ترسيخا للتربية المرورية وتعميقا للوعي بأهمية احترام قانون المرور، احتضنت جريدة “الشعب”، أمس، ندوة نظمتها الجمعية الوطنية للممرنين المحترفين للسياقة، تحت عنوان “التحذير من حوادث المرور وأهمية إنشاء مجلس وطني استشاري”، بهدف التقليل من حوادث المرور وكبح نطاق توسعها، بداية من المدارس وعبر استعمال مختلف الآليات والطرق المتاحة.
تلميذ اليوم هو سائق الغد، لهذا ينبغي الحرص على تفعيل عملية تدريس السلامة المرورية، انطلاقا من المؤسسات التربوية. ويمثل التحسيس عاملا مهما وجوهريا قبل التوجه إلى تبني عملية الردع والعقاب.في هذا السياق، اقترحت رئيسة الجمعية نبيلة فرحات، إدراج مادة التربية المرورية بالأطوار التعليمية الثلاثة، من أجل التوعية والتحسيس بخطورة حوادث المرور وما قد ينجر عنها.
ندوة: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وفتيحة كلواز. صور: محمد سنواني
مصالـح الأمن تنظم حملات توعية على مدار العام
تصب كل الجهود ومساعي التنسيق بين مختلف الشركاء والفاعلين، في اتجاه التقليل من حوادث المرور، وذلك بترجيح كفة التوعية على كفة الردع، وهناك تنسيق كبير بين مختلف المصالح التي لا تدخر جهدا في كبح شبح حوادث المرور، سواء تعلق الأمر بمساعي المجتمع المدني أو الأسلاك الأمنية الوطنية.
حذرت رئيسة الجمعية الوطنية للممرنين المحترفين للسياقة، نبيلة فرحات، من المنحنى التصاعدي لحوادث المرور. وشددت على التطبيق الصارم لقانون المرور، الذي يعد من أفضل القوانين في العالم.
في سياق الحديث عن أسباب الحوادث الخطيرة، ذكرت فرحات بـ«عدم التقيد بالسرعة القانونية، وعدم احترام مسافة الأمان، وتجاهل استعمال رواق الاستعجال”، ما يتسبب في خسائر مادية وبشرية يمكن تفاديها.
واستحسنت فرحات قرار وزارة التربية الوطنية القاضي بتدريس التربية المرورية، واقترحت في هذا المقام تدريس التربية المرورية مادة أساسية منفصلة عن المواد الأخرى.
ونبهت فرحات إلى أن بداية تكثيف التحسيس، يتزامن دوما مع بداية الدخول المدرسي. واغتنمت الفرصة لدعوة الراجلين وأصحاب المركبات للتحلي باليقظة والحذر. وتحدثت عن تجربتها خلال تقديم درس في السلامة المرورية في إحدى المدارس الخاصة ببئر خادم بالعاصمة، ويعدّ أول درس حسب المرسوم رقم 23-8، وكذا التعريف بوسائل النقل، فكل وسيلة نقل تحمل حرفا.
من جهة أخرى، قدمت فرحات عرضا توضيحيا لعصرنة منظومة تعليم السياقة، من خلال عصرنة التكوين وتحديث وتطوير أساليب القيادة وتحيين جودة التكوين وزيادة الكفاءة والأمن عبر الطرق، ما من شأنه أن يفضي إلى تقديم تجربة تعليمية متكاملة.
بخصوص كتاب التربية المرورية لجميع الأطوار التعليمية، قالت فرحات إنه يتكون من 35 صفحة، ويتضمن أنواع إشارات المرور، والسيارات ذات الأولوية، ووسائل النقل وممر الراجلين. وتقترح الجمعية إنشاء لجنة استشارية أو مجلس استشاري طبقا للمادة رقم 4 من أحكام المرسوم التنفيذي رقم 10- 14.
موسم دراسي بلا حوادث
كشف ممثل مكتب الاتصال بأمن ولاية الجزائر ضابط شرطة رئيسي العيشاوي مهدي، عن تنظيم 25 حملة تحسيسية لفائدة المدارس وعن برمجة حملات التوعية على مدار السنة، لأن مصالح الأمن الوطني حريصة على تكريس موسم دراسي بلا حوادث مرور.
وقال ضابط شرطة رئيسي العيشاوي، إن مصالح الشرطة تنسق مع مصالح الدرك الوطني. ومن بين مساعي المديرية العامة للأمن الوطني، أن تكون عملية التحسيس مرفوقة بشاهد من ضحايا حودث المرور من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة للتأثير في الجمهور العريض، سواء كانوا صغارا أو كبارا.
من جهته، وقف ممثل أمن ولاية الجزائر عن مقاطعة سيدي امحمد، ضابط شرطة رئيسي كمال ديلمي، عند تجربة الأمن الوطني في التحسيس وسط الأولياء للحد من الاكتظاظ المروري خلال مواعيد دخول وخروج أبنائهم، وكذا توعية الراجلين بعدم عرقلة حركة المرور، والحث على استعمال ممرات الراجلين والممرات العلوية وكذا إرشادهم بأن يكونوا قدوة لأبنائهم في احترام قانون المرور.
تراجع محسوس
أكد ممثل المديرية العامة للحماية المدنية، الملازم الأول أرزقي نايت براهم، تسجيل أزيد من 50 ألف حادث مرور، أسفرت عن 62 ألف مصاب، و1513 وفاة في مكان الحوادث خلال الثمانية أشهر من العام 2024.
وأفاد نايت براهم، أن حوادث المرور بدأت تتراجع تدريجيا، مستندا إلى إحصائيات الأسبوع الفارط، حيث سجل 27 قتيلا، بينما خلال الأسبوع الذي سبقه سجل 49 قتيلا. ودعا ممثل الحماية المدنية إلى ضرورة متابعة الأخبار الجوية، لأن التقلبات الجوية، كثيرا ما تتسبب في حوادث المرور.
الرائد جمال قريني: 140 ألف كلم من الطرق مؤمَّنة بتقنيات عالية
أكد الرائد جمال قريني، ممثل عن قسم أمن الطرقات التابع لقيادة الدرك الوطني، أن حوادث المرور تعتبر من الإشكاليات التي تعمل السلطات العمومية على احتوائها وإيجاد الحلول الملائمة لها على الأمدين القريب والبعيد، نظرا لثقلها الكبير على الصحة العمومية وتداعياتها الاقتصادية وانعكاساتها المتصاعدة على الحياة اليومية لمستعملي الطريق.
ورغم التراجع المسجل في حصيلة حوادث المرور خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الإشكال -وفق ما أكد الرائد قريني- يبقى قائما، بحكم أنه يستنزف أرواحا بشرية، ناهيك عن المخلفات الاجتماعية القاسية، إضافة إلى المقدرات المستنزفة من الخزينة العمومية.
تواجد فعال
وأكد المتحدث خلال مداخلته بمنتدى جريدة “الشعب” حول الأمن المروري، أن قيادة الدرك الوطني، ووعيا منها بالتحديات المتعلقة بحوادث المرور، تعمل على ضمان وتأمين 85% من شبكة الطرقات عبر التراب الوطني، ما يقارب 140 ألف كلم ويتعامل مع حظيرة وطنية للمركبات تقارب 09 ملايين مركبة، عبر التراب الوطني، بإمكانات مقحمة متمثلة في دراجات نارية ومركبات ووسائل تقنية متمثلة في أجهزة قياس السرعة وأجهزة الكشف عن السيارات المبحوث عنها، وأطقم الكشف عن الكحول والمخدرات وأجهزة قياس عمق الأخاديد للعجلات المطاطية بالنسبة لسائقي الشاحنات والحافلات.
كما يقوم أعوان الدرك الوطني دوريا بإعادة تكييف التشكيلات في الميدان، من خلال منح الأولوية لتواجد مرن، فعال وردعي، من خلال الاستعمال أمثل للوسائل التقنية الجوية والبرية، وكذا احتلال فعال في الزمان والمكان لشبكة الطرقات التي يسهر الدرك الوطني على تغطيتها أمنيا على المستوى الوطني بهدف تأمين المواطنين وممتلكاتهم وضمان الأمن المروري ومكافحة الجريمة على الطرقات.
تقارير دورية
أما بالنسبة لمهام الدرك الوطني فيما تعلق بشرطة الطرقات، خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2024، فقد أكد قريني أنه تم تسجيل ما يعادل 466 ألف خدمة موزعة على النحو التالي: 4079 خدمة في اليوم بمعدل 1691 دورية و2188 سد، وتنقسم النشاطات المحققة الى تلك المحققة باستعمال الوسائل المموهة، حيث تم تنفيذ 5064 خدمة، تم خلالها رفع 20.265 مخالفة. أما بالنسبة للنشاط المحقق باستعمال جهاز قياس السرعة، فقد تم تسجيل 16.061 خدمة، نتج عنها 279.564 مخالفة.
بالمقابل، قدم الرائد جمال قريني، بعض الإحصائيات المتعلقة بالنشاط التوعوي الذي تقوم به شرطة الطرقات، حيث تم تسجيل 14.223 نشاط توعوي في مجال أمن الطرقات موزعة كالتالي: 37.205 عمل توعوي ميداني و2770 مداخلة في الوسط المدرسي هدفها التوعية المرورية، بالإضافة إلى 1248 مراسلة موجهة إلى مختلف السلطات متعلقة بحالة الطرقات. كما تم تنفيذ 4 حملات تحسيسية وطنية مع مختلف الشركاء الفاعلين في مجال الأمن المروري، متعلقة بالمناسبات الاجتماعية كشهر رمضان وموسم الاصطياف والدخول الاجتماعي والتقلبات الجوية.
التدخل المستعجل
أما بالنسبة لنشاط قسم الإعلام والتنسيق المروري بقيادة الدرك الوطني، فقد لجأت إلى تقنيات التكنولوجيات الحديثة، من خلال التطبيقات الإلكترونية -حسب المتحدث- حيث استحدثت تطبيق “طريقي”، وفاق عدد متابعيه المليون و300 ألف مشارك، وتم تسجيل ما يقارب 42 مليون مشاركة على هذه الصفحة، ومعالجة ما يفوق 385 ألف رسالة نصية واردة إلى بريد الصفحة من طرف مستعملي الطريق للاستفسار أو للتبليغ، كما تم نشر 3440 منشورا على هذه الصفحة منذ بداية السنة.
وقامت قيادة الدرك الوطني بإعداد تقارير ثلاثية، ترفع دوريا للجهات المعنية، على غرار وزارة الأشغال العمومية ووزارة الداخلية من أجل تدارك النقائص المسجلة على شبكة الطرقات.
فرحات: الكفاءة النفسية.. عنوان السياقة الآمنة
بالرغم من كل حملات التحسيس والتوعية التي تبادر بها الجمعيات ومصالح الأمن والدرك الوطني، تحولت حوادث المرور إلى “معضلة” تؤرق المجتمع بكل أطيافه، بسبب ما تخلفه من ضحايا وعاهات مستديمة وآلام نفسية وجسدية تقلب حياة ضحاياها رأسا على عقب.
أبرزت رئيسة الجمعية الوطنية للممرنين المحترفين نبيلة فرحات، خلال نزولها ضيفة على “الشعب”، ضرورة التركيز على تكوين المرشح لاجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة بتلقينه ثقافة مرورية تهذيبية تمنعه من خرق قانون المرور، خاصة وأن العامل البشري يمثل نسبة تفوق 90٪ من العوامل المسببة لحوادث المرور.
تتسبب الحركات الجنونية التي يقوم بها بعض السائقين في تهديد حقيقي للمحيط. لذلك، فإن التكوين النفسي والتقني والتكامل بينهما مهم للتقليل من تلك السلوكيات اللامسؤولة وبات ضروريا للحيلولة دون ارتكاب المناورات الخطيرة، يأتي في مقدمتها التجاوز الخطير.
أصبح الاختبار النفسي للسائق ضرورة ملحة لمنح رخصة السياقة للمرشح من عدمه. في هذا السياق، تحدثت رئيسة الجمعية الوطنية للممرنين المحترفين عن اللجنة الاستشارية الخاصة للوقاية من حوادث المرور التي تهتم باكتشاف الخروقات الموجودة ورفعها للجهات الوصية لتلافي خطر الحوادث مستقبلا.
ويساهم التقييم النفسي للسائقين، بمعرفة قدرته على قيادة آمنة، لاسيما أن حوادث المرور سببها اختلال أحد العناصر الثلاثة: السائق، المركبة أو البنية التحتية. لكن السائق يحتل مرتبة المحور أو المركز، لأن حضوره الذهني والنفسي أثناء القيادة يكون سببا في تفادي خلل العنصرين الآخرين، رغم تأثيرهما عليه.
ولا يمكن فصل الاستعداد النفسي والمعرفي للسائق عن الثقافة المرورية المكتسبة من المجتمع، وهي ما تلح عليه نبيلة فرحات من خلال إدراجها كمادة في المنهج التربوي، ما يعطي سائق المستقبل وطفل اليوم الفرصة لتعلم أولويات السلامة المرورية، ويحول المعلومات إلى سلوكيات أساسية سائقا كان أو راجلا.
وقد اختارت وزارة التربية افتتاح السنة الدراسية 2024/ 2025 بدرس السلامة المرورية، يخاطب الذهن ويستخدم الاستمالة العاطفية من أجل توعية مرورية متواصلة ومستمرة، خاصة وأن التلميذ في حالة تماس يومي مع الحياة المرورية عند ذهابه إلى المؤسسة التعليمية، ولتعزيز سلوك الطفل بما يتماشى وآداب الطريق والسلامة المرورية، من خلال تعلم آداب الطريق والالتزام بها كاحترام الإشارات الضوئية أثناء قطع الطريق، استعمال ممر الراجلين والمشي على الرصيف، وتجنب العبور من الأماكن غير الآمنة.
كما يسمح إدراج الثقافة المرورية في المنهج الدراسي، باستيعاب الطفل أن التربية المرورية ليست مجرد معلومات تلقن وتحفظ، وإنما هي وعي يكتسب وسلوك إيجابي يمارس، فتعويد الفرد على ممارسة السلوك الصحيح لقواعد المرور وآدابه ممارسة طوعية، نابع من الانصياع الذاتي لها وليس على أساس الخوف من العقاب، الأمر الذي يضمن استخدام الطريق بشكل آمن، في المقابل سينعكس على الاستعداد النفسي للسائق على القيادة الآمنة.