منذ انطلاق عهدته الرّئاسية الأولى، أكّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أنّ الأولوية الاقتصادية للجزائر هي تنويع الاقتصاد الوطني، والحد من الاعتماد على قطاع المحروقات الذي كان يشكّل نسبة تفوق 95 بالمائة من إجمالي الصادرات. وتعكس الأرقام اليوم، تطوراً تاريخياً يُصنفه الخبراء على أنّه إنجاز غير مسبوق، مع زيادة مساهمة القطاعين الصناعي والفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي، وبلوغ الصادرات خارج قطاع المحروقات 7 ملايير دولار سنوياً، وهو رقم لم تشهده البلاد منذ استقلالها
ملف: علي مجالدي وخالدة بن تركي وكمال زقاي وعلي عويش
في سياق هذه الجهود الكبيرة، جاء تأكيد رئيس الجمهورية في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، على أهمية المشاريع المنجمية الكبرى التي ستساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للبلاد، من بين هذه المشاريع يتصدّر منجم الحديد في غارا جبيلات، منجم الزنك والرصاص في وادي أميزور، ومنجم الفوسفات في بلاد الحدبة، إذ شدّد الرئيس على ضرورة الإسراع في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، واختيار المواقع المثلى لوحدات التصفية والمعالجة، بحيث تكون قريبة من مصادر المياه والطاقة وخطوط السكك الحديدية، وذلك لضمان تشغيلها بأسرع وقت ممكن وفقاً للخطط المقرّرة مسبقاً.
غارا جبيلات.. الاستثمار المنجمي الأكبر
أوضح أستاذ الاقتصاد وتسيير المؤسسات الدكتور محمد الأمين زغدي، في تصريح لـ “الشعب”، أنّ مشروع غارا جبيلات يعد واحداً من أهم الاستثمارات المنجمية في تاريخ الجزائر، بمخزون يقدّر بأكثر من 3.5 مليار طن من خام الحديد.
ويصنّف هذا المنجم كواحد من أكبر مناجم الحديد في العالم، ويشير الدكتور زغدي إلى أن الجزائر تطمح لإنتاج 40 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، ممّا سيضعها ضمن قائمة أكبر عشر دول منتجة لخام الحديد عالمياً.
وأضاف زغدي أنّ استغلال هذا المنجم ليس مجرد إنجاز اقتصادي، بل يُعد تحرّكاً استراتيجياً لتحقيق تنمية شاملة في الجنوب الغربي للجزائر، إذ سيوفّر المشروع نحو 6 آلاف وظيفة دائمة وأكثر من 25 ألف فرصة عمل غير مباشرة، ممّا سيساهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، كما يتوقع أن تبلغ الإيرادات السنوية من هذا المشروع العملاق ما بين 10 و15 مليار دولار، وهو ما سيعزّز الاقتصاد الوطني بشكل ملحوظ.
وأكّد الدكتور زغدي على أنّ خام الحديد هو مادة أساسية لصناعة الصلب والحديد التي تعتمد عليها كبرى الصناعات العالمية، ورغم توفره في عدة مناطق حول العالم، إلاّ أنه يُعتبر مورداً نادراً نسبياً بسبب الطلب العالمي الكبير، وأشار إلى أنّ الجزائر تخطّط لاستخدام الجزء الأكبر من خام الحديد المستخرج محلياً، ممّا سيعزّز القيمة المضافة في قطاع الصلب الوطني، خاصة في مصنع الحديد والصلب بوهران.
فوسفات بلاد الحدبة.. لاالعملاق القادم
على الجانب الآخر، يبرز مشروع فوسفات بلاد الحدبة كمحور استراتيجي آخر ضمن خطط رئيس الجمهورية لتنويع الاقتصاد، ويؤكّد الدكتور بلحاج وليد، أستاذ الاقتصاد الكمي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ الجزائر تمتلك أحد أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم، وأن هذا المشروع سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني والإقليمي. ووفقاً للدكتور بلحاج، من المتوقع أن تبلغ مداخيل تصدير الفوسفات بين 2 و3 ملايير دولار سنوياً، ما يعزّز مكانة الجزائر في السوق الدولية للفوسفات.
وأضاف بلحاج أن الفوسفات يُعتبر مادة استراتيجية حيوية في صناعة الأسمدة، التي تلعب دوراً رئيسياً في دعم القطاع الزراعي. وقال إنّ دخول الجزائر إلى سوق تصدير الفوسفات سيغيّر من موازين القوى بالنسبة لهذه المادة في منطقة المتوسط، خاصة مع قرب الجزائر من الأسواق الأوروبية التي تستورد كميات كبيرة من هذه المادة الحيوية لتلبية احتياجات قطاعها الزراعي.
ويأتي هذا المشروع ليدعم أهداف الجزائر في تعزيز الإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي على الصعيد الوطني.
منجم الزّنك والرّصاص..مشروع عالمي
وفيما يتعلق بمشروع منجم الزنك والرصاص بوادي أميزور (بجاية)، الذي يعتبر أيضا مشروعا عالميا من حيث الإمكانات المنجمية القابلة للاستغلال، والتي تقدّر بـ 34 مليون طن، مع إنتاج سنوي منتظر بـ 170 ألف طن من مركزات الزنك.
ويمتد هذا الموقع على مساحة قدرها 423.4 هكتار، ومن شأنه أن يمنح مكانة للجزائر في السوق الدولية. ويرافقه خلق نحو 786 منصب عمل مباشر، وأكثر من 4000 منصب عمل غير مباشرة، وفقا لتقديرات وزارة الطاقة والمناجم، التي تتوقّع تحقيق رقم أعمال يصل إلى 215 مليون دولار من هذا المشروع.
علاوة على استكمال جميع الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة باستغلاله والإجراءات الإدارية، تمّ إطلاق مشروع مصنع معالجة الزنك والرصاص في نوفمبر 2023، ما يمثّل بداية تنفيذ هذا المشروع المنجمي الضخم الذي انتظر 17 عاما لتجسيده.
وفي ظل الجهود المكثّفة التي يقودها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون لتنويع الاقتصاد الوطني والحد من الاعتماد على المحروقات، تمثل المشاريع المنجمية الكبرى، مثل غارا جبيلات وفوسفات بلاد الحدبة، خطوات حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتعكس أهمية هذه المشاريع في رسم مستقبل مشرق للاقتصاد الجزائري، مع تعزيز قدرات البلاد في التصنيع والتصدير، وفتح آفاق جديدة للنمو الاقتصادي في السنوات القادمة.
خبراء: المشاريع المنجمية الكبرى تعزّز التّنوع الاقتصادي
يؤكّد خبراء في الاقتصاد أنّ توجيه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بتحريك المشاريع المنجمية المهيكلة، يعتبر جزءا حيويا من استراتيجية الحكومة لتعزيز التنويع الاقتصادي، خاصة وأنّ قطاع المناجم يعتبر من الصناعات الاستخراجية الذي يعول عليه في رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات بالجزائر.
قال الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في تصريح لـ “الشعب”، إنّ قرار رئيس الجمهورية بتحريك هذه المشاريع جاء لأجل الاستفادة منها بشكل أمثل، كما وجّه تعليمات في اجتماعات سابقة بضرورة تنسيق الجهود وتكثيفها للدفع أكثر بها، ويتعلق الأمر بمنجم الحديد الواقع بالجنوب الغربي للجزائر غارا جبيلات بتندوف، منجم الزنك والرصاص بمنطقة بجاية واد اميزور ومنجم الفوسفات بلاد الحدبة “تبسة”.
وتابع الحيدوسي يقول إنّ قطاع المناجم يمتلك إمكانات كبيرة من شأنها المساهمة في دعم النمو الاقتصادي وجلب استثمارات أجنبية، وكذا دعم الصادرات خارج المحروقات، والرفع من احتياطي الصرف، بالإضافة إلى إسناد القطاعات الاقتصادية الأخرى ودعم الإنتاج بها على غرار الفلاحة، الصيد البحري، النقل، الميكانيك والتكنولوجيا الحديثة.
يساهم هذا القطاع الحيوي – يقول محدّثنا – في تحقيق النمو الصناعي الذي تطمح من خلاله الجزائر إلى رفع الناتج الإجمالي في السنوات القادمة، فمثلا غارا جبيلات يعد من أحد أكبر المناجم في العالم، والثالث من حيث احتياطي الحديد الخام القابل للاستغلال، كما أنه من المشاريع المهيكلة التي يعوّل عليها لإعطاء دفع للاقتصاد وتنويعه، ويمكن أن يزوّد هذا المشروع الجزائر بموارد هائلة من الحديد الضروري، خاصة وأن العديد من الشركات الوطنية تعمل على تحويل خام الحديد إلى منتوجات نهائية، سواء بالشراكة مع أجانب مثل قطر وتركيا، أو مؤسسات عمومية يتم إنجازها وتوزيع الشراكة مع قطر – الجزائر وتركيا – الجزائر، وستصل الجزائر إلى حدود 8 مليون طن من خام الحديد، مما يسمح لهذا المنجم بتوفير كمية كبيرة من الحديد لفائدة هذه الشركات.
وأوضح الخبير أنّ دخول غارا جبيلات حيز الاستغلال باستعمال خط السكة الحديدية آفاق 2026 يسمح بتقليل الواردات من خام الحديد، ورفع صادرات الحديد كمنتوج نهائي، وذلك لامتلاك الجزائر ميزة تنافسية في هذا المجال، خام الحديد طاقة رخيصة وتكلفة يد عاملة منخفضة مقارنة بدول الجوار أو العالم، كل هذه العوامل تسهم في تحقيق ميزة تنافسية لتصدير المنتوج إلى الأسواق الدولية، كما أنّه خيار استراتيجي لتنويع الموارد المالية خارج المحروقات، واستحداث مناصب الشغل لخرّيجي الجامعات، فضلا عن مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال إنتاج المادة الأولية، وكذا تقليص فاتورة الاستيراد.
وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أنّ منجم الزنك والرصاص تالة حمزة بواد اميزور بولاية بجاية، يعد مشروعا هاما لتلبية الطلب المحلي والعالمي على المعادن المستخدمة في الصناعات المختلفة، خاصة في مجال السيارات والالكترونيات، وحتى في مجال البناء، تنفيذ هذا المشروع يسمح بفتح آفاق مستقبلية بالغة، وذلك برفع الايرادات خارج قطاع المحروقات، وتعزيز ورفع القدرات المنجمية للبلاد، وخلق قيمة مضافة لدعم تنويع الاقتصاد الوطني.
ويساهم منجم الفوسفات ببلاد الحدبة جنوب تبسة، في تعزيز صناعة الأسمدة بالجزائر، كما يمكن من خلال تطوير هذا المنجم أن تصبح الجزائر لاعبا مهما في تصدير مادة الفوسفات وزيادة الصادرات خارج المحروقات وتوفير مناصب شغل، باعتبار هذه المشاريع المهيكلة لها تأثير كبير على الاقتصاد الوطني، كما سيتيح توسيع وتنويع النشاطات الاقتصادية والتجارية على المستويين المحلي والوطني.
مشاريع كبرى
من جهته، أكّد الخبير الاقتصادي بوشيخي بوخوص أن المشاريع المنجمية الثلاثة ذات أهمية قصوى للجزائر، وذلك لأنها تساهم في تنويع المداخيل، حيث أن منجم غارا جبيلات يحتوي على احتياطي يقدر بـ 3.5 مليار طن حديد يضع الجزائر من الدول الرائدة في مجال الحديد والصلب.
والمعروف أنّ الجزائر تملك ثلاث مناطق في ولاية تندوف غارا جبيلات غرب، غارا جبيلات وسط، غارا جبيلات شرق، وعملية الاستخراج تتم في موقع واحد وهو غارا جبيلات غرب، والذي يحتوي وحده على 1.5 مليار طن حديد تراب متاح للاستخراج مثل الرمال، وتمر العملية عن طريق الاستخراج ثم التفتيت والغربلة، ويصبح مستخرج الحديد جاهزا من الصهر في الفرن العالي، وإنتاج المادة الأولية من الحديد القابلة للتحويل إلى ورشة الدرفلة لاستخراج حديد الخرسانة البناء والحديد المسطح المخصص في صناعة الأنابيب وصناعة السيارات والسباكة عامة .
ونظرا لأهمية هذه المشاريع بالنسبة للاقتصاد الوطني، دعا رئيس الجمهورية الحكومة إلى الإسراع في تهيئة الظروف والبيئة المناسبة من أجل تمكين شركة سونارام الانطلاق الفعلي في استخراج مستخرج الحديد، وأيضا شركاءها سواء الشركات الاجنبية المنتظرة أو القطاع الخاص الذي يرغب في دخول ميدان المناجم.
ستخصّص العملية الأولى – يضيف المتحدث – للاستخراج والبيع على الحالة، ممّا يساهم في استحداث 25 ألف منصب عمل على الأقل، وبناء مدينة جديدة كقاعدة حياة لهذا المنجم، لذا شدّد رئيس الجمهورية على تكاثف الجهود لخلق البيئة المناسبة لانطلاق المشروع، هذا بالإضافة إلى خط سكك حديدية 950 كلم، الذي يمر على ثلاث ولايات بشار، بن عباس وتندوف من أجل نقل مستخرج الحديد من تندوف إلى بشار.
وأضاف الخبير: في ولاية بشار تمّ الانطلاق في بناء مركب الحديد والصلب بمبلغ مليار دولار، في انتظار إنتاج الحديد ومشتقاته، كما سينقل النقل البري حوالي 2 مليون طن سنويا من تندوف إلى بشار، ثم عبر القطار الموجود من بشار إلى وهران بمركب توسيالي للحديد والصلب، والذي يستورد حاليا الحديد من أستراليا وجزءاً من الخردوات المحلية في إطار التدوير، أي صهر الحديد الذي تقوم شركات الصغيرة بعمليات تجميعه من الطبيعة أو المعدات والسيارات القديمة.
كما أعلن رئيس الجمهورية عن وجود مورد جديد يتم الحصول عليه من العملة الصعبة، وهو في البداية تصدير مستخرج الحديد والذي يمكن أن يحقّق للدولة 3 مليار دولار سنويا، وفي حالة اكتمال بناء مركب الحديد ببشار، وأيضا إعادة بعث مصنع الحجار عنابة سيدي عمار وأيضا مركب بلارة في جيجل، مع الأشقاء القطريين، ومصنع توسيالي وهران مع الأشقاء الأتراك، يمكن للجزائر أن تستحوذ على حصة كبيرة في السوق العالمي للحديد والصلب بإيردات سنوية تقدّر بـ 18 مليار دولار.أمّا مشروع أميزور للزنك والرصاص ببجاية، فقد عرف تأخرا كبيرا، وتم إعادة إطلاقه بتعليمات وتوجيهات الرئيس عبد المجيد تبون، وسيساهم في استحداث 5000 منصب عمل، في حين يستخرج سنويا 250 ألف طن سنويا، ويمكن أن يحقّق رقم أعمال يتجاوز 300 مليون دولار، مع ربح صافي يقترب من 100 مليون دولار.
لذا، شدّد رئيس الجمهورية على الحكومة توفير كل الشروط للانطلاق الفعلي في هذا المشروع، وكذلك مشروع الفوسفات في تبسة، ممّا يعكس رغبة الرئيس في تنويع الصادرات، وبلوغ 30 مليار دولار خارج المحروقات.
مشاريع حيوية تحظى بالأولوية في برنامج الحكومة
يؤكّد خبراء في المجال الاقتصادي أنّ قطاع المناجم بالجزائر يمثل أحد أهم البدائل الاقتصادية المطروحة للتنويع المداخيل الوطنية خارج المحروقات، والدفع بوتيرة التنمية المحلية نحو الأمام، لهذا يحظى باهتمام خاص من قبل رئيس الجمهورية الذي جدّد خلال انعقاد مجلس الوزراء الأخير على “ضرورة تنفيذ هذه المشاريع المهيكلة الاستراتيجية بالسرعة القصوى إلى غاية دخولها الخدمة”.
في السياق، وصف الخبير الاقتصادي والي عرقوب أنّ “قطاع المناجم بالجزائر عرف قفزة نوعية خلال السنتين الماضيتين، واهتماما متزايدا من قبل الدولة لبعث مختلف المشاريع الحيوية، وحرصا كبيرا من قبل رئيس الجمهورية، الذي وقف شخصيا على عملية بداية الاستغلال لمنجم الحديد بغارا جبيلات، الأكبر على المستوى الوطني وحتى العالمي، في محاولة لتنويع المصادر وجعل الثروة المنجمية محرّكا ومرتكزا أساسيا لدعم الاقتصاد الوطني وتفعيل التنمية المحلية”.
وثمّن الباحث المتخصّص في الشؤون الاقتصادية هذا التحول الذي تعرفه الجزائر التي تبنّت سياسة جديدة تعتمد أكثر على مجال الاستثمار في مختلف القطاعات الحيوية، مشيرا إلى “أنّ كل هذه المشاريع المسجّلة للإنجاز وبداية الاستغلال في بعضها كمنجم غارا جبيلات المتكامل بعد تدعيمه بشبكة للسكة الحديدية، ومشروع مصنع لإنتاج الحديد بإمكانها تقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتساهم في التحرر التدريجي من التبعية شبه المطلقة للمحروقات، وتساهم في نقل الجزائر إلى مصاف القوة المنجمية بعدما أثبتت مكانتها كقوة طاقوية على الصعيد العالمي بفضل إمكاناتها الطبيعية واحتياطاتها الضخمة سواء في مجال البترول والغاز أو المعادن الباطنية”.
كما ذهبت عدد من التحليلات الاقتصادية الأخرى إلى التأكيد “أن تعليمات وتوجيهات رئيس الجمهورية للاهتمام أكثر بمشاريع قطاع المناجم المهيكلة التي دخلت نشاط الاستغلال مؤخرا تؤكّد – مرة أخرى – حجم الاهتمام، والمتابعة المستمرة التي يحظى بها النشاط الاستراتيجي المدمج والمتكامل الهادف إلى دعم وتنويع الاقتصاد الوطني باعتبارها قاطرة للتنمية المحلية الشاملة للولايات الجنوبية والمناطق المتواجدة فيها، إذ حظيت هي الأخرى ببرنامج ضخم من العمليات الخاصة بالتهيئة، وتحسين البنية التحتية مع عصرنة شبكة النقل بالسكك الحديدية، وفتح خطوط جديدة أهمها خط بشار، تندوف، غارا جبيلات الذي أشرف على إطلاقه رئيس الجمهورية والممتد على مسافة 950 كلم، وقادر على نقل 50 مليون طن من الحديد سنويا”.
وتشير تقديرات الخبراء – في قراءتهم وتقييمهم لأهم المناجم التي تزخر بها الجزائر وخريطة توزيعها الجغرافي – إلى أنّ منجم غارا جبيلات يعتبر الأضخم على الإطلاق باحتياط خام رفيع، وبإمكانه المساهمة في رفع قيمة الصادرات الجزائرية، ودعم مختلف الوحدات والمصانع الوطنية التي تنتج حاليا أجود أنواع الحديد، بالإضافة إلى المناجم الأخرى الصغيرة، منها منجم الونزة وبوخضرة بولاية تبسة باحتياطي يصل إلى 100 مليون طن، ومنجم الزنك والرصاص بوادي أميزور بولاية بجاية باحتياطي هام يقدّر بـ 53 مليون طن
توجيهـات الرئيس تعيد الحياة إلى عملاق الحديد النائم
أدّى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قبل قرابة العام، زيارة إلى منجم الحديد بمنطقة غارا جبيلات، كانت الأولى من نوعها لرئيس جمهورية، وضع خلالها حجر الأساس لإنجاز مصنع المعالجة الأولية إيذاناً بالانطلاق في الاستغلال الفعلي لخامات الحديد في المنجم، وشكّلت الزيارة منعرجا جديدا في التنمية الصناعية بالبلاد، خاصة وأن المشروع يحظى بمتابعة شخصية من رئيس الجمهورية.
تطرّق مجلس الوزراء الأخير لملف المشاريع المهيكلة في الجزائر، حيث وجّه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باختيار المواقع المناسبة لوحدات التصفية والمعالجة، وتقريبها من نقاط المياه والطاقة وخطوط السكك الحديدية، وتأتي هذه القرارات وغيرها في مستهل عهدة رئاسية جديدة تحمل في طياتها تحوّلا اقتصادياً كبيراً تلوح بوادره في الأفق.
وضع الرئيس تبون أسساً متينة للمرحلة الثانية من الإقلاع الاقتصادي، حيث بدّدت المؤشرات المسجّلة شكوك المتابعين، وأبانت عن نية حقيقة وإرادة قوية للدخول في مرحلة اقتصادية جديدة تعتمد على مقومات الدولة من الموارد الطبيعية.
ويحظى منجم حديد غارا جبيلات بتندوف باهتمام بالغ من طرف رئيس الجمهورية، الذي أدرجه ضمن الخطوط العريضة التي تم اعتمادها في نظرته الاقتصادية، لما يمثّله قطاع المناجم من أهمية استراتيجية وبُعد حيوي تمتد آثاره إلى جميع القطاعات الأخرى.
النّظرة الاستشرافية للرئيس تبون مكّنت من توجيه دفّة الجهود التنموية إلى قطاع المناجم والتجارة الخارجية، فنظرته للمرحلة القادمة ترتكز على تعزيز دور القطاع الصناعي في تنويع منظومة الدخل الوطني، وفق استراتيجية تقوم على أساس إعطاء الموارد الاقتصادية التي تزخر بها الجزائر مكانتها المطلوبة في دورة التنمية الاقتصادية والصناعية.
تبنّت السّلطات العليا بالبلاد مقاربة اقتصادية شاملة أعادت بعث الروح في عملاق الحديد بغارا جييلات، وإطلاق مشروع الخط المنجمي الغربي كأحد المشاريع الحيوية التي من شأنها المساهمة في القضاء على البطالة، وتوفير مناصب الشغل لفائدة الشباب وتغيير وجه منطقة الجنوب الغربي ككل.
مشروع غارا جبيلات وما سينجرُّ عنه من هياكل صناعية ضخمة بكل من ولايات تندوف، بشار والنعامة، سيحوّل المنطقة إلى قطب صناعي بامتياز، وهو يعكس مدى اهتمام رئيس الجمهورية من خلال متابعته المستمرة للمشروع على القضاء على الفوارق التنموية بين مختلف مناطق الوطن، وتحقيق أقصى درجات التوازن القطاعي اللذَين يشكّلان بُعدين هامين في تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
في السياق، أشار أستاذ العلوم الاقتصادية بالمركز الجامعي علي كافي محمد بودالي، إلى أنّ سياسة التوازن الجهوي والقضاء على الفوارق الاجتماعية تهدف إلى تحقيق التوازن في الجانب الاقتصادي، من استثمار واستحداث مناصب شغل، وفي الجانب الاجتماعي بتوفير السكن، المرافق العمومية والهياكل الصحية والتربوية.
وتحدّث بودالي بإسهاب عن مشروع منجم غارا جبيلات، مؤكّداً بأنّ حجم الهياكل القاعدية الضخمة التي سُخّرت للمشروع، سواء تعلّق الأمر بالمصانع أو بخط السكة الحديدية التي تربط المنجم بولاية بشار ومنها الى ولاية وهران، هي أدلة دامغة على الأهمية التي يوليها رئيس الجمهورية للمشروع ودوره الأساسي في تجسيد نظرته الاقتصادية.
وتابع بودالي قائلاً إنّ هذا المشروع الواعد والاستثمار الضخم الذي ستكون عائداته في مستوى حجم رهان السلطات العليا عليه، سيكون له الأثر الكبير على الخزينة العمومية على المديين المتوسط والبعيد.
وذكّر المتحدّث بالزيارة التاريخية التي خصّ بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ولاية تندوف، وما تمخّض عنها من إعطاء إشارة انطلاق مشاريع تنموية هامة وضعت منطقة الجنوب الغربي تحت مجهر المستثمرين الوطنيين والأجانب. وأكّد بأن حرص الرئيس على متابعة المشروع وإسداء تعليمات بضرورة الإسراع في تجسيده خلال أشغال مجلس الوزراء الأخير، هي قرائن ثابتة تؤكّد أهميته بالنسبة للمنطقة وللوطن ككل، وهو من بين العديد من المشاريع المهيكلة للاقتصاد الوطني، “لا ينكرها اليوم إلا جاحد أو حاسد أو جاهل، أو من لا تسعده تنمية هذا الوطن وتقاسم الثروة على كل مناطقه”.
وأشاد المتحدّث بمخرجات مجلس الوزراء الأخير، خاصة وأنه يثمّن المكتسبات الاقتصادية المحقّقة في دعم بناء أقطاب اقتصادية لمشاريع ضخمة من محطات تصفية ومعالجة وغيرها، فمشروع غارا جبيلات الذي تسير أشغاله اليوم على قدم وساق، سيعزّز من قوة الجزائر في المشهد الاقتصادي العالمي، وسيجعل منها قطباً صناعياً بارزاً في المنطقة، كما أنّه مشروع له تبعات اجتماعية، أمنية وجيوسياسية لا يُمكن إغفالها، وما متابعة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لهذا المشروع بصفة آنية إلا تأكيد على دوره في المشهدين الوطني والاقليمي.