مما لا شكّ فيه، أن الفيديو الذي رصد اعتداء عضو من الوفد الدبلوماسي المغربي على سفير الجمهورية الصحراوية لدى الاتحاد الأفريقي أثناء الاجتماع التحضيري لقمة “تيكاد “بطوكيو قد حقق نصرا تاريخيا للقضية الصحراوية، حيث تناقلته وكالات الأنباء العالمية وحقق أرقام مشاهدة خارقة في مواقع التواصل الاجتماعي ما سمح بتعرية الدبلوماسية المغربية وكشف أساليبها الوضيعة في التعامل ليس فقط مع الطرف الصحراوي، بل ومع الهيئات والدول كما فعل مع الاتحاد الافريقي، حيث أراد تجاوزه في تحديد من يحضر اجتماعاته وقممه، ومع اليابان التي سعى لإفشال احتضانها للقمة.
لقد حقق الفيديو الذي يظهر الانقضاض الدبلوماسي المغربي على السفير الصحراوي بالفعل نصرا كبيرا للقضية الصحراوية، ما يعكس أهمية وحتمية استغلال الصحراويين لوسائل الاعلام ووسائط الاتصال الجماهيري الحديثة لخدمة قضيتهم العادلة والدّفع بمعركتهم الإعلامية إلى الأمام، وحتى إن كان عدم التكافؤ في الإمكانيات مع الاحتلال هو السمة الغالبة، فهذا لن يحدّ من قدرة الصحراويين على إيصال أصواتهم، والترويج لشرعية مقاومتهم من أجل الحرية واستعادة الأرض المسلوبة.
صحيح أن الاحتلال المغربي يملك ترسانة من الوسائل الإعلامية التي يستخدمها لنشر أكاذيبه وبث سموم دعايته المضللة، ويسخّر جيشا من الإعلاميين المأجورين لتزييف الحقائق وقلب الوقائع، ويستعمل الرشاوي لشراء الابواق المؤيدة لأطروحته الاستعمارية، لكن رغم عدم التوازن والتكافؤ هذا، يمكن للصحراويين وبإمكانياتهم البسيطة خوض معركة إعلامية قوّية ولما لا ربحها، فبواسطة هاتف فقط، يمكن للمواطن الصحراوي في الأراضي المحتلة مثلا أن يسجل الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال من قمع واعتداءات في حق أصحاب الأرض وينشرها عبر أصقاع العالم، كما يمكنه التقاط صور تفضح ناهبي الثروات.
ويمكن للصحراويين في الخارج أن يساهموا أيضا في مقاومة الاحتلال بسلاح الكلمة والصورة من خلال كتابات وتسجيلات تروّج لعدالة قضيتهم وتكشف خروقات المغرب وسياسته القمعية التسلطية.
ورغم إدراكنا بأن هذه المهمة لا تبدو بالبساطة التي يمكن تصوّرها بالنظر الى وحشية بوليس المخزن وجهاز مخابراته وترسانة إعلامه، فإن المواطن الصحراوي مجبر على المشاركة في المعركة الاعلامية لأنّها بالفعل معركته الحاسمة في تحقيق النصر.
إعلام قوّي يعني النصر الأكيد
في الواقع لقد أدرك الصحراويون منذ البداية بأن المقاومة لا يصنعها السلاح وحده، بل هناك وسائل كثيرة قد يكون مفعولها أقوى من السلاح ذاته، كالإعلام الذي يمثل استغلاله الحسن واستعماله الجيد نقطة قوّة لأي قضية، لهذا راهنوا على خلق إعلام مقاوم لمجابهة الإعلام الدعائي المغربي الذي يروّج للأطروحات المخزنية الكاذبة.
وبالرغم من محدودية وبساطة إمكانياتهم، فقد تمكّن الصحراويون من توثيق مسارهم النضالي الممتد على طول نصف قرن، ونسجوا شبكة علاقات دولية مكّنتهم من كسب معركة الرأي العام العالمي وانتزاع مكانتهم في هيئات رسمية كالاتحاد الافريقي الذي تحظى فيه الجمهورية الصحراوية بعضوية كاملة أسوة بباقي الأعضاء المؤسسين، كما استطاعوا بواسطة إعلامهم المقاوم، أن يحافظوا على دعم الأمم المتحدة لقضيتهم باعتبارها قضية تصفية استعمار حلّها يمرّ عبر استفتاء لتقرير المصير وليس عبر الخيارات الاستعمارية التي يصرّ المغرب، بدعم من بعض المتواطئين الغربيين، على فرضها لترسيخ احتلاله غير الشرعي.
ومن خلال الرهان على الاعلام، وفّق الصحراويون في تحقيق أهدافهم ومقاصدهم الكبرى المتمثلة في تعزيز الوحدة الوطنية، وتوفير عوامل الصمود، والبناء المؤسساتي للدولة الصحراوية، وبناء المواطن المقاوم باعتباره عماد وقوام المشروع الوطني تحريرا كان أو بناء.
ومعلوم أن الخريطة الإعلامية الصحراوية تتشكل من عدة وسائط منها على الخصوص وكالة الانباء الصحراوية، والإذاعة الوطنية للجمهورية العربية الصحراوية وتلفزيون الصحراء الغربية، إضافة الى الجريدة الأسبوعية “الصحراء الحرة”، كما هناك العديد من الجرائد الالكترونية الفاعلة والصفحات الناشطة بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت تشكل إضافة لا غنى عنها في معركة الاعلام وخلق الرأي العام العربي والدولي المساند لآخر قضية تصفية استعمار في القارة السمراء.
تضليل وبُهتان
لقد ظل الاعلام ولازال وسيلة صمود ومقاومة بالنسبة للشعوب المستعمرة، فعبره تتكشّف انتهاكات المحتل، وبواسطته يتحقق الدعم والـتأييد الدوليين اللذين يقودان في نهاية المطاف إلى إنصاف المظلومين وتمكينهم من حقوقهم المسلوبة.
وقد أدرك الصحراويون هذه الحقيقة الثابتة، فجهّزوا أنفسهم وإمكانياتهم المحدودة لخوض معركة الاعلام التي يدركون أشدّ الإدراك مدى صعوبتها بالنظر الى ما يمتلكه العدو من ترسانة اعلامية ضخمة، وتحالفات مع وكالات دولية وازنة تنشر دعاياته المسمومة وتساهم في التعتيم على ممارساته، إضافة إلى حرصه على استعمال التضليل وشراء ذمم الصحافيين لتزييف الحقائق وبث الأكاذيب التي تساير سياسته الاستعمارية الوضيعة.
في الواقع، لا يخفى على أحد قذارة الوسائل والأساليب التي يستعملها الاحتلال المغربي في حربه الإعلامية، وهذا الأمر يؤكده المواطنون المغاربة أنفسهم، حيث أدان كثير منهم وفي أكثر من مناسبة التضليل الإعلامي الذي يتبناه المخزن للتعتيم على ممارساته الاجرامية ضد الصحراويين، وزيف معلوماته حول حقيقة استعماره للإقليم الصحراوي.
وكان الضابط المغربي السابق، مصطفى أديب، قد أكّد صراحة في لقاء صحافي، بأن التضليل الإعلامي يعد “الركيزة الأساسية للسياسة المغرضة للنظام المغربي في حربه غير الشرعية واللاانسانية ضد شعب الصحراء الغربية.”
وقال بأنه “على غرار كل دعاية مغرضة، فإنها تهدف إلى الرفع من معنويات القوات المغربية وإبقاء الشعب المغربي موحد حول العرش”.
وأضاف بأن سياسة المخزن هذه “تدخل في لعبة تكمن في نشر معلومات خاطئة للسكان حتى يستمر هذا النظام ويأمل في كسب الحروب أو على الأقل إخفاء الخسائر والبقاء لأطول فترة ممكنة”.
ولدى تطرقه إلى الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال في مواجهاته مع الجيش الصحراوي، جدد مصطفى أديب، وهو ضابط سابق للقوات الجوية، تأكيده على أن الرباط “تخفي الخسائر المسجلة للرفع من المعنويات المنحطة لقواتها”.
وفسّر أسباب الخسائر التي يتكبدها الجيش المغربي، بالتطوّر الذي يشهده الجيش الصحراوي وتمكنه من اقتناء أسلحة جديدة واكتساب تقنيات الاقتحام، في حين أن الشيء الوحيد الذي تقدم فيه المغرب، كما أضاف، هو تكميم الافواه وطمس حقيقة ما يحدث في الأقاليم الصحراوية المحتلة.
وشَهِد شاهد من أهلها
من جهتهم اتهم صحافيون وباحثون مغاربة، وسائل الاعلام في بلادهم بممارسة التضليل فيما يتعلق بالنزاع الصحراوي، وقالوا بأن المغاربة يجهلون تاريخ الصحراء الغربية وجغرافيتها وإنسانها ويكتفون بترديد شعارات مفروضة عليهم لا يعرفون مضمونها.
وأورد هؤلاء الصحافيين والباحثين، أنه حتى التطرق لمسألة الخروقات الحقوقية المغربية في الصحراء الغربية تجرّمه سلطات المغرب وتزجّ بأصحابه وراء الشمس بعد أن تكيل لهم أخطر التهم.
وانتقدوا انزعاج الدولة المغربية من استخدام مصطلح الصحراء الغربية، وقالوا “بأن هذا المصطلح يثير حفيظة الدولة مع أنها تتعاطى مع مصطلح الصحراء الغربية في الوثائق الرسمية، وتستعمله شخصيا أمام الهيئات الدولية”، بل وتردده كل يوم عند حديثها على «المينورسو»، وهي كلمة مختصرة لـ«بعثة حفظ السلام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية».
كما كشف الباحثون، أن تعتيماً ضرب على ملف الصحراء الغربية منذ عقود، «وهو ما جعل المغاربة لا يعرفون كل حيثيات القضية، بسبب عدم قدرة الصحافة على نشر المعلومات المتعلقة بها». وأضافوا بأنّ الإعلام المغربي لم يستطع فقط نشر المعلومات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية المزعجة للمغرب، بل «مارس التضليل» وكان جزءاً كبيراً من الإعلام” يلعب دوراً سلبياً، إذ لم يكن يقدم حقائق، بل كان يضلل ولا يخبر”.
وأشار الباحثون المغاربة الى تناول الاعلام المغربي لتقارير الامم المتحدة وقراراتها وقالوا “ ان الاعلام المغربي يقدم منذ 1975 حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي حول الصحراء الغربية، على أنه انتصار للمغرب فيما هو في صالح الشعب الصحراوي وممثله الشرعي جبهة البوليساريو”.
وخلص الباحثون الى أن «عمل وسائل الإعلام المغربية إزاء قضية الصحراء الغربية تغيب عنه المهنية، ويتناولها بأسلوب دعائي فجّ”.
وأضافوا، بأنّ وسائل الإعلام المغربية «تكتب كل ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية من محبرة واحدة، وتقدم قراءة مبتورة لتقارير الأمم المتحدة وتخاف من التحقيقات المستقلة والميدانية؛ لذلك تكتفي الجرائد بالقصاصات الرسمية».
لا شك أن المعركة الإعلامية التي يخوضها الصحراويون صعبة جدا، وكسر الحصار الإعلامي والمخابراتي المغربي المضروب على قضيتهم يتطلب جهدا كبيرا وتضحيات جسام لصناعة إعلام قوي لا يترك أي فراغ يستغله الاحتلال لنشر أكاذيبه ودعايته المغرضة وفرض أطروحته الاستعمارية.
ورغم التحدي الصعب، فإن الصحراويين واعون بحتمية استغلال مختلف وسائل الاعلام، وخاصة الحديثة منها والتي باتت في المتناول، لشغل كل المساحات والفضاءات المتاحة لكسب معركة الرأي العام العالمي وبالتالي تحقيق النصر الذي أصبح قريبا.