يؤكد رئيس المنتدى الجزائري لاقتصاد الطاقة والطاقات المتجدّدة، حسين بن شنين، توجّه الجزائر نحو تحوّل عميق، يسمح بتموين السوق بكميات ضخمة من الطاقة البديلة الخضراء، تكون أنظف، وتتدفّق بحيوية عبر الأسواق الخارجية، خاصة منها الأوروبية، وتطرق إلى المشاريع والإمكانات والشراكات المؤسسة لمسارات حيوية ومستمرة، ويسلط الضوء على الجهود والبرامج والتحدّيات المتعدّدة في سياق مازال يشهد طلبا متناميا على الطاقة، وذهب إلى أن طموح التقليل من الانباعثات الكربونية يتقوى، وأن الجزائر تأخذ هذا الهدف مأخذ الجدّ، وتلتزم بتحقيقه.
الشعب: شقت الجزائر مسار التحوّل الطاقوي المتنوّع بثقة، مع حيازاتها على كميات ضخمة من الطاقات البديلة، تعدّ الأهم في المنطقة، كيف ترون – في منتدى اقتصاد الطاقة – وتيرة هذا التحوّل التاريخي؟
حسين بن شنين: في البداية، ينبغي أن أعّرف بالمنتدى الجزائري لاقتصاد الطاقة والطاقات المتجدّدة، وهو هيكل لمجتمع مدني مختص في الطاقة والطاقات المتجدّدة، متكوّن من خبراء ودكاترة وتأسس في عام 2023، وهدفه ترقية الانتقال الطاقوي في صورته الشاملة، تتصدّره النجاعة الطاقوية، بما فيها ما هو على مستوى المنازل المستهلكة لنسبة 40 بالمائة من حجم الطاقة، والإنارة العمومية – بدورها – تستهلك 12 بالمائة.. إضافة إلى المصنّعين وغيرهم..
أما الطاقات المتجدّدة، فهي تمثل مشروعا كبيرا يزخر بإمكانات هائلة، أسندت مهمة تجسيده إلى مجمع سونلغاز بـ15 ألف ميغاواط، ويندرج ضمن مشروع الانتقال الطاقوي الجاري إنجازه بنحو 3000 ميغاواط، وسيكون مفتاحا ونقطة تحوّل تاريخية غير مسبوقة في إنجاز رهان الانتقال الطاقوي السلس، وبما أنه يعتمد بالأساس على ضخّ الطاقة الخضراء في الشبكة الطاقوية، ويسهر على إنتاج طاقة نظيفة وبديلة من قبل 20 وحدة مركزية، فإنه سيكون حافزا للمستهلك من أجل ترشيد الاستهلاك بطريقة اقتصادية، ما يسمح بمكافحة التلوث في الهواء، وبما أن بصمة الكربون ستطبق بداية من 1 جانفي 2026، فإن منتجاتنا ستخضع لذلك بالتأكيد، وعلى هذا، ينبغي بذل المجهودات للتقليص من الانبعاثات الغازية، على خلفية أن المصدرات قد تكون مرتبطة بطلب إجبارية شهادة تتضمن حجم ما خلفته عملية إنتاج الطاقة من انبعاث الكربون، وقد ينطبق هذا الشرط على الجزائر، فهو يعدّ مؤشرا مرتقبا في 2026.. وهذا ما يفرض علينا التحضير الجيد بخصوص الانتقال الطاقوي، ويمكن تقسيم هذا الانتقال على ثلاثة فروع، تتعلق بالنجاعة الطاقوية والإنارة العمومية وتزويد السكنات بالطاقة، ولقد أرست الوكالة الوطنية لترشيد استهلاك الطاقة نظاما، ووضعت برنامجا واعدا ومهما، دعمت فيه المكيف بنسبة 50 بالمائة حيث يوفر منتوجا عازلا في البنايات، وكذا استعمال”جي.بي.أل” في قطاع النقل، وجميع هذه الخيارات، تندرج ضمن محاور الانتقال الطاقوي.
وقّعت الجزائر اتفاقيات ومذكرات مهمة مع شركات عالمية رائدة من أجل دراسة جدوى استغلال طاقات نظيفة وتصديرها نحو أوروبا يتصدرها الهدروجين.. ماهي قراءتك لأبعاد هذه الخطوة الأولى من نوعها؟
باعتبار الهدروجين الأخضر مادة كسائر المواد الطاقوية النظيفة، يجب التأكيد على أنه مشروع جديد واستراتيجي، منتظر تجسيده بشكل فعّال في آفاق عام 2030، ويوجد مخبر لمجمع سوناطراك، يعمل في إطار هذا الملف المستقبلي الضخم والواعد، إلى جانب عدم انقطاع باحثي محافظة الطاقة المتجددة عن البحث لإيجاد أفضل الطرق والأدوات والخطط، لأن الهدروجين يمكن نقله مع نسبة 10 بالمائة من الغاز، ورئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حث على تعبيد مسار هذا التحوّل بما يسمح باستغلال الطاقة الخضراء، واستعمال الهدروجين الأخضر.. وأتوّقع أن يكون مشروعا ضخما يضخ الطاقة والثروة في آفاق عام 2030 ويحافظ على دور الجزائر وموقعها في السوق العالمية، والحق أن الحديث عن هذا الموضوع جاء في الوقت المناسب، وانطلقت الدراسات بشكل مبكر، والندوات تتوالى، فالتأسيس لأرضيته يتجلى بداية من البحث وفتح النقاش مثلما تفعل مختلف دول العالم، خاصّة وأن الطاقة الخضراء يمكن أن تكون مادة فعالة وتتدفق بكثافة من أجل تصديرها.. كل القنوات متوفّرة.. أنابيب الغاز التي تشق البحر نحو أوروبا، وغيرها من الوسائل.. ولا يفوت أن الجزائر تتفرد بموقع استراتيجي، وليس يخفى أن مشروع خط الكهرباء الرابط بين الجزائر وأوروبا عبر تونس الشقيقة على مسافة 280 كلم، ليربط تونس بصقلية الإيطالية، ويسمح بتصدير 20 بالمائة من هذا المنتوج، علما أنه يتضمن 25 ميغاواط، ويعد مشروعا عملاقا. أما في آفاق 2028 فإن الجزائر ستنتج 35 ألف ميغاواط، ومن المرتقب أن تسجل الجزائر فائضا في الانتاج وسيصدر الفائض – كما أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون – إلى أسواق خارجية.
لهذا كله، الجميع مدعوون للتحضير لهذا النّوع من الطاقة، سواء تعلق الأمر بالجماعات المحلية أو المواطنين وإلى جانب مؤسسات محلية، لأن المتر المربع من الغاز المستهلك في الجزائر، تبلغ قيمته في الجزائر مضاعفة 50 مرّة في السوق العالمية، بفعل ذلك فإن الانتقال الطاقوي، يتقاسمه الجميع وليس مجمعي سوناطراك وسونلغاز لوحدهما، لأنه يتوفر بالجزائر13 مليون منزل، وفي الخماسي المقبل هذا العدد سيرتفع بفضل تزايد عدد السكنات وفق لبرنامج مشاريع جديدة، وكلها من المتوقع أن تستهلك 40 بالمائة من الإنتاج الوطني للطاقة.
ماذا ينتظر من مؤتمر الطاقة والهدروجين لدول البحر المتوسط وإفريقيا أن يفضي خلال هذه الطبعة أمام كثرة الطلب على الطاقة والدعوة إلى التعجيل بالتحوّل الطاقوي لخفض انبعاث الكربون؟
يعدّ “ناباك” حدثا رئيسيا سنويا يجمع جميع المؤثرين والمهتمين بقطاع الطاقة من خبراء ومؤسسات ومستثمرين ومنتجين، ويعكس أهمية الجزائر على صعيد الخارطة الطاقوية العالمية، وبالنسبة لمنتجي ومهندسي الطاقة والاقتصاديين في محور الطاقة، ويهدف إلى إرساء أرضية لتقاسم هدف واحد يمثل هاجسا مشتركا، يتمثل في الحد من الانبعاثات الغازية، والجميع بفضاء “ناباك”، مجندّون لمختلف التطلعات المشتركة، ويحرصون على ترسيخ العلاقات التجارية المتوازنة والقوّية، فـ«ناباك” يقرّب جميع بين جميع الفاعلين، ولقد أبرمت خلال التظاهرة العديد من الاتفاقيات في حدود المقاييس الدولية المتمثلة في احترام معايير البيئة الغازية والطبقات الأرضية، ذلك لأن الاحتباس الحراري واقع وحقيقة لا يمكن تجاهلها، ويتطلب ترشيد استهلاك الطاقة.
تبحث الجزائر عن آفاق واسعة ومتنوّعة لتطوير وتوسيع استثماراتها.. ما هي أهم السبل لبلوغ استقطاب المزيد من المستثمرين ورواد صنّاع الطاقة في العالم؟
الحضور النوعي في تظاهرة “نباباك”، يمثل مؤشرا إيجابيا يبعث على التفاؤل، تتصدره مشاركة شركات أمريكية كبرى ذات صيت عالمي وتتمتع بخبرة طويلة، وفوق ذلك، تملك أحدث التقنيات والحلول المبتكرة المقلصة لكلفة إنجاز المزيد من مشاريع الطاقة، وهناك حضور متميز لكل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا إلى جانب الصين وأستراليا بما لا يقل عن 450 عارض، وهناك المؤسسات الوطنية سوناطراك وسونلغاز وفروعهما، ما يمنح “ناباك” قيمة عالية جدا.. ولقد برزت آفاق مشجعة وآمنة لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ضمن قائمة متعددة من مشاريع الطاقة المتجددة، وأفضت إلى ضخ فرص جيدة سمحت بتوسيع شبكات التوزيع من أجل توفير كميات أكبر من الطاقة النظيفة، وتبقى الجزائر في الريادة على المستوى الإقليمي وتقوم بدور فعّال ومؤثر.
التركيز على إنتاج الهدروجين الأخضر في خضم التحوّل الطاقوي.. كيف تخوضه الجزائر؟
تملك الجزائر مشروع 20 محطة إنتاج عن طريق الطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية تناهز 3000 ميغاواط، بدأت الأشغال من طرف 20 مؤسسة في الاغواط وورقلة وتوقرت وبشار وفي كل الصحراء وإنتاجها مقرر في مارس 2026، وسيضخ في الشبكة 4000 ميغاواط، والبرنامج الكامل ينجزه مجمعا سوناطراك وسونلغاز في آفاق عام 2032، وينتظر أن تبلغ عملية الضخ إلى نحو 15 ألف ميغاواط.
يتم الاشتغال على المشاريع من أجل إنتاج طاقة خضراء نظيفة لاقتصاد الغاز سواء من خلال تصديره أو ادخار كمية معتبرة للأجيال القادمة من 2030 وإلى آفاق 2050، ولا ينبغي أن ننسى أن رئيس الجمهورية ألّح على الاحتفاظ بجزء من الغاز للأجيال المقبلة، رافعا تحدي تحقيق هدف صفر كربون، وفي آفاق 2050 ستحقق الجزائر مستويات إنبعاث صفر كربون، وهو رهان في متناول بلادنا.
دخول أنبوب الصحراء الرابط بين نيجيريا والجزائر نحو أوروبا سيساهم في تأمين المزيد من الثروة الطاقوية ويقوّي مكانة الجزائر.. متى تتوقعّون حيّز الاستغلال؟
المشروع يسير في الطريق الصحيح، وفي الوقت الحالي يشهد تقدما كبيرا، وأعتقد أنه في ظرف سنتين يمكن أن يكون جاهزا ويدخل حيز السريان، وأشير إلى أنه ينسجم مع جهود الجزائر العازمة على تحقيق المزيد من الفعالية، كمورد كبير في السوق الطاقوية، ولا يخفى أن الجزائر ترتبط بعلاقات تجارية تاريخية متينة مع أكبر مستهلكي الطاقة وصناعها، وكلمتها مسموعة دوليا، وموقعها – كسابع منتج للغاز في العالم وثالث مصدّر لأوروبا – يخوّل لها الريادة، وطيلة عقود طويلة تواجدت الجزائر في رواق محوري حظيت فيه بكل الاحترام من طرف الدول، وهذا بشهادة الولايات المتحدة الأمريكية.
رؤية الجزائر محترمة؛ لأنها دوما تدافع عن استقرار أسعار الطاقة وتلبية الطلب المتزايد، وتدافع عن الطرح الرامي إلى التوازن في معادلتي العرض والطلب وطرح أسعار عادلة تسمح باستمرار الاستثمار وتشجيع الشركات الكبرى على التنويع وبناء الشركات المتعدّدة، وجميع الفاعلين الطاقويين يؤمنون بإمكانات الجزائر ويثقون في رؤيتها، لهذا، يتعمّق إقبالهم على فرص الاستثمار في النفط والغاز والطاقة المتجدّدة وتوزيع الكهرباء، أكثر فأكثر، ولقد نجحت الجزائر في الاستثمار في البنى التحتية المتعلقة بالنفط والغاز، وخاضت تجارب مهمة حققت الإعجاب في السنوات الأخيرة بعشرات الاستكشافات، وهذا ما رفع من سقف حماس الشركات العريقة في العالم على رأسها إيني وتوتال إنرجي وشيفرون.