لم يكد المخزن يبتلع الحجر الذي التقمه باليابان، في ندوة «تيكاد»، مع البيان المشترك الذي وضع النقاط على الحروف، وأكد – بقول مبين – أنّ الدولة الصحراوية حقيقة لا رجوع عنها قاريا ودوليا، حتى جاء موقف جمهورية سلوفينيا، من عاصمة البلاد، وعلى لسان نائبة الوزير الأول ووزيرة الخارجية، تانيا فايون، لتعلن عن موقف بلادها الثابت والقار من قضية الصحراء الغربية.
لقد أعلنت جمهورية سلوفينيا عن دعمها الدائم والمتواصل لحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير مصيره، وفقا لما تمليه قرارات الشرعية الدولية الصادرة سواء عن الجمعية العامة أو عن مجلس الأمن الأممي، ليكون هذا الموقف الشريف دعما متجددا لحق الصحراويين في تنسم عبق الحرية بعيدا عن روائح الكولونيالية الكريهة من جهة، وصفعة رنّانة قوية أخرى، يتلقّاها وهو يرى «قصوره الورقية» و»انتصاراته الوهمية» تتهاوى تباعا من جهة أخرى، فقد كشف الموقف السلوفيني أكاذيب المخزن وتلفيقاته حول ما يسميه (الدعم الدولي لاحتلاله غير الشرعي للأراضي الصحراوية) ومزاعمه عن (تزايد عدد الدول المعترفة والمؤيدة لخطة الحكم الذاتي كحل للصراع في الصحراء الغربية!!).
لقد خرج المغرب منذ ما يُقارب ثلاثة أشهر بالضبط، بوابل من البرقيات وزعها على أوسع نطاق في إعلامه الرسمي وإعلامه الموازي، بمغالطات مفادها أنّ «جمهورية سلوفينيا» غيّرت وحورت موقفها من قضية الصحراء الغربية، وبأنّ وزيرة الخارجية السلوفينية التي زارت الرباط آنذاك، أعلنت هذا التغيير الجوهري في السياسة الخارجية لبلادها من الرباط، مُرسمة – حسب أوهام المغرب – التحاق جمهورية سلوفينيا بقائمة الدول المساندة للسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية والمؤيدة لخطة الحكم الذاتي، ولكن، المغرب لم يضع في حسبانه تلك الحكمة البالغة التي تؤكد أن «حبل الكذب قصير»، وها هي البرقيات الكاذبة، والتلفيقات الرديئة، تقدم البراهين على أنها «أوهى من بيت العنكبوت»، وتتلاشى تحت معول الصادقين، فيأتي موقف سلوفينيا صارما، معترفا بالحق الصحراوي الذي لا يحول ولا يزول.
وقد يضاعف مواجع المخزن أنّ جمهورية سلوفينيا لم تكتف بالتصريح الذي أدلت به الوزيرة تانيا فايون للصحافة، بل آثرت أن تكرّس الموقف الثابت في بيان رسمي مشترك، هو البيان الذي وقعت عليه وزيرة الخارجية السلوفينية رفقة نظيرها الجزائري، أحمد عطاف، في ختام مباحثاتهما أمس الأول بالعاصمة لوبليانا. ولقد نشر الطرفان نص البيان المشترك على الصفحتين الرسميتين لوزارتي خارجية البلدين، ما يقدم البرهان للعالم أجمع على الأسلوب الخبيث الذي ينتهجه المخزن في التعامل مع الدول، ويفضح أكاذيبه وبهتانه.
وقد يكون واضحا أنّ المخزن أخطأ هدفه – كما هي عادته – برمي ثقله على جمهورية سلوفينيا، هذا البلد الذي له تاريخ عريق مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها..هذا البلد الذي يعتبر استقلاله نتاجاً لهذا المبدأ..هذا البلد الذي جعل من «حق تقرير المصير» ركيزة أساسية لسياسته الخارجية منذ عقود.
ولا شك أنّ الوجع في جسد المخزن المهترئ، بلغ منتهاه، عندما تنزلت عليه برقيات الإعلام الهادئ المتزن؛ لتعصف بالبهتان الكولونيالي، وتعلمه أن الجزائر وسلوفينيا متفقان – في بيانهما المشترك – على «دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة»، ودعم «المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية»، لا يقصدان إلا إلى تحقيق «حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يقوم على التسوية، ويضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية»، بما يوافق قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وأنهما متفقان أيضا، على أن مسألة الصحراء الغربية لا تحل إلا بـ «الوسائل السلمية والدبلوماسية على أساس القانون الدولي».
هل يرعوي المخزن عن ظلمه واحتقاره لحق الشعوب في العيش الكريم؟!
لقد تبيّن للعالم أجمع، منذ أيام معدودة باليابان، أنّ المخزن لا يكفّ عن اصطناع الأوهام، ويعتمد في ذلك سياسة التآمر والقمع وتلفيق الأكاذيب، بل إنّه لم يرعو عن شراء الذمم والابتزاز، ليسقط – مع كل بهتان جديد – في شرّ أعماله، ويُسفرَ وجهُه عن قبح سياسي وأخلاقي غير مسبوق في التعامل بين الدول؛ لهذا لم ير ما يمنعه عن محاولة إقصاء الجمهورية العربية الصحراوية من المشاركة في اجتماعات الاتحاد الإفريقي، وإخراجها «عنوة» من ندوة «تيكاد»، غير أنّ «السحر انقلب على العبيط»، وتحوّلت «تيكاد» إلى محطة حاسمة لتعزيز الدعم الإفريقي لتصفية الاستعمار، واستعادة حق آخر مستعمرة بإفريقيا، في الحرية والخلاص من نير الاحتلال المغربي.
إنّ حق الصحراويين في دولتهم المستقلة السيدة، ساطع بهي كمثل بهاء الشمس في رابعة النهار، وليس ينفع معه التلفيق ولا البهتان ولا القمع المسلط على الشعب الصحراوي الشقيق في أراضيه المحتلة، والموقف السلوفيني الذي كشف الأكاذيب التي تراكمت ثلاثة أشهر كاملة، يقيم برهانا جديدا على أنّ ظلام المخزن لن يصمد أمام أنوار الحقائق المبينة.