يلعب النقل – بكافة وسائله – دورا إيجابيا فعالاً في اقتصاديات الدول، خاصّة أن النقل والتجارة الخارجية وجهان لعملة واحدة، فالنقل هو عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وشريان الحياة للتبادل التجاري الدولي، فهو يساهم بشكل فعّال في إنعاش التجارة الدولية.
ملف: فضيلة بودريش وعلي مجالدي وحياة كبياش وفايزة بلعريبي
ساهم في تبادل السلع والخدمات، وهو يشهد تطورات متلاحقة على كافة الأصعدة.. ويعدّ النقل البحري من أهم أنواع النقل فهو يمثل حوالي 85 بالمائة من حجم التجارة الدولية، فمعظم التبادلات التجارية سواء للصادرات والواردات أو لنقل المسافرين تتم عبر البحر نظرا لما يحقّقه من استيعاب لكميات هائلة من البضائع.تملك الجزائر موقعا استراتيجيا هاما، وواجهة بحرية واسعة، وقد حركّت جميع الإجراءات من أجل تحسين كفاءة تشغيل الموانئ، بما هي بوابات الاقتصاد القادرة على الزيادة في حجم الصادرات وتخفيض تكلفة الواردات، وبتوجيهات من رئيس الجمهورية، ستعيش الجزائر التحوّل الكبير باتجاه تعزيز قدراتها على التعامل مع أحجام الشحن المتزايدة لتصل إلى مرحلة متقدمة من السلاسة والسرعة والانسيابية في شحن السلع، ولن تتأخر في تحقيق تنافسية عالية لشبكة موانئها؛ لأن القرار اتّخذ، وعملية تجسيده على أرض الواقع تتم بالسرعة القصوى..
المصدّرون الجزائريون الذين يتزايدون يوما بعد يوم، سيجدون أنفسهم أمام واقع جديد يرفع من سقف تطلعاتهم إلى توسيع الكميات المصدرة.. هذا سيتحقق في ظرف زمني قياسي بفضل البوابة البحرية في الحمدانية.. ميناء يعوّل عليه في تغيير خارطة التجارة الخارجية..
الموانئ.. بوابات السيادة والريادة الاقتصادية
أكد رئيس الجمهورية ضرورة مواصلة بعث الاستثمارات الضخمة والمشاريع الكبرى والبنى التحتية التي تسهم في دعم الاقتصاد الوطني وزيادة القدرة التنافسية للجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويعدّ ميناء الحمدانية، أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي تعوّل عليها الجزائر بشكل كبير لدعم اقتصادها، كونه يعتبر ركيزة أساسية لتطوير القطاع اللوجستي والتجاري، خاصة وأن الجزائر مؤهلة لأن تصبح مركزًا تجاريًا ولوجستيًا إقليميًا مهمًا، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يربطها بعدة دول، وحدودها البرّية والبحرية مع أكثر من 10 دول إفريقية وأوروبية، ما يمنحها فرصة للعب دور محوري بالمنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل الرئيس تبون على تجسيد هذا المشروع بشكل كامل، خصوصاً بعد نجاحه في استغلال منجم غارا جبيلات، الذي يُعدّ واحدًا من أهم المشاريع الاستراتيجية في تاريخ الجزائر. ويأتي هذا النجاح بعد فشل العديد من الحكومات السابقة في استغلال المنجم، ما يُبرز قدرة الرئيس تبون على تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
بوابة التجارة والاستثمار
يعتبر ميناء الحمدانية الواقع في مدينة شرشال بولاية تيبازة أحد أكبر المشاريع الاقتصادية التي تمثل نقلة نوعية في الجزائر، حيث يمتاز الميناء بموقعه الإستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعله بوابة رئيسية لربط الجزائر بإفريقيا ودول حوض المتوسط.
ويتوقع أن يعزّز الميناء تدفق البضائع والخدمات اللوجستية، ما سيسهم في جعل الجزائر مركزًا للتجارة الدولية وفك العزلة عن الدول الإفريقية التي ليست لها منافذ بحرية وما يرافق ذلك من إعطاء دفع قوّي للحياة الاقتصادية وتوفير مناصب الشغل.
ويندرج مشروع ميناء الحمدانية في إطار رؤية الرئيس تبون لتحويل الجزائر إلى «بوابة لإفريقيا» في مجال البضائع والخدمات اللوجستية، حيث سيسهم في تحسين بنية النقل وتطوير شبكة طرق جديدة لربط الميناء بمختلف الولايات الجزائرية، وسيكون هذا التحرّك عاملًا مهمًا في تسهيل نقل البضائع بين الجزائر والبلدان الإفريقية عبر الطريق العابر للصحراء، الذي يعد شريانًا رئيسيًا يربط الجزائر بعمقها الإفريقي، بالإضافة إلى مشروع السكك الحديدية الذي يعمل عليه حاليا والذي يصل إلى تمنراست في عمق الصحراء الجزائرية، والذي يضمن نقل الأشخاص والسلع وهذا المشروع يتكامل مع توجه الجزائر إنشاء مناطق اقتصادية حرّة خاصة مع النيجر ومالي لتسهيل حركة البضائع وتصدير المنتجات الجزائرية الى هذه الدول.
عملاق البحر الأبيض
ومن المتوقع أن يصبح ميناء الحمدانية أحد أكبر الموانئ في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بقدرة معالجة تصل إلى 6.5 مليون حاوية سنويًا، ما يجعله يتجاوز العديد من الموانئ المهمة في المنطقة، مثل ميناء مرسيليا الذي تبلغ قدرته حوالي 1.4 مليون حاوية سنويًا، وميناء فالنسيا الذي تصل قدرته إلى 5.05 مليون حاوية سنويًا. وحين يتم تنفيذ المشروع بحسب الخطط المرسومة، يمكن أن يصبح ميناء الحمدانية منافسًا رئيسيًا لموانئ كبيرة مثل ميناء بيريوس في اليونان الذي يعالج 5.65 مليون حاوية سنويًا. وبحسب هذه الأرقام، يتوقّع أن يصبح ميناء الحمدانية أحد المحطات الرئيسية للتجارة البحرية في المتوسط.
ويرى العديد من المختصين أن هذا المشروع يتعدى كونه مجرد مشروع بنية تحتية، بل يعد خطوة استراتيجية تهدف إلى استعادة مكانة الجزائر كقوّة بحرية في منطقة البحر المتوسط، بالنظر إلى أهميته الجغرافية والاقتصادية.
ويُتوقع أن يغير ميناء الحمدانية قواعد اللعبة في مجال اللوجستيات والتجارة العالمية في المنطقة، خاصة وأن الميناء يُعد جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتشير التوقعات أن تمويله يقدر بملايير الدولارات، ويأتي كجزء من التعاون الاستراتيجي بين الجزائر والصين.
وتعزّز هذه الشراكة من دور الجزائر كعنصر محوري في المشاريع الاقتصادية العالمية، وتربطها مباشرة بثاني أقوى اقتصاد في العالم، وبالنظر إلى ضخامة المشروع، فإنه لن يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل سيسهم في تعزيز موقع الجزائر بالمنطقة، ويمنحها نفوذًا أكبر على المستوى الدولي.
الخبير إبراهيم قندوزي: ميناء الحمدانية.. مشروع عملاق يرسّـخ الانتقال الاقتصادي
رصد الخبير الاقتصادي إبراهيم قندوزي، نقاط القوّة ومفاتيح تطوّر النقل البحري الجزائري، باعتباره ينام على قدرات كبيرة، تنتظر استغلالا أمثل لتكون الجزائر وجهة مهمة إقليميا وعالميا في شحن السلع ومختلف البضائع، ومضاعفة سلاسة وانسيابية الحركة التجارية البحرية، بحكم أنها أقل تكلفة، معتبرا أن الموانئ بوابات لا يمكن الاستغناء عنها وأداة ربط بين قيمة الأسواق..
وتحدث أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة تيزي وزو، إبراهيم قندوزي، عن الدور الأساسي للموانئ في كل بلد، على خلفية أن النقل البحري يمثل 80 بالمائة من نقل البضائع في العالم لقدرتها على استقبال كميات كبيرة من حاويات السفن الضخمة، وأضاف أنه من الطبيعي أن يقوم الميناء بدور ريادي في التجارة العالمية، ويعد عاملا مهما في التطور الاقتصادي؛ لأنه نقطة انطلاق ووصول المنتجات، ومن أجل كل ذلك، اقترح ضرورة الإسراع في عصرنة تسيير الموانئ وجعل القدرات اللوجستية في مستوى عال من الكفاءة والتنسيق الجيد بين مختلف الفاعلين في عملية شحن أو استقبال السلع، بداية من شركات النقل إلى الجمركة والرقابة على السلع، من أجل تقليص مدة الشحن وخفض التكلفة حين يكون تنفيذ عمليات دخول وخروج السلع سريعا، وهذا ما يجعلها وجهة مفضلة للعديد من السفن.
ولم يخف الخبير أنه بهذه الخطوات يمكن أن يتم القضاء على البيروقراطية ومحو كل الخطوات الثقيلة في إنهاء الاجراءات التي تتسبب في تأخير البواخر، وبالتالي الرفع من تكلفة تأجيرها وهذا ما ينفر الزبائن ويجعل منها بطيئة.
ازدهار وفارق تنموي
التخفيض من تكلفة العمليات التجارية ضرورة ملحة تتجسد بحسب تقديرات الخبير قندوزي، من خلال الاستفادة من التكنولوجيا المتطوّرة والتسيير العصري بهدف ترقية تشغيلها لضمان استقرار سلاسل الإمداد وسرعة تدفقها، وكل ذلك سينعكس على الحركة الاقتصادية والوتيرة التنموية، ولأن ازدهار وسرعة التصدير سيحقّق التحوّل والفارق التنموي على المدى المتوسط حتى تكون الجزائر قاطرة تجارية، الأهم في إفريقيا.
وبعد أن حسمت الجزائر في تغيير وجه الحركة التجارية والتحكم الجيد في نشاطها المتنامي، – يقول الخبير الاقتصادي – اتخذت الدولة قرارا صارما يتمثل في تحسين تسيير الموانئ عبر إنشاء مؤسسة عمومية مختصة في بناء وتوسيع بعض الموانئ، وهذه الخطوة تتطلب تنسيقا كبيرا ودقيقا بين مختلف المتعاملين المشتركين في هذه العملية. واقترح أستاذ العلوم الاقتصادية، عدم التخلي عن خيار إنشاء نظام يقظة بهدف كبح أي خسائر مادية تنتج عن طول فترة رسوّ البواخر عبر الموانئ الجزائرية.
تحوّل رقمي حتمي
وفي حديثه عن حيوية الموانئ الجزائرية المنفتحة على المزيد من التوسّع والنمو والعصرنة، ذكر الخبير أن نشاطها متعدد بفضل طول الشريط الساحلي، على اعتبار أنها تعمل كذلك كمراكز تخزين وإعادة شحن رئيسية لعدة دول على غرار ليبيا ومصر والعراق وتركيا، وينظر إليها كمركز عبور تصدر عبر نقاطه الأساسية للسلع نحو القارة الأمريكية، موضحا أن أزيد من 90 بالمائة من التجارة الخارجية الجزائرية تتم من خلال الواجهة البحرية.
وتدرك الجزائر العازمة على تطوير أداء منظومة موانئها المتعددة والمهمة في منطقة البحر المتوسط بحتمية الرهان المرفوع لتكون محورا أساسيا ونقطة تحوّل هامة في المنطقة في تسريع الحركة التجارية، بحسب تأكيد الخبير الذي بدا مقتنعا أنه من الضروري الارتكاز على الرقمنة ومواكبة التطور التكنولوجي من أجل تكريس هدف جوهري يتمثل في رفع مستوى كفاءة أداء الموانئ، ومن ثم المحافظة على استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
ولم يخف قندوزي أن الموانئ الجزائرية عريقة وقديمة في المنطقة، وكانت في السابق تلعب دورا كبيرا أما اليوم تحتاج إلى الدعم بتجهيزات أكثر تطورا، معتبرا أن مشروع ميناء الحمدانية سيحدث الفارق بالنظر إلى عمقه المائي وشساعته، علما أنه بإمكانه أن يسمح برسو السفن الضخمة القادرة على حمل أزيد من 17 ألف حاوية، وهذا يسمح بتعزيز التجارة وتقديم كل الخدمات لدول إفريقية ليس لديها منافذ بحرية، لأنها ستستفيد من تخفيض تكلفة النقل الجوّي الباهظة، كون تكلفة النقل البحري أقل بكثير، وبعد ذلك تنسق مع الجزائر لتنقل عبر النقل البري وهذا يؤسس بدوره إلى تعاون مكثف بين الجزائر والدول الإفريقية.
وأفاد الخبير أن ميناء الحمدانية، يعدّ مشروعا دوليا عملاقا ذا جاذبية لديه فوائد اقتصادية وعوائد مالية، فضلا عن استحداثه لمناصب الشغل، لكنه مشروع طويل المدى بدور أساسي سيجذب استثمارات ويستقطب التكنولوجيا على خلفية أن حجم السلع والاستهلاك العالمي ارتفع بشكل لافت.
الخبير عبد الرحمن هادف: آفاق استراتيجية أمام الاستثمارات الكبرى
يعتبر ميناء الحمدانية بشرشال (ولاية تيبازة)، أحد أكبر الموانئ في حوض البحر المتوسط ويأتي في المرتبة الخامسة عالميا، ما يجعله محورا رئيسيا للتجارة والتبادلات على المستوى الإقليمي والدولي، نظرا لقدرة استيعابه العالية جدا للحاويات والبضائع التي يتجاوز حجمها 25 مليون طن سنويا، ما سيسمح بإحداث نقلة نوعية للاقتصاد الوطني، والرفع من مستوى الصادرات والمداخيل للخزينة العمومية.
يعد ميناء الحمدانية من المشاريع المهيكلة والاستراتيجية التي تعوّل عليها الجزائر في مرحلة التحوّل الاقتصادي، بحسب ما صرّح به الخبير في الاقتصاد عبد الرحمان هادف لـ»الشعب»، حيث سيسمح بمواكبة التحوّلات التي تهدف الدولة الى تحقيقها، من خلال انجاز المنشآت ذات بعد إقليمي ودولي.
أفاد الخبير هادف أن مشروع ميناء الحمدانية الذي يتربع على أكثر من 1200 هكتار، منها 900 هكتار مخصصة للمناطق اللوجستية، سيساهم في إحداث قفزة نوعية على مستوى الاقتصاد الجزائري، من جانب، حيث النقل واللوجستيك، كما سيكون للمنشأة دور هام على الصعيد الجيو- اقتصادي.
وأوضح الخبير في السياق، أن الموانئ الجافة وموانئ العبور التابعة لهذه المنشأة سيكون لها دورها الأساسي في تحسين أداء التجارة الخارجية، ولهذا المشروع علاقة مباشرة بطريق الحرير، وبالتعاون الاستراتيجي مع الصين الشريك الأساسي بالنسبة للجزائر، فإن تداعياته ستكون ذات تأثير كبير على الاقتصاد الجزائري في العقود القادمة وعلى مكانة الجزائر الإقليمية متوسطيا وافريقيا، وبالنسبة للصين فإن الميناء سيسمح لها بربط اقتصادها بالاقتصاديات الجهوية (الاقتصاد الإفريقي والأوروبي).
في السياق، قال محدثنا إن رئيس الجمهورية شدّد في العديد من المرات على ضرورة امتلاك الجزائر لمنشآت بحجم ميناء الحمدانية لحل مشاكل النقل البحري وخاصة ما تعلق بالعبور الذي يكلف الدولة مبالغ طائلة من العملة الصعبة.
وذكر المتحدث أنه تم التخطيط وهندسة المشروع من أجل أن تكون المنشأة ذات بعد إفريقي، ما سيسمح بربط عمق إفريقيا خاصة الدول الواقعة جغرافيا جنوب دول الساحل، بأن يكون لديها منشآت نقل ذات مستوى عال، وتسمح لها، بذلك، بتحسين تجارتها الخارجية، خاصة منشآت النقل في الطريق العابر للصحراء، وكذا مشاريع النقل بالسكك الحديدية، وبالتالي سيسمح المشروع للدول الإفريقية بأن تستفيد من هذه المنشآت والهياكل القاعدية بأكثر أريحية.
وأضاف هادف في السياق، أن المشروع يندرج ضمن الاندماج الاقتصادي الإفريقي الذي تعمل عليه الجزائر مع دول إفريقية أخرى، من أجل الرفع من مستوى الأداء، على أساس أن التنمية أكبر تحدّ تواجهه إفريقيا، وسيسمح لها بتحقيق قفزة نوعية في هذ المجال.
ولفت هادف إلى أن ميناء الحمدانية إضافة كبيرة للجزائر، حيث سيسمح باستقطاب وجذب استثمارات أجنبية كبرى تنظر إلى هذا النوع من المشاريع بأهمية بالغة، مشيرا إلى أن المنشأة ستعود بالفائدة على الاقتصاد الجزائري من خلال الحركية الكبيرة التي سيحدثها في الاقتصاد الوطني، والمداخيل الهامة التي سيدرها على الخزينة العمومية.
الخبير فارس هباش: تطوير أداء الموانئ يعزّز الحركية التجارية
قال الخبير الاقتصادي فارس هباش، إن إعلان وزارة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية عن استحداث شركة جزائرية للأشغال البحرية الكبرى، يأتي تجسيدا لقرارات مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15 جويلية 2024 وتنفيذا للوائح مجلس مساهمات الدولة في دورته الـ187 المنعقدة بتاريخ الخامس من شهر أوت المنصرم، والمتعلقة بمشروع إنشاء مجمع الأشغال البحرية، يندرج في سياق تطوير القدرات الوطنية في البنى التحتية للمنشآت البحرية للبلاد، وزيادة كفاءتها ومستوى أدائها في هذا القطاع الاستراتيجي.
وقال الخبير هباش إن الحركية التجارية التي تعرفها الجزائر منذ تولى الرئيس تبون سدة الحكم، وترسيخ الاتجاه المتنامي لتطوير الصادرات خارج المحروقات، يقتضي تطوير مستوى أداء الموانئ في إدارة حركية السفن المتعلقة بالشحن والتفريغ ومعالجة الحاويات، من منظور يراعي مبدأ التكلفة والعائد، بما يتماشى ومستوى أداء الموانئ العالمية، وهو ما تحققه رؤية الرئيس باقتدار.
وأضاف هباش أن هذا المشروع برز مع التوجه الاقتصادي الجديد، ومقتضيات تعزيز البنية التحتية البحرية، وتسعى الجزائر من خلاله إلى تطوير قطاع النقل البحري وتحسين كفاءته، ومنح الموانئ القدرة على تعزيز الحركية التجارية، وتوسيع العلاقات التجارية الدولية، ومن ثم، فإن التطلعات الكبيرة لهذه الشركة – يقول المتحدث – يكون لها دورها المستقبلي الفاعل في ترسيخ التوجه الاقتصادي، لهذا يأتي الحرص على تنفيذ مشاريع إستراتيجية مثل ميناء شرشال الذي سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، وأسعار الشحن.
ولاستيعاب الصورة الكاملة، يتطلب الأمر النظر في واقع النقل البحري وأسعار الشحن عالميا، إضافة إلى ظروف رسوّ السفن التجارية بالموانئ، وهي عوامل حاسمة لتطوير هذا القطاع الحيوي بالجزائر.
ركيزة أساسية..
أوضح الخبير الاقتصادي أن النقل البحري يشكل الركيزة الأساسية لحركة التجارة العالمية، حيث ينقل حوالي 80 بالمائة من البضائع التي يجري تداولها بين مختلف القارات، وتتمثل أهمية هذا القطاع في قدرته على نقل كميات ضخمة من السلع، بما في ذلك المواد الخام والمنتجات الاستهلاكية، بتكاليف أقل، مقارنة بوسائل النقل الأخرى مثل النقل الجوي أو البري.. هذا الدور الحيوي – يقول محدثنا – يجعل النقل البحري محوريا في دعم الاقتصاد العالمي، من خلال تسهيل تدفقات السلع بين الدول.
وقال هباش إن أسعار الشحن البحري تشهد تقلبات متواصلة نتيجة عدة عوامل مؤثرة على القطاع، ولعلّ أبرز هذه العوامل أسعار الوقود، حيث يعد الوقود الثقيل المستخدم في السفن جزءا كبيرا من التكاليف التشغيلية، وبالتالي، فإن أي زيادة في أسعار النفط، تؤدي مباشرة إلى رفع تكلفة الشحن.
وإلى جانب الوقود – يواصل هباش – يأتي عامل العرض والطلب على السفن، وهذا يتأثر بالأزمات العالمية، ومن ذلك، ارتفعت أسعار الشحن بشكل كبير خلال فترة جائحة كوفيد-19، بسبب زيادة الطلب على السلع وقلة السفن المتاحة، وفي السياق، ترتفع التكاليف التشغيلية التي تشمل أجور الطواقم البحرية، الصيانة، ورسوم الموانئ، حيث تمثل أعباء إضافية على أسعار الشحن.
وتؤثر الضرائب والرسوم الجمركية بشكل مباشر على تكلفة الشحن البحري، خصوصا في الموانئ ذات الرسوم المرتفعة أو الأنظمة الجمركية المعقدة، كما تتأثر أسعار الشحن بارتفاع أسعار التأمين، خاصة في المناطق المعرضة للقرصنة أو الحروب. كما تلعب ظروف رسوّ السفن التجارية بالموانئ دورا حاسما في تسهيل أو تعطيل التدفقات التجارية، حيث أن الموانئ التي تتمتع ببنية تحتية متطورة قادرة على استقبال السفن الكبيرة، وتسهيل عمليات التحميل والتفريغ، تكون بها الحال أفضل، إذ تقلل – بقدراتها العالية – من زمن الانتظار وتسهم في تحسين كفاءة العمليات اللوجستية.
التحديث.. من أجـل حُسن الأداء
وفي السياق، قال هباش إن توفر الأرصفة الكافية المجهزة بأحدث المعدات، يساهم في تسريع عمليات الشحن والتفريغ، ونلاحظ أن هناك موانئ، خاصة في الدول النامية، تعاني من نقص في هذه التجهيزات، ما يؤدي إلى تراكم السفن وتأخر عمليات النقل.. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية – يواصل محدّثنا – هو العمق المتاح للميناء، حيث أن الموانئ التي تمتلك قنوات عميقة يمكنها استقبال السفن العملاقة التي تحمل كميات كبيرة من البضائع، ما يجعلها أكثر تنافسية. وهناك موانئ تعاني من الحاجة المستمرة إلى عمليات تعميق لتتمكن من استقبال السفن الكبيرة.
وسجل هباش أن الإجراءات الجمركية تشكل تحديا إضافيا في بعض الموانئ، إذ أن سرعة أو بطء هذه الإجراءات يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على وقت بقاء السفن في الميناء، فالموانئ التي تطبق بها أنظمة جمركية حديثة، وتستخدم التكنولوجيا لتسريع التخليص الجمركي، تتمتع بميزة تنافسية كبيرة، حيث تكون أكثر جذبا للشركات التجارية. وعليه، فإن النقل البحري يظل خيارا لا غنى عنه للتجارة العالمية، ولكن نجاحه يعتمد على القدرة على التكيف مع التحديات التي تشمل تقلبات أسعار الشحن، تحسين البنية التحتية للموانئ، وتسهيل ظروف رسو السفن، والبلدان التي تستثمر في تحسين موانئها وتبسيط إجراءاتها الجمركية ستكون أكثر استعدادا لجذب المزيد من الاستثمارات الدولية، مما يعزّز من مكانتها الاقتصادية بالساحة العالمية.
حلقة وصل بين ضفتّي المتوسط..
إن تأسيس شركة جزائرية متخصصة في الإنشاءات البحرية – يؤكد هباش – يأتي في إطار الحاجة الملحة إلى توسيع وتطوير البنية التحتية البحرية بالجزائر، خاصة مع نمو التجارة البحرية وزيادة الطلب على الواردات والصادرات، حيث ستلعب هذه الشركة دورا محوريا في تحديث وتطوير الموانئ الحالية وتوسيعها لتستوعب المزيد من السفن والبضائع، مما سيعزّز القدرة الاستيعابية ويقلل من الازدحام، وهذا سوف يساهم في تحسين فعالية العمليات اللوجيستية وتدفق السلع بشكل أسرع، ويقلّل من التكاليف التي تتحملها مؤسسات الموانئ بالعملة الصعبة، نتيجة التأخير في إفراغ السفن وبقائها في عرض البحر.
وعلى صعيد آخر، فإن توسيع الموانئ يعزّز الحركية التجارية عبر زيادة القدرة على استقبال وتصدير السلع، وهذا سيؤدي – بالتأكيد – إلى تضييق زمن الانتظار للسفن التجارية، وتخفيض تكاليف النقل، مما يجعل الجزائر مركزا أكثر جذبا للتجارة الدولية، إضافة إلى ذلك، تحسين الموانئ سيعزّز مكانة الجزائر كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا، ويدعم تجارة «الترانزيت»، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتمتع به بلادنا.
ولا شك أن تحسين قدرة الجزائر على إدارة عمليات بحرية أكبر وأكثر كفاءة – يقول هباش -سيمكن البلاد من توسيع شبكة علاقاتها التجارية مع شركاء دوليين، حيث أن الدول التي تعتمد على موانئ الجزائر في التبادل التجاري ستجد في هذه البنية التحتية المتطورة فرصة لتعميق شراكاتها، كما أن تعزيز قدرات الموانئ الجزائرية سيعزّز من جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية ويشجّع على توقيع اتفاقيات تجارية مع شركاء جُدد.
ويعدّ ميناء شرشال من المشاريع الإستراتيجية التي ستحدث تحولا نوعيا في البنية التحتية البحرية للجزائر، حيث يهدف إلى أن يكون الأكبر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وعليه، فإن دور الشركة الجديدة المتخصصة في الإنشاءات البحرية سيكون محوريا في جميع مراحل هذا المشروع العملاق، بدءا من التخطيط وصولا إلى التنفيذ، حتى ولو كان بالشراكة مع شركات عالمية متخصصة في هذا المجال من أجل كسب الخبرة ونقل التكنولوجيا والخبرات والمعارف، فالتحديات عديدة ومتعددة بالنسبة لهذا المشروع الحيوي والاستراتيجي التي تشير التقديرات الأولية أن تكلفته قد تتجاوز الستة ملايير دولار.
شركة وطنية بمهام عالمية
وتكملة لما سبق ذكره، شدّد هباش على أن أوّل وأهم دور للشركة هو توفير البنية التحتية اللازمة للميناء، إذ يتطلب ميناء بهذا الحجم تجهيزات حديثة وتقنيات متطوّرة لضمان قدرته على التعامل مع حجم كبير من السفن والحاويات، وتشمل هذه الأعمال بناء أرصفة حديثة، مساحات تخزين ضخمة، أنظمة لوجستية متطوّرة، ومعدات لرفع وتحميل البضائع بأقصى كفاءة، ومنه، فإن تصميم وتنفيذ هذه المنشآت بطريقة تتماشى مع المعايير العالمية هو من مهام الشركة، ما يضمن للميناء بأن يكون نقطة جذب رئيسية للتجارة الدولية، وستلعب الشركة دورا بالغ الأهمية في تصميم نظام لوجيستي شامل يربط ميناء شرشال بشبكات النقل العالمية، سواء كان ذلك عبر البحر أو السكك الحديدية أو الطرق، وهذا الربط المتكامل سيعزّز من قدرة الجزائر على تصدير واستيراد البضائع بسهولة أكبر، بالإضافة إلى جذب المزيد من المستثمرين والشركات العالمية التي تبحث عن مواقع إستراتيجية لخدمات الترانزيت.
وستتولى الشركة أيضا، تحسين الكفاءة التشغيلية للميناء من خلال تطبيق أنظمة متطوّرة لإدارة العمليات، وهذه الأنظمة تشمل مراقبة حركة السفن، تنظيم تحميل وتفريغ البضائع، وإدارة المستودعات والمناطق الجمركية، ومع وجود هذه الأنظمة، سيصبح الميناء قادرا على تقليل زمن الانتظار وزيادة عدد السفن التي يمكن أن يخدمها يوميا، مما يجعله أحد أكثر الموانئ كفاءة في المنطقة.
تصميم بتقنيات صديقة للبيئة..
وعلى صعيد آخر، فإن الشركة ستكون مسؤولة عن ضمان أن يتم بناء ميناء شرشال بطريقة تتيح له التوسع مستقبلا، ومع النمو المستمر في التجارة البحرية العالمية، هناك حاجة لتصميم بنية تحتية قابلة للتوسع والتكيف مع الطلبات المتزايدة من الشركات التجارية العالمية، حيث ستكون الشركة قادرة على تنفيذ خطط تطوير مرحلية تسهم في توسيع قدرة الميناء كلما دعت الحاجة لذلك، خاصّة أن الجزائر تربطها اتفاقيات هامة على غرار اتفاقية التجارة الحرّة الإفريقية أو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مما يرفع من احتمالية عبور ومرور السفن عبر الجزائر، من دول مثل الصين والهند، للاستفادة من بنود هذه الاتفاقيات، خاصة ما يتعلق بالتخفيضات الجمركية، حيث أنه على سبيل المثال الصين تواجه العديد من العراقيـــل الجمركية للدخول إلى الأسواق الأوروبية، ولهذا، فإن وجود ميناء بهذا الحجم ووجود اتفاقيات بهذه المعايير، من الممكن جدا أن تكون عوامل مرجحة ومحفزة للطرف الصيني لتوطين صناعات في الجزائر أو الاعتماد على تجارة الترانزيت.
وبالنظر إلى المعايير البيئية العالمية الصارمة – يواصل هباش – سيكون للشركة ضمان بناء الميناء بطريقة تحافظ على البيئة البحرية والساحلية المحيطة، حيث تشمل هذه الجهود تقليل تأثيرات البناء على النظام البيئي البحري من خلال تطبيق تقنيات صديقة للبيئة، لضمان التوافق مع المعايير الدولية للاستدامة.