تعكف الجزائر في المرحلة الحالية على تجنيد كميات ضخمة من الموارد المائية، للرفع من احتياطي الثروة الزرقاء، وتسهر – في ضوء تعليمات رئيس الجمهورية – على استغلال المزيد من الخيارات الثابتة، بينها إنجاز المزيد من محطات تحلية مياه البحر لتكون منصات مقتدرة في تعزيز المنظومة المائية، خاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن للجزائر آفاق مستدامة، ومن جانب آخر يمثل ترشيد استهلاك الثروة الطبيعية الزرقاء، تحديا مستمرا في طريق الحفاظ على الموارد وتعزيز القدرات بهدف المحافظة عليها للأجيال القادمة.
تتقاطع جميع الجهود لتصب في تأمين المزيد من الموارد المائية ورصدها نحو الاستهلاك، لأنها العنصر الحيوي في صناعة الغذاء، ومن الطبيعي أن تشكل انشغالا أوليا وحيويا في برنامج رئيس الجمهورية، من أجل أن تكون الجزائر في منأى عن أي ظروف تطرأ عن التغيرات المناخية.
الاستثمارات الكبرى التي أطلقتها الجزائر المنتصرة، من شأنها تجاوز جميع الصعوبات، ولا شك أن محطات تحلية مياه البحر ستساهم إلى جانب السدود في تأمين مياه الجزائريين بعيدا عن أي تذبذب في التموين.. تماما مثلما وعد الرئيس تبون، فجسّد التزامه في الميدان.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
نقاط قوة الأمن المائي بالجزائر
أقلعت الجزائر وفق خطة واقعية مبنية على مشاريع قاعدية لضخ موارد مائية وفيرة دائمة، من خلال تنويع المصادر المائية، على خلفية أنها من بين الدول الإفريقية التي تتوفر على ثروة مائية جوفية غزيرة، إلى جانب العشرات من السدود الإستراتجية التي ربطت العديد من الولايات بالماء الشروب، وحشدت كميات معتبرة نحو السقي وتزويد القطاع الفلاحي، وتتجلى نقاط قوة الأمن المائي الجزائري في كثرة الحلول سواء بالنسبة لتوفير كميات كافية للشرب أو تدفقات معتبرة لإنتاج الغذاء..فما هي أبرز الحلول؟
صحيح أن اللجوء إلى تكثيف عدد محطات تحلية البحر، جاء مناسبا للظرف الحالي المتسم بالتغيرات المناخية العديدة والاضطرابات البيئية غير المستقرة ويمكن حصرها في تذبذب تهاطل الأمطار، لكن الجزائر ستبقى تسير وفق وجهة التنوّع في رصد زخم كبير من بدائل الموارد المائية، وإن كان التركيز الأكبر في المرحلة الحالية، يتمثل في بناء المزيد من محطات تحلية مياه البحر، لكن السدود التي لا يقل عددها عن 80 سدا بدورها تضمن توزيعا منتظما لحصة كبيرة من احتياجات المستهلك سواء كان مواطنا أو فلاحا وصناعيا.
وتوجه الجزائر وفق رؤية رئيس الجمهورية من أجل إنجاز المزيد من محطات تحلية مياه البحر يرفع رهان الديمومة والاستثمار الآمن في مورد حيوي يضاهي العديد من الثروات الثمينة، وفي كل مرة لا تتردد الجزائر في رصد موارد مالية ضخمة ليكون الماء في متناول الجزائريين وبأسعار معقولة، فجاء تسطير إستراتيجية وطنية تعزّز فيها الإمكانات المتوفرة بمشاريع تحلية مياه البحر، ولا ينبغي تجاهل الدور الذي تقوم به السدود حيث يوجد 75 سدا مستغلا بطاقة تخزين لا تقل عن سقف 8.6 مليار متر مكعب، ويمكن طمأنة الجزائريين بأن بلدهم خزان عميق لموارد مائية متجدّدة لا تنتهي والدليل على ذلك أن مساحات شاسعة من المياه الجوفية تموّن العديد من المناطق من الوطن، فضلا عن الآبار فنجد أن عددها المستغل قد يتجاوز 281 ألف بئرا، بسعة قد تصل إلى حدود 6.6 مليار متر مكعب.
وأمام الإصرار على تحقيق الأمن الغذائي، فإن إعادة ضبط خارطة الأمن المائي، حتمية مستمرة لا ينبغي أن يغفل عليها، ولتجسيد هذا الهدف الجميع مجند لهذه العملية، فنجد إطلاق حملات التحسيس لترشيد استهلاك الماء، ويقابلها إطلاق حملات التشجير لامتصاص الجفاف والحد من انجراف التربة ولعلّ أضخمها في تاريخ الجزائر، نذكر حملة أطلقها مجمع سونطراك، والرامية إلى غرس 10 ملايين شجرة في آفاق 10 سنوات المقبلة.
ولا يختلف قطاع الموارد المائية عن باقي القطاعات الأخرى، لأنه في حاجة ماسة إلى تحويل التكنولوجيا ويبحث بدوره عن الابتكارات الجديدة والذكية، لأن الاستثمارات في بناء محطة لتحلية المياه مكلف، لذا كثيرا ما تطرح فكرة الحوكمة في القطاع المائي المسطر التحكم فيها، على اعتبار أن نقاط قوة الأمن المائي الجزائري، ترتكز على خطة واقعية ومشاريع قاعدية مستدامة بفضل موارد متنوّعة ومتجدّدة ومحطات تحلية مياه البحر، يعوّل عليها مستقبلا في الرفع من حصة استهلاك الفرد، وفوق ذلك توفّر مخزون إستراتيجي مهم، لتكون أحد البدائل القوية لضخ ثروة مائية غزيرة، وخلاصة القول أن قطاع الموارد المائية يشهد تنوعا مهما في المنابع القابلة للاستغلال من سدود وآبار ومياه جوفية والرفع من عدد محطات تحلية مياه البحر.
خلاصة القول.. إن الحلول تكمن في استغلال أمثل للثروة المتوفرة وإدارتها بكفاءة عالية، وبشكل يسمح بتوزيعها العادل على الجميع، ولا يتحقق كل ذلك إلا بالحوكمة والرؤية الصحيحة، وهو ما تراهن عليه الرؤية الاستشرافية للرئيس عبد المجيد تبون.
خبير الموارد المائية كمال ميهوبي: الأمن المائي.. إنجاز تجسّد وحلم تحقق
أكد الخبير في الموارد المائية والوزير الأسبق، البروفيسور كمال ميهوبي، التطوّر المستدام للمياه في الجزائر، في خضم التغيرات المناخية، والتحدّيات المطروحة لمواجهة الإجهاد المائي التي تعود إلى عقود طويلة، عرفت الجزائر خلالها عدة فترات لنقص المياه على غرار تلك التي سجلتها سنوات الثمانينات والتسعينات، أين شهدت البلاد نقصا معتبرا في كميات التساقط، سبّب نقصا واضحا على مستوى مخزون السدود، في مقابل ارتفاع الطلب على المياه، تصدّت له السلطات العمومية بمضاعفة جهودها لتوفير هذه المادة الحيوية، حيث قفزت قيمة توزيع الماء الشروب من 6.9 مليون متر مكعب/يوميا سنة 2004، إلى 9.3 مليون متر مكعب/يوميا في السنتين الأخيرتين، ما يعادل 3.4 مليار متر مكعب/سنويا.
مشاريع من رحم الأزمة..
بالعودة إلى الماضي القريب، تحديدا سنة 2021، تحدث ميهوبي عن تراجع منسوب المياه على مستوى السدود عبر مختلف مناطق الوطن، ما خلف تذبذبا في توزيع المياه، ودفع بالسلطات العمومية إلى اتخاذ تدابير استعجالية، من خلال إعادة تهيئة وإنجاز مناقب جديدة للمياه وفق ثلاثة برامج، تضمن الأول منها تجهيز 75 منقبا على مستوى الجزائر العاصمة، البليدة وبومرداس، في حين تضمن البرنامج الثاني، تجهيز 100 منقب بالمدن التي تأثرت مباشرة بنقص المياه السطحية، ثم البرنامج الثالث الذي تضمن إنجاز 120 منقبا.
وبحكم أن الجزائر العاصمة تتزود بشكل شبه كلي من المياه السطحية، خاصة الجزء الشرقي منها، – يقول محدثنا – تمت المسارعة في تهيئة محطات مياه البحر، تحديدا محطة عين البنيان، زرالدة، وشاطئ النخيل، إضافة إلى محطة فوكة التي دخلت حيز الاستغلال الفعلي بداية سنة 2022. أما بالنسبة للبرنامج الاستعجالي الثاني – يضيف ميهوبي – فقد تضمن انجاز ثلاث محطات لتحلية المياه شرق العاصمة، كلفت بإنجازها الشركة الجزائرية للطاقة، فرع سوناطراك، بقدرة إجمالية تقدر بـ150 ألف م3/يوميا، منها محطة الباخرة المحطمة بقدرة 10 آلاف م3/يوميا، محطة المرسى 60 ألف م3/يوميا ومحطة قورصو بقدرة 80 ألف م3/يوميا.
الموارد التقليدية..
في السياق، أشار ميهوبي إلى الإستراتيجية الوطنية للأمن المائي التي أقرها رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء في جويلية 2023، وتتضمن إنجاز محطات كبرى لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تصل إلى 300 ألف متر مكعب/محطة، مما يضمن تزويد المناطق الساحلية بمياه البحر المحلاة، على طول 150 كلم، حيث ترتفع نسبة تحلية المياه من 2.3 مليون متر مكعب/يوميا، فور دخول هذه المحطات حيز الاستغلال الفعلي، إلى 3.6 مليون متر مكعب/يوميا، أي في حدود 1.4 مليار متر مكعب /سنويا، مما سيرفع من نسبة استعمال المياه المحلاة إلى 40%.
ويعتبر الوزير الأسبق، أن مشاريع محطات تحلية المياه، أعطت دفعا قويا لإستراتيجية ضمان الأمن المائي التي أقرها رئيس الجمهورية، كما سمحت بتغطية احتياجات القطاع الفلاحي، الذي يستحوذ على أعلى نسبة من منسوب المياه تصل إلى 70%من الاحتياجات الاجمالية للمياه، ما قيمته 7.3 مليار متر مكعب سنويا من المياه. وبالتالي فإن اعتماد تقنية تحلية مياه البحر ستمكن من تخفيض استعمال المياه السطحية الصالحة للشرب من 30% إلى 20%، بالمقابل سيتم تقليص المياه الجوفية المستعملة في عملية تزويد الماء الشروب إلى 35% بعد دخول محطات تحلية المياه الخمس -قيد الإنجاز – حيز الخدمة. في إطار البرنامج الاستعجالي الثاني الذي سيوفر 1.6 مليون متر مكعب/يوميا، أي سنصل إلى إنتاج ما قيمته 2 مليار متر مكعب /سنويا من مياه البحر المحلاة نهاية 2030.
تحلية مياه البحر.. خيار استراتيجي
وعن سبب اختيار السلطات العمومية الاستثمار في مياه البحر، قال ميهوبي إن الجزائر وجدت في اتجاهها بحرا من خلال تحلية مياهه، بديلا مهما لمواجهة ندرة المياه في ظل توفر المقومات الرئيسية لقيام ھهذه الصناعة الدقيقة تقنيا التي صنعت الفارق في المعادلة المائية للجزائر من خلال تحقيقها للهدف الأهم ، وھهو إعادة توزيع الموارد المائية یالتقليدية باتجاه قطاعات مهمة للاقتصاد الوطني، من خلال القيمة المضافة التي تساهم بها في معالجة اختلال الميزان المائي.
ما دفع بالسلطات العمومية إلى اعتماد تقنية تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي لتحقيق التوازن المائي وتأمين ماء الشرب للمواطن، تشجعها في ذلك العديد من الدوافع المرتبطة بطبيعة ھهذا البديل غیير التقليدي، أهمها الخصائص التي تميز صناعة تحلية مياه البحر عن غيرها من الصناعات الأخرى، والتي تعد قاسما مشتركا بين جميع الدول التي اعتمدت ھهذا الخيار.
وتتمثل أساسا في عدم خضوع صناعة التحلية للتقلبات المناخية. كما أن محطات التحلية يمكن إنشاؤها بالقرب من مراكز الاستهلاك مما یيقلل من تكلفة ضخ المياه الجوفية أو مد خطوط أنابيب لتوصيل المياه إلى المناطق النائية، ورغم أن تكلفة تشغيل محطات التحلية مرتفعة – يقول ميهوبي- إلا أن تكلفتها تعد أقل من تكلفة تشغيل المنشآت التقليدية على غرار السدود، إلى جانب عدم ثبات كميات المياه التي يتم حصادها نظرا لعدم انتظام حدوث السيول في المناطق الجافة واحتواء محطات التحلية على معدات ميكانيكية كالمضخات، يتم تطویرھا باستمرار لاسيما ما يتعلق برفع كفاءتها ھاو زيادة قيمتها الاقتصادية، كما تتوفر محطات التحلية في أحجام مختلفة وتستخدم تقنيات متنوّعة مما یجعلها مناسبة لجميع الاستخدامات.
تقنيات عالية الدّقة..
قدّم ميهوبي بعض الشروحات بخصوص الجانب التقني لعمل محطات تحلية المياه، وقال إن التقنيات التي تعتمدها محطات التحلية تنقسم إلى التقنيات الحرارية، أهمها التقطير الومضي متعدد المراحل، التبخير متعدّد التأثير، التضاغط الحراري، والتقنيات الغشائية التي تتمثل في الديلزة الكهربائية والتناضح العكسي. وتعتبر هذه الأخيرة الأكثر شيوعا بالجزائر حيث تستعمل في عشر محطات لتحلية مياه البحر. وتعتمد على الظاهرة الطبيعية المعروفة بالخاصية الأسموزية، وهي عملية انتقال المياه العذبة من المحلول الملحي الأقل تركيز إلى المحلول الملحي الأعلى تركيزا من خلال أغشية شبه نفاذة، مما يسبب فرق ضغط في جانبي الغشاء، يسمى الضغط الاسموزي. فعند بذل ضغط على المحلول الملحي، يفوق الضغط الأسموزي، تبدأ المياه العذبة بالتدفق من المحلول الملحي إلى الجهة المقابلة من الغشاء.
وتمر عملية التحلية بثلاث مراحل أساسية قبل عملية التوزيع والضخ في الشبكة بداية من المعالجة الأولية للمياه، من التصفية بإزالة الشوائب والرواسب، إلى عملية إزالة الأملاح للمياه بتقنية التناضح العكسي، وصولا إلى المعالجة النهائية من خلال إضافة الأملاح، حيث يتم في المرحلة الأولى ضخ مياه البحر إلى المحطة من خلال مضخات عالية التركيز، أين تتم عملية التصفية ونزع الشوائب، ثم تأتي مرحلة التناضح العكسي التي تعمل على إزالة كافة الأملاح الموجودة في الماء، ليصبح ماء مقطرا، حيث يعتبر فصل الماء عن الملح عاملا محوري في عملية التحلية، وهذا من خلال تطبيق الضغط على المياه لإجبارها على النفاذ من خلال أغشية التناضح العكسي.
في هذا الصدد، ثمن ميهوبي استعمال المضخات المسترجعة للطاقة كحل اقتصادي، لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية المستعملة في عملية التحلية عن طريق التناضح العكسي، ما يمكن هذه الأخيرة من استرجاع الطاقة في حدود 40 إلى 60%، مؤكدا على ضرورة التفكير في اقتراحات ذات نجاعة أكبر لضمان استمرارية تشغيل محطات تحلية المياه، وإعطاء أكبر هامش من المناورة في التسيير، خصوصا في حالة تلوث مياه البحر مع المواد العالقة بالبحار بفعل هيجان أمواج البحر التي تسببها الاضطرابات الجوية، مما يجبر المسيرين على توقيف عمل محطات التحلية حفاظا على أغشيتها من الانسداد، وضمانا لاستمراريتها في الإنتاج، خصوصا في المناطق التي تعتمد كليا في تزويد ساكنتها بالماء الشروب على المياه المحلاة.
الأستاذ بالمدرسـة العليا للفلاحة إبراهيم موحوش: الأمن المائي.. ضمانٌ للأمن الغذائي
أكد أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا الفلاحة بالحراش، المختص في الأمن المائي والغذائي، الدكتور إبراهيم موحوش، أن الجزائر – بحكم موقعها الجغرافي – تصنف ضمن المناطق الأكثر شحا للمياه، حيث تقدر الكميات المتجددة سنويا بحوالي 300 متر مكعب في السنة للفرد الواحد.
قال محدثنا إن “هذه الكمية تمثل أقل من 30 بالمائة من المياه المتاحة في البلدان التي لا تعاني من نقص للمياه بحسب البنك العالمي، وعليه، فإن الجزائر اختارت اعتماد تقنيات تحلية مياه البحر، قصد تغطية العجز المسجل في الماء الشروب، كخطوة استباقية في إطار تنفيذ إستراتيجية عمل تمتد من 2024 إلى 2030، ترتكز أساسا على إعطاء الأولوية لحشد الموارد المائية المستدامة، ووضع أسس الإستراتيجية الوطنية لتحقيق الأمن المائي عن طريق الموارد البديلة وعلى رأسها تحلية مياه البحر”.
وتعود أسباب النقص في المياه في الجزائر للآثار الناجمة عن تذبذب الظروف المناخية التي تجسدت بحدوث ظواهر مناخية حادة مثل الجفاف والفيضانات، فهذا النقص شكل الانشغال الرئيسي لقطاع الموارد المائية، مع التحديات التي واجهته من شح الأمطار ونمو ديموغرافي سريع، بالإضافة إلى المساحة الشاسعة للبلاد، ما دفع بالقطاع – وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون – إلى البحث عن عدّة حلول تعويضية من أجل تخفيف الآثار الناجمة عن هذا النقص، مثل القيام بعمليات تحويل المياه فيما بين بعض السدود كما حصل سابقا بين سدود كدية أسردون، أغريب، إيغيل أمدا وبني سليمان، وتنمية آبار جديدة والتقاط مياه سد وادي سيباو، وإعادة تأهيل وتوسيع محطات تحلية مياه البحر ذات الكتلة الواحدة.
محطّات التحلية
في هذا الصدد، أشار الخبير إلى أن تحلية مياه البحر، خلال العام الماضي، كانت تغطي حوالي 17بالمائة من الاحتياجات اليومية للمواطن من المياه الصالحة للشرب باستعمال 13 محطة تحلية، وفي نهاية سنة 2024 مع إنجاز خمس محطات جديدة مبرمجة عبر ولايات الطارف، بجاية، بومرداس تيبازة ووهران، فإن هذه التغطية تقدر بحوالي 27 بالمائة من مياه الشرب. علما أن نسبة تقدم أشغال إنجاز الخمس محطات الجديدة لتحلية مياه البحر بلغت أكثر من 75 بالمائة، حيث أن هذه المشاريع ستكتمل بحلول نهاية العام الجاري.
أما على المدى المتوسط، أي عام 2030 – يقول محدثنا – فمن المتوقع أن تصل هذه التغطية إلى أكثر من 60 بالمائة من الاحتياجات مع إنجاز 7محطات مبرمجة خلال هذه الفترة، مما سيسمح بتصنيف الجزائر ضمن أكبر البلدان المنتجة للمياه المحلاة، وأضاف أن الدراسات تشير إلى أن أكثر من 60% من مياه الشرب ستأتي من محطات تحلية المياه البحر والمياه شبه مالحة المتواجدة في باطن الأرض بالجنوب الجزائري في آفاق 2030، علما أن احتياطات الجزائر من موارد المياه قدرت خلال سنة 2020، بــ18.2 مليار متر مكعب، تم حشد أزيد من 11.41 مليار متر مكعب منها، لتزويد مختلف مستعملي الماء بنسبة تعادل 86 بالمائة من الإمكانات المتاحة.
وأفاد موحوش أن بالجزائر أكثر من 200 محطة لتصفية وإعادة استعمال المياه المنزلية بقدرة معالجة تقدر بحوالي 1.5 ملیار متر مكعب سنويا، ستستعمل في القطاعات الأخرى غير الموجهة للشرب.
وفي مجال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، تستهدف الخطة الوطنية زيادة معدل إعادة الاستخدام تدريجيا حيث وصل إلى 50 بالمائة سنة 2020 ويواصل الارتفاع إلى غاية 55 بالمائة سنة 2030.
وذكر محدثنا أن 200 محطة معالجة لمياه الصرف الصحي دخلت حيز التشغيل و75 محطة قيد الإنشاء، وارتفع عدد المحطات بمعدل 7 محطات معالجة في كل عام، ما ساهم في رفع قدرات تنقية مياه الصرف الصحي، بمقدار 297 مليون متر مكعب، أي بزيادة نسبتها 45 بالمائة مقارنة مع سنة 2014.
وسيسمح إعادة استخدام 25 بالمائة من هذه الإمكانات على مدى السنوات المقبلة – يقول موحوش – بسقي أكثر من 45 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية أي 3.000 هكتار سنويا في المتوسط.
تحقيق الأمن الغذائي
وبالرغم من أهمية هذه الكمية من المياه المستعملة في الشرب والصناعة التي تقدر بحوالي 15 بالمائة من المياه الإجمالية، لفت محدثنا إلى أن القطاع الفلاحي يبقى هو المستهلك الأكبر للمياه بحوالي 70 و80% من المياه المتاحة، ونظرا لكون النشاط الفلاحي يتطلب كميات كبيرة من المياه، فإن الرؤية الاستشرافية بالجزائر توجهت نحو الجنوب الكبير الذي يزخر بكميات معتبرة من المياه الجوفية التي تقدر بـ50 ألف مليار متر مكعب.
في السياق، قال موحوش إن هذا المخزون الكبير يسمح بإنتاج المواد الفلاحية الإستراتيجية المستهلكة لكمية هائلة من المياه والتي تتراوح ما بين 10 آلاف إلى 16 ألف متر مكعب في العام لكل هكتار، مبرزا أن هذه الكميات من المياه غير متوفرة في شمال الوطن، علما أن الجزائر التي تسعى لتحقيق أمنها الغذائي، ومواجهة تداعيات التغيرات المناخية، تعتمد في إطار إستراتيجيتها الوطنية على المساحات الفلاحية الشاسعة بالمناطق الصحراوية، من خلال تشجيع المساحات الكبرى في الجنوب وتعزيز الاستثمارات الهيكلية الكبرى، حيث تقرر في هذا السياق توسيع المساحات المزروعة في ولايات الجنوب إلى مليون هكتار.
وسجل محدثنا أن شبكات مراقبة الضغط لأنظمة طبقات المياه الجوفية تخضع إلى قياسات غير منتظمة وبدون معالجة ممنهجة للبيانات، ما يتطلب إنشاء شبكة وطنية لرصد قياس الضغط لأنظمة طبقات المياه الجوفية، مهمتها تكثيف وتحسين شبكات المراقبة وإجراء مسوحات دورية لتحليل ونشر بيانات الملاحظة حول منسوب المياه الضروري لكل الدراسات الهيدروجيولوجية وكشف التغيرات في احتياطاته، وأكد محدثنا على ضرورة الاهتمام بظواهر التآكل والتوحل والتي تتسبب في تخفيض سعة استيعاب السدود بنسبة تتراوح بين 40 و80 بالمائة، بحيث تتجاوز معدلات 2.000 طن /كم2/السنة، في معظم مستجمعات المياه في الأطلس التلي، مع إمكانية وصولها إلى 4.000 طن /كم2/السنة، في بعض أحواض الظهرة الساحلية.