كان انطلاق العمليات العسكرية في أول نوفمبر مشروعا واعيا، يعكس درجة النضج ويعكس مستوى الوعي الكبير، الذي تميزت به طلائع جيش التحرير المفجرة للثورة.
يرجع هذا إلى الاستفادة من الخبرات السابقة، ومن التجربة التي خاضتها الحركة الوطنية لعدة عقود، كما أن هذه العمليات تعتبر حدثا تاريخيا غيّر العديد من المعطيات، أربك الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن يتوقع تفجير الثورة، لذا لجأ إلى طرق للتخفيف من حدة الصدمة، فعملت الإدارة الاستعمارية – على اختلاف مستوياتها ومواقعها – إلى تغليط الرأي العام المحلي والعالمي، والتهوين والتقليل من حقيقة ما يحدث في الجزائر، واعتبرتها “أعمالا إرهابية” قام بها مجموعة من المتمرّدين عن الإدارة الفرنسية.
”ساعة الصفر”.. البيان والبرهان والإعلان في ثورة الشجعان
حاولت الإدارة الاستعمارية الانتقاص من خطورة وضعها، إلا أن التنظيم المحكم لعمليات تمّ التخطيط لها قبل اندلاعها، أوقع الاستعمار في “حرج كبير”، فقد وقع في عامل المباغتة والمفاجأة، ووجد نفسه في خضم عمليات مضبوطة على توقيت واحد ليلة الفاتح نوفمبر 1954، وارتبك الفرنسيون وهم يقفون على حقيقة استهداف حوالي 40 منطقة موزعة على جميع ربوع الوطن، ورغم اختلاف قوة هذه العمليات بين المناطق إلا أن التزامن في الانطلاق والشمولية أعطى لها البعد الاستراتيجي الذي أفحم الاستعمار.
مـن الأوراس إلى الغرب الوهراني..شعلة الحريّة واحدة
كانت المنطقة الأولى مسرحا للعديد من العمليات العسكرية ليلة أول نوفمبر، وقد شملت هذه العمليات عدّة نواح منها باتنة، خنشلة، آريس، عين مليلة، بريكة، بسكرة، ميزها التنظيم المحكم بعد التحضيرات المكثفة من طرف قائد المنطقة مصطفى بن بولعيد، ودفعت كثرة هذه العمليات رئيس المجلس الولائي بقسنطينة آنذاك “روني مايير” (Rene Mayer) إلى زيارة المنطقة في يوم 02 نوفمبر 1954، كما لحق به كاتب الدولة لشؤون الحرب “جاك شوفاليي” (Jacques Chevallier)، وهذه الزيارة التي شهدتها المنطقة من طرف مسؤولين وقيادات في الجيش الفرنسي تدخل في إستراتيجية فرنسا للقضاء على الثورة في بدايتها.
عمليات مدينة باتنة: وصل الحاج لخضر مع جنوده إلى الثكنة، وتمكّنوا من إحداث ثقب في جدارها وتحييد حارس وإصابة حارس آخر، وتهديم جزء من الجدار الداخلي للثكنة بواسطة قنبلة رماها الحاج لخضر، وفي هذه العملية جُرح المجاهد محمد القط حارس الثقب الذي دخل منه المجاهد الحاج لخضر. دامت العملية ساعة ونصف وتركت هلعا وفزعا داخل الثكنة، وبعد الانسحاب، اختار المجاهدون هدفا آخر وهو الهجوم على القطار الذي يحمل السلع المتجهة إلى بسكرة، وتمت هذه العملية بحل قضبان الحديد لمنع القطار من الوصول بإخروجه عن السكة، وذلك ما أحدث هلعا وقلقا لدى السلطات الفرنسية.
عملية فم الطوب: قاد هذه العملية المجاهد نجاوي ناجي رفقة 25 مجاهدا، هجموا على عدة منازل داخل المدينة، منها منزل الباشاغا حارس الدوار، كما هجموا على مركز الدرك الوطني وعلى بعض الجنود الذين يقومون بالتنقل من أجل الحراسة، وقد غنم المجاهدون في هذه العملية ما يزيد على 20 قطعة سلاح، منها رشاش ماط بالإضافة إلى كمية كبيرة من الذخيرة تمثلت في 1200 خرطوشة وعدد من القنابل اليدوية، وعند الانتهاء من العملية، تمّ إشعال النار داخل الأماكن التي تمّ استهدافها.
وأثناء الانسحاب لحقت فرق الحرس المتنقلة بالمجاهدين بعد وصول التعزيزات الفرنسية التي قدرت بحوالي 2000 جندي، بالإضافة إلى الشاحنات العسكرية والطائرات والدبابات من أجل تطويق المكان، وقاموا بعمليات إرهابية في حق الشعب الأعزل انتقاما من المجاهدين. هذا العمل الجبان جعل المجاهدين يخرجون من المخابئ، ويدخلون في مواجهة مباشرة مع العدو دامت ثلاثة أيام متتالية، استشهد فيها القائد نجاوي ناجي بعد إصابته بقذيفة هاون، أما القوات الفرنسية فقدت خسائر بشرية كبيرة فاقت 800 جندي.
عملية مدينة بسكرة: بعد التدريبات المكثفة على السلاح وكيفية إلقاء القنابل، التقى المجاهدون في بنيان ومشونش، وتوجّهوا نحو مدينة بسكرة عبر الشعاب والوديان حاملين مجموعة من الأسلحة البسيطة والمتمثلة في خماسي ألماني وستاتي إيطالي وعشاري انجليزي، مع وجود بعض القنابل اليدوية، تمّ حمل هذه الأسلحة من طرف المجاهد محمد الشريف عبد السلام على ظهر حمار، وصل المجاهدون إلى المكان المتفق عليه “لقراف” برج الترك شمال شرق بسكرة حيث تمّ توزيع الأفواج إلى:
فوج محطّة القطار: قاده أحمد قادة مع بعض المجاهدين الصادق مباركية والطيب ملكمي ومحمد بن عبد القادر ومحمد بن بلقاسم عثماني، وقام الطيب ملكمي بالتوجه نحو عربة القطار المحملة بالفحم، وألقى قنبلة داخل القطار، ما أحدث حريقا جعل الحراس يتنبهون إلى العملية وأطلقوا صفارة الإنذار، فأطلق المجاهدأحمد قادة النار داخل القطار وأحدث انفجارا كبيرا بالمحطة.
فوج ثكنة القصبة / سان جيرمان: قاده حسين بن رحايل ومجموعة من المجاهدين بينهم حسين بن عبد السلام، الصالح سلطاني، محمد بن أحمد بن عبد الله، مسعود لونيسي، عمار صالح، الصالح بن رحمون سليمان الوهراني، عمار بن محمد سلطاني، عبد العزيز بن محمد عبدلي، محمد بن عمار عبيد الله، مصطفى بن عبيد الله، أحمد بن علي سليماني، وقام هذا الفوج بوضع قنابل من صنع محلي أمام أبواب الثكنة، وعند انفجارها تم رمي قنابل أخرى داخل أسوار الثكنة مع إطلاق الرصاص الكثيف ثم الانسحاب بسرعة فائقة.
فوج مخفر الشّرطة: قاده عبد القادر عبد السلام ومعه مجموعة من المجاهدين عبد الرحمان يحيى، محمد العيد عبد السلام، الطيب عقوني، بلقاسم عبيد الله، موسى سليماني وفي هذه الهجوم استشهد جميع المجاهدين بعد إطلاق الرصاص على باب المخفر وشبابيكه، وتم إصابة ثلاثة من أفراد الشرطة الفرنسية.
فوج المولد الكهربائي: قاده عبد الله عقوني ومعه محمد الشريف عبد السلام، لخضر بوغرارة، الطاهر عماري، السبتي وزاني، ويذكر في هذا الصدد المجاهد محمد الشريف عبد السلام أنه تم وضع قنبلتين حارقتين أمام الباب، كما تم إلقاء قنبلتين يدويتين داخل السور نتج عنهما اشتعال النار وإصابة الحارس.
فوج مركز البريد: قاده إبراهيم جيماري ومعه محمد بن عبد السلام، إبراهيم الزلي محمد مدور، محمد بن مسعود عبيد الله محمد بن عبد القادر عبد السلام، تمكن من الهجوم على مركز بريد بسكرة، ولكن باعتبار هذا المركز مهم وقريب من مراكز الشرطة والثكنات العسكرية، فإن العملية لم تنجح على أكمل وجه واستشهد معظم المجاهدين الذين شاركوا في هذا الهجوم.
العملـيات العـسكرية في المنـطقة الأولى (الأوراس)
فوج الحراسة (القراف / العالية): تمّ تعيين عبد الرحمن بن عبد السلام والطيب كعباش وعلي بشينة ومحمد بن مسعود عبيد الله للحراسة في العالية؛ لأنّ هذه المنطقة هي منطقة تسلل المجاهدين إلى المدينة، لذا بقيت الحراسة في هذا المكان لحماية المجاهدين من الخلف وتأمين الحماية.
عملية بريكة: قادها سليمان محمد الشريف ومعه المجاهد عقالي منصور وابن تركية الصادق وبوسحابة عبد القادر، وأسندت إليه مهمة ضرب مقر الدرك الوطني ومولد الكهرباء ومنزل الحاكم، لكنه لم يتمكن من القيام بهذه العملية.
عملية خنشلة: تمّ تحديد خمسة أفواج للقيام بهذه العملية، الفوج الأول بقيادة عباس لغرور كلّف بالهجوم على منزل الحاكم العام بمدينة خنشلة رفقة مجموعة من المجاهدين بورمادة عبد القادر، بورمادة قدور، بوعطيل ابراهيم، أحمد اللموشي، بوعزيز سامر محمد، وقد تمّ إطلاق الرصاص على الحاكم الفرنسي، لكنه اختبأ بخندق داخل بناية خاصة بالطوارئ، لكن حارسه الشخصي المدعو شرفة الحفاني أصيب في كتفه. أما الفوج الآخر.
فقد أسندت قيادته للمجاهد موسى رداح، وقام بتطويق مركز الشرطة وقتل أحد عناصرها، وفوج آخر بقيادة مسعود معاش قام بالهجوم على الثكنة العسكرية، وحيّد حارسا وضابطا برتبة نقيب، ما دفع بالجنود الفرنسيين إلى الاختباء داخل إسطبل الحيوانات، وقد تمكن المجاهدون من الوصول إلى مخازن السلاح، لكن كانت محكمة الإقفال ما حال دون غنمها.
عملية تكوت: قام بالعمليات العسكرية بهذه القرية المجاهد عاشور الملكي، الذي كان على رأس هذا الفوج، وفيه تم تدمير جسور مداخل المدينة ثم الهجوم على مركز الدرك الفرنسي بالقرية بواسطة القنابل والرصاص، دامت هذه العملية حتى الصباح.
عملية أريس: قاد هذه العملية أحمد نويوة واستهدفت مقر الأمن، الدرك، دار الحاكم، محطة توليد الكهرباء، كانت هذه العملية دقيقة ومنظمة استهدفت الأماكن المحددة وفي التوقيت المحدد، ممّا خلف ذعرا كبيرا لدى الجيش الفرنسي، وبعد العملية انسحب المجاهدون بسرعة نحو مكان حدد سابقا وهو كف بني سليمان.
تكبّدت فرنسا خسائر كبيرة تمثلت في تحييد 60 جنديا فرنسيا، أما خسائر جيش التحرير تمثلت في استشهاد أربع شهيدات في المعركة، وهن يحملن الفؤوس والسكاكين ويدحرن كل من يدخل باب البيت وهن بوستة لالى جمعة، بوستة لالي منصورة، ولالي فاطمة جغرور ولالة فاطمة بالرحايل.
عمليات أخرى في المنطقة الأولى
هناك عمليات أخرى مماثلة قام بها المجاهدون في التوقيت نفسه، منها عملية تابردقة بششار خنشلة التي قادها المجاهد عثمان عبد الوهاب، واستهدفت مركزا للدرك تستعمله فرنسا للتعذيب والاستجواب، ومعركة المصارة بغابة لبراج قام بها المجاهد سكيو لمبارك على مركز شركة موجودة في منطقة عزة، حيث قاموا بإخراج العمال وأضرموا النار في المنشآت الموجودة في الشركة، وهناك عملية مشابهة قام بها فوجان، الفوج الأول بقيادة المجاهد بلقاسمي ونفّذ الهجوم على مركز شركة بتيزي علي، أما الفوج الثاني بقيادة بن تومي محمد فقام بتفجير جسر أعساكر بواسطة ألغام محلية الصنع.
العمليات العسكرية في المنطقة الثانية (الشّمال القسنطيني)
شهدت المنطقة الثانية عمليات عسكرية ضد المصالح الحيوية للعدو الفرنسي، كالهجوم على مراكز عسكرية وتخريب العديد من المنشآت العمومية في الكثير من المناطق، ساهمت هذه العمليات في نجاح ثورة أول نوفمبر 1954، واستهدفت – في مجملها – اقتصاد العدو الفرنسي.
عمليات سوق أهراس: قامت مجموعة سوق أهراس بقطع خطوط الهاتف والكهرباء، وعمليات تخريبية بعدة مناطق نذكر من بين المجموعات المشاركة، مجموعة القائد عبد الله انواورية التي قامت بتفجير سكة الحديد عند مرور القطار، ما أدى إلى تحطمه، وبعد هذه العملية دخلت هذه المجموعة في اشتباكات مع القوات الفرنسية، واستشهد جميع المجاهدين باستثناء القائد انواورية، في حين هناك مجموعة أخرى بقيادة باجي مختار أسندت إليها مهمة الهجوم على دار الحاكم قصد الاستيلاء على الأسلحة.
لكن المجموعة اكتشفت قبل الوصول للمكان المحدد، فدخلت في اشتباكات مع قوات الحرس الجمهوري الفرنسي، وقد استطاع المجاهدون تحييد ثلاثة جنود وتحطيم شاحنة عسكرية، وبعد هذا الهجوم اتّجه المجاهدون إلى منجم الناضور الذي كان تحت حراسة المعمرين، وتم الاستيلاء على أسلحتهم، وهي عبارة عن خمس بنادق (موزير)، بارود المتفجرات وفتائل، 600 خرطوشة، 150 ألف فرنكا فرنسيا، وبعدما تم سلب الأسلحة خطب القائد باجي مختار قائلا: “لا تخافوا فلسنا لصوصا، إنّنا مجاهدون من جيش التحرير الوطني”، وبعد هذا الخطاب تم وضع الديناميت تحت سكة الحديد التي تم تخريبها، ونسف القطار الذي يحمل الحديد والفوسفات نحو سوق أهراس.
عملية السمندو: قام بهذا الهجوم مجموعتان، الأولى بقيادة محمد بن الصالح ميهوبي الذي كلفه زيغود يوسف بالهجوم على دار الجندرمة، ويذكر أنه كان بمعية ثمانية مجاهدين قاموا بتحطيم جزء من باب دار الجندرمة وقطع خطوط الهاتف، أما المجموعة الثانية فقامت بتفكيك براغي السكة الحديدية عند مخرج النفق، وقطع خطوط الهاتف التي تصل بين مدينة قسنطينة وسكيكدة، أثرت هذه العمليات التخريبية بشكل كبير من الناحية الاقتصادية في المنطقة؛ فقد تم شل حركة نقل السلع.
عملية ناحية ميلة الغربية: تمّ تحديد نقطة الهجوم في المنطقة وهي الهجوم على منجم بولحمام، وتمّ وضع خطة محكمة بتقسيم الفوج إلى ثلاث مجموعات المجموعة الأولى بقيادة العربي لحمر الذي اتّجه نحو المنجم، وكلّف بقطع خطوط الكهرباء والهاتف، لكن هذا الفوج اشتبك مع حارس المنجم.
ولم يستطع فتح أقفال المخزن ممّا فرض على المجاهدين التراجع، أما الفوج الثاني فكان بقيادة صالح بوبرط خوبعداش محمد، الذي كان ينتظر الفوج الأول ومعهم مجموعة من البغال لحمل الذخيرة، أما بالنسبة للفوج الثالث بقيادة سعد زعيمش وعيسى أوصيف، فقد كلّف بتوزيع بيان أول نوفمبر على السكان والتعريف بمشروع الثورة.
العمليات العسكرية في المنطقة الثالثة (القبائل)
قام قائد المنطقة الثالثة كريم بلقاسم ونائبه أو عمران بتجنيد حوالي 450 جنديا من أبناء المنطقة، جلهم من الشباب الذين تلقوا تدريبات عسكرية في الجيش الفرنسي، كما أنهم اعتادوا على حياة القساوة؛ فالمنطقة الثالثة جبلية ضيقة المساحة مقارنة بالمناطق الأخرى.
شرع قادة الثورة في المنطقة بالتحضيرات منذ شهر جوان، حيث قام النائب أو عمران بجمع 27 رئيس قسمة في منزل حارس الغابة بقريو ميرابو، وحثهم على الاستعدادات العسكرية لتفجير الثورة، كما تم الإسراع في تنظيم الأفواج وتدريبهم على استخدام السلاح وصنع المتفجرات ونصب الكمائن، وبعد هذا التنظيم باشرت الأفواج في العمليات العسكرية ليلة أول نوفمبر في عدة مناطق نذكر منها:
عملية تيقزيرت: قام المجاهد بعيو اكلي مسؤول الناحية بعقد اجتماع في ازروغدو جنوب شرق مزردة على الساعة السادسة مساء، وقسم المجاهدين إلى مجموعات: الأولى بقيادة خليل محمد وكلف بالهجوم على مخفر الشرطة، وهو ما تم بالفعل بحيث تم إطلاق النار عليه، واستمر هذا الهجوم ربع ساعة تقريبا، دون رد فعل فرنسي يذكر، لأن فرنسا لم تكن مستعدة في لحظة الهجوم، لكن بعد انسحاب المجاهدين قامت بإطلاق النار دون تحديد هدف، أما المجموعة الثانية فكانت بقيادة المجاهد السعيد أحمد، التي كلفت بقطع الأعمدة الناقلة لخطوط الهواتف في الطريق الرابط بين ماكودة وتيقزيرت، وبعد تنفيذ الهجوم التقت المجموعتان في المكان المحدد سابقا في ثنية اقني فوغران
عملية تادمايت: انطلقت هذه العملية بعد الاجتماع الذي جمع المجاهدين في مسجد تيقرابين في غابة قرية ورز الدين داخل جبل سيدي علي بوناب، ومن هذا المكان وزعت العمليات على النحو التالي:
المجموعة الأولى: بقيادة المجاهد هلايلي محمد ومعه تاجنانت عمر وسي الحسين عمر ومحمد السعيد ورابح علي ورابح محمد، حيث قاموا بإشعال النار في مجمع الفلين.
المجموعة الثانية: بقيادة المجاهد مزعقر سعيد، والتي قامت بقطع وتحطيم الأعمدة الهاتفية الموجودة على طول سكة حديد بين تالميث والناصرية، وهناك مجموعة أخرى قامت بإحراق مقر التبغ وقائد هذه المجموعة المجاهد نور علي.
عملية برج منايل: عقد المجاهد عمرو حطاب اجتماعا بواد المنايل قرب الشراشير، وحدّد للمجاهدين أماكن العمليات العسكرية والتي كانت على النحو التالي: هجوم المجاهدين بقيادة عمرو علال على سكة حديد بين برج منايل والناصرية وتخريبها، وإحراق مجمع التبن للمعمر اسكاليس، وحرق مقر التبغ والهجوم على مقر الجندرمة، كما تم تخريب خطوط الهاتف لمنع الاتصال بين مراكز الجيش الفرنسي.
عملية ذراع الميزان: قامت مجموعة من المجاهدين بالذهاب إلى مقر الجندرمة في ذراع الميزان، لكن الفرقة الموجودة داخل المقر تفطّنت للمجاهدي،ن وحصّنت نفسها داخل المقر ولم تفتح الباب لهم، وفي المدينة قام الحارس البلدي هارون بإطلاق الرصاص على المجاهدين وإصابة المجاهد محمد أوعمر بجروح، لكن المجاهدين تمكنوا منه وحيّدوه.
في حين شنّت مجموعة من المجاهدين هجوما على مزرعة “قنيير” في نواحي تيزي غنيف وتم حرقها بالكامل، وشنّ فوج آخر هجوما على مقر بريد تيزي نثلاثة، وأصيب حارس برصاص المجاهد علي زعموم، كما تمّ توزيع مناشير من طرف المجاهدين على السكان في جميع أماكن تلك العمليات والتي تضمنت ما يلي: “نحن لا نحارب الأوروبيّين المدنيّين ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأطفال”، وحتم المنشور بعلامة جبهة التحرير الوطني.
العمليات العسكرية بالمنطقة الرّابعـة (الجزائـر وضواحيهـا)
لم تكن المنطقة الرابعة عند الانطلاقة حاضرة بالشكل الذي كان متوقعا منها، بحيث يمكن القول أن الانطلاقة الأولى للعمليات العسكرية ليلة أول نوفمبر كانت متعثرة على الرغم من أن المنطقة كانت مركز التخطيط للثورة قبل تفجيرها، ومن المشاكل الأولى التي تعرضت إليها هي الصراع الحزبي القائم، حيث انقسم المناضلون إلى فريقين، فريق جماعة الأحول حسين، وفريق جماعة مصالي الحاج، وبعد دراسة المشاكل تم إرسال 200 مجاهد من المنطقة الثالثة ليتولوا القيام بالعمليات العسكرية في الجزائر وضواحيها، تم نقلهم بواسطة النقل العمومي في شكل عمال، وكان في استقبالهم عمر أو عمران وسويداني بوجمعة، وتوجها بهم إلى منطقة بوينان، ثم قسّما المجاهدون إلى مجموعات لتنفيذ العمليات.
العمليات العسكرية في العاصمة: أسندت المهمة إلى ثلاث مجموعات بقيادة زبير بوعجاج مع محمد مرزوقي وعبد الرحمن كاصي وعثمان بلوزداد، وتكمن العملية بوضع قنابل في مقر الإذاعة بالعاصمة، وكذلك معمل الغاز ومخازن موري للبترول، هذا بالنسبة لعمليات الفوج الأول، أما الفوجان الآخران فقد تعذر عليهما القيام بالمهمة والمتمثلة في تفجير مركز التلفزيون التي أوكلت لمجموعة بسكر، أما فوج نبطي، فقد أوكلت إليه مهمة إضرام النار في مخازن الخفاف.
الهجوم على ثكنة بيزو: تمّ تكليف مجموعة من المجاهدين بهذه العملية، لكن قبل تنفيذها تحرّكوا من أجل الاستكشاف والتعرف على الأماكن والطرق المحيطة بهذه الثكنة، غير أن الحارس تفطن لحركتهم، فأبلغ المسؤولين الذين قاموا بإرسال دورية للقبض عليهم، لكنهم تفرقوا في المدينة، فصعب على الفرنسيين القبض عليهم، ومع ذلك لم ييأسوا، بل توجّهوا في المساء إلى الثكنة محمّلين بأنواع من الخناجر.
وفي الساعة الصفر تسلّلت مجموعة منهم إلى الثكنة بمساعدة جندي يعرف بـ “بخوري سعيد”، وعند وصولهم إلى مخزن السلاح وفتح قفل الباب اشتعلت النار، قام جنود الثكنة في حالة فزع وخوف جعل المجاهدين يخرجون من المخزن، وينسحبون في شاحنة كانت في انتظارهم إلى جبال الشريعة، لكن السلطة الفرنسية تعقبت هذه المجموعة إلى الجبال، ووقع اشتباك بين الطرفين في اليوم الثالث من نوفمبر، انتهى بإلقاء القبض على ثلاثة مجاهدين وإصابة أحدهم.
عملية بوفاريك: هذا الهجوم قام به مجموعة من المجاهدين بقيادة سويداني بوجمعة وعمر أو عمران، وكان الهدف هو ثكنة بوفاريك، وبمساعدة بن طوبال سعيد (شقيق عبد الله بن طوبال المجند في هذه الثكنة)، وفي هذا الصدد يقول مصطفى طلاس: “وكان الأخ سعيد في هذه الليلة هو رئيس الحرس وعليه تقع مسؤولية تبديل الخفراء طوال 24 ساعة، وهذا يعني أن مفتاح الدخول إلى الثكنة كان في قبضته”، وفي الوقت المحدد، دخل المجاهدون إلى الثكنة وعند قطع السلاسل الحديدية التي تغلق المستودع، تفطّن أحد الحراس وأطلق إشارة الإنذار.
في هذا الصدد يقول أعمر أو عمران: “لقد حدث اضطراب في إعطاء الأوامر بدلا من أن يبدأ في إلقاء القنابل على الساعة الثانية صباحا، حدث أن شرع في إطلاق النار على الساعة الثانية عشر ليلا في الجزائر وبوفاريك والحراش وشرشال، فسألت سويداني بوجمعة عن ذلك وكنت غاضبا أشد الغضب، وبعد المشادات أخذنا بنادق من الفرنسيين من طراز 15/7 وبعض الرشاشات من استاين انجليزي، وأخذنا بن طوبال سعيد معنا”. في هذا الهجوم، غنم المجاهدون أكثر من 10 قطع من الأسلحة، وعادوا في أفواج متفرقة.
عمليات أخرى: هناك عمليات أخرى شهدتها المنطقة الرابعة في الزمان نفسه، منها إحراق وحدة الخضر والفواكه ببوفاريك مع وضع ألغام ومتفجرات، تمت العملية بنجاح من طرف سليمان الطيب ومحمد الصغير وعزري علي والوزاني بوعلام، كما قام فوج آخر بوضع ألغام في “مقرونات” الواقعة بين “بوينان” و«روفيقو”، تمت العملية بنجاح مع غلق الطريق بالحجارة، وعملية تلغيم سكة الحديد التي كُلف بها العديد من الأفواج، فوج كلف بتخريب سكة الحديد اليمنى واليسرى، وفوج قام بتدمير جسر ميمون، وفوج كلف بوضع لغم في جسر بن شعبان، وتم تهديم جسر وادي الثلاث، وتحطيم جسر واد الشعايبية وتلغيم جسر واد الكرمة وحرق معمل الورق بابا علي وتحطيم جسر واد لكحل، كل هذه العمليات كللت بالنجاح وهذا راجع إلى التنظيم المحكم والدقيق الذي سطرته قيادة المنطقة الرابعة.
العمليات العسكرية بالمنطقة الخامسة (الغرب الوهراني)
استطاع المجاهدون في المنطقة الخامسة ليلة الفاتح من نوفمبر القيام بعدة عمليات عسكرية استهدفت عدة مراكز، منها المؤسسات التي يرتكز عليها الاقتصاد الفرنسي في الجزائر وحرق المزارع وتخريب الطرق وقطع الكهرباء وخطوط الهواتف، بالإضافة إلى شن عمليات على مراكز الشرطة والجندارمة، أشرف على هذه العمليات قائد المنطقة العربي بن مهيدي. وفي الساعة الصفر بدكان عبد الله، قام المسؤول عن الأفواج المجاهد عبد المالك رمضان بإعطاء الأوامر لتنفيذ العمليات العسكرية، ولم يتم تحديد الأهداف، بل تركت حرية اختيار الأهداف للأفواج والتي كانت على النحو التالي:
حرق مخزن الفلين بأحفير: أشرف على هذه العملية القائد العربي بن المهيدي، حيث قام بحرق مخزن كبير للفلين بمنطقة أحفير الواقعة بين بني سنوس وسبدو كليا، قدّرت السلطات الفرنسية الخسارة بخمسة وعشرين مليون فرنكا، أثرت هذه العمليات على الاقتصاد الفرنسي في الجزائر؛ لأن هذه التخريبات لم تمس جهة معينة، بل مسّت العديد من مناطق الوطن، وبعدها نفذت عمليات أخرى استهدفت تخريب سكة الحديد، وقطع أسلاك الهواتف وتخريب الطرق.
تخريب مطار طفراوي: أسندت قيادة هذه العملية للمجاهد أحمد زبانة، وتحت قيادته كل من بوعدة إبراهيم، وفيزي مصطفى واسطنبولي سعيد، وتكمن هذه العملية في إشعال النار في المطار العسكري بطفراوي، إلى جانب هذا الفوج، كلّف فوج آخر بحراسة وحماية هذا الفوج بقيادة المجاهد سطر عبد الله، القادم من حمام بوحجر من أجل التغطية، لكن تعذر عليه الالتحاق بالمكان المحدد، مما حال دون تنفيذ العملية وانسحاب فوج أحمد زبانة مع الصباح للالتحاق بالمكان الذي حدد سابقا الالتقاء فيه بعد تنفيذ العمليات العسكرية، وهذا المكان موجود بالقرب من مقبرة القعدة.
الهجوم على ثكنة 66 للمدفعية: أسندت قيادة هذه العملية للمجاهد أشريط الشريف وتحت قيادته كل من المجاهدين فتاح عبد الله، فتاح محمد الصغير عبد القادر، طير عبد القادر، نقاوي محمد، مرابط غوفي، وهراني العبدلي، وقام بنقل هذا الفوج اليهودي الأصل لازلاي بسيارته الخاصة للأجرة، ولكن تبين أن اليهودي يعمل لدى المخابرات الفرنسية لذا تم تحييده بعد إتمام العملية.
الهجمات في منطقة عين تموشنت: كلّف بهذه العملية الفوج رقم 17 بقيادة واضح بن عودة، الذي قام بتقسيم الفوج إلى قسمين، الأول أسندت قيادته للمجاهد برحو قادة، والثاني أسندت قيادته لناصر كويني الذي كان متمركزا في منطقة تارقة، قام القسم الأول بعملية تفجير خط سكة الحديد الرابط بين عين تموشنت ووهران بمنطقة واد المالح.
لكنها باءت بالفشل لعدم الحصول على المتفجرات، فاكتفى بوضع الحجارة على السكة، عند العودة وفي اليوم الثالث من نوفمبر، اشتبك هذا الفوج مع القوات الفرنسية في جبال سيدي قاسم بتارقة، خلال هذه العملية تمّ تحييد أحد الحراس المكلف بحراسة الغابات يسمى “ايميل”، وإصابة اثنين من رجال الدرك الفرنسي بجروح، كما تم القبض على المجاهد صالح بن قانة واستشهاد القائد برحو.
عمليات مستغانم: قامت بهذه العملية مجموعة تابعة للمجاهد عبد المالك رمضان، استهدفت عدة أماكن في مستغانم، منها تخريب مزرعتين بالقرب من كاساني (Cassaigne) بسيدي علي، والهجوم على مقر الجندرمة، وإتلاف مولد الكهرباء، وقطع وتحطيم أعمدة خطوط الهاتف لمنع الاتصال، وقعت هذه المجموعة في اشتباك مع القوات الفرنسية أدت إلى استشهاد القائد عبد المالك رمضان وسبعة مجاهدين.
في سيدي بلعباس: قام مجموعة من المتعاطفين مع الثورة وعددهم أربعة بعمليات تخريبية استهدفت قطع أسلاك الهاتف التي تربط بين سعيدة وسيدي بلعباس، وحرق مزرعة رئيس بلدية فرنسي، لكن رد القوات الفرنسية كان سريعا، إذ قامت بتطويق المكان والانتقام من الأهالي، وبعد ثمانية أيام من الهجومات الأولى للفاتح من نوفمبر وقعت اشتباكات بين المجاهدين والقوات الفرنسية بالمكان المسمى “القعدة” أو “المرجة” التي تقع في حدود مدينة سيق، أصيب فيها القائد أحمد زبانة بجروح ممّا سهل على القوات الفرنسية القبض عليه.