رسمت المحكمة الدستورية تجديد ثقة الشعب في رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لعهدة ثانية، بإعلان النتائج النهائية، ما سيمكّنه من مواصلة تحقيق التنمية الشاملة، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لتعزيز المكاسب والإنجازات التي تم تحقيقها في العهدة الأولى، ومنح الجزائر كل الفرص كي تحقق الريادة من خلال استكمال الإصلاحات التي باشرها في العهدة الأولى.
سيعتمد الرئيس – على الأرجح – مقاربة تهندس لاستراتيجية اقتصادية تحررية تشجع الإنتاج الوطني، وتدعم المستثمرين وتمنح الفرص للشباب في ظل عودة الثقة بين المواطن والدولة، كما يرسخ أسس جزائر منتصرة قوامها الأمان التنظيمي بعد أن تم تعبيد الطريق أمامها من خلال أخلقة الحياة العامة، والإصلاحات العميقة.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي، فارس هباش في اتصال مع “الشعب”، على أن رئيس الجمهورية حرص خلال عهدته الأولى على إرساء العديد من القواعد والآليات لبناء منهج وتبني فلسفة اقتصادية جديدة، تركّز على تنويع مصادر الدخل ومصادر الثروة، وكذا الخلاص التدريجي من التبعية للمحروقات، ولأجل ذلك وضع الميكانيزمات اللازمة لتطبيق هذا المنهج بأرض الواقع من خلال خلق نموذج تنموي متوازن ومساهمة فعالة لبقية القطاعات في الناتج الخام المحلي والتنمية الاقتصادية وفق مقاربة تنموية اقتصادية متوازنة ومستدامة.
وعلى هذا الأساس – يقول هباش – حرص الرئيس تبون على تشجيع الإنتاج الوطني الهدف الأسمى لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من خلال القضاء على البيروقراطية، ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية وقد تمّت إزاحة جميع العراقيل بالفعل عن 1200 مشروع استثماري.
وقام الرئيس تبون بإنشاء لجنة لتوطيد الثقة والأمن القانوني بالنسبة للمستثمرين، باعتبار أن الاستثمار قاعدة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني، تم تحصينه بقانون جديد للاستثمار 18/22 مبني على أمان تشريعي مستقر لا يقل عن 10 سنوات، ما سمح بازدهار العديد من الاستثمارات الخلاقة للثروة التي استحدثت ما يتجاوز 250 ألف منصب شغل خلال العهدة الرئاسية الأولى، وفق ما أعلن عنه رئيس الجمهورية خلال حملته الانتخابية من ولاية وهران.
وبالحديث عن المشاريع الاستثمارية، تطرّق الخبير الاقتصادي إلى المشاريع المسجلة على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، إذ تشير إلى إحصاء 8590 مشروع محلي و165 مشروع أجنبي إلى غاية 22 أوت 2024، موزع ما بين استثمار مباشر وغير مباشر، ويرجع هباش هذا الارتفاع في عدد المشاريع الاستثمارية المحلية والأجنبية المسجلة إلى المرجعية القانونية والأمان الاستثماري الذي تميزت به العهدة الرئاسية الأولى.
انتصار للاقتصاد الوطني
قال هباش إنّ خوارزميات الاقتصاد الجزائري تتميز بالاتجاه نحو دعم الإنتاج الوطني، وعقلنة وتنظيم عمليتي الاستيراد والتصدير، ورغم مقاومة التغيير التي حاول من خلالها بعض أعداء الوطن عرقلة المسار الإصلاحي، إلا أن الإرادة السياسية انتصرت لصالح الإنتاج الوطني، حيث تمّ استحداث منصب وسيط الجمهورية، وتكليفه بالنظر في الملفات العالقة الخاصة بالمشاريع الاستثمارية، ورفع العراقيل عنها عبر كامل التراب الوطني، بمنتهى الإنصاف والعدالة، ما مكّن من إمداد السوق الوطنية بالمنتجات المحلية وإحداث توازنات بين العرض والطلب، ومحاولة الاستغناء تدريجيا عن المواد المستوردة بعد التمكن من إنتاجها محليا.
وفيما يخص المرجعية القانونية لتحفيز وتنظيم العملية الاستثمارية لدعم الإنتاج الوطني، وضعت الحكومة، خلال عهدة الرئيس تبون الأولى، مجموعة من القوانين المحفزة للاستثمار من خلال تسهيل الإجراءات وتبسيطها واستحداث الهياكل الداعمة لها، كما تدعّمت المنظومة التشريعية الجزائرية بقانون للعقار الاقتصادي، وإسداء مهام تنظيمه إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عبر منصتها الرقمية من أجل إنهاء الفوضى والممارسات اللصوصية التي تعرض لها العقار الفلاحي والصناعي والحضري طيلة عقود.
ثورة تنموية قوامها الشّباب
ويرى هباش أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يعتمد بدرجة كبيرة على عنصر الشباب من أجل تجسيد برنامج عهدته الثانية، المكمل لبرنامج العهدة الأولى، من خلال إطلاق قوانين أخرى متعلقة بالفعل الاستثماري كقانون المقاولاتية والمقاول الذاتي الذي يمنح مساحة استثمارية أوسع للشباب حاملي المشاريع الابتكارية وتمكينهم من المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني.
في هذا الصدد، أشار المتحدث إلى أنّ عدد المؤسسات الناشئة سنة 2022 لم يكن يتجاوز ألفي مؤسسة ناشئة، وهو الآن يتجاوز 7200 مؤسسة ناشئة، وهو رقم التزم رئيس الجمهورية برفعه إلى 20 ألف مؤسسة ناشئة خلال العهدة الثانية، وسيكون للشباب الجزائري عبر كامل الوطن، الحظوظ نفسها في البناء الوطني، في إطار تثمين دور الشباب في بناء الاقتصاد الوطني، ودمجهم ضمن الثورة التنموية.
بالأفعال لا الأقوال
ولأنّ الفعل الاقتصادي والعملية الاستثمارية مرهونان أساسا بالتمويل، ركّز هباش على أهمية التطرق إلى قانون النقد والصرف، كإضافة تنظيمية مكّنت من مواكبة النظام المالي الجزائري للمنظومة المالية العالمية، ممّا سمح بانسيابية التحويلات المالية واستقطاب أموال الجالية الجزائرية بالمهجر، وتشجيعها على الاستثمار ببلادها، بعد أن تلقت ضمانات عبر إجراءات واقعية ميدانية، لا خطابات ديماغوجية، تمثلت في المنصات الرقمية والشباك الوحيد للاستثمارات كأداة لتوجيه ومتابعات الاستثمارات انطلاقا من تسجيلها وبداية دخولها حيز الاستغلال الفعلي، ليكون رئيس الجمهورية من خلال هذه الإجراءات العملية قد أكد على أن الجزائر الجديدة، حقيقة وواقع، وليست مجرد شعارات.
الاكتفاء الذّاتي.. رهان العهدة الثانية
ولم يتوقّف رئيس الجمهورية عند هذا المستوى من فتح الآفاق أمام الاقتصاد الوطني، وتقديم عرابين الأمان الاستثماري للمستثمرين من قوانين وتحفيزات وتسهيلات، بل أصرّ – يشدّد الخبير – على تتويج مناخ المال والأعمال ببلادنا بـ«الشفافية المطلقة” و«الاتزام بحماية حقوق المستثمر”، ما دفع لاستحداث هيئة عليا على مستوى الرئاسة مكلفة بمتابعة الطعون المقدمة من طرف المستثمرين والفصل فيها، في أجل لا يتعدى 30 يوما.
ولا يكتمل الحديث عن المشاريع الاستثمارية دون التطرق إلى مشروع القرن الذي أطلقه رئيس الجمهورية في خطوة شجاعة وجريئة منه أعادت النشاط المنجمي للواجهة بعد عقود من التهميش، حيث يعتبر منجم غارا جبيلات بتندوف، الثالث عالميا من حيث احتياطي الحديد، ما سيرتقي بالجزائر إلى صدارة الدول المنتجة والمصدرة للحديد بعد دخوله حيز الاستغلال الفعلي، إضافة إلى منجم الفوسفات بواد الهدبة بتبسة ومنجم الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية، وهي استثمارات هيكلية ضخمة، يؤكّد المتحدث أنّها ستعطي دفعا قويا للاقتصاد الوطني ما بين 2025 و2030، وتحويله من خانة المستورد إلى خانة أهم المصدرين على المستوى القاري، وحتى العالمي.
وتستعد الجزائر لخوض تجربة الزراعات الإستراتيجية والذكية على مستوى الجنوب الكبير، الذي باتت نتائجه واضحة من خلال ما تم التوصل إليه، وسيتوصّل حتما إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب والشعير نهاية 2025، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الزيت من خلال التوجه إلى زراعة البذور الزيتية والشمندر السكري.
ولقد تمكّنت الجزائر في إطار الشراكات الكبرى من إبرام اتفاقية لإنتاج البقوليات مع الشريك الإيطالي، ومشروع “بلدنا” لإنتاج الحليب المجفف مع الشريك القطري بقيمة اقتصادية وصلت 3.5 مليار دولار.
مشاريع يستبشر الجزائريّون بها خيرا للمعيشة، تماما مثل البشائر التي توالت طوال عهدة الرئيس تبون الأولى، ورفعت لها الهيئات الدولية القبعة اعترافا بتعافي الاقتصاد الوطني مع توقعات بمواصلة مؤشراته الكلية للنمو، خلال العهدة الثانية.