كشف البروفيسور الفلسطيني محمد عبد الهادي، الأكاديمي في جامعة أبو القاسم سعد الله الجزائر 2، في حوار مع “الشعب”، عن الروابط الثقافية العميقة التي تجمع بين الشعر الشعبي في الجزائر وفلسطين في خضمّ النضال ضدّ الاحتلال، كما تناول أهمية الشعر كوسيلة تعبير عن الهوية والمقاومة، مستعرضا الأبعاد الجمالية الفريدة للشعر الشعبي الفلسطيني..
الشعب: هل هناك روابط بين الشعر الشعبي الجزائري والفلسطيني، وكيف ترون العلاقة التاريخية بينهما في سياق النضال الوطني؟
محمد عبد الهادي: نعم، فالشعر الشعبي في الجزائر وفي فلسطين يمثلان موردا عذبا من مواردهما الثقافية. يعبّر كلا النوعين عن الهوية الوطنية ويساهمان في تعزيز خصوصية الشعوب. يتمثل ذلك في تجربة الشعر الشعبي والزجل الفلسطيني كأداة تعبيرية قويّة تسهم في تجسيد الهوية وصمود الشعب الفلسطيني.. الأدب، وخاصّة الشعر، يلعب دورا رئيسيا في استقلال الشعوب ونيلها الحرية. بالنسبة للشعر الشعبي الجزائري والفلسطيني، يتفقان في مسألة أساسية، كلاهما يعبر عن ما تعرّض له الشعبان من استعمار واضطهاد، الجزائريون تعرّضوا للاستعمار الفرنسي، والفلسطينيون تحت الاحتلال الصهيوني البغيض. حتى القاموس اللغوي والقضايا التي يتم تناولها متقاربة إلى حدّ ما. كلاهما يسعى إلى توصيل المعلومات المطلوبة، مثل الإبادة الجماعية في فلسطين، والتضحيات الجسام التي قدّمها أهلنا وإخوتنا في غزّة، من خلال الهلوكوست التي مورست عليهم والتجويع والقتل والتعطيش وما إلى ذلك.
ما دور الشعر الشعبي والزجل الفلسطيني في مقاومة الاحتلال؟
الأدب المقاوم الملتزم الهادف عامل رئيسي ومعبّر حقيقي عن واقع ووعي ومعاناة الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال. الأدب الفلسطيني عموما والإبداع الشعري الفصيح والعام خصوصا كان سندا حقيقيا للشعب الفلسطيني، ومعبّرا بوضوح عن مآسي ومعاناة فلسطين وشعبها، وواقع الحال في معركة “طوفان الأقصى” التي أظهر فيها أهل غزّة ومجاهدوها قوّة وصلابة وجهادا مشرّفا، رغم حرب الإبادة الجماعية والتدمير والتجويع الذي تعرّضوا له.
الزجل الفلسطيني يعتبر نوعا من الشعر العامي الارتجالي، غير المعتد بقواعد اللغة، ينظّم بأوزان شعرية تقليدية ويصاحبه إيقاعات شعبية تضفي عليه جاذبية خاصّة. ويعدّ جزءا أساسيا من التراث الفلسطيني، يعبّر عن معاناة الشعب عبر التاريخ، حيث يمثل أداة قويّة للتعبير عن الواقع المرير، كالقمع والظلم، ويعكس فقدان الأرض والحقوق.
لقد استطاع الزجل الحفاظ على وجوده عبر الزمن، ويعتبر ديوان فلسطين وثورتها، ومن أبرز شعراء الزجل في فلسطين الشاعر مصطفى البدوي الذي يعدّ رمزا لهذا الفن، إضافة إلى الشعراء مثل عيسى الرومي الذي يتحدّث عن غزّة ويعبّر عن الأمل بالنصر. وتجسّد أبياته قوّة الزجل كوسيلة للتعبير عن الآلام والآمال، وارتباطه العميق بالهوية الوطنية.
هل يمكننا القول، إنّ هناك تبادلا ثقافيا أو تأثيرا متبادلا بين الشعر الشعبي الجزائري والشعر الزجلي الفلسطيني؟
إلى حدّ ما، هناك تقارب بين الأدباء والشعراء في البلدين، شعراء الجزائر تبنّوا القضية الفلسطينية وكتبوا عنها، سواء في الشعر الفصيح مثل محمد العيد آل خليفة، أحمد سحنون، أو مفدي زكريا. كما أنّ بعض الأدباء الجزائريين كتبوا نثرا عن فلسطين، مثل الشيخ البشير الإبراهيمي. في المقابل، تناول الشعراء الفلسطينيون القضية الجزائرية باعتبار ثورة الجزائر قدوة للفلسطينيين، حيث يرون في تضحيات الشعب الجزائري لملايين الشهداء من أجل نيل حريته مصدر إلهام في نضالهم، وهم الآن يسيرون على نفس درب الثورة الجزائرية المجيدة.
ما أبرز نماذج الشعر الشعبي الفلسطيني التي تتحدّث عن المقاومة؟
من أبرز النماذج الشعرية التي تعكس روح المقاومة الفلسطينية، نجد الأبيات التي تبرز ارتباط الشعب بغزّة، مثل: “طلت الروفر طلت عليها الـ500.. واحنا رجالك يا غزّة بالبدلة العسكرية”. كما يتناول بعض الشعراء الأحداث الجارية، مثل طوفان الأقصى، حيث يقول أحدهم: “شد زناد البارود واضرب على 500.. احنا رجالك يا غزّة يا ضفتنا الغربية”.
في رأيكم، كيف أثّر الشعراء الفلسطينيون على الذاكرة الثقافية؟
يعتبر الشاعر مصطفى البدوي، المعروف بأبي سعيد الحطيني، من أبرز شعراء الشعر الشعبي في فلسطين. وقد عاش الغربة بعد لجوئه إلى سوريا، لكنّه استمر في التعبير عن حنينه لوطنه من خلال شعره، مثلما يظهر في قوله: “ياريح سلملي على أوطاني.. على العين منكم على الورد الغزلاني”.
كيف تفاعل الشعر الشعبي مع التطوّرات التكنولوجية؟
نؤكّد أنّ الزجل الفلسطيني تميّز بمرونة عالية، مكّنته من التأقلم والتكيّف مع المدّ التكنولوجي الجارف، وزادت من قدرته على الصمود أمام تحديات طمس الهوية الفلسطينية، التي يعدّ الزجل جزءا لا يتجزّأ منها، وتعبيرا صادقا عن آمال وأوجاع الأمة، ممّا يرسّخ انتماء الشعب لوطنه.
ماذا عن الأبعاد الجمالية في الشعر الشعبي الفلسطيني؟
الأبعاد الجمالية التي لازمت الشعر الفلسطيني، خاصّة الشعر الشعبي، تتميّز بأنّها أحد نقاط قوّته، هو أسلوب رئيس من أساليب تعبيره عن الهوية الفلسطينية. وأهم الموضوعات التي تطرّق لها الشعر الشعبي الفلسطيني – كما ورد عند عبد اللطيف البرغوثي وهو كاتب وناقد – أولا البكاء على أحداث النكبة الفلسطينية ومٱسيها والوطن المحتل، ثانيا استذكار الانتصارات والأمجاد السابقة، ثالثا رثاء الشهداء الأبرار رحمة الله عليهم، رابعا التعلّق بعودة اللاجئين إلى الوطن، خامسا تذكر الديار والحنين إليها، سادسا لوم بعض الحكام وتخاذلهم كما يحدث في طوفان الأقصى الآن، ثم الاعتداد بالنفس والاعتزاز بصمود وقوّة وصلابة الشعب الفلسطيني في غزّة.
كيف ترون موقف الجزائر من القضية الفلسطينية قديما وحديثا؟
طبعا هذا أمر معروف سجّله التاريخ، هو أنّ للجزائر تاريخ مشرّف وثابت في دعم القضية الفلسطينية ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني أينما كان..
منذ عهد الرئيس هواري بومدين وحتى اليوم، الجزائر تساند فلسطين في المحافل الدولية، وما نراه الآن من دعم الجزائر لفلسطين، خاصّة فيما يتعلّق بالتعليمات التي أصدرها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون حفظه الله، لممثلي الأمم المتحدة، بالعمل على منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، هو استمرار لهذا الموقف الثابت.
الشعار الخالد الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” ما يزال ساريا، والجزائر تواصل مساندة الشعب الفلسطيني حتى ينال استقلاله وحريته التي يستحقّها بكلّ جدارة..
بالتأكيد ستظلّ الجزائر مساندة للشعب الفلسطيني حتى ينال استقلاله وحريته، وهو ما أكّده رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، حين قال بأنّ قضية فلسطين هي قضية مقدّسة بالنسبة للشعب الجزائري..
هذا موقف مشرّف جدّا. وفي هذا المقام باسمي المتواضع وباسم شعبي، باسم غزّة وأهل غزّة، باسم أرامل غزّة، وباسم أطفال غزّة، وباسم نساء غزّة وباسم جرحى غزّة.. أقول للسيد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون: سيدي الرئيس جزاك الله خيرا، حفظك الله وأنعم عليك بالصحة والعافية، هذا الحديث لا يخرج إلا من الرجال للرجال، وأسأل الله أن يجازيك عنّا وعن شعبنا الفلسطيني، ونحن فخورون بك وأنت سند لنا بعد الله سبحانه وتعالى، وكلّ الاحترام والتقدير للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون.