في هذا الحديث، يحدثنا محمد رحال عن دوافع لجوء الشاعر إلى ترجمة أشعاره إلى لغات عالمية مختلفة، رغم القول إن “ترجمة النصوص الأدبية خيانة”. كما يحدثنا عن دور الأنطولوجيا في التعريف بالثقافة الشعبية الجزائرية، وعن تفاصيل أخرى نقرأها في هذا الحوار…
”الشعب”: في البداية، وضح لنا ما الذي يجعل الشاعر يتوجه إلى ترجمة نصوصه، خاصة إذا كانت شعرا شعبيا؟
”محمد رحال”: الذي يدفع بأي شاعر للتوجه إلى الترجمة، خاصة إذا كانت النصوص من الشعر الشعبي، بالرغم من أن الشعر الشعبي بعيد نوعا ما ومختلف كل الاختلاف من منطقة لأخرى في العالم، هو الفضاءات الجديدة التي انفتح عليها الشعر الشعبي. وباعتباري من بين الكثير ممن لديهم دراسات أكاديمية في الشعر والشعر الشعبي، أؤكد لك أن الشعر هو الجنس الأدبي الثاني مع الرواية، التي تقام حوله دراسات في مؤتمرات وطنية وأيضا دولية، وأغلب هذه الملتقيات ترافقها الترجمة في كل تخصصاتها، ومن جانب آخر فإن الكثير من القضايا التي يطرحها الشعر لا يمكن أن تصل إذا لم يتم ترجمتها إلى لغات أخرى، فالكثير من النصوص الشعرية التي كتبت في القضية الفلسطينية والتي تأثر كل العالم بها كانت مترجمة، وهذا ما يجعلني كشاعر أرحب بترجمة النصوص الشعرية للغات أخرى، كي ندعم هذه القضية الإنسانية ثقافيا وغيرها من القضايا الثقافية.
ما فائدة ترجمة الشعر للغات أخرى برأيك؟
ترجمة الشعر للغات الأخرى يسمح لك بالتعريف بثقافتك أكثر وأيضا بانتشارها والتعرف على ثقافات الشعراء الآخرين ليس فقط في الشعر، بل في الرواية والأجناس الأدبية الأخرى وغيرها… وبالتالي فإن الترجمة تعد مساهمة في الترويج للثقافات، من خلال التعامل مع مترجمين يكتبون كتبا سنوية ويشاركون في مهرجانات ذات نطاق جماهيري كبير.
وما شجعني شخصيا على ترجمة قصائدي، أنني عندما شاركت في أحد المنتديات مع شعراء أجانب وحضرت قصيدة لألقيها باللغة الإنجليزية، تفاجأت بهم يطلبون مني أن ألقي قصيدتي بلهجتي الشعبية ففرحت كثيرا وتفاعلوا معها.
هل يمكن الاعتماد على الأنطولوجيا كوسيلة للتعريف بالثقافة الشعبية الجزائرية؟
طبعا يمكننا الاعتماد على هذه الوسيلة للتعريف بالثقافة الشعبية أكثر، من خلال نشر القصائد الشعبية وأيضا نشر المقالات الخاصة بالتراث الشعبي. فلا يخفى على الجميع، أن التراث الشعبي جزء كبير من الثقافة والذاكرة الجماعية، وعندما نترجم التراث الشعبي الجزائري، فإننا نعرف بالثقافة الشعبية الوطنية أكثر ونعرف أيضا القراء والشعراء من دول أخرى بالعادات والتقاليد الشعبية في بلادنا.
بمناسبة الحديث عن الترجمة، ما أثرها في الثقافة الجزائرية؟
أثر الترجمة في الثقافة الجزائرية مازال يعتبر أقل بكثير مقارنة مع الزخم الكبير ونِتاجات الكتاب الجزائريين في كل الأجناس الأدبية، فالترجمة تسمح لك بالتعرف على الثقافات الأخرى وشعرائها وأيضا لغاتهم وما المانع أن ننشر ثقافتنا بلغتهم، خاصة وأن الثقافة مجال مفتوح ليس له حدود، بشرط أن تكون ثقافتنا داعمة لثقافتهم.
وعموما يمكن القول إن استحداث مركز وطني للترجمة في هذه المرحلة مهم جدا في مرافقة الثقافة الوطنية، ومواكبة التظاهرات الثقافية الكبرى وإقامة مسابقات وجوائز في مختلف المجالات الثقافية، أهمها الترجمة باعتبارها داعما أول للتعريف بالثقافة الوطنية الشعبية والانفتاح على ثقافات أخرى.
فالترجمة هي المجال اللاحق للمجال الأول والثاني بعد الإعلام والثقافة، الذي يعرفك ويوسع ثقافتك بشكل أكبر، فيعرفك على ثقافات أخرى وأجناس أدبية أخرى وعادات لا نعرفها، وأيضا تجد عاملا مشتركا كبيرا يجمعك مع هذه الثقافات أولا. فالنسبة لي، أرى أن الترجمة هي مجال مهم جدا لمواكبة الثقافة حاليا. وكما أحب أن أقرأ لشاعر يكتب بلغات أخرى، أحب أن يقرأ لي ذلك الشاعر أو الكاتب وهذا هو التكامل الثقافي الذي يسعي إليه المثقف الذي لديه مشروع، سواء كان كاتبا أو قاصا أو روائيا أو شاعرا أو فنانا ومبدعا بشكل عام.