يعتبر الأستاذ الدكتور سليم أوفة، الأستاذ في التاريخ، أنّ “الذاكرة “ملف ثقيل وشائك لما له من تبعات كبيرة على الجانب الفرنسي في جميع الميادين السياسية، العسكرية، الأخلاقية وتبعات مالية كذلك.
يرى أن فتحه يمثل اعترافا على ما ارتكبته فرنسا الاستعمارية من جرائم إبادة وتعذيب، وبالتالي ستكون مضطرة لدفع فاتورة الاعتراف من خلال الأموال، التي ستدفعها كتعويضات عن الدمار والخراب الذي خلفته في الجزائر، كما لن تسلم السلطة الفرنسية من المعارضة وعلى رأسها اليمين المتطرف الذي يترصّدها باستمرار.
أبرز الدكتور أوفة في تصريح لـ “الشعب”، أن هذا الملف سيذكّر فرنسا بالهزيمة، وبالتالي سيعطي انتصارا آخر لاستقلال الجزائر سنة 1962.
السّلطة الفرنسية تتعامل مع قضية الذاكرة بسياسة “التّقطير”
وأشار إلى أن اللوبيات الفرنسية أخذت بعين الاعتبار كل هذه الاعتبارات الآنية والمستقبلية لهذا الملف، لذلك تتثاقل وتتماطل في فتحه وتتغافل عن العديد من الأمور التي يحتويها هذا الأخير.
يعتقد أستاذ التاريخ أنّ ملف الذاكرة سيفتح جرح الهزيمة الفرنسي، وأضاف “لم تكن فرنسا تعترف بالمقاومة ولا بالثورة التحريرية، ولا بانتصارات الجزائريين، ومع كل هذا اعترف ديغول بالاستقلال وبالدولة الجزائرية مكرها مهزوما، وهو الذي قاد الأرض المحروقة وجرائم الإبادة”.
يرى المتحدّث أنّ فرنسا الحالية تريد ذرّ الرماد في العيون من خلال الاعتراف ببعض جرائمها، وهذا ما يعمّق من الجرح الفرنسي، لذلك تتعامل مع هذا الملف بـ “التقطير” خاصة مع الضغط السياسي الممارس من اليمين المتطرّف.
كما أنّ الجانب الأخلاقي مهم كذلك ـ يقول المتحدّث ـ أن تعترف فرنسا بجرائمها المرتكبة التي تصنّف على أنّها جرائم ضد الإنسانية، واعترافها بهذا سيجعلها مجبرة على التعويض، وبالتالي سيكبّدها ذلك خسائر مالية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بملف رقان النووي والمخلفات التي تركتها التجارب والتفجيرات النووية التي ما تزال آثارها لحد الآن.
وأشار الدكتور أوفة، إلى وجود صراع داخلي في فرنسا، وهو أحد الأسباب التي تجعلها لا تريد إنهاء هذه الذاكرة، وتتعامل معها بالتماطل، وهي تعتقد أن بإمكانها استعمال هذا الملف كورقة ضغط حتى تستفيد اقتصاديا من مزايا وامتيازات، والقيام بصفقات تجارية ومشاريع مع الجزائر.
وإذا كانت فرنسا تريد أن تستعمل ملف الذاكرة كورقة ضغط، فإن الجزائر تمتلك مستندات ووثائق وملفات لدى المؤرخين والحقوقيين ـ يقول أوفة ـ وذلك من أجل أن تضغط على فرنسا في المحاكم الدولية، وفي الأروقة السياسية وفي المؤتمرات، وكذا في الحوارات الثنائية بين البلدين.
أبرز الدكتور أوفة في هذا السياق، أن الجزائر لديها ملفات جاهزة وبالحقائق والدلائل يمكن أن تضغط بها على فرنسا، كما يمكنها أن تمسك قبضتها على فرنسا من الجانب التجاري، خاصة أن مجال التبادلات مع الأخيرة تراجع بشكل كبير بعد سياسة تنويع الشركاء الى دول أوروبية أخرى على غرار إيطاليا وألمانيا، كما وسعت شراكتها الاقتصادية لتستقطب الدول الآسيوية وأمريكا اللاتينية..وغيرها.
وأضاف الأستاذ أوفة أنّ فرنسا عندما أدركت أنّها بدأت تخسر أوراقا اقتصادية، تبحث أن تتموقع من جديد باستعمال ملف الذاكرة، كما لفت إلى أنّ الهيئة الناخبة والجالية الجزائرية التي تمثل أزيد من 6 ملايين ناخب جزائري، هي بمثابة ورقة ضغط لأنّها تمثل وعاءً انتخابيا كبيرا، يصنع الفارق في الانتخابات الفرنسية، مشيرا إلى أنّه بإمكان الجزائر من خلال هذه الأوراق أن تضغط بها وبقوة على فرنسا.