سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان انتشارًا في الجزائر، ويصيب النساء بشكل رئيسي. ومع ذلك، تشير الإحصائيات إلى أنّ 1 بالمائة من الحالات المسجّلة تحدث بين الرجال، إضافة إلى تسجيل حالات لدى الأطفال والرضّع، وهو مرض تتعدّد أنواعه باختلاف الأشخاص. ومع كلّ ذلك، فإنّ مقاومة المرض والتعايش معه يظلّ أمرًا ممكنًا..
تُشير الإحصائيات التي حصلنا عليها إلى أنّ نسبة الشفاء من سرطان الثدي في بلادنا لا تتجاوز 40 بالمائة. لكن تُبذل جهود مكثّفة لرفع هذه النسبة إلى 90 بالمائة، كما فعلت بعض الدول بتطوير العلاج والتكفّل الأمثل بالمصابين، سواء على مستوى المؤسّسات الإستشفائية العمومية أو الخاصة، أو عبر جمعيات خيرية تكتسي ثوب مؤسّسات تضامنية متخصّصة.
في استطلاع قامت به “الشعب” حول هذا المرض، وصلنا من خلال حديثنا مع باحثين، ونساء مصابات، وأخصّائية نفسية وناشطة جمعوية، إلى حقيقة أنّ سرطان الثدي لا يُفقد المرأة أنوثتها، بل بإمكانها أن تعيش حياتها الطبيعية بشكل عادي حتى بعد الإصابة بالمرض. ولأنّ الحكمة تقول إنّ الوقاية أفضل من العلاج، فعلى النساء أن يخضعن للفحص الطبي بانتظام، كما ينصح الأطباء والباحثون.
يعتبر الكشف المبكّر عن الورم في بدايته أحد المفاتيح الأساسية للشفاء منه مع بداية العلاج، قبل تفاقم الحالة والتوجّه نحو استئصال الثدي. لذا، تواصل جمعيات ناشطة مثل “الفجر” و«الرجاء” جهودها في التحسيس، خاصّة خلال شهر أكتوبر الوردي المخصّص عالميًا لمواجهة هذا الداء، وتساهم حملات التوعية في اكتشاف المصابات، وفي نفس الوقت تُظهر أنّ عدد الإصابات يرتفع سنويًا.
”كسـاندرا” الجميلة.. حرمان من الزواج
تروي سمية من أولاد يعيش قصّتها الحزينة، وكيف أنّها لم تتقبّل إصاباتها بالمرض الذي حرمها من الزواج. في البداية، كانت هناك علاقة مع شاب لم تفصح له عن حالتها، ممّا دفعها لقطع تلك العلاقة. وبعدما تعرّضت لجراحة لإزالة ثديها الأيمن، قررت التخلّي عن فكرة الزواج نهائيًا، لتقبل فيما بعد الحياة كما هي وترضى بقضاء الله.
سمية، كانت تعمل خياطةً، واعتاد زبائنها مناداتها بـ “كساندرا” لجمالها الذي يشبه البطلة المكسيكية في أحد المسلسلات الشهيرة.. اكتشفت مرضها قبل أربع سنوات، عندما شعرت بوجود شيء صلب في ثديها. ذهبت للطبيبة المتخصّصة، ثم إلى عيادة خاصّة، حيث طلب منها الطبيب إجراء عملية لإزالة الثدي، وأرسلها إلى المؤسّسة الإستشفائية لمكافحة السرطان في البليدة. هناك، تأكّدت من وجود ورم في مرحلة متقدّمة.
تستحضر ماضيها الأليم بقولها: “لم أستطع تقبّل ما قاله الطبيب، وبكيت لمدّة شهر بسبب الصدمة. تزامنت تلك الفترة مع رغبة أحد الشباب في الزواج بي، ورغم إلحاحي على استئصال الثدي، رفضت. بقيت أقاوم الألم لمدّة عامين، أتناول بعض الأدوية وأتبع حمية غذائية، وكنت أهتم بصحتي وجمالي. كنت أفكّر في كيفية استئصال ثديي وأنا مقبلة على الزواج. لكن، مع ازدياد النزيف من الثدي، أصبحت غير قادرة على التحمّل وتعرّضت لفقر الدم، وفي النهاية رضخت للأمر الواقع وذهبت إلى المستشفى، حيث طلبوا استئصال الثدي وأخبروني بأنّه ليس لديّ خيار آخر.”
وتكمل سمية، التي كانت تخيط بعض الملابس للشرطة: “خضعت لعملية جراحية أولى في البليدة لاستئصال الثدي دون إزالة الغدد. وبعد سنة، أجريت عملية ثانية في عيادة خاصّة في مدينة حجوط لنزع الغدد، ثم واصلت العلاج الإشعاعي. مررت بفترة صعبة شعرت خلالها بالحيرة، وأصبحت كثيرة النسيان، حتى أنّني كنت أتكلّم مع الناس ثم أنسى ماذا قلت لهم، على عكس ما كنت عليه قبل الجراحة.”
بعد الجراحة والعلاج الإشعاعي والكيميائي، اتبعت سمية نصائح الطبيب لإعادة تأهيل ذراعها الأيمن الذي ضعف جراء استئصال الثدي، وواصلت التأهيل في مستشفى “فرانتز فانون” في البليدة. وحاليًا، تعيش حياة طبيعية، رغم أنّها تعمل بحذر لتفادي أيّ تأثير سلبي على يدها اليمنى.
نظراً لبساطتها، استنجدت سمية بجمعية “الفجر” التي ساعدتها في إجراء الفحوصات بالأشعّة والاستفادة من حصص مع الأخصّائية النفسية التي ساعدتها في تجاوز المرحلة الصعبة. وكشفت خلال حديثها عن واقعة تعرّضت للتنمّر أثناء وجودها في المسبح بسبب الجزء المبتور من جسدها، ممّا جعلها تضع كتلة من القماش لتظهر طبيعية أمام الآخرين.
من خلال تجربتها مع هذا الدّاء، قدّمت سمية نصيحة للنساء، قائلة: “ندمت بشدّة على عدم ذهابي إلى الطبيب في الوقت المناسب. تأخّرت حتى اكتشفت الورم في مراحل متقدّمة. لذا، أنصح النساء بالكشف المبكّر وإجراء الفحوصات الطبية من حين لآخر. إذا قدّر الله واكتشفن الورم في أجسادهنّ في مراحله الأولى، فهذا يعني فرصة كبيرة للشفاء.”
آسيا وسلاح الإيمان
بعد الحديث مع سمية، انتقلنا في اليوم الموالي إلى “دار الرجاء”، الكائن مقرها وسط مدينة البليدة، وهي فيلا تبرّع بها أحد المحسنين لجمعية الرجاء لإيواء المصابات بمرض السرطان والتكفّل بهنّ، لاسيما القادمات من الولايات البعيدة. التقينا برئيس الجمعية، ياسين محي الدين، الذي رحب بنا في مكتبه واستدعى مصابتين أظهرتا درجة عالية من الوعي فيما يخصّ أهمية الإعلام بهذا الداء بالنسبة للمجتمع.
شعرت آسيا، التي تبلغ من العمر 77 عامًا، بألم في صدرها، فظنّت في بادئ الأمر أنّه مشكلة في التنفّس أو إصابة بنزلة برد. ولما توجّهت إلى الطبيب وخضعت للفحص، تبين أنّها مصابة بسرطان الثدي، وذلك قبل ظهور وباء كورونا بأسابيع قليلة، في نهاية عام 2019.
ولم تتوقّع ابنة البليدة أن تُصاب بالمرض على الإطلاق، حيث قالت: “في إحدى الحلقات بالمسجد حضر الأطباء من أجل التحسيس وتحدّثوا وقالوا إنّ المرأة التي يزيد سنّها عن الستين لن تُصاب بسرطان الثدي. ولهذا لم أكن أفكر في نتائج الفحص، وكنت في حالة من عدم التصديق عندما أكّد لي الطبيب إصابتي بالورم في مراحل متقدّمة. لكنّني تقبّلت الأمر الواقع وحضّرت نفسي لتلقّي العلاج أو الخضوع للجراحة”.
وأضافت هذه الموظفة المتقاعدة منذ 2001: “بعد إجراء العملية في عام 2020 واستئصال ثديي المصاب، تلقيت العلاج الإشعاعي، وشعرت بآلام في صدري لمدة تزيد عن شهرين، وكنت خلالها أتناول الطعام بصعوبة. وبعدها تسبب العلاج بإحدى التقنيات في ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، والذي انتبه له طبيب القلب. لكن استطعت أن أجتاز هذه الفترة الصعبة، وأشعر بتحسّن وأمارس حياتي بشكل عادي”.
وفي سؤال عن النصيحة التي يمكن أن تقدّمها إلى المصابات لمقاومة المرض، قالت: “عليهنّ أن يتسلّحن بالإيمان وذكر الله والتخلّص من الوسواس، وألاّ يضعن في بالهنّ أنّ هذا المرض هو الذي يقتل، لأنّ الأعمار بيد الله”.
كما تحدّثت عن تجربة امرأة مصابة بسرطان الثدي قبل تصنيفه من قبل الأطباء: “أعرف امرأة تعرّضت لاستئصال ثديها عندما كانت تبلغ 25 عامًا، وعاشت بعدها 70 سنة لتصل إلى 95 وتوفيت. وكانت تمارس حياتها وكأنّها لم تتعرض للمرض، بحسب من عايشها من الناس وعرفوها في وقت لم يكن فيه الطبّ متطوّرًا”.
وتنشط هذه السيدة، التي عملت مفتشة تربوية في مادة الرياضيات، في مجال الإرشاد الديني، وتُدير حلقات في “دار الرجاء”، حيث تركّز على دور الوازع الديني في مقاومة الوسواس، بصفتها رئيسة لجمعية الإرشاد الخيري الدينية والثقافية.
سامية.. رحلة ألم وأمل
تروي سامية، البالغة من العمر 49 ربيعًا من قصر البخاري، قصة مؤثرة عن تجربتها مع مرض السرطان. بدأت الحكاية عندما تلقّت إشارة من القدر، تتمثل في نزيف دم من ثديها الأيمن، ممّا جعلها تشعر بقلق عميق. وعندما زارت الطبيب لإجراء الفحوصات، أُخبرت بأنّها مصابة في الثدي الأيسر. تقول سامية عن تجربتها: “بحكم معرفتي وإلمامي، توجّهت بمحض إرادتي لإجراء الكشف في مركز للفحوصات بالأشعّة وسط مدينة المدية. وكما تعلمون، للمرض أعراض مثل الشعور بالتعب والخمول، لذا ينبغي علينا أن ننتبه لصحّتنا.”
في أوت 2023، اكتشفت هذه الأرملة، وهي أم لأربعة أطفال، أنّها مصابة بسرطان الثدي في مرحلة غير متقدّمة، ممّا عزّز فرصها في الشفاء وتفادي استئصال الثدي. بعد خضوعها للخزعة لاستخراج جزء من الورم للتعرّف على نوعه، أجرت عملية جراحية في مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، ثم تابعت علاجها بالإشعاع والكيماوي.
تحدّثت سامية أيضًا عن تجارب نساء أخريات قريبات منها، قائلة: “تقيم معنا هنا في دار “الرجاء” امرأة أخبرتنا بأنّ زوجها سيطلّقها بعدما رفضت أن يتزوّج بامرأة ثانية، وذلك بعد صبره عليها قرابة عشر سنوات. وأعرف أيضًا مصابة لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، لم يتخلّ عنها خطيبها بعد اكتشاف إصابتها، بل طلب منها الخضوع للعلاج وإكمال مشروع الزواج معها. وعلى النقيض، فقد تخلّى زوج عن زوجته في المستشفى يوم اكتشاف مرضها، لكنّها شفيت بعد ذلك، وهو مرض وشاهد بأم عينيه في المستشفى وفي نفس المكان الذي تخلّى عنها فيه.”
اختتمت سامية حديثها بنصيحة قوية، حيث قالت: “أنصح أيّة مصابة بأن تؤمن بالله وتضع في ذهنها أنّ المرض لا يقتل، والشافي هو الله. وأنا مثال على ذلك، فقد مررت بمرحلة صعبة والحمد لله شفيت. نصيحتي للنساء أن يجرين الكشف المبكّر وزيارة الطبيب حتى في الحالات التي لا تكون فيها أعراض.”
العلاقـة الزوجية.. نشوز وجبر خاطر
أما رئيس جمعية “الفجر”، ياسين محي الدين، فقد انتقد نشوز الأزواج من زوجاتهم المصابات بسرطان الثدي، بالقول: “نستنكر ما يحدث للمصابات، لأنّ من سمات مجتمعنا التآزر والتعاون وجبر الخواطر ومساعدة الآخرين. لابد أن نذكّر المجتمع بأنّ هذا المرض غير معدٍ، ويمكن للرجل أن يعيش حياته بشكل عادي مع زوجته، وهي بدورها ستمارس حياتها بعد تجاوز مرحلة المرض. بالمقابل، نجد حالات إيجابية في المجتمع، حيث يرفع الأزواج معنويات زوجاتهم ويقفون معهنّ على أمل الشفاء في أقرب وقت، وهذا السند المعنوي مهم بالنسبة للمرأة التي، بمجرد أن تصاب، تصبح تنظر إلى نفسها على أنّها غير مرغوب فيها.”
وتابع المتحدّث: “المرأة لا تفقد أنوثتها، وثمّة طرق للتجميل إذا رغبت فيها. ولدينا حالة امرأة تم استئصال ثدييها الإثنين معًا وتعيش حياتها بشكل عادي، بل هي إطار وتدير شركة ومجموعة من العمال. كما لدينا حالة امرأة تم استئصال ثدييها في نهاية التسعينات وعاشت حياتها بشكل طبيعي حتى الآن بعدما قامت بتربية أولادها ولعبت دورها في الأسرة. ولهذا، لا يجب أن نختصر المرأة في عضوها، فهي مصدر الحنان وتربي الأولاد، ويمكنها أن تقدّم الكثير للعائلة. علينا أن نوصل فكرة بأنّ هذا المرض ليس علامة للموت، وليس هو نهاية العلاقة الزوجية، وليس نهاية الأنوثة، فالمرأة لا تزال تحتفظ بجمالها ولياقتها وعطائها وحنانها.”
وعن الأسباب التي تؤدّي إلى الإصابة بسرطان الثدي، أوضح الأستاذ محي الدين: “هناك عدّة عوامل، من بينها العامل الوراثي الذي ثبت أنّه ليس السبب الرئيسي للإصابات. كما توجد عوامل أخرى مثل التغذية غير السليمة، والضغط النفسي، وعدم إجراء الفحص الذاتي. وهذا الأخير مهم جدًا، لذا أنصح النساء والرجال معًا بإجراء فحوصات بشكل دوري عند الطبيب، من باب أنّ الوقاية خير من العلاج.”