتحتل الجزائر – من خلاله – المرتبة الثانية في إفريقيا، بإحصاء 815 مؤسسة ناشئة سمحت للجزائر بالتواجد في الصف الثاني إفريقيا بعد نيجيريا.
وفي السياق، أوضح هباش أن النمو في الاقتصاد مؤشر قوّي على تحسن السياسات المالية والنقدية للجزائر، واستشهد باستفادة الجزائر من إصلاحات هيكلية مثل تحسين كفاءة القطاع العام وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، والتقليل من العجز المالي، وهو ما تم بفضل ترسانة القوانين الجديدة التي تم اعتمادها على غرار قانون الاستثمار الجديد، وقانون النقد والقرض، وعدة قوانين أخرى عزّزت الاستثمار في القطاع الصناعي والفلاحي.
ومن جانب آخر، كشف الخبير الاقتصادي عن استفادة الجزائر من الأسواق الإقليمية، حيث وفي ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية استطاعت الجزائر توسيع نطاق تجارتها مع دول الجوار، وخاصّة الدول الإفريقية، بل حتى مع دول بعيدة من آسيا.
وبالنسبة للقطاع الأكثر تأثيرا في نمو الاقتصاد الوطني، عاد محدّثنا إلى قطاع الطاقة الذي يعتبر رافدا ممتازا للاقتصاد الوطني، في مواجهة تحدّيات الأسواق العالمية، والحاجة إلى استثمارات ضخمة للحفاظ على مبدأ التنمية المستدامة، وفي السياق، أشاد هباش بتطوير الجزائر لقدراتها الاستكشافية، ما أكسبها قدرة على البقاء في السوق وتطوير مستوياتها من التصدير والحفاظ على الموثوقية التي تتمتع بها، خاصّة في مجال الغاز الطبيعي.
من جهته، أشاد الخبير الاقتصادي، الدكتور الهواري تيغرسي، بالاقتصاد الوطني الذي شهد حركية في المراحل السابقة، سواء بمداخيل الموارد الطاقوية والتي تأثرت أسعارها بشكل محسوس بالأزمة الروسية الأوكرانية، وكذلك بالنسبة للزيادات على طلب المنتجات وغلاء الأسعار على مستوى الأسواق الدولية في كافة القطاعات.
وقال تيغرسي إن الحركية الاقتصادية التي تعرفها الجزائر خاصة خارج قطاع المحروقات بلغت مستوى جيدا يشجع على تحقيق هدف الحكومة في الوصول إلى تسعة وعشرين مليار دولار من الصادرات في سنة 2030.
ومن جهة أخرى، أشار تيغرسي إلى أن الاحتياطي الأجنبي الذي تحوزه الجزائر مهم جدا بعد أن قارب 70 مليار دولار، وهو يعطي موثوقية عالية بالنسبة للاستثمار الأجنبي، وبالنسبة لتحويل الشركات في الجزائر، كما يعطي أكثر ضمان للدولة الجزائرية في تعزيز الموثوقية الاقتصادية وتحويل الأرباح بالنسبة للشركات.
وعاد محدثنا إلى سنة 2019 والتي كان فيها احتياطي الصرف في أدنى مستوياته، وهو ما انعكس على الاستثمار الأجنبي المباشر الذي غاب عن البلاد، ولم تسجل فيه ولا استثمار أجنبي مباشر، وأشار تيغرسي إلى وجود أكثر من 150 استثمار أجنبي موجود في الجزائر بالشراكة في عدّة قطاعات كالفلاحة والري وعديد المجالات التي أبرزت هذا المناخ المهم في الجزائر، بالإضافة إلى التشريعات والقوانين والإصلاحات الموجودة في الجزائر أعطت أكثر موثوقية للاستثمار في الجزائر ولإعطاء حركية اقتصادية للبلاد والانطلاق الفعلي لاستغلال الثروات في البلاد، وأضاف تيغرسي أن هناك أرقام مهمة أصبحت تصدر عن مؤسسات مالية كبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وحتى بالنسبة للمؤسسات المالية الإفريقية، يضاف إليها تقرير البنك المحلي، وكلها تقارير تفعّل وتبشر باقتصاد قوّي في الجزائر، خصوصا فيما يتعلق بالتضخم الذي تراجع إلى حدود 7.9 بالمائة.
وقال تيغرسي إن هذا التدني في التضخم يعزّز القدرة الشرائية، ويعزّز العملة والكثير من الاحتياطات الوطنية المستغلة، ويعطي حركية أكبر للاقتصاد الوطني من خلال خفض تكاليف العملية الإنتاجية، وهو ما يمثل مؤشرات مهمة بالنسبة للمراحل القادمة في الوصول إلى أدنى مستوى في التضخم.