عام يمرّ على أطفال غزّة وهم يعيشون تحت وطأة حرب إبادة يشنّها كيان صهيوني لا يرضى بأقلّ من قتل جميع الفلسطينيين، أمّا من تكتب له النجاة من القتل، فالتهجير مصيره المحتوم.. مخطّط وضعه قادة الكيان الصهيوني لاستكمال مسيرة “الوعد الكاذب”، وحتى تبلغ غايتها وضعت الطفل أولويتها الأولى، فبين قتل وإصابة وتجويع وتخويف، يفقد الطفل في غزّة أبسط حقوقه في التعليم؛ لأنّ المدارس لم تسلم من صواريخ جيش الاحتلال ولم يشفع لها أنّها مكان لصناعة الغد، والجليّ أنّ المحتل يريد أن يرتبط اسم غزّة بالماضي؛ لأنّه لا يرى للطفل الفلسطيني مستقبلا على أرض العزّة.
رغم أنّها تعدّ انتهاكا صارخا لحقوق الطفل، يشنّ جيش الاحتلال حرب التجهيل وتحطيم جيل كامل بسبب رغبته الجامحة في سرقة الحاضر والمستقبل رغم أنّ التاريخ يأبى ذلك، بدأ العام الدراسي في الأراضي الفلسطينية الاثنين 9 سبتمبر الماضي، لكن على خلاف أطفال العالم، لم يتمكّن أطفال فلسطين من بدء عامهم الدراسي بشكل طبيعي، بعد عدم تمكّنهم من استكمال عامهم الدراسي الماضي أيضا، بسبب حرب الإبادة.
وتسبّب العدوان على فلسطين في مقتل آلاف الطلاب الفلسطينيين ومئات المعلّمين، إذ قال وزير التربية والتعليم الفلسطيني، أمجد برهم، في جويلية 2024، إنّ “10 آلاف طالب و400 معلّم استشهدوا في العدوان الصهيوني على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر 2023”.
وأدّت الحرب، الدائرة منذ عام، إلى انهيار شبه تام في البنية التحتية لقطاع غزّة، بما فيها البنية التعليمية، وتقول المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خُضُر: “فقد الأطفال في قطاع غزّة منازلهم وأفراد عائلاتهم وأصدقاءهم وسلامتهم وروتينهم. لقد فقدوا أيضا الملاذ والتحفيز الذي توفره المدرسة، ممّا يعرّض مستقبلهم المشرق لخطر الانطفاء.”
وحسب الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق الخضور: “حُرم 630 ألف طالب من حقّهم في التعليم في المدارس على مدار عام دراسي، بالإضافة إلى 78 ألف طالب في الجامعات. كما حُرم 39 ألف طالب من أداء امتحان الثانوية العامة”.
تحذيرات أممية من ضياع جيل كامل
وحذّر المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، فيليب لازاريني، من ضياع جيل كامل من أطفال غزّة وحرمانهم من التعليم.
وقال لازاريني، في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع بدء العام الدراسي: “يعود الأولاد والبنات في جميع أنحاء المنطقة إلى مدارس الأونروا باستثناء غزّة. أكثر من 600 ألف طفل هناك يعانون من صدمة عميقة، ويعيشون تحت الأنقاض. وهم ما زالوا محرومين من التعلم والتعليم. وكان نصفهم في مدارس الأونروا”.
وأضاف لازاريني: “في غزّة، تم تدمير أو إتلاف أكثر من 70 في المائة من مدارسنا. الغالبية العظمى من مدارسنا الآن عبارة عن ملاجئ مكتظة بمئات الآلاف من العائلات النازحة. لا يمكن استخدامها للتعلّم”.
وشدّد المسؤول الأممي على مخاطر استمرار الحرب في غزّة، قائلا: “كلّما طالت مدّة بقاء الأطفال خارج المدرسة، كلّما زاد خطر ضياع جيل، ممّا يغذّي الاستياء والتطرف. في غياب وقف إطلاق النار، من المرجّح أن يقع الأطفال فريسة للاستغلال”، فيما يؤكّد المدير الإقليمي للإعلام والمناصرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اليونيسف، عمار عمار، أنّ التقديرات تشير إلى أنّ “نحو 93 في المائة من المباني المدرسية قد تعرّضت لبعض الأضرار، وأنّ 84 في المائة منها يتطلّب إعادة بناء بشكل كامل أو ترميما كبيرا”.
ويضيف عمار أنّ “ما يحتاجه أطفال قطاع غزّة حاليا وبشكل عاجل هو وقف إطلاق نار فوري، للبدء في بناء حياتهم من جديد، وأيضا للعودة للانتظام في الدراسة”.
وأطلق متطوّعون فلسطينيون في غزّة مبادرات فردية لتعليم الأطفال في خيام. وأظهرت عدّة مقاطع مصوّرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، أطفالا فلسطينيين يدرسون داخل خيام، كما عبر أولياء أمور عن عزمهم مواصلة تعليم أبنائهم رغم الصعوبات.
وأنشأت منظمة اليونيسف بالتعاون مع شركاء داخل قطاع غزّة “12 مساحة تعليمية لتوفير التعليم لأكثر من 17 ألف طفل في المنطقة الوسطى من قطاع غزّة”، حسبما أفاد المدير الإقليمي للإعلام والمناصرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اليونيسف، عمار عمار.
ويؤثّر غياب التعليم، خاصة بالنسبة للأطفال الأصغر سنّا، في نموّهم الإدراكي والاجتماعي والنفسي. إذ أبلغ الآباء عن تأثيرات كبيرة في الصحة العقلية والنفسية والاجتماعية بين الأطفال، بما في ذلك الشعور بالإحباط والعزلة المتزايدة.
وبالنسبة للأطفال الأكبر سنّا، يؤدّي غياب التعليم إلى “خلق حالة من عدم اليقين والقلق. بدون التعليم، يتعرّض الشباب لخطر متزايد، والأهم من ذلك أنّهم معرضون لخطر الانقطاع عن المدرسة بشكل دائم”، حسبما تؤكّد منظمة اليونيسف.
الصهاينة يستهدفون المدارس
اتخذ الاحتلال الصهيوني منذ بداية عدوانه على غزّة المدارس أهدافا رئيسية لنيرانه، وأسفر قصف المدارس، الذي تصاعد بوتيرة أصبحت شبه يومية، عن عشرات المجازر وما يزيد عن ألاف من الضحايا، فضلا عن الجرحى والمصابين، معظمهم من النساء والأطفال، ولا سيما أنّ المدارس أصبحت ملاجئ مكتظة بالنازحين، الذين اعتبروها ملاذا آمنا بموجب القانون الدولي الإنساني.
وبفعل الحرب المستمرة، تحولت معظم المؤسّسات التعليمية إلى أنقاض، وأفادت وزارة التعليم والتعليم العالي الفلسطينية، مع نهاية أوت 2024، بأنّ 377 مدرسة و112 مبنى جامعيا ومعهدا للدراسات العليا في القطاع قد تعرضت لتدمير كامل أو أضرار بالغة أو جزئية.
وصرحت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأنّه إلى جويلية 2024، كان نحو ثلثي المدارس التابعة لها أو التابعة للحكومة في غزّة قد تعرّض للتدمير، وفي الشهرين التاليين تم قصف أكثر من 20 مدرسة، واستشهد جرّاء ذلك نحو 300 فلسطيني، وأصيب مئات آخرون.
وبحسب البيانات الفلسطينية الرسمية، استشهد في الغارات الصهيونية على مدى نحو عام، ما يقارب 10 آلاف طالب مدرسي وأكثر من 650 طالبا جامعيا، وأصيب نحو 17 ألفا من الطرفين، في حين استشهد أكثر من 500 من معلّمي المدارس والأساتذة الجامعيين، وأصيب أكثر من 2500 آخرين.
وسبّبت أزمة النزوح واتخاذ المدارس والمؤسّسات التعليمية ملاجئ، واستهدافها بالقصف المستمر، انهيار النظام التعليمي. وبحسب أرقام الوزارة، حُرم 630 ألف طالب مدرسي و88 ألف طالب جامعي من الالتحاق ببرامجهم التعليمية للعام الثاني على التوالي.
النزوح.. إلى أين؟
أصدر الجيش الاحتلال في 13 أكتوبر 2024 أوامر لأكثر من مليون شخص في شمال غزّة بإخلاء منازلهم في غضون 24 ساعة، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت أوامر الإخلاء حدثا يوميا لفلسطينيي القطاع، حيث يخلي الجيش الصهيوني مناطق وأحياء سكنية استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل فيها، ثم يغير أوامر الإخلاء إلى مناطق أخرى غير السابقة.
وخلال الشهور الثلاثة الأولى من الحرب، نزح أكثر من 75% من سكان غزّة، بما يعادل نحو 1.7 مليون شخص، أجبروا على العيش في خيام وملاجئ مكتظة وأحيانا في الشوارع، دون توفر الضروريات الأساسية للحياة.
واضطر سكان القطاع للنزوح مرارا وتكرارا، حتى إنّ بعضهم نزحوا نحو 10 مرات، بهدف الانتقال إلى مناطق يحدّدها الإحتلال بأنّها آمنة، ويستمر في تغييرها بشكل روتيني.
وعلى الرغم من ذلك، درج جيش الكيان الصهيوني على استهداف مواضع حدّدها ضمن المناطق الآمنة أو المناطق الإنسانية، وتعمّد قصف الملاجئ ومراكز الإيواء، وتدميرها فوق رؤوس النازحين، حتى إنّ الأمم المتحدة أعلنت مرارا أنّه لا مكان آمن في القطاع.
وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يتعمّد جيش الاحتلال تدمير مراكز الإيواء في قطاع غزّة، بما في ذلك المدارس والمرافق العامة، بهدف خلق بيئة قهرية تجبر المدنيين على إخلاء مناطق سكنهم باتجاه وسط وجنوب القطاع.
وحتى نهاية أوت 2024، ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإنّ حوالي 11 بالمائة فقط من قطاع غزّة لم يخضع لأوامر الإخلاء، وإلى منتصف سبتمبر، كان هناك أكثر من 55 أمر إخلاء ساري المفعول، يغطي أكثر من 85 بالمائة من قطاع غزّة، وتسبّبت هذه الإجراءات في وضع مليوني غزاوي، يشكّلون 90 بالمائة من سكان القطاع، في حالة نزوح مستمرّ ومتكرّر.