في مثل هذا اليوم عبر المقاومون الفلسطينيون الى ارضهم المحتلة وتمكنوا من تحقيق ضربة استباقية يكاد كل خبراء السياسة وممارسوها أن يجمعوا على قوتها ، ودقتها، وسريتها ، وفوق كل ذلك المفاجأة .
وبحكم انتمائي الى مدرسة الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم السياسية بشكل عام ، كنت أتتبع ما يكتبه خبراء هذا الميدان ، دون اغفال ما يكتبه الصحفيون وتعليقات ضيوف الشاشات التلفزيونية، ولكني كنت حريصا على عدم التعويل على ما يُكتب استنادا للتنبؤات “الحدسية” ، بل حاولت تتبع ما يندرج تحت الدراسات المستقبلية التي توظف بشكل صريح او ضمني بعض تقنيات هذا الميدان بكل تقاليده الاكاديمية.
معلوم أن الاعلامي ينشغل غالبا بالحدث(Event)، ويذهب بعضهم للاطلال على اتجاهاته الفرعية(Sub-trends) بينما ينشغل الباحث المستقبلي بالاتجاه(Trend) ليبني جسرا يربطه بالخطوة الاهم وهي الاتجاه الاعظم(Mega-trend).
وقد تتبعت 27 مركز دراسات باحثا عن دراساتها المستقبلية لما سيؤول له الطوفان ، وحاولت الاستفادة مما ورد في وسائل الاعلام المبنية على التخمين الحدسي لانه ينبه احيانا لمتغيرات قد يضل عنها حتى الباحث المحترف.
ونظرا لضيق المساحة ، فاني اشير الى ان هذه المراكز توزعت على الدول التالية: اسرائيل، مصر، ايران ، الهند ، الولايات المتحدة، روسيا، الصين ، بريطانيا ،السنغال ، فرنسا ،النرويج ، وتبين لي ان التركيز في اغلب هذه الدراسات كان حول خمسة جوانب:
1- طول فترة المواجهة : وهنا اؤكد ان الـ27 دراسة توقعت امتداد المواجهة ما بين شهرين الى 6 شهور، ولم اجد ايا منها يتوقع اكثر من ذلك( والمقصود هنا ليس الصراع العربي الصهيوني بل الاشتباك العسكري المباشر بين اسرائيل ومحور المقاومة )
2- احتمال تحول المواجهة الى مواجهة اقليمية واسعة ، وقد توزعت التنبؤات هنا على النحو التالي: 14 دراسة توقعت ان لا تصل الامور الى مواجهة اقليمية شاملة بل قد تتذبذب في مستوياتها، و9 تنبؤات توقعت ستبقى محصورة في غزة مع حدوث “مناوشات ” مع “بعض” اطراف “محور المقاومة ، بينما توقعت 3 منها تغيرات في بعض دول الاقليم تقود الى توقف المواجهة بشكل متسارع ، لكن دراسة واحدة فقط توقعت بشكل جازم ان المواجهة الاقليمية وبمشاركات دولية “واقعة لا محالة”، وهو ما يخرج الموضوع عن حدوده الفلسطينية ليصبح صراعا آخر.
3- مصير المقاومة في غزة: توقع 19 بأن تضعف المقاومة الفلسطينية في غزة لكنها لن تهزم بالشكل الذي تسعى له اسرائيل وستعود ثانية لتنظيم صفوفها، وتوقعت 3 دراسات هزيمة تامة للمقاومة الفلسطينية ، بينما تساوت احتمالات الهزيمة والقدرة على البقاء عند 5 دراسات.
4- التغير في مواقف الدول العربية : اتفقت 24 دراسة على ثبات الدول العربية على مواقفها الحالية( بقاء التطبيع، الانتقاد اللفظي لاسرائيل، الدعم الانساني، ..الخ)، بينما رأت 3 دراسات احتمال التغير السياسي في المستقبل القريب في مصر مما ينطوي على تغير في المشهد على المدى المتوسط.
5- تدخل القوى الدولية : اتفقت 25 دراسة على ان الولايات المتحدة تشارك فعليا في العمليات الحربية وبشكل مؤثر، بينما لا يتجاوز الدور الروسي حدود التدخل غير المباشر ، بينما تسعى الصين للقيام “ب دور الإطفائي” دون اي نجاح، ويبدو الارتباك في السياسة الاوروبية هو الاكثر وضوحا. وتساوى التنبؤ بتدخل دولي كبير(دراسة واحدة) مع التنبؤ باعتماد استراتيجية عدم التدخل تحت اي ظرف من الظروف.
ومن بين المراكز التي انشغلت ( أكثر من غيرها ) بموضوع مستقبل طوفان الاقصى وجدت ما يلي( وسيتم نشر تفاصيل هذه الدراسة بعد فترة وجيزة).
1-Stimson Center
2-Institute for political and International Studies
Pew Research Center-3
Center for strategic and International Studies-4
Aljazeera Centre for Studies-5
6-مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
7-Swift Centre
Escwa and UNDP report(UN)-8
9-Project Syndicate
ACLED-10
11-United States of Peace
INSS-12
Choice-13
Russian International Affairs Council-14
تقييم هذه الدراسات:
1- عدد محدود منها ذكر تقنية التحليل التي اعتمد عليها، رغم ان بعضها كان واضحا من سياق التحليل ما هي تقنيته.
2- أزعم ان اكثر من 85% منها لم يكن “يداهن دولته” التي يُصدر دراساته منها.
اهم ما لفت انتباهي:
1- النسبة الغالبة من هذه الدراسات أقل ثقة بالوضع المستقبلي لاسرائيل من زاوية الاتجاه العام
2- أغلبها يرى ان اقامة دولة فلسطينية سيكون ميدانا للتنازع بين اسرائيل والمجتمع الدولي بعد وقف القتال الحالي
3- يميل 60% منها الى ان اليمين الاسرائيلي سيواجه مشاكل داخلية ومع شرائح من المجتمع الاسرائيلي
4- احتمالات ظهور عنف في بعض الدول العربية بخاصة الخليجية.
5- لاحظت اهتماما بمستقبل ايران في فترة ما بعد خامنئي(85 سنة) في هذه الدراسات ضمن تصورات الدور الايراني بعده وخاصة في موضوع القضية الفلسطينية ، وطرحت اسماء عديدة لخلافته مثل روحاني، لاريجاني، مجتبى(ابن خامنئي) ومير باقري…لكني لاحظت في نسبة عالية في هذه الدراسات تزايدا في الحديث عن ترجيح فوز ” علي رضا أعرافي” بمنصب المرشد الاعلى بعد خامنئي، وهو شخصية دينية واكاديمية وسياسية، وهو من المنادين بنصرة غزة والمقاومة الاسلامية في لبنان.
كل ما سبق يشير الى عمق تداعيات طوفان الاقصى.