تواصل الجزائر استكمال تنويع المشاريع الكبرى في مسار بناء التنمية الشاملة، رافعة رهانات مفصلية في ثورة تخوضها بعزيمة واقتدار منذ أربع سنوات من أجل تعزيز المكاسب وتوسيع الانجازات المحققة، ومازال تنويع وتطوير الاقتصاد أحد أبرز الملفات الاستراتيجية، بحكم أنه يتضمن تحقيق الأمن الغذائي والطاقوي، وكذا الأمنين الصحي والمالي من خلال تحسين مؤشرات الأداء الاقتصادي وتعزيز المنظومة الاجتماعية.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون وإيمان كافي
إنّ سقف المرونة المحقق في التحول الهيكلي الاقتصادي الذي أصبح بارزا على الصعيد الإقليمي، وشكّل وثبة مهمة لأكبر بلد إفريقي، انعكس على وتيرة مؤشرات الاقتصاد الكلي بفضل النمو بمعدلات ممتازة، بعد التحرر من رافعة النفط، وتوسيع روافده إلى قطاعات إستراتيجية كشفت عن قوة وكثافة النشاط الاقتصادي المستدام، البديل للمحروقات. جهود أثمرت انتصارات غير مسبوقة بفضل رؤية الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يواصل انتهاج مسارات تمنح الاقتصاد الوطني القدرة ليكون ضمن الاقتصاديات الأسرع نموّا.
وستواصل الجزائر خلال الخمس سنوات المقبلة في تقديم التسهيلات للمستثمرين، وتوسيع الإصلاحات ببيئة الأعمال لتحصين الآلة الإنتاجية، بقاعدة صناعية صلبة وإنتاج وطني تنافسي، كما ستعمل على استكمال مشروع الرقمنة من أجل اختزال الصعوبات، وجعل التحول التنموي قناعة يعمل على تجسيدها الجميع.
ولا شك أنّ أهمّ التحديات ترتكز على الحوكمة الرشيدة والتوظيف الجيد للمورد البشري والتعامل مع الثروة الناعمة، وتشجيع المؤسسات الناشئة عبر الجامعات باعتبارها فاعلا في جهود تنمية الاقتصاد وتوسيع نسيجه.
كل المؤشّرات والأرقام تؤكّد أنّ الجزائر اختارت الطريق القويم، ورئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون سيواصل العهدة الثانية بعزيمة لا تكلّ، لتعزيز أعمدة الاقتصاد الوطني، ومواصلة الإصلاحات الجذرية من أجل ضمان الاستقرار والنمو. ولا نشك مطلقا بأن الجزائر الجديدة تتبوّأ مكانتها المستحقة في محفل الأمم.
مدير عام المدرسة العليا للتّجارة إسحاق خرشي: من الإنعاش إلى الإقلاع.. إقتصـاد وطني في الصّدارة
أوضح المدير العام للمدرسة العليا للتجارة، الدكتور إسحاق خرشي، في اتصال مع «الشعب» أن إستراتيجية الإنعاش الاقتصادي تدخل منعرجا محوريا مع بداية العهدة الثانية للرئيس تبون، وقال إنّها ستتميز بالسرعة القصوى والنتائج الميدانية، بعد جملة الإصلاحات الاقتصادية المعمقة التي باشرها رئيس الجمهورية منذ عام 2020، وترجم فعاليتها التحسن الفارق على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية، حيث تمكّنت من تجاوز مستوياتها قبل جائحة الكوفيد19، وتحولت الأرقام والمؤشرات الاقتصادية من اللون الأحمر إلى الأخضر.
لعل أبرز هذه المؤشرات – يقول خرشي – الناتج المحلي الخام الذي أصبحت تركز عليه الجزائر كثيرا باعتباره أهم مقياس دال على حجم اقتصاد البلاد من جهة، والمستوى المعيشي للمواطن من خلال نصيبه من الناتج الخام من جهة أخرى. وأضاف أن الاقتصاد الوطني واصل تحسنه في السنوات الخمس سنوات الأخيرة، وتخطى الناتج الداخلي الخام عتبة 200 مليار دولار في سنة 2022 لأول مرة منذ عشر سنوات، حيث بلغ ما قيمته 195 مليار دولار عام 2021 ثم انتقل إلى 225 مليار دولار عام 2022، ليصل في عام 2023 إلى 244 مليار دولار، مع توقعات ببلوغ 266 مليار دولار نهاية العام 2024.
مقوّمات اقتصادية عالية
يرى مدير المدرسة العليا للتجارة، أنّ عهدة الرئيس تبون الثانية ستكون مجالا زمنيا وميدانيا، يعرف الاقتصاد الوطني خلاله نقلة نوعية من الإنعاش إلى الإقلاع، إذ التزم رئيس الجمهورية – خلال الحملة الانتخابية – بتحقيق 400 مليار دولار كقيمة للناتج المحلي الخام نهاية عام 2026، وقال خرشي إن الرقم الذي التزم به الرئيس يعادل ضعف ما هو عليه الآن، ليؤكد أنه رقم يمكن للجزائر تحقيقه بالنظر إلى جملة المقومات التي تمتلكها، وستمكنها من بلوغ هدفها بكل ثقة.وقال خرشي إنّ عددا من التحديات يتطلب مضاعفة الجهود لمواجهتها وتجاوزها، وسيكون ذلك – حسب المتحدث – بالاستثمار في المقومات والايجابيات المسجلة لصالح الاقتصاد الوطني، على رأسها الإرادة السياسية القوية، حيث يرجع خرشي السبب الرئيسي في نمو الناتج المحلي الخام للجزائر من 195 مليار دولار في عام 2021 إلى 266 مليار دولار متوقعة نهاية 2024، إلى الإرادة السياسية القوية، فبعد خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي التي وضعها رئيس الجمهورية، عادت الأنشطة الاقتصادية في عام 2021 إلى مستواها الطبيعي، بعدما خفضت الجائحة من مستويات النشاط الاقتصادي، كما يبرز دور الإرادة السياسية – يواصل خرشي – في إصرار السيد رئيس الجمهورية على ترقية الإنتاج الوطني ودعم المستثمرين، ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية ومحاربة البيروقراطية، إضافة إلى جملة القرارات والتوجيهات والتعليمات التي كان يسديها في اجتماعات مجلس الوزراء طيلة الخمس سنوات الماضية.
إجماع على المشروع التّنموي
ومع الإرادة السياسية القوية لرئيس الجمهورية الذي آمن بالإنتاج الوطني، وقدرة المواطن الجزائري على حل أزماته بنفسه، وأن الحل لابد أن يكون جزائريا، لأزمة لن يمكن حلها إلا على يد الجزائريين أنفسهم، لقي المشروع التنموي الذي قدمه الرئيس تبون صدى واسعا لدى المستثمرين ومنظمات أرباب العمل، والتفت حوله النقابات وجمعيات المجتمع المدني، وهي تنظيمات تلعب دورا حاسما في تجنيد القطاعات بغية الارتقاء بالإنتاج الوطني. إلى جانب عامل آخر ضاعف من حظوظ رفع مؤشرات الاقتصاد الوطني، يتمثل في الدبلوماسية الاقتصادية النشطة التي حرص رئيس الجمهورية على تفعيلها وقيادتها شخصيا، وهي الإستراتيجية التي ألقت بثمراتها مباشرة بعد زيارة الرئيس تبون إلى دولة الصين الصديقة، حيث تعمل الصين على استثمار 36 مليار دولار بالجزائر في مشاريع عديدة أهمها المتعلق بخطوط السكة الحديدية، إضافة إلى جملة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها الجزائر مع مختلف الشركاء الاقتصاديين بغية الاستثمار بشكل مشترك بالجزائر، مثل إيطاليا، تركيا وموريتانيا. كما تم تتويج الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية شهر سبتمبر الجاري، بقبول عضوية الجزائر في بنك التنمية الجديد لمجموعة «بريكس»، بعد أن كانت قد ضخّت ما قيمته 1.5 مليار دولار، كمساهمة في ذات البنك.
حصن تنظيمي لبناء منيع
وشدّد خرشي – في السياق – على الترسانة القانونية التي حصّن رئيس الجمهورية بها مشروعه التنموي، ويأتي على رأسها قانون المالية، باعتباره الأداة التي تستخدمها الدولة من أجل تطبيق مشاريعها الاستثمارية والتنموية التي تساهم في رفع معدلات النمو والناتج الداخلي الخام، ولعل أبرز ما تميز به القانون هو الميزانية الضخمة التي تجاوزت 100 مليار دولار عامي 2023 و2024، ويعتبر هذا الحجم الكبير من الإنفاق عنصرا حاسما في تحقيق مسعى الوصول إلى 400 مليار دولار كناتج داخلي خام، إضافة إلى ذلك، نجد قانون الاستثمار الذي يقدم عدة مزايا من حيث الاعفاءات الضريبية والجبائية، تبسيط الإجراءات ورقمنتها، كما أن قانون العقار الصناعي فكّك عقبة العقار، وبعث الثقة لدى المستثمرين ورجال الأعمال.
ومن بين القوانين التحفيزية، ذكر خرشي قانون الشركات الناشئة الذي يقدم الإعفاء والدعم للشباب حاملي الأفكار المبتكرة، إضافة إلى قانون المقاول الذاتي الذي يدمج فئة كبيرة من الشباب في السوق الرسمية بالنظر إلى التحفيزات التي يقدمها.
قطاعات مفتاحية
من جهة أخرى، يرى خرشي أن نقطة قوة التي تدعم التزام رئيس الجمهورية في مسعاه إلى بلوغ 400 مليار دولار كقيمة للناتج المحلي الخام نهاية 2026، قطاعات اقتصادية ذات إمكانات كبيرة ونمو مطرد، أبرزها قطاع الطاقة الذي يمثل رافعة قطاعية لبقية النشاطات الاقتصادية، خاصة مع استمرار شركة سوناطراك في تحقيق الريادة عالميا من حيث عدد الاكتشافات النفطية والغازية، ما يجعل القطاع مساهما رئيسيا في رفع الناتج المحلي الخام، كما أن قطاع الصناعة – يواصل خرشي – يمثل سوقا مستقبلية متميزة بالنظر إلى الفرص التي يقدمها للمستثمرين، بدليل تسجيل الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار 8200 مشروع استثماري بين ديسمبر 2022 وجوان 2024، موزعة على العديد من الفروع الصناعية.
وبالنظر إلى إمكانات النمو الكبيرة التي يمتلكها القطاع الفتي المتعلق بالشركات الناشئة واقتصاد المعرفة، وإلى التحفيزات التي تقدمها الدولة الجزائرية، وطموح ورغبة السواعد الجزائرية في الارتقاء باقتصاد البلاد – يقول خرشي – يجب التعويل على الابتكار ليصبح مساهما بنسب محددة في الناتج المحلي الخام لسنوات 2026،2025،2024.
ولعل أبرز ما تميزت به السنوات الخمس الأخيرة – يؤكد خرشي – عودة المشاريع الاستثمارية المهيكلة، مثل مشروع غارا جبيلات لاستخراج الحديد بتندوف، مشروع خط السكة الحديدية الذي ينطلق من تندوف مرورا ببشار وصولا إلى وهران، مشروع الفوسفات المدمج بتبسة، مشروع منجم الزنك والرصاص ببجاية، تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، مشروع «عدل» 3، وغيرها من المشاريع التي تشجع الطلب على المنتجات الجزائرية، وترفع في الناتج الخام، ناهيك عن تخصيص حزم برامج تنموية بميزانيات ضخمة للتكفل بانشغالات المواطن والاستجابة لتطلعاته ما سيساهم بشكل مباشر في زيادة الطلب على المنتجات الجزائرية وإنتاج المؤسسات الوطنية، ويرفع من قيمة الناتج المحلي الخام في المستقبل القريب.
خارطة الطّريق مضبوطة زمنيا
وشدّد محدثنا على أن التسيير الحديث وفكر المانجمنت يفرض ضرورة الانجاز في الوقت المحدد لاعتبارات التكلفة والجهد، وهذا ما تحتاجه كل المشاريع الاستثمارية في الجزائر، فعلى سبيل المثال، إذا كان من المهم تسجيل رقم 8200 مشروع استثماري على مستوى الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، فإن الأهم أن تدخل هذه الاستثمارات حيز الاستغلال بغية المساهمة في رفع الناتج الخام، كما تحتاج هذه المشاريع إلى كميات كبيرة من المياه لتسييرها، لذلك سيصبح من الضروري تسليم المحطات الخمس الكبرى لتحلية مياه البحر، إضافة إلى إكمال البرامج التنموية.
وقال خرشي إن الجزائر تمتلك قطاعات مفتاحية، وإن كانت تواجه بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها، فقطاع الطاقة يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات النفطية والغازية لمواجهة الطلب المتزايد داخليا نتيجة زيادة الكثافة السكانية، وخارجيا بالنظر إلى أن الجزائر شريك موثوق فيه، في حين أن قطاع الصناعة يتطلب منح رخص الاستغلال للمشاريع المسجلة، إضافة إلى أن قطاع الشركات الناشئة بحاجة ماسة إلى التمويل من طرف القطاع الخاص. ودعا خرشي على ضرورة التسريع في عملية الرقمنة وتوسيع الوعاء الضريبي والجبائي، لتقليص مساحة السوق الموازية التي تشكل ما قيمته 100 مليار دولار غير خاضعة للضريبة، في حين تمثل السوق الموازية للعملة الصعبة ما قيمته 5 ملايير دولار، لهذا، يتطلب الأمر التسريع في عملية الرقمنة والمزيد من الإجراءات والآليات، لاحتواء السوق الموازية في السوق الرسمية، ما قد يسهم في قفز الناتج الداخلي الخام للجزائر بشكل غير مسبوق.وواصل خرشي قائلا: على الرغم من تخصيص الدولة لمبالغ ضخمة ضمن قوانين المالية لسنتي 2024 و2023 من أجل بعث الاستثمارات العمومية، إلا أن رفع الناتج المحلي الخام للجزائر يتطلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة في القطاعات ذات إمكانيات النمو الكبيرة. فحسب محدّثنا، فإنّ تحدي بلوغ 400 مليار دولار كناتج داخلي خام، يفرض التحول في الممارسة العملية للانتقال من التسيير الإداري إلى الفكر الاقتصادي، وهذا على مستوى الإدارات المحلية بعدم التركيز على تطبيق البرامج التنموية فقط، بل جلب الاستثمارات، إضافة إلى نظام العمل وفق نظام المناوبة (3×8) على مستوى المؤسسات الاقتصادية، وأخيرا العمل على تغيير الذهنيات من أجل رفع أداء العامل الجزائري خاصة على مستوى المؤسسات الاقتصادية.
الخبير في المالية والجباية بوبكر سلامي: استكمال الإصلاحات ينعش قيمة الدينار
يراهن الرئيس المنتخب لعهدة ثانية، السيد عبد المجيد تبون، على تقوية الاقتصاد الوطني ومن خلاله إعادة الاعتبار للعملة الوطنية، بالتركيز على تقوية المؤشرات الاقتصادية الكلية، يساعده في ذلك الأرضية الصلبة التي وضعها خلال عهدته الانتخابية الأولى، حيث حقّق مكاسب اقتصادية هامة، كما عمل الرئيس على تحسين النمو، وسعى إلى رفع احتياطي الصرف، مع الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة وتكريس حق المواطن في العيش الكريم.
في ظل وجود إرادة سياسية قوية رافقت النهضة الاقتصادية التي باشرتها الجزائر خلال الخمس سنوات الأخيرة، بالإصلاحات الكبرى للحوكمة المالية، والحفاظ على السيادة الوطنية، سجّلت خلال السنة الماضية 2023 «التعافي التاريخي» للدينار الجزائري أمام العملات الرئيسية للمرة الأولى منذ عقد كامل.
وقال الخبير المالي والجبائي بوبكر سلامي، في حديث مع «الشعب»، إنّ ارتفاع سعر صرف الدينار الجزائري في مقابل العملات الأجنبية، خلال السنوات القليلة المقبلة، مرتبط بتقوية الاقتصاد الوطني، وهو ما حرصت عليه الإصلاحات والورشات الكبرى في هذا الإطار، مثلما وعد به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وحقّقه على أرض الواقع.
مؤشّرات الاقتصاد الكلي.. خضراء
يتوقع سلامي أن تحقّق العملة الوطنية خلال السنوات المقبلة استقرارا تدريجيا، مع توفّر شروط اقتصادية تتميز «بارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي، رفع الصادرات خارج المحروقات، تعزيز الإنتاج الوطني والتوجه نحو تقليل الاستيراد، رفع قيمة احتياطي الصرف من العملة الصعبة، والسعي نحو الرفع من قيمة الناتج الداخلي الخام، هذا دون الاعتماد على مؤشرات أسعار النفط في السوق العالمية، بشكل مستمر للرفع من قيمة سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.
وشدّد المختص المالي على أنّ برنامج الرئيس تبون الذي يستعد لمباشرة مهامه كرئيس للجمهورية لعهدة ثانية، سيعطي نتائج ايجابية على المستوى الاقتصادي، تنعكس بالتأكيد على قيمة الدينار المرتبط بتحسن الأداء الاقتصادي خلال السنتين المقبلتين، أو الثلاث سنوات على أقصى تقدير، حيث من المنتظر أن يشهد الدينار ارتفاعا في قيمته مقارنة بالعملات الأخرى، خاصة إذا ما تم تحقيق نتائج على مستوى المؤشرات الكبرى للاقتصاد الوطني التي تنعكس إيجابا على تحسن قيمة الدينار الجزائري.
وأبرز سلامي أن «قيمة الدينار الجزائري تتماشى مع قوة الاقتصاد الوطني»، مبرزا أن «قيمة العملة الوطنية تعكس الطلب على المنتجات الجزائرية من سلع وخدمات، فكلما ارتفع الطلب على المنتجات الجزائرية، وكلما ارتفع الناتج الداخلي الخام، وكذا ارتفاع احتياطي العملة الصعبة ومعه احتياطي الذهب وارتفاع نسبة النمو، إلى جانب انخفاض نسبة البطالة ونسبة التضخم، كلها عوامل تجعل الدينار يكتسب قوة كبيرة في سوق أسعار الصرف العالمية».
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد وعد برفع من الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار، والتركيز على تعزيز المنتوج الوطني، والرفع من قيمة الصادرات خارج المحروقات، التي بلغت أرقاما قياسية خلال السنوات الماضية، حيث انتقلت إلى أكثر من 7 ملايير دولار عام 2022، وارتفعت أكثر في 2023، مقابل مبالغ لم تكن تصل عتبة 2 مليار دولار قبل سنوات، فضلا عن ذلك، فقد ارتفع معدل النمو بالجزائر إلى معدل متوسط تجاوز 4 بالمائة على الرغم من السياق العالمي الصعب، وبشهادة هيئات مالية دولية، على غرار البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، حيث أشادا في أحدث تقاريرهما بنمو الاقتصاد الوطني، وتوقعا استمرار هذا النمو خلال السنة الجارية.
في هذا الإطار، أوضح سلامي أنّ «رفع قيمة العملة الوطنية، لا يعتمد على أي إجراء إداري، بل هو متعلق بتحقيق «معادلة اقتصاد قوي يساوي دينار قوي»، بقوة قواعد السوق، وذلك من خلال توفير شروط عديدة على غرار تحقيق إنتاج متنوع وتصدير مختلف السلع والخدمات، فكلما كانت هناك فرص عمل، ومستوى تعليم عال، يتقوّى اقتصاد البلاد، وينعكس إيجابا على العملة الوطنية في أسواق الصرف العالمية، حتى يكون قابلا للصرف مقارنة بالعملات الأخرى، وهي ضمانات اقتصادية تقدمها الدولة الجزائرية من خلال هذه المؤشرات للاقتصاد الكلي».
الدّينار الجزائري.. آفاق واعدة
أمّا عن المجهودات التي ترفع من قيمة الدينار، فقد تحدث الخبير إلى السنوات القليلة المقبلة التي ستكون حاسمة بالنسبة للاقتصاد الوطني، من خلال «تحقيق نتائج ايجابية بتجاوز عتبة رقم 400 مليار دولار كناتج داخلي خام، يتبعها تحقيق صادرات خارج المحروقات بـ30 مليار دولار في العام تكون متنوعة، سواء للمواد المصنعة للمنتوجات الفلاحية، خاصة أن أهم عملية ترفع من قيمةِ العملة، هي قيمة الصادرات لأي بلد، حيث ترتفع عندما يكون الطلب مرتفعا على منتجات البلد.
تعديلات تشريعية
وكانت الجزائر بقيادة الرئيس تبون، قد أجرت تعديلات قانونية في هذا الإطار، على غرار صدور قوانين الاستثمار، المحاسبة، القانون النقدي والمصرفي وقانون الصفقات العمومية، كلّها نصوص ملائمة مع الإنعاش والنهوض بالاقتصاد، وهي تعديلات جاءت بفوائدها للاقتصاد الوطني، وكان لها أثرها في تعافي العملة الوطنية، خاصة وأن الرئيس تبون التزم بالحفاظ على السيادة الوطنية التي تعني استقرار العملة الوطنية، في وقت فتحت السوق الجزائرية أبوابها للاستثمار الأجنبي، ومن بين هذه الإصلاحات، التعديلات التشريعية، إذ تمّ إنشاء لجنة الاستقرار المالي لدى البنك المركزي، تتولّى مراقبة العملة الجزائرية، وتقييم المخاطر التي تهدّد الاستقرار المالي، ودراسة الإجراءات التي يجب اتخاذها للتخفيف منها.
في السياق، أكّد الخبير الاقتصادي تحقيق المؤشرات الاقتصادية الكلية، من خلال المجهودات المبذولة من قبل المسؤولين في البلاد، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي يستعد لتسلّم مهامه كرئيس للجمهورية لعهدة ثانية.
وقال سلامي إذا تمّ تسجيل إقبال على السياحة، وتحقيق معاملات اقتصادية بالجزائر سيجبر الطرف الأجنبي على التعامل بالدينار، وإجراء معاملات اقتصادية بالعملة الوطنية.
وكان الدينار قد شهد خلال السنة المنصرمة تعافيه التاريخي، في مستوى صرف العملة الوطنية لدى البنوك الرسمية، بفضل مؤشرات خضراء حققها اقتصاد البلاد، تحقيق نمو الاقتصاد، التنافسية الاقتصادية مع دول حوض المتوسط والدول الإفريقية، إضافة إلى المؤشرات المالية العالية، منها ميزانية المدفوعات.
الدكتور جمال جعفري: تطوير الفلاحة..تحقيق رهان الأمن الغذائـي
تحيل قراءة مؤشرات واقع قطاع الفلاحة اقتصاديا، وما يسجله من تطورات بالجزائر، إلى أنّ البلاد ماضية – فعلا لا قولا – نحو تحول اقتصادي هام في تاريخها، وهو ما أسّست له الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وأولاها بعناية خاصة منذ وصوله إلى سدة الحكم، فتجسدت على أرض الواقع بفضل التركيز على تنمية الفلاحة الصحراوية، وزيادة المساحات الصالحة للزراعة عبر مجال جغرافي شاسع.
أكّد المختص في الاقتصاد، الدكتور جمال جعفري، أنّ قطاع الفلاحة يعتبر قطاعا رئيسيا في الجزائر وعمودا أساسيا في الاقتصاد الوطني، بسبب مساهمته في التوظيف والناتج المحلي الإجمالي، فهو يوظف حوالي 2.6 مليون شخص، كعمال زراعيين يمثلون أكثر من 74 في المائة من اليد العاملة في قطاع الزراعة الريفية، و24 في المائة من القوى العاملة الوطنية.
وذكر محدّثنا أنّ هذا القطاع الاقتصادي المهم، يساهم بنسبة 18 في المائة من الناتج الداخلي العام، بقيمة تفوق 4747 مليار دج، حيث أنه يضمن الأمن الغذائي للبلاد، وذلك من خلال تغطية أكثر من 70 في المائة من الاحتياجات الوطنية من الغذاء خاصة من المنتجات الفلاحية.
وأوضح محدّثنا – في هذا الشأن – أنّ الحكومة الجزائرية ركّزت خلال السنوات الأخيرة على القطاع الفلاحي بما هو قطاع استراتيجي يعول عليه في تحقيق الأمن الغذائي، وهو التصور الذي جاء به رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في برنامجه الانتخابي، وذلك من خلال مسعى مهيكل واندماجي قائم على بنية متناسقة مع السياسات القطاعية الأخرى، ما من شأنه تطوير القطاع الفلاحي، ويجعله رافدا من روافد التنوع والنمو الاقتصادي.
وقال جعفري إنّ توجه الحكومة الجزائرية نحو الاستثمار في قطاع الفلاحة، خاصة في المناطق الصحراوية ومناطق الهضاب العليا، من خلال التركيز على إنتاج الحبوب وخاصة منها القمح بنوعيه، والذي يعتبر غذاءً أساسيا في النمط الغذائي للفرد الجزائري، وكذا الصناعات الزراعية الغذائية، حيث أنّها اعتمدت على تعبئة أكبر لرؤوس الأموال، وهذا ما تطمح إليه الدولة الجزائرية من خلال تغطية الاحتياجات الغذائية الأساسية، وزيادة الإنتاج والإنتاجية الزراعية، وتطوير نموذج زراعي ريفي جديد مدفوع بالاستثمار الخاص، بالإضافة إلى تحسين القدرة التنافسية للمنتجات الغذائية الزراعية، وكذا تحديث الزراعة من خلال دمج المنتجات ذات الصلة بالمعرفة والرقمنة.
وقال الدكتور جعفري إنّ الدولة الجزائرية تركز على مساهمتها واستمرارها في بذل الجهود دوما لترقية الاقتصاد بالقارة الإفريقية، لاسيما في مجال الأمن الغذائي من خلال تعزيز الزراعات الصحراوية، وتطوير الاستثمار في إطار التعاون جنوب-جنوب.
وبالنظر إلى إمكاناتها الهائلة في مجال الفلاحة، سواء من توفر الثروة المائية والمساحة الجغرافية عبر المناطق الصحراوية، فإنّ رهان تحقيق الأمن الغذائي في الجزائر يعد طموحا ممكنا وقريبا، وينبغي العمل عليه أكثر خلال المرحلة القادمة، من أجل بلوغه على مدى أقرب من المتوقع، بالإضافة إلى أن توفر الإرادة السياسية يعد داعما أساسيا ومهما لتحقيق هذا الرهان، ومواجهة مختلف التحديات في هذا المجال.
واعتبر محدّثنا أنّ ما تحقّق للقطاع الفلاحي خلال السنوات الأخيرة، يؤكّد أنه يعد قطاعا استراتيجيا يمكن للدولة الجزائرية الرهان عليه في تحقيق أمنها الغذائي، خاصة في ظل التقلبات التي تشهدها سوق النفط العالمية، والتي تؤكّد ضرورة العمل من أجل تنويع الاقتصاد الوطني وتحريره من عباءة قطاع المحروقات، بالعمل على تنويع مجالات الاستثمار الاقتصادي.
من جهة أخرى، أكّد جعفري أن تنويع الاقتصاد الوطني يعد رهانا يتطلب تطوير قطاع الفلاحة، كما يستدعي تحقيق رهان الأمن الغذائي تطوير هذا القطاع، مشيرا إلى أنّ تطوير قطاع الفلاحة في مجال الاستثمارات الفلاحية الضخمة، من شأنه أن يساهم في تغيير كثير من المؤشرات الاقتصادية نحو الأفضل، بالإضافة إلى تخفيض قيمة فاتورة الاستيراد، والمساهمة في رفع معدل الصادرات، وغيرها من الأمور التي ستساهم في تهيئة الأرضية الاقتصادية لضمان تعزيز قوة الاقتصاد الوطني، وذلك بالاعتماد على توفر الكثير من المقدرات والمؤهّلات التي تعد أساسية في تحقيق هذا الرهان.