النقاش حول المدارس الخاصة أو “فوضى” المدارس الخاصة، يُحرّك أحاديث الساعة، لاسيما والكل يترقب صدور دفتر شروط جديد لإعادة تنظيمها وهيكلتها بما يتوافق ومبادئ التربية الوطنية، ويُبعدها عن بعض الاتهامات..
لأهمية الموضوع وتعلقه بمصير التلميذ الجزائري، ومخاطره على المنظومة التربوية، طُرح الملف على طاولة اجتماع الوزراء، وقطع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الشك باليقين عندما أمر بضرورة “تطابق برامج المدارس الخاصة مع برنامج التربية الوطنية دون سواه”، ومراجعة شروط منح الرخص، لاسيما ما تعلق بالسيادة الوطنية.
بالفعل، شدّد الرئيس تبون، في اجتماع الوزراء الأخير، على ضرورة العمل وفق عقود نجاعة للوقوف الدقيق على القيمة المضافة لهذه المدارس الخاصة ومستوى النجاح، مع إقرار مراقبة دورية مستمرّة.
وفي المقابل، أكد رئيس الجمهورية على ضرورة “تشجيع الاستثمار في مجال التدريس الخاص، من خلال المدارس المتخصصة، لاسيما في مجال العلوم الدقيقة”.
تثمين قرارات الرئيس
وفور صدور أوامر رئيس الجمهورية، ثمنت نقابات في قطاع التربية الوطنية وجمعيات أولياء التلاميذ، قرارات رئيس الجمهورية.
وفي هذا الشأن، تؤكد رئيسة الفيديرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، جميلة خيار على أنه “بات من الضروري جدا تنظيم نشاط هذه المدارس بإنهاء حالة الفوضى التي تطبعها، خاصة فيما يتعلق بتطبيق تدريس المقرر الوطني، دون سواه”.
ودعت خيار إلى “مراقبة صارمة ودائمة”، على عمل وسير هذه المدارس، التي من المفروض أن “تتكامل مع التعليم العمومي في بلادنا وليس منافسته”، مشيرة الى أنهما (اي التعليم العام والمدارس الخاصة) “يشتركان في هدف واحد، وهو ضمان تعليم أفضل للتلاميذ”.
وشددت المتحدثة في السياق، على ضرورة أن يتضمن دفتر الشروط الجديد، الذي هو قيد الإعداد ” تأطيرا أحسنا للمدارس الخاصة من جميع الجوانب، خاصة البيداغوجية والمالية”، مبدية أسفها لعدم امتثال هذه المدارس للقانون التوجيهي للتربية الوطنية.
ويرى المنسق الوطني للمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع، ثلاثي الاطوار للتربية “كناباست”, مسعود بوديبة أن قرارات مجلس الوزراء “تصب في مجملها ضمن مساعي تنظيم المدارس الخاصة، التي نعتبرها ضرورة أساسية ومستعجلة، تعكس إرادة سياسية قوية للحد من الفوضى والخروق الملاحظة بهذه المؤسسات”.
وتابع المتحدث قوله إن المدرسة الخاصة تعد قطاعا “مكملا للتعليم العمومي، وليس بديلا عنه”، لذلك وجب عليها أن “تخضع لشروط ومعايير هندسية وبيئية ومالية وتنظيمية وبيداغوجية تحترم قوانين الجمهورية وتساهم في زرع المواطنة الحقة وحب الجزائر في الأجيال الصاعدة”.
من جهته، دعا الأمين الوطني للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين، بوعلام عمورة، الجهات المعنية إلى “إنهاء الفوضى” التي يعيشها التعليم الخاص في الجزائر، منوها بالقرارات التي أفضى اليها اجتماع مجلس الوزراء في هذا المجال، لاسيما ما ارتبط بشروط وإجراءات اعتماد مؤسسات التربية والتعليم الخاصة وسيرها ومراقبتها وتطابق برامجها مع المقرر الوطني.
بدوره، ثمّن رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية، بوجمعة شيهوب، قرار وجوب تطابق برامج المدارس الخاصة مع البرنامج الوطني للتربية الوطنية، مؤكدا أن القرار “يصون ويحمي المنظومة التربوية الوطنية ويحفظ الوحدة الفكرية للمواطن الجزائري”، مشددا على ضرورة خضوع هذه المؤسسات للتشريع الوطني من خلال “مراقبتها دوريا وبصفة مستمرة”.
نشأة المدارس الخاصة في الجزائر
مجانية التعليم للجميع، مكسب ومبدأ من مبادئ الدولة الجزائرية جوهره الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة. لكن مقتضيات الانفتاح على العالم والظروف الاقتصادية والاجتماعية الجديدة للعوائل والتوجه العام نحو الخوصصة، فرض فتح قطاع حساس كالتربية والتعليم، لذا أقرت الجزائر في 2004 إنشاء مدارس خاصة للاشخاص الطبيعيين، مع إخضاعها لدفتر شروط واجراءات رقابية تحت وصاية وزارة التربية الوطنية.
ويستند نشاط المدارس الخاصة في الجزائر إلى دفتر الشروط الصادر عام 2004، وهو صالح للتطبيق الى اليوم باجماع فاعلين كثيرين، لكن فيه ثغرات وفراغات يستغلها بعض اصحاب المدارس الخاصة ويتحايلون على القانون.
ورغم التعديلات التي أدرجت عليه عام 2020 خلال فترة جائحة كورنا، حيث امتنعت إدارات بعض المدارس الخاصة عن تسليم كشوف النقاط لرفض الأولياء دفع كافة التكاليف المدرسية، لكن ادارات هذه المؤسسات لم تمتثل للقانون التوجيهي للوزارة الوصية، وبقيت “فوضى المدارس الخاصة” قائمة، لذا كان لابد من إعادة نظر شاملة في تنظيمها، ومراعاة حقوق التلاميذ، حفاظا على مبادئ التربية الوطنية.
عقد تمدرس بين المدارس الخاصة والأولياء
من أهم التغييرات التي طرأت على دفتر الشروط عام 2020 ضرورة إبرام عقد تمدرس بين الاولياء والمدرسة الخاصة، والذي جاء في 25 مادة تضمّنت كل الجوانب التي من شأنها تنظيم سير هذه المدارس.
وينص العقد على إعفاء وليّ التلميذ من دفع المصاريف المستحقة للتمدرس في المدارس الخاصة في بعض الحالات القاهرة، ومكّنهم أيضا من دفع مستحقات تمدرس أبنائهم بالتقسيط وعلى دفعات في حال أثبتوا عدم قدرتهم على دفعها كاملة.
وحدد مسؤولية فض الخلافات بين الطرفين، بحسب طبيعتها، من بيداغوجية وتجارية، كما أجبر أصحاب المؤسسات الخاصة على إدراج بنود هذا الإطار التنظيمي والقانوني في العقد المبرم مع الأولياء وإخطارهم به.
من جهة أخرى، ألزم العقد المؤسسات الخاصة إجبارية التعليم باللغة العربية في جميع المستويات التعليمية وتطبيق البرامج التعليمية الرسمية لوزارة التربية.
وأُلزمت المدرسة الخاصة باحترام مستويات التعليم المرخّص بها والتعليم باللغة العربية في جميع المستويات التعليمية وتطبيق البرامج التعليمية الرسمية لوزارة التربية، إضافة إلى استعمال الوسائل والدعائم البيداغوجية المعتمدة من قبل الوزارة.
وشدّد العقد على احترام الحجم الساعي التعليمي الرسمي والمعاملات الرسمية، بحسب المواد والشعب والمستويات التعليمية، وتطبيق الرزنامة السنوية للعطل المدرسية المحددة بقرار من وزير التربية، مع تطبيق نظام تقويم أعمال التلاميذ المعمول به، ناهيك عن ضمان تسجيلهم للمشاركة في الامتحانات المدرسية الوطنية والتقيّد بنفس شروط توظيف المستخدمين التربويين والإداريين المعمول بهما في قطاع التربية.
وخصصت المادة السادسة للنشاطات الاختيارية، ونصّت على أنه إضافة إلى النشاطات التربوية الرسمية، يُمكن للمؤسسة الخاصة، بعد ترخيص من وزارة التربية وموافقة وليّ التلميذ، تقديم نشاطات اختيارية تربوية وثقافية، لاسيما ورشات الرسم والقراءة والكتابة، وغيرها، إضافة إلى الخرجات التربوية التعليمية والثقافية والرياضية، على أن يخضع هذا إلى الأحكام والترتيبات التنظيمية السارية المفعول.
لماذا يتوجه الأولياء نحو المدارس الخاصة؟
في بداياتها، كانت المدارس الخاصة شبه حكر على فئات اجتماعية معينة من باب أن هذا الانتساب التعليمي دليل على انتمائهم إلى الطبقة ميسورة الحال أو البرجوازية، لكن مع انتشارها، خاصة في المدن الكبرى، بدأ الإقبال عليها بكثرة من فئة الموظفين ذوي الرواتب المرتفعة، وحتّى أصحاب الدخل المتوسط.
لماذا يختار الاولياء التوجه نحو المدارس الخاصة، مع وجود مجانية التعليم للجميع؟
تقول السيدة “ع.فضيلة”، التي يتابع ابنها دراسته في مدرسة خاصة منذ الطور الابتدائي، أن اختيار المدرسة الخاصة نتاج فكرة سائدة أن المدرسة الخاصة توفر فرص نجاح أكبر لطفلها، بفضل توفير مناخ تعليمي ملائم، وعدم اكتظاظ الاقسام، وأساتذة يتمتعون بخبرة تعليمية كبيرة –على حد قولها- وتأطير بشري وبيداغوجي أمثل للتلاميذ، من جهة.
ومن جهة أخرى، ترى السيدة فضيلة أن المدرسة الخاصة توفر عليها عناء التنقل بين البيت والمدرسة، بين الفترة المسائية والصباحية، بفضل النظام نصف الداخلي، وهي أم طفل آخر من ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاج رعاية واهتماما خاصين.
“بريستيج” أم “قيمة مضافة”
تقول السيدة “ش. أمال”، التي خاضت تجربة المدارس الخاصة منذ بداياتها، (معظم أبناءها تابعوا تعليمهم العالي في الجامعات الجزائرية أو معاهد بالخارج)، أن اختيار المدارس الخاصة كان فرصة لخوض تجربة جديدة روّجت لتوفير تعليم راق ومتميز، وفضاء ملائم ومريح للتلاميذ والأولياء، على حد سواء.
وتشرح السيدة أمال وجهة نظرها: “لطالما نظرنا الى المدارس الخاصة على أنها تقدم الأفضل من حيث التأطير والبرامج، ولا أخفيكم أن خياري كان بسبب ازدواجية البرنامج الذي كانت تقدمه المدرسة الخاصة –رغم منعه من طرف الوزارة الوصية- حيث أكمل أبنائي تعليمهم الثانوي في الثانوية الدولية الكسندر دوماس، وتحصلوا على شهادة بكالوريا فرنسية”.
وتسترسل قائلة: “المدارس الخاصة منحت أبنائي فرصة الحصول على شهادات تعليم أجنبية بأقل تكاليف مقارنة مع السفر الى بلدان أجنبية للتعليم”.
وعن نوعية الدراسة ومدى رضاها بمستوى التكوين تقول: “المدرسة الخاصة في رأيي تحث التلاميذ على المطالعة أكثر، وتمنح فرص استيعاب أكبر للطفل لأن القسم يستقبل عددا قليلا من التلاميذ مقارنة مع المدارس العمومية”.
السيدة “ا. وسيلة”، دخل شهري متوسط، تقول إنها اضطرت إلى تسجيل ابنها الأصغر في مدرسة خاصة، عكس إخوته الذين يزاولون دراستهم في مدارس حكومية، لأن مقتضيات عملها تمنعها من التنقل لاصطحابه من وإلى المدرسة بين الفترة الصباحية والمسائية.
وتضيف انه بحكم أنها من حي شعبي فهي تخشى على ابنها التنقل بمفرده، لذا وجدت في المدرسة الخاصة بديلا، حتى وإن كان دخلها محدودا وتكاليف التمدرس الخاص باهضة، لكنها تشعر براحة أكبر اليوم، بعدما كانت تعاني في البحث عن مربيات يصطحبون ابناءها الى المدرسة بمقابل مادي. اليوم، ترى السيدة وسيلة ترى في المدرسة الخاصة فضاء آمنا لابنها توفر له “حضانة”، واستقرار لها.
دفتر شروط جديد ينهي “الفوضى”
سبق وأعلن وزير التربية عبد الحكيم بلعابد إعداد دفتر شروط جديد خاص بفتح مدارس خاصة للتعليم، وقدر صدوره في أقرب الآجال.
وقال بلعابد إن دفتر الشروط الجديد هو دعم للتعليم الخاص وضمان لتأطير أفضل لهذه المؤسسات التعليمية، مؤكدا أن التعليمين الخاص والعمومي “متكاملان ويخضعان للمعايير والبرنامج نفسها ويشتركان في نفس الأهداف المتمثلة في ضمان تعليم أفضل للمتمدرسين”.
المستشار التربوي كمال نواري: رئيس الجمهورية يفصل في الملف لحساسيته
في الموضوع، يقول المستشار التربوي الاستاذ كمال نواري، في اتصال مع “الشعب أونلاين”، إن حساسية ملف المدارس الخاصة جعلت مجلس الوزراء يناقشه، وأن رئيس الجمهورية فصل في “الفوضى” التي يشهدها تسيير هذه المدارس، عندما أمر بوجوب تطابق برامجها مع برنامج التعليم الوطني، ومراجعة رخص انشائها، لاسيما ما تعلق بالسيادة الوطنية.
ويصف نواري وضع بعض المدارس الخاصة بـ “الكارثي”، لأنها تقدم برامج خارج البرنامج الوطني لوزارة التربية، وفي نهاية السنة يخضع التلاميذ للامتحانات الرسمية في دول مجاورة. وأشار الى أن عدد المدارس الخاصة في الجزائر يفوق حاليا 500 مدرسة، 80 بالمائة منها في العاصمة. تم توقيف 25 مدرسة لعدم احترامها دفتر الشروط، لاسيما منع ازدواجية البرنامج.
وحول منح الاعتمادات، يقول نواري إن الآراء تختلف بين من يرى أن منح الاعتمادات يكون في المدن التي تشهد فيها المدارس العمومية اكتظاظا كبيرا، وبين من يؤيد منح الاعتمادات في المدن الكبرى لأن هذه المدارس توفر نظاما نصف داخلي للتلاميذ، وتقدم لهم الوجبات، وهو ما يتلاءم مع ظروف الأولياء العاملين.
وهناك من يرى أن الاعتماد يمنح لكل من تتوفر فيه الشروط لانه يمارس نشاطا تجاريا، وهو من مناصري هذه الفكرة.
ويوضح نواري أن مجلس الوزراء الأخير حدّد بدقة شروط التعليم الخاص، أولها وأهمها وجوب تطابق برامجها مع البرنامج الوطني المعتمد في المدارس العمومية.
وفيما يخص المراقبة الدورية، يقول المتحدث، في السابق كان مفتشون من الطور الابتدائي أو إدارة المتوسطات والثانويات يمارسوا الرقابة ، لكن “لابد من الاعتراف انه في معظم الاوقات لم تكن ملاحظات المفتشين تؤخذ بعين الاعتبار، ومعظم تقاريرهم تبقى حبيسة الادراج”.
وفي السياق، يضيف المستشار التربوي أن دفتر الشروط الجديد يحدد العلاقة بين المدارس الخاصة ووزارة التربية بعقد نجاعة، عن طريق برمجة مراقبة فجائية غير محددة الزمن، على أن تقوم بهذه الرقابة لجان مشكلة من مفتشين في مختلف المواد، مهمتهم مراقبة ومتابعة المدارس الخاصة.
وعن تهديد المدارس الخاصة للسيادة الوطنية، الذي تطرق إليه الرئيس تبون في اجتماع الوزراء، يقول نواري إن منح الاعتماد يجب أن يراعي أولا شرط احترام السيادة الوطنية، وهذا بمنع الرخص الاستثنائية التي كانت تمنح من قبل لتدريس بعض اللغات الاجنبية أو نشاطات مرافقة، لأن معظم مدراء المدارس كانت تتحايل باستعمال هذه الرخص لتلقين برامج تعليمية أجنبية موازية.
تشجيع التدريس المتخصص
ومن النقاط المهمة، التي أدرجها مجلس الوزراء، يقول متحدث “الشعب اونلاين”، هي تشجيع المدارس الخاصة على الاستثمار في التوجه نحو التدريس المتخصص.
وفي هذا الشأن يوضح ان المدارس العمومية توجهت مؤخرا نحو التدريس المتخصص ضاربا مثالا بثانوية الرياضيات في العاصمة وقسنطينة، لكن بالمقابل “لا نجد مدارس خاصة تلقن تدريسا متخصصا” -يضيف المتحدث- لذا امر رئيس الجمهورية بتشجيع تخصص المدارس الخاصة، لاسيما في العلوم الدقيقة، لكن دائما في إطار البرنامج الوطني.
ومن أهم النقاط التي سيحملها دفتر الشروط، هو إخضاع المدارس الخاصة الى معايير بنايات المؤسسات التربوية العمومية، بعد أن كانت المدارس الخاصة سابقا عبارة عن “فيلات” أو شقق، لا تحتوي أدنى الهياكل والمرافق التي من المفروض ان تضمها مؤسسة تربوية، سواء ابتدائية او متوسطة او ثانوية.
بُلزم دفتر الشروط الجديد، يقول نواري، المدارس الخاصة على إيجاد هياكل ومرافق مناسبة مثل الساحة وفناء الراحة وفضاء ممارسة الرياضة، دورات المياه خاصة بالبنات والذكور، قاعات أساتذة ، قاعات اجتماعات، وأن يتطابق عدد القاعات مع عدد التلاميذ. على ان تستحدث المدارس الخاصة وحدات الكشف والمتابعة الصحية التي امرت بها وزارة الصحة. اي بمعنى انه لابد ان تكون نمطية بناء المؤسسات التربوية نفسها بالنسبة للمدارس العمومية او الخاصة وان تتوفر على 80 بالمائة، كادنى حد من هذه المرافق.
ويقترح نواري منح مهلة للمدارس الخاصة الموجودة حاليا قد تصل 3 سنوات للتطابق مع المعايير الجديدة.
وعن شروط التوظيف في المدارس الخاصة، يقول نواري، بضرورة ان تخضع لنفس شروط توظيف عمال اسلاك التربية الوطنية، اي أن يشترط مثلا أن يكون مدير المدرسة الخاصة متقاعدا من نفس الوظيفة وينتمي الى نفس الطور، الذي كان يمارس فيه وظيفته، ولابد أن يخضع الاساتذة المعلمون الى شروط التوظيف نفسها، مراعاة للمهنية وضمانا لجودة التكوين والتعليم.
ويتحدث نواري عن نقطة مهمة، وهي وجوب احترام العقد بين الأولياء والمدرسة، اذ يمنع طرد التلميذ قبل إنهاء عامه الدراسي كاملا، وعدم فسخ العقد وسط السنة الدراسية، تحت اي مبرر (عدم دفع تكاليف الدراسة مثلا)، حفاظا على حق التلميذ في مزاولة دراسته وفق قانون التربية الوطنية.
ويطرح نواري مشكل دفع المستحقات المالية سنة كاملة، مع أن التلاميذ يستفيدون من العطل السنوية مثل المدارس العمومية، أي أن الاولياء يدفعون تكاليف زائدة ليس مقابل التدريس، بل يدفعون تكاليف الأساتذة والعمال، وهو “أمر غير منطقي وغير مقبول”، يسترسل المستشار التربوي.
وفي هذا السياق، يقول نواري إن مطابقة المدارس الخاصة مع التعليم العام لابد أن تخضع لرقابة لجنة وزارية مشتركة من وزارة التربية الوطنية والتجارة والصحة و المالية والسكن والعمران وكل الاطراف المعنية، لأن حساسية الملف تستدعي ان يخضع لرقابة ومتابعة صارمة وفعلية.
هل المدرسة الخاصة في قفص الاتهام؟
وفي رد عن سؤال هل المدرسة الخاصة في قفص الاتهام ولماذا هذه الجدلية القائمة حول نشاطها، يقول نواري إن دفتر الشروط الجديد الذي يحدد كيفية منح الاعتمادات لانشائها وسيرها ومراقبتها والتوظيف بها، كفيل بتوضيح الرؤية أكثر ومنح أريحية للجميع من أولياء وأصحاب المدارس الخاصة ووزارة التربية الوطنية، ويضفي شفافية أكبر، بإزالة الغموض الذي يشوب نشاطها.
الأستاذة مليكة بودالية قريفو: الرئيس تبون أكّد على ضرورة أن يسترجع الطفل طفولته
تقول الدكتورة مليكة بودالية قريفو، المختصة في علم النفس التربوي واللغوي، في تصريح لـ “الشعب اونلاين”، إن المدرسة الجزائرية لابد ان تتمسك بأصولها وأصالتها ومرجعيتها الدينية واللغوية، ولا تتفق مع فكرة أن تقدم مدارس خاصة برامج خارج البرنامج التعليمي الوطني، وهو ما تعتبره اختراقا ومساسا بالسيادة الوطنية.
في هذا الشأن، تقول الاستاذة بوداليا “إننا بصدد مواجهة حرب معرفية وحرب عقول تشنها علينا جهات أجنبية دون الحاجة الى غزوات أو حروب، لأنها تريد أن تتلاعب بمصير أبنائنا وتستولي على عقولهم”.
وترى محدثتنا أن بعض المدارس الخاصة لم تأت لحد اليوم ببدليل، وأنها رغم تحايلها على القانون باعتماد ازدواجية البرامج، اكتفت بتقديم برامج فرنسية رديئة، لا ترقى حتى إلى مستوى التعليم الحقيقي في فرنسا.
وعن نظرتها للمنظومة التربوية، تقول المختصة في علم النفس إن الرئيس تبون قدم مشروعا جميلا وواعدا في أول خطاب وجهه للطفل بالقول: “علينا استرجاع طفولة الطفل”.
وتضيف الاستاذة مليكة بودالية أن هذه الجملة تعطي نظرة لمشروع تربوي متكامل اساسه تنشئة الطفل، لأن المنظومة التربوية الناجحة لابد أن تقوم على تنشئة صحيحة للطفل حتى تنمي قدراته على الاستيعاب وتزيد مخزونه المعرفي.
هنا تقول الدكتورة إن اشكالية التعليم في الجزائر، لا ينبغي أن تفرق بين تعليم عمومي أو خاص، لان كلاهما يكمل الآخر، ولكن لابد أن تُبنى على المفاهيم الصحيحة لصياغة وبناء منظومة تعليمية تراعي خصوصية الطفل.
وفي السياق، تقترح الدكتورة بوداليا بصفتها مختصة نفسية، إعادة النظر في بعض المفاهيم التلقينية للطفل، حيث تقول إن دراسات حديثة أثبتت أن الطفل يستطيع استيعاب 10 لغات في الصغر، شريطة الاخذ بعين الاعتبار معايير معينة تراعي طبيعة الطفل وميولاته.
وبين الشد والجذب تبقى المدارس الخاصة، برأي المختصين، جزء من المنظومة التربوية، دورها الأساسي تقديم تعليم ذي نوعية وظروف تمدرس لائقة للتلاميذ في كنف مبادئ وقيم التربية الوطنية، حتى تقدّم قيمة مضافة، ضمن مساعي الارتقاء الدائم بمستوى التعليم في الجزائر، وسبق لرئيس الجمهورية أن اكّد في اجتماع لمجلس الوزراء بتاريح 3 فيفري 2020 “أن مدرستنا ليست حقل تجارب، بل يجب أن تكون مدرسة بشخصيتها الجزائرية، حتى لا نبني مجتمعا مقطوع الصلة بجذوره”.