نشر الرئيس الأسبق والمجاهد علي كافي، في مذكراته رسالة الشهيد عميروش، قائد الولاية الثالثة التاريخية، إلى مسؤول الولاية الثانية التاريخية ( علي كافي)، بشأن مؤامرة عملية الطير الأزرق “لابولويت”، التي استهدفت الطلبة الذين إلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الثالثة.
يؤكد المجاهد المرحوم كافي، في شهادته أن الولاية الثالثة، “أفشلت بصمود أبنائها وصلابة مناضليها جميع محاولات العدو منذ الاحتلال وخلال الثورة، لطمس شخصيتها الأصلية فهي الولاية التي عانت المجاعات، فأكل ابناؤها الحشيش أيام الثورة وصمدوا فكانوا المنتصرين”.
ويضيف المجاهد: “كيف «يدنس» هذا الماضي العريق بين ليلة وضحاها، ويشمل خاصة المثقفين والمناضلين الأصيلين، الذين كانوا دوما يتصدرون الصف الأول”.
ويوضح كافي: ” كتبرير لتصرفاته وتغطية لما أصاب الولاية من مآسى ومجازر أودت بالمآت من خيرة الشباب والمسؤولين بعث عميروش برسالة توضيحية» الي بصفتي قائد الولاية الثانية مؤرخة في 3 أوت 1958، نوردها بحذافيرها.
الرسالة نشرها كافي في مذكراته أول مرة مع رد قيادة الولاية الثانية عليه بتاريخ 23 أوت 1958. هذا نصهما:
إلى الجيوش، يوم 3 أوت 1958
العقيد عميروش
قائد عام الولاية الثالثة
إلى العقيد قائد الولاية الثانية
الأخ العزيز
من واجبي، ولي الشرف أن أطلعكم – داعيا الله أن تصلكم هذه الرسالة في وقتها – على مؤامرة واسعة.. داخل ولايتنا، نسجتها منذ مدة طويلة المصالح السرية الفرنسية ضد الثورة الجزائرية وبتواطىء عناصر مختلفة.
وحسب المعلومات، التي في حوزتنا، فإن هذه المؤامرة ستمتد إلى جميع ولايات الجزائر، بل قد تكون لها فروع وشبكات حتى في قواعدنا بتونس والمغرب الشبكة التي حيكت في ولايتنا، ثم القضاء عليها بعد تحقيق، ثبت أن ثبت أن مسؤولي هذه المؤامرة، في الجبال هم أشخاص كانوا في الظاهر بعيدين عن كل شك وريبة، أغلبية هؤلاء المسؤولين أن لم يكن جميعهم قد ألقى عليهم القبض، وأدلوا باعترافات تسمح لنا أن نبعث لكم بالمعلومات مع الأمل أن تساعدكم في بحثكم.
المؤامرة مسيرة من طرف المصالح السرية الفرنسية (قودار – وليجي)، الذين تأكدوا من تواطىء وشاة محترفين توغلوا منذ سنوات في صفوف التشكيلات السياسية القديمة ومن الأشخاص أعيان في الظاهر تستروا تحت غطاء المصالية وتيارات منحرفة أخرى.
أهدافها:
أ – اضعاف جيش التحرير الوطني، وذلك بواسطة – الوشاية والتبليغ من أشخاص بسطاء جنود مسبلون أو مدنيون لهم اتصال دائم بـ (SA.S). المجاورين ووحدات جيش التحرير الوطني، وملاجئنا ومراكز عتادنا، قوافل الأسلحة والقادة الأوفياء….
– تخريب دواليب مصالحنا السياسية الاستعلامات والمواصلات، الصحة، التموين، الاتحاد العام للعمال الجزائريين… حيث كانوا يسعون إلى الحصول على أقصى المعلومات.
الانهاك، الغضب والاستياء المنتشرة وسط مجاهدين الصراعات والطموحات التي كانوا يشيرونها بلباقة ويستغلونها فيما بعد لصالحهم.
ب – التسلل داخل جيش التحرير الوطني، الوسائل المستعملة للوصول إلى ذلك هي بصفة عامة.
– تسهيل توغل بعض العناصر القادمة من الجزائر العاصمة في صفوف جيش مدعين أنهم فدائيون مطاردون ولكنهم في الحقيقة مرسلون من قودار وليجي، ومن قرية أخرى بوعلام العياشي من C.R.A.D ، قدور والطاهر الحلاقين في الدار البيضاء تونتر دام أفريك).
تعبئة وتجنيد جنود وقادة كانوا لغاية الآن أوفياء ولكن مطامحهم وضغينتهم تستغل.
الاتصال بأشخاص قادمين إلى الجبال من تونس، ومن بينهم من أرسل خصيصا في مهمة، من طرف عناصر تظهر ولاءها لجبهة التحرير الوطني، وفي الحقيقة هم الجواسيس في خدمة فرنسا.
ج – تحطيم جيش التحرير الوطني، فيما يخص ولايتنا فإن الأمر كان سيتم كالآتي:
خلال الاجتماع القادم للولاية (صائفة (1958) كان من المقرر اعدام القادة الأوفياء من طرف الخونة باستثناء الأكثر أهمية، الذين كان من المنتظر اعتقالهم وتسليمهم للعدو أحياء.
يخطر العدو مسبقا بمكان وتاريخ انعقاد الاجتماع حتى يتدخل بسرعة وبكثافة لصنع وحدات الحماية من القيام بمهمتهما، وعندما تعطى الإشارة إلى جميع عملائهم في المناطق والنواحي والقسمات لإعدام الإطارات الصغرى الوفية، والتبليغ واعتقال أو القضاء على وحدات بأكملها.
ولتتويج كل هذا كان من المقرر انضمام جميع قادة وعناصر المؤامرة وقد قرر لها – مبدنيا – وقت الزيارة الثالثة للجنرال ديغول، للجزائر في حين أن الخونة مثل عبد الرحمن فارس، رئيس الهيئة الانتقالية) وحمزة بوبكر، إمام مسجد باريس) يتظاهران بالانضمام إلى سياسة الجنرال ديغول.
وبتقويضهم لجيش التحرير الوطني، فإن الموحدين بهذه المؤامرة كانوا يعملون على بث الانهيار وسط الجماهير بتبليغ العدو عنها، وبنشر الاستياء بتصرفهم مع الشعب تصرفا مشينا للثورة، بل تمكنوا في بعض الجهات من إنشاء خلايا محلية سرية تحت غطاء الحركة الوطنية الجزائرية (M.NA).
العناصر المورطة في المؤامرة جاءت من أماكن مختلفة، يمكن أن نصنفها كما يلي :
أ – عناصر متعلمة، مثقفة (طلبة معهديون أطباء، أساتذة..) دخلوا الجبال في 1956، بعد اضراب الطلبة مباشرة عن طريق بعض مسؤولي جبهة التحرير الوطني انذاك و فيما بعد.
ب – أشخاص دخلوا الجبال بعد إطلاق سراحهم من السجن أو مركز تجمع (خاصة العناصر التي كانت لها نشاطات سياسية قبل الثورة).
ج – أشخاص دخلوا عن طريق تونس أو المغرب (أطباء ، ممرضون، لاسلكيون. أو فنيون آخرون، وعموما أشخاص متعلمون..).
د – وشاة محترفون محنكون بعضهم كان في التشكيلات السياسية القديمة أو في خدمة فرنسا..
جميع العناصر سابقة الذكر كانت عموما، مكلفة بمهمة، قبل دخولها للجبال، لكن إلى جانبهم كان هناك مسؤولون انظموا إلى الثورة نزهاء ولكن بدافع القلق والطموح أو بسبب شخصي آخر، استسلموا لرغبات عملاء العدو، وبالتالي وجدوا أنفسهم في هذا الطريق الاجرامي وفي حظيرة الخيانة.
وكما نرى، فإنه كان من الصعب الاشتباه وكشف هذه الأشخاص خاصة وان التعليمات، التي أعطيت لها هي القيام بمهامهم – بكل وعي وكفاءة – داخل صفوف جيش التحرير الوطني، والظهور بأنهم فوق كل شك»، وكل عنصر لا تنطبق عليه هذه المواصفة يبعد، على الأقل عن المسؤوليات الهامة.
إن المكلفين بالتنفيذ والمسؤولين الصغار في المؤامرة كانوا يختارون اساسا من :
1 – الشباب القادمين من الجزائر العاصمة بعد الاضراب الأسبوعي (أغلبيتهم الساحقة مشبوهة، خاصة الذين جاءوا بدون رخصة المرور من منظمة جبهة التحرير الوطني في ذلك العهد، وحتى الذين التحقوا بالجيش بنفوس خالصة، كان العدو على اتصال دائم بهم وهو يعرف أنهم لا ينسجمون مع الحياة الشاقة في الجبال، وكان يوحي إليهم بأنهم معرضون للميز من طرفنا.
2 – من المجندين والقومية الفارين، وحتى لو كانت معهم أسلحتهم كثير منهم ممن ألقي عليهم القبض وتم التحقيق معهم اعترفوا بأنهم مرسلون من العدو.
3 – المرشدين المكونين حديثا في فرنسا (ایسوار ISSOIRE) المدعين بأنهم فارون وفي الحقيقة هم مرسلون من S.AS.
4 – جنود كانوا مخلصين للثورة وانقلبوا بدافع القلق والاستياء أو تحت غطاء الحركة الوطنية الجزائرية M.NA عندما يتعلق الأمر بمناضلين سابقين في حركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D
الوسائل التي استعلمت في ولايتنا هي الآتية:
مصلحة الصحة هي القطاع الأول، الذي تم فيه التوغل والتسلسل بقوة حيث أن بعض المحركين للمؤامرة سبق أن تحملوا مسؤوليات هامة في هذه المصلحة، فتحت غطاء هذه المصلحة كان بريد المنظمة يمرر، بعيدا عن كل رقابة وذلك قرابة سنة كاملة.
ومصلحة الاستعلامات والمواصلات كانت هي أيضا مركز اهتمامهم، وهكذا كانت هذه المصلحة في إحدى المناطق تحت أيديهم من القاعدة إلى القمة. والمصالح الأخرى المستقلة صحافة الاتحاد العام للعمال الجزائريين والعتاد.. كانت هي أيضا مستهدفة، كما أن كثيرا من المسؤولين في جيش التحرير الوطني على مستوى القسم والناحية والمنطقة كانوا في المؤامرة يسعون جاهدين لأن يكون في مصالحهم الأشخاص، الذين يثقون فيهم ويتقدمون باقتراحات لترقيتهم إلى رتب سامية.
ومن ناحية أخرى يعملون على الذين يتوسمون فيهم تعلقهم بالثورة، وذلك بتنقيلهم من مكان لآخر أو بتجريدهم من رتبهم أو تبليغ العدو عنهم والوشاية بهم.
وهكذا خلال بضعة أشهر كانت توجد بسهولة في كل قسم أو ناحية العناصر المتآمرة في مراكز المسؤولية والثقة.
التعليمات كانت تأتيهم من الجزائر العاصمة عن طريق اتصال خاص، وكانوا يتصلون أيضا بـ S.AS، في كل ناحية بكلمة سر، وهكذا تمت عدة اتصالات بين ضباط فرنسيين و ضباط من جيش التحرير الوطني، أصحاب المؤامرة، سلمت لهم الأموال ، أما الأسلحة فكان من المقرر أن تسلم لهم أياما قليلة قبل انطلاق العملية، تحاشيا لتكرار الإساءة لعملية الطير الأزرق.
من بين، الذين تم اعتقالهم يوجد ضباط مناطق وضباط نواحي، وضباط صف جنود، مسبلون، مسؤولو منظمات محلية ( جبهة التحرير الوطني ومدنيون، ومن تصريحاتهم يتبين:
أ – المنظمة منتشرة عبر كامل الجزائر، والتي توجد بالولايات الأخرى، يبدو أنها أقوى من التي عندنا، الولاية الرابعة تكون قد غرقت بالعناصر القادمة من الجزائر العاصمة، هذا ما قيل لنا.
الكل مرتب في باقي الولايات، وتكفي إشارة واحدة ليشرعوا في عملهم.
ب – كان العدو يعتزم تحطيم هيآت أركان جبهة التحرير الوطني، وجيش التحرير الوطني، قبل كل شيء آخر، وكان يعتمد على الفوضى التي ستعم للقضاء على الوحدات التي كان يتوقع أن تنقسم بسرعة، وباختصار كان يأمل في أن ينظف كل شيء، قبل استفتاء 5 أكتوبر.
ج – كان العدو يعتزم اختتام نشاطه التطهيري للجبال، بإرسال سكان المدن والقرى في هذا الصيف إلى الريف، بدعوى الشوق إلى العودة إلى مناخ البلاد، وفي الحقيقة يكونون مكلفين بجمع أقصى ما يمكن من المعلومات عن جيش التحرير الوطني ونقلها لدى عودتهم إلى المصالح السرية الفرنسية.
د – أن الأغلبية الساحقة من عمال البناء في مدن ولايتنا قد تم تجنيدهم لسنا ندري كيف في المنظمة المسماة Bleu de Chauffe, فهل نفس الشيء في الجهات الأخرى؟.
هـ – العناصر الفارة من وحدات كوبيس KOBUS (الأصنام) أو قسم منهم يكون مورطا في العملية، حيث أن محركي المؤامرة كانوا يعتزمون في وقت من الأوقات تهريب بضعة مئات من جماعات بلونيس – إلى ولايتنا – مزودين بأسلحتهم حتى يتمكنوا من تلطيخ أحسن للولاية.
نحمد الله أن كل خطر قد زال الآن، ذلك أننا تحركنا بسرعة وبصرامة منذ الملاحقات الأولى، اعلنت حالة الطوارىء في جميع الولاية، وفي نفس الوقت اتخذت اجراءات جائزة عاجلة.
)1) إيقاف التجنيد، ورقابة من جند وخلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
(2) اعتقال القومية والجنود، الذين فروا منذ مدة قصيرة من الجيش الفرنسي. التحقيق في الوضعية الشخصية لكل واحد منهم.
(3) اعتقال أغلبية الجنود المولودين في العاصمة أو القادمين منها منذ الاضراب الأسبوعي، مع التحقيق في الوضعية الشخصية لكل واحد منهم.
(4) إلغاء العطل، وكل واحد يلتحق بمركزه بسرعة.
(5) إلغاء جميع المراسلات الخاصة مراقبة بريد كل مصلحة.
(6) إيقاف كل تنقل إلا الذين يحملون رخصة مرور مسلمة من مسؤول بالولاية بعد 18 جوان1958.
(7) منع التبديلات من ناحية أو منطقة لأخرى، واعتقال جميع الأشخاص القادمين من الولايات الأخرى، مع فحص دقيق لأوراقهم ووضعيتهم.
غلق الحدود مع الولايات الأخرى، ما عدا رجال الاتصال المعتمدين قانونا من الولاية.
(8) اعتقال جميع المشبوهين والمبلغ عنهم مهما كانت رتبتهم، والاستنطاق الصارم للذين تبدو وضعيتهم غير قانونية.
بفضل هذه الإجراءات الأولى استطعنا كشف هذه المؤامرة الفظيعة، نأمل بحرارة أن تمكنكم هذه المعلومات أنتم بدوركم من اكتشاف وتحطيم الشبكة الموجودة عندكم.
أننا لا نستطيع أن نقدم لكم هنا أسماء الضباط الخونة، كما أننا لا نستطيع تقديم أسماء أخرى كثيرا ما ترددت في هذه القضية، وضرورة عقد اجتماع بين الولايات يبدو أكثر إلحاح من أي وقت مضى.
نجدد إذا اقتراحنا للقاء مع مستوى عالي لمسؤولي الولايات معتمدين قانونا، أن مثل هذا اللقاء يمكننا من تبادل جميع ما لدينا من معلومات حول هذه القضية القائمة، وأن نتعاون بطريقة أكثر فعالية من الماضي، ومن تنسيق جميع مجهوداتنا في جميع الميادين، وتقوية كفاحنا على جميع الأصعدة لغاية انتصار الثورة الجزائرية.
في انتظار جواب آمل أن يكون إيجابيا، تقبلوا أخي العزيز التحيات الوطنية من جميع جنود جبهة التحرير الوطني، وجيش التحرير الوطني الجزائري بالولاية الثالثة.
صودق في الأصل عند الاطلاع على إحدى وعشرين كلمة شطب عليها بالحبر.
العقيد عميروش قائد عام الولاية الثالثة
7 نسخ موجهة إلى :
-الولاية الأولى
– الولاية الثانية
– الولاية الرابعة
– الولاية الخامسة
– الولاية السادسة
-لجنة التنسيق والتنفيذ (نسخة)
-الأخيرة للوثائق.
يقول علي كافي: ” كنت مترددا في أن أسجل هذه الملاحظات حول هذه الرسالة التي تسلمتها ولايتنا من الولاية الثالثة بتوقيع العقيد عميروش، والموجهة إلى جميع الولايات لكن الوقت والظرف يحتمان علي أن أدلي بهذه التوضيحات:
“النزاهة تقتضي مني إلا أن أحلل الرسالة اليوم، أو أعقب وأعلق عليها، لأن قراءتي لها تاريخيا كانت في الرد الذي كتبته إلى العقيد عميروش – بعد عشرين يوما من وصول الرسالة – أطلب فيه الإلتقاء به في سرج الغول، على انفراد، للإطلاع على المشكل وأتعرف من قائد الولاية الثالثة شخصيا، على خلفيات هذه الأزمة، ولكنه فضل أن يجتمع بقيادات الولايات مجتمعة مما جعلني أرسل إليه الدكتور الأمين خان، ليعتذر عن مشاركة قادة ولايتنا في اجتماع تحوم حوله شكوك”.
ويضيف مسؤول الولاية الثانية التاريخية: ” تحضرني قصة الطلبة الجزائريين، الذين قدموا من المشرق العربي حاملين شهادات عليا بالثورة، وشاءت الصدفة أن تسبقهم رسالة تطالب الحذر منهم فما كان منا إلا أن وزعناهم على مناطق عائلاتهم وترصدنا خطواتهم، وتبين لنا أنهم جاءوا لدعم الثورة.”
ويؤكد مسؤول الولاية الثانية التاريخية، أن الولاية الثانية ردت على عميروش، في 23 أوت 1958، تنصح بالتعقل والتأني، النظرة السليمة وتحذر من كل تجاوزات للسلطة”.