أكّد رئيس مجلس الأمّة، المجاهد صالح قوجيل، “بمناسبة مرور عام على حرب الإبادة الشّاملة التي أعلنها الصّهاينة على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، أنّ القضية الفلسطينية لم تبدأ في السابع أكتوبر 2023، بل هي ممتدّة منذ 76 عاما، وأن المجزرة الرهيبة ليست الأولى، بل تاريخ المنطقة مليء بالمجازر، وليست حملة التهجير الأولى، فقد هجّرت العصابات الصهيونية آلاف الفلسطينيين منذ 1948، واستولت على أراضيهم وثرواتهم، وأقامت عليها دويلة الإرهاب التّوسّعية.
وشدّد السيد قوجيل على أنّه يجب إجهاض المغالطات والسّردية الكاذبة لدولة الاحتلال، التي توهم الرأي العام العالمي أنّ المقاومة الفلسطينية المشروعة أثارت قضية جديدة في السابع أكتوبر الماضي”. رئيس مجلس الأمة تقبل أسئلتنا بحفاوة، فكان هذا الحوار الذي اختصّ به قرّاء “الشعب”. إليكموه..
تصريحات الرّئيس تبون حول فلسطين قويّة وجريئة وواضحة استحقّـت الصّدى السّياسي والإعلامي
الشعب: السيد رئيس مجلس الأمّة، نأسف لأنّنا نستحضر معكم اليوم ذكرى مرور عام كامل على حرب الإبادة التي يقودها الصهاينة ضد شعبنا في فلسطين..كيف تلخّصون هذا العام العصيب من العدوان الصّهيوني؟
رئيس مجلس الأمّة المجاهد صالح قوجيل: إنّه عام أليم، عشنا فيه مأساة إنسانية أدمت قلوبنا. عام النكبة الكبرى التي أصابت هذه المرة ليس فقط الشعب الفلسطيني الأبي، بل كافة وحدات المجتمع الدولي، فقد هزّت مصداقيته وسفهت قيمه وأهانت قوانينه ومؤسساته الإقليمية والدولية. منذ السابع أكتوبر 2023، سقطت الأقنعة كما سقطت أرواح الفلسطينيين البريئة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت إبادة جماعية وعدوان وحشي للاحتلال الصهيوني. هذا العام، شهدنا كارثة التقتيل والتنكيل والتهجير القسري والتجويع، وتدمير الأرض ومطاردة الحياة في كل بقعة من فلسطين. كما شهدنا صدمة التغاضي الدولي، وردود الفعل الإقليمية والدولية غير المتجانسة مع بشاعة الفعل الإجرامي الواقع، بل وتشجيعه عبر خطاب عنصري يبرر الهمجية. هذا عام الكارثة التي حلّت بالضمير العالمي، وبالقانون الدولي الإنساني وبالسلم والأمن الدوليين. عام مرعب ساده الخذلان والنفاق السياسي والتواطؤ وتغييب الحقيقة، وستبقى الذاكرة العالمية شاهدة على السعار الصهيوني، وجرائمه ضد الإنسانية في أكتوبر 2023 في حق الشعب الفلسطيني، وفي أكتوبر 2024 ضد الشعب اللبناني.
من جهة أخرى، يمكنني القول إنّه عام الشجاعة والمواجهة والتحدي والمعارك الدبلوماسية الضارية للجزائر وشرفاء العالم في أروقة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، من أجل وقف فوري لإطلاق النار وتجريم ومعاقبة الاحتلال الصهيوني، شجاعة الفلسطينيين بصمودهم ومقاومتهم، وشجاعة أحرار العالم الذين جرّوا الاحتلال الصهيوني إلى القضاء الدولي لأول مرة…أستحضر هنا المبادرة التاريخية التي قامت بها جمهورية جنوب إفريقيا، برفعها دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية. حقيقة، لم يتوقّف العدوان لكنها خطوة هامة بأبعاد متعدّدة، ولا بد أن تنجلي يوما ثمارها.
هو أيضا عام الهبة الشعبية العالمية ضد العدوان، وخروج آلاف الطلبة في حراك شبابي هزّ دول الغرب الموالية للاحتلال الصهيوني، وذلك من أجل التعبير عن مناهضتهم لتواطؤ الديمقراطيات العريقة بالصمت أو الدعم المباشر للإبادة الجماعية في فلسطين…إنه عام اكتشاف الحقيقة من طرف الأجيال الجديدة في العالم.
غير أنّه وجب التذكير أن القضية الفلسطينية لم تبدأ في السابع أكتوبر 2023..بل هي ممتدة منذ 76 عاما، وهذه ليست المجزرة الأولى، بل تاريخ المنطقة مليء بالمجازر، وليست حملة التهجير الأولى، فقد هجرت العصابات الصهيونية آلاف الفلسطينيين منذ 1948، واستولت على أراضيهم وثرواتهم وأقامت عليها دويلة الإرهاب التوسعية. يجب إجهاض المغالطات والسردية الكاذبة لدولة الاحتلال، والتي توهم الرأي العام العالمي أن المقاومة الفلسطينية المشروعة أثارت قضية جديدة في السابع أكتوبر الماضي.
شهدنا كارثة التّقتيل والتّنكيل والتّهجير القسري والتّجويع وتدمير الأرض ومطاردة الحياة في كل بقعة من فلسطين
عشتم معاناة وطننا من ويلات الاستعمار..أليس ما يتعرّض له الفلسطينيّون اليوم شبيها بما قاسى الجزائريّون؟
نعم، إنّها نفس القسوة ونفس المعاناة..الاستعمار الاستيطاني منهجه واحد وسياساته الإرهابية معروفة في كل مكان وزمان، فهو متعطّش إلى الدماء ولا ترضيه إلا الأرض المحروقة، لذلك تتضامن القوى الاستعمارية فيما بينها، وتتحالف ويساند بعضها بعضا..بل إنّ أوجه الشبه تكاد تتطابق بين ممارسات الاستعمارين الفرنسي والصهيوني. في الجزائر، خبرنا مثل هذه الوحشية ودفعنا في مواجهتها أكثر من خمسة ملايين شهيد. تذكّرني مجازر غزّة ورفح بالمجزرة المروعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريات والجزائريّين في الثامن ماي 1945، وسقط على إثرها أكثر من 45000 شهيد، فأستحضر بشاعة الموقف والخديعة التي قوبلت بها مظاهرات سلمية لشعب أعزل خرج يطالب بحقه المشروع في الحرية والاستقلال. ومثلما حدث لأشقّائنا في غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلن الاستعمار حربا انتقامية على الشعب بكافة فئاته، وطارده في كل مكان لجأ إليه. هذا هو الاستعمار..لا حدود لقمعه ولا تردعه إلا الوحدة والمقاومة. وبالمناسبة، شكّلت هذه المجازر منعرجا تاريخيا حاسما في مسيرة التحرير الوطني، فحين بلغ الاضطهاد مداه، ولدت شعلة الثورة في وجدان الجزائريين، وتنامت حتى استوت وكُتب بلهيبها بيان أول نوفمبر 1954، لذلك أقول إنّ الحرب الانتقامية المعلنة على الشعب الفلسطيني، تحمل في جبروتها ومعانتها بذور فناء الاحتلال ونهايته القريبة. هذه حتمية تاريخية لا تخيب.
أقول أيضا إنّ تشابه السياسات الاستعمارية العالمية، يقابله أيضا تشابه الوسائل التحررية التي تهزمها. ومن هنا، أجدّد التأكيد على ضرورة الوحدة والمصالحة الوطنية الفلسطينية من أجل تسريع النصر، لقد انتصرت ثورة نوفمبر بالوحدة وانصهار الانتماءات من أجل هدف واحد هو الاستقلال، فرعاية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في 13 أكتوبر 2022 لم يأت عبثا، بل هو استشراف نابع من عصارة التجربة، وها نحن نحيي بعد أسبوع الذكرى الثانية لهذا الاتفاق في ظرف عصيب..لكن يبقى جوهره صالحا مهما تغيرت الظروف وغيب الموت الأشخاص، إنّه مبدأ ثابت لا بديل عنه.
منهج الاستعمار الاستيطاني واحد وسياساته الإرهابية معروفة في كل مكان وزمان
الجزائريّون لا يقبلون أي عدوان على الشّعوب الآمنة، بحكم ما عانوا تحت نير الاستعمار، ولقد أشرتم غير مرّة – في كتاباتكم ومداخلاتكم – إلى هذا، وكنتم سبّاقين إلى تلبية نداء رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون للعمل في هذا الاتجاه..بعد عام من العدوان، كيف ترون الوضع اليوم؟
لقد عبّر الشّعب الجزائري دوما عن مساندته المطلقة ودعمه اللامشروط للقضية الفلسطينية العادلة، هذا موقف موحّد بين الشعب وقيادته، موقف رسمي وشعبي ثابت لن يتغير تحت أي ظرف، وقد عبر عن هذا رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باسمنا جميعا خير تعبير عن قوة وديمومة هذا الدعم، وذلك من كافة المنابر الدبلوماسية والإعلامية، فقد صرّح أن القضية الفلسطينية قضية وطنية لن نتخلّى عنها، وسنبقى مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.
وقوفنا إلى جانب الفلسطينيين ضد الاحتلال الصهيوني نابع من مناهضتنا للاستعمار كمبدأ إنساني ثابت، فالحرية قيمة عليا في موروثنا الثقافي والحضاري، وحتى لو لم نذق ويلات الاستعمار، كنا سندعم نضال الشعوب المستعمرة ونساند حقها في تقرير مصيرها…فما بالك إن كان هذا الشعب شقيقا تربطنا به أواصر الدم واللغة والتاريخ.
القضية الفلسطينية كانت حاضرة ونحن نكافح الاستعمار الفرنسي، حملناها معنا في نضالنا في الحركة الوطنية، وفي كفاحنا إبان ثورتنا التحريرية المظفرة، في أحلك أيامنا تحت القمع الاستعماري لم نتوان عن تقديم ما استطعنا من الدعم.
لن نشارك في أي مبادرة لا تعترف بأحقية الشّعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة
مجلس الأمّة كان له دائما حضوره القوي، دفاعا عن الحق الفلسطيني، هل لكم أن تستعيدوا مع قرّاء “الشعب” أهم محطّات النضال البرلماني الوطني في هذا الشأن؟
حقيقة، برلمان الجزائر بغرفتيه سجّل حضوره في هذه الأزمة الإنسانية، ناضلنا من كل المنابر البرلمانية الإقليمية والجهوية لإسماع صوت الشعب الفلسطيني وإغاثته، وفرض وقف فوري لإطلاق النار. تمّ ذلك من خلال عضويتنا في المنظمات والبرلمانات الدولية والإفريقية والمتوسطية والعربية، غير أنّنا اصطدمنا – في كل مرة – بمعارضة غير مبرّرة من طرف العديد من دول الغرب، لاسيما في الاتحاد البرلماني الدولي، أين خضنا نقاشات حادة من أجل تمرير بند طارئ حول الوضع في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. المفارقة أنها نفس الدول التي رافعت لسنوات طويلة من أجل حقوق الإنسان، وصدعت رؤوسنا ببيانات برلمانها الإقليمي الذي تباكى على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر وفي دول أخرى..قلت آنفا إنّ الأقنعة سقطت وتأكّد ما طرحناه سابقا حول التسييس الممنهج لحقوق الإنسان في العالم، وتحويله إلى سجل تجاري تُقايض المصالح من خلاله وتحاك به المؤامرات، ويُلوّح به ضد الدول التي ترفض المساومة حول حق الشعوب في الحرية والسيادة وتقرير المصير.
أكّدت الجزائر على الدّوام التزامها بالسّلام وتكريس حل الدولتين، ورفضت السياسة القمعية التي ينتهجها الكيان..كيف جسد مجلس الأمّة المواقف الجزائرية عبر الدبلوماسية البرلمانية؟
جسّدنا ذلك بالإعلان عن هذا الموقف والدفاع عنه ومعارضة كل ما يعرقل تحقيقه، وذلك عبر وسائل الدبلوماسية البرلمانية..لقد أثرنا قضية الوضع في فلسطين في كل لقاءاتنا الثنائية، وخلال مشاركاتنا في النشاطات الدولية متعدّدة الأطراف، وطلبنا دعم الجزائر بصفتها عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي من أجل منح فلسطين مقعد دائم في الأمم المتحدة، وطرحنا الحقائق كما هي أمام برلمانيّي الدول الداعمة للكيان الصهيوني. ليس لدينا ما نخشاه،فالجزائر معروفة بمواقفها قولا وفعلا، ومجلس الأمة يسير على خطى مبادئ سياستنا الخارجية المهيبة بإشراف وتوجيه من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لاسيما منذ تولي الجزائر العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
لقد عملت الجزائر طويلا من أجل تفعيل حلّ الدولتين وإحلال السلام في المنطقة دون التعدي على المشروع الوطني الفلسطيني، وكثّفت من جهودها في مجلس الأمن الدولي من أجل استرجاع الالتزام الجماعي الذي تعهد به المجتمع الدولي حول هذا الحل العادل. نحن لا نشارك في أي مبادرة لا تعترف بأحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وقد كانت بلادنا حاضنة لهذا الحق منذ 36 سنة حين إعلان قيام دولة فلسطين يوم 15 نوفمبر 1988 في الجزائر.
كيف تعلّقون على المواقف الثّابتة للجزائر والتصريحات القوية والجريئة للسيد رئيس الجمهورية بشأن أم القضايا؟
حقيقة، تصريحات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، حول القضية الفلسطينية، خصوصا منذ بدء العدوان الغاشم، قوية ومعبّرة وواضحة استحقّت الصدى السياسي والإعلامي الدولي الذي حققته، وهذا ليس مفاجئا، بل كان منتظرا بالنظر إلى الزخم الدبلوماسي للجزائر الجديدة، والذي أعاد للأذهان أمجادنا التاريخية في المحافل الدولية والإقليمية. تصريحات رئيس الجمهورية لخّصت مواقف كل أحرار العالم، وسمّت الأشياء بمسمياتها واتّسمت بجرأة افتقدها كثير من القادة والرؤساء، وهذه من شيم الجزائريّين التي ورثوها عن سلفهم من الشهداء والمجاهدين، فقد كانوا أبطالا لا يخشون في الحق لومة لائم.. وقيادتنا تسير على خطاهم..
الإعلام الوطني قام بواجبه على أكمل صورة، فهو الوجه الآخر للجزائر النوفمبرية التي لا تقبل الظلم والاحتلال
كيف ترون – السيد الرئيس – دور الإعلام الوطني في الدفاع عن حقوق الشّعب الفلسطيني؟
الإعلام الوطني قام بواجبه على أكمل صورة، فهو الوجه الآخر للجزائر النوفمبرية التي لا تقبل الظلم والاحتلال والطغيان. التغطية الإعلامية الوطنية جسّدت مواقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية، وعبّرت بوسائلها عن الدعم والتضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني الشقيق في كل بقعة من أرض فلسطين. أنتهز هذه السّانحة لأحيّي كافة وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية، عملكم مشرّف وتأثيركم كبير، وأنتم الآن صوت الفلسطينيين والصدى الصادق للحقيقة.
عام كامل من بداية العدوان..هل من أمل للخلاص من أوجاع الحرب؟
مثلما قلت آنفا، وجه الشبه كبير بين الاستعمار الاستيطاني الفرنسي والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وأنّنا في الجزائر مررنا بهذه المآسي وقاسينا المذابح وواجهنا سياسات التقتيل والتجويع والتدمير والنفي والتهجير، وقد صمدنا وفي الأخير انتصرنا، وسطّرنا فصلا جديدا في تاريخ الإنسانية، خلاصته أنّ الاحتلال إلى زوال ولو بقي مائة أو ألف عام…لذلك أقول نعم، هناك أكثر من الأمل في الخلاص من أوجاع الحرب، إنّه اليقين بحتمية النصر. سينتهي الاستعمار في فلسطين وفي الصحراء الغربية حتما وليس تمنيا..إنّها دروس التّاريخ التي يؤمن بها الأقوياء ويتنكّر لها الأغبياء.