في مشهد يجسّد أواصر التضامن والدعم المتبادل، حضر رؤساء تونس وموريتانيا ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الاستعراض العسكري المنظم احتفالاً بالذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة.
تزامن الحدث التاريخي مع فترة تشهد فيها المنطقة المغاربية تحديات أمنية وسياسية واقتصادية متصاعدة، وسط تمدد النفوذ الصهيوني وسعي العديد من القوى إلى بسط هيمنتها وتحقيق مصالحها على حساب استقرار المنطقة.
يعتبر هذا التجمع الرمزي، وفقاً للمحللين، تجسيداً لرغبة الجزائر ودول الجوار في بناء تكتل قادر على مواجهة التهديدات وتعزيز الاستقرار والأمن، كما يرسل رسالة واضحة بضرورة التكاتف لحماية المنطقة من مخاطر محتملة وواقعية.
التكتل الثلاثي
في نفس السياق، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور بوعامر حمزة، في تصريح لـ»الشعب»، إلى أن حضور رؤساء تونس والمجلس الرئاسي الليبي، ليس مجرد حدث عابر، بل خطوة استراتيجية نحو بناء تكتل مغاربي ثلاثي متعدد الأبعاد والذي وضع أسسه، قبل أشهر، رؤساء الدول الثلاث (ليبيا كانت ممثلة برئيس المجلس الرئاسي الليبي).
ويؤكد الدكتور بوعامر أن الجزائر، بالتعاون مع تونس وليبيا، تسعى جاهدة إلى ترسيخ أسس التعاون السياسي والأمني لمواجهة التحديات التي تفرضها قوى أجنبية تسعى للسيطرة على موارد المنطقة وتحقيق مصالحها الشخصية.
ويضيف بوعامر، أن الوضع في ليبيا، على سبيل المثال، يظل في صدارة الأولويات الأمنية للجزائر، حيث تواصل دعمها لاستقرار ليبيا وإبعادها عن الصراعات الإقليمية، مما يعزز من إمكانات تحقيق السلام الدائم فيها.
دلالة الاحتفال
علاوة على ذلك، يعكس الحضور المميز للقادة المغاربة في هذا الاستعراض العسكري، وعياً عميقاً بحجم المخاطر التي تتربص باستقرار المنطقة. ويؤكد تجمع رؤساء الدول المغاربية في الجزائر، تصميمهم على مواجهة التحديات المتصاعدة، خاصةً مع التغلغل الصهيوني المتزايد في المنطقة عبر المغرب، مما يستدعي تنسيقاً محكماً وتوحيداً للجهود لدرء تلك المخاطر بفعالية وحزم.
كما أن هذا الحدث يمثل استجابة رمزية لما يحدث على الساحة الدولية، لاسيما في فلسطين، حيث يُلاحظ انحراف الخطاب الدولي وصبغه للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وهو الأمر الذي تجلّى في خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أثار استنكاراً واسعاً ووصفه الكثيرون بأنه «عار»، حين أدلى بتصريحات معادية للمقاومة الفلسطينية تحت قبة البرلمان المغربي. وبهذا، يعد هذا الاحتفال تعبيرا عن التضامن مع الشعوب الساعية للتحرر ودعوة واضحة لليقظة والاتحاد.
تعاون اقتصادي
كما أن اللقاءات السابقة كانت قد بينت أن التعاون بين الدول الثلاث لا يقتصر على الجوانب الأمنية والسياسية، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي كذلك، حيث أسفرت اللقاءات الأخيرة عن تفاهمات بشأن استغلال الموارد الطبيعية المشتركة. ومن بين هذه الاتفاقات، اتفاق حول إدارة المياه الجوفية بين الجزائر وتونس وليبيا، والذي يهدف إلى الاستفادة العادلة من هذه الموارد، بما يتماشى مع سيادة كل دولة. كما أن هذا الاتفاق يتوافق مع المبادئ التي ترسّخها الدراسات والخبراء حول توزيع حصص المياه الجوفية، ويعد خطوة إيجابية نحو بناء شراكة اقتصادية مستدامة تدعم التنمية في الدول الثلاث.
وتسعى الجزائر المنتصرة، إلى إنشاء مناطق اقتصادية حرة مع دول الجوار، وخاصة تونس وليبيا، بهدف تعزيز التعاون والتبادل التجاري وتسهيل حرية تنقل الأفراد. ويعد الاحتفال، الذي حضره رؤساء الدول المغاربية، فرصة للتأكيد على التوجه التعاوني، كما يمثل رسالة واضحة لكل القوى التي راهنت على إثارة الخلافات والتفرقة بين الدول المغاربية في إطار سياسة «فرق تسد» لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة. وقد أشار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى هذا التوجه في العديد من المناسبات السابقة.