أبرز المؤرخ حسان مغدوري، وعضو الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، أن ثورة نوفمبر 1954 صحّحت انحرافا وقع سنة 1830، وذلك في ندوة تاريخية نظمتها المنظمة الجزائرية للحفاظ على الذاكرة والموروث الثقافي وترقية السياحة والبيئة، اليوم الثلاثاء، بقصر رياس البحر.
أكد عضو الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، أن ثورة التحرير كانت ومازالت مصدر إلهام، ومدرسة لكل الشعوب التواقة للإنعتاق من العبودية والإستعمار، ومازالت شعوب مسالمة إلى اليوم، على غرار الشعب الفلسطيني الشقيق والشعب الصحراوي، تكافح من أجل نيل إستقلالهما.
وأبرز المؤرخ أن ثورة الجزائر استطاعت ان تنسج علاقات مع الحكومات والدول والتنظيمات النقابية والعمالية والأحزاب السياسية والشخصيات الحرة، هذه التجربة كانت رائدة تعبر من جهة على قوة وعمق القيم التي حملتها الثورة الجزائرية، وتعبر كذلك عن الديناميكية والحركية للإنسان الجزائري حينما يتهلق الأمر بالدفاع عن أرضه، لأن الجزائريين كانوا متواجدين في كل أنحاء العالم.
وتطرق البروفيسور مغدوري، إلى طبيعة النظام الإستعماري الذي تعرضت له الجزائر في 1830، وهو استعمار مثل اعتداء على دولة كانت ذات سيادة في إطار علاقات متأزمة آنذاك، والتي اشتهرت بتسميتة قضية الديون.
وأشار المحاضر، إلى أن الجزائر وقفت مع فرنسا حينما تخلت عنها أوروبا كلها، الثورة الفرنسية التي قامت في 1789 وضرب عليها حصار من طرف الأنظمة الملكية في أوروبا لأنها كانت تمثل تهديدا لحكوماتهم، هذه الثورة قدمت لها الجزائر بعد ثلاث سنوات 1792، مليون فرنك بدون فوائد، هذا ما يدل على إحترام الجزائر لقيم الجوار بإعتبار أن فرنسا تعتبر دولة جارة.
وقال: “هذه الدولة التي تتحدث عن حادثة المروحة وتقول انه كان لديها قنصل لدى الجزائر، هي نفسها التي تقول إن الجزائر ليست سوى منتوج فرنسي، مازالوا عبر وسائل الاعلام وبعض السياسيين المغمورين يتحدثون عن أن الجزائر هي منتوج فرنسي مع العلم ان الجزائر هي من انقذت فرنسا ودعمتها ماليا”.
وأضاف الباحث حسان مغدوري، أن فرنسا عندما احتلت الجزائر قدمت بيانا للشعب الجزائري بإحترام مقدساته وممتلكاته، لكن الجيش الفرنسي ارتكب جرائم شنيعة استمرت من 1830 إلى 1954، منها مجزرة العوفية وأولاد رياح والظهرة، حيث استقدمت إدارة الاحتلال أوروبيين وفرنسيين للسطو على أراضي الجزائريين بعد إبادتهم وهذا بشهادة ضباط فرنسيين.
وأكد عضو في الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، أن إبادة الشعب الجزائري كانت اختيارا استيراتيجيا، إختاره جيش الاحتلال، والمقاومات الشعبية تصدت لذلك وكانت مقاومات من أجل البقاء، حيث استخدم الجيش الفرنسي كل الطرق من أجل إبادة السكان الأصليين. وأشار إلى، أن فرنسا ارتكبت جريمة نهب الذاكرة الوطنية بالإستيلاء على كل الوثائق والمخطوطات، التي كانت بحوزة الدولة الجزائرية التي كانت قوية قادت البحر المتوسط ثلاثة قرون بكل إقتدار.
وتطرق الباحث مغدوري، أيضا إلى دور الأجانب في دعم الثورة الجزائرية التي آمنوا بعدالتها.
القرار السياسي في فرنسا لم يتخلص من لوبي الأقدام السوداء
وفي رد عن سؤال حول اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخرا باغتيال عسكريين فرنسين الشهيد العربي بن مهيدي، والذي تداولته الصحف الفرنسية، قال المحاضر، إن ذكرى العربي بن مهيدي، محفورة في ذاكرة الجزائريين، بأنه استشهد بطلا شجاعا من أجل القضية الجزائرية، وهو صاحب مقولة “ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب”.
ويرى المؤرخ “أننا لسنا بحاجة إلى إعتراف الرئيس الفرنسي ماكرون، حتى نحترم ونقدس شهداءنا”، وقال: ” في اعتقادي ان القرار السياسي في فرنسا لم يستطع بعد التخلص من تأثير اللوبي الذي يمثل الأقدام السوداء في الجزائر.” وأضاف: “النزعة الكولونيالية، التي تعتبر فرنسا وصيا على الجزائر ومقاطعة فرنسية ما تزال مسيطرة للأسف الشديد على القرار السياسي في فرنسا، وحينما تدرك فرنسا هذه الحقيقة تعلم كذلك انها ضيعت مصالح الشعب الفرنسي”.
وأوضح البروفيسور مغدوري، أنه لا يمكن التعليق عن مغزى التصريح بمعزل عن السياق العام والمتمثل في ملف الذاكرة الذي يمثل موضوعا مصيريا في العلاقات الجزائرية الفرنسية. وقال: “فرنسا في كل مرة تحاول بمبادرات رمزية التعبير عن نية من أجل الدخول لمعالجة هذه الملفات، هل هذه المبادرات الرمزية ترقي فعلا إلى مستوى حاجة الجزائر المستعجلة؟، نحن نريد إعادة كتابة التاريخ من جديد واحياء أمة قضى عليها الاستعمار”. وأضاف: “في السياق الخاص مثلما تعلمون ان فرنسا تحاول ان تناور على الصعيد السياسي في مغازلة بلدان الجوار في اطار سياسة استعدائية مفضوحة، والفرنسيون لحد الآن مازالوا لم يتخلصوا من عقدة الفكر الاستعماري، الذي يعتبر دوما الجزائر شخصية قاصر، هذا المنطلق الذي يعتبر بأن فرنسا هي وصي وبأنها هي من تتكرم لتتنازل للجزائريين عن حقوقهم”.
وأبرز البروفيسور مغدوري، “أن هذه النزعة من التفكير هي من صلب الفكر الإستعماري وهذا سجل حينما انطلقت الثورة الجزائرية في 1954، وكيف ان الحكام الفرنسيون تدرجوا في كل مرة يعربون عن موقف ثم يلتفون حوله.” وقال: ” من المؤكد بالنسبة للشعب الجزائري، الذي حينما يدرك حقوقه المشروعة فإنه يركز عليها ويتجند لها ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتنازل عنها”.
المجاهد ملزي: الشهداء تركوا لنا تاريخا نفتخر به
من جهته، قدم المجاهد والفدائي بالعاصمة صالح ملزي، شهادته عن شجاعة ونضال الفدائيين في الحركة الوطنية وكل المجاهدين أثناء ثورة التحرير، وبفضلهم بلادنا اليوم تنعم بالاستقرار والأمن، حيث ترك لنا الشهداء تاريخا نفتخر به بين الأمم.
وتوجه المجاهد ملزي، برسالة إلى جيل اليوم بأن لا ينسوا أن الجزائر أرض مقدسة ويجب الحفاظ عليها، لأنه لا يوجد بديل عن أرضنا، وأشار إلى أن الثورة الجزائرية انطلقت بقدماء الكشافة الإسلامية مثل الشهيد محمد بوراس، وبسطانجي، ومجموعة من الشباب.
وتحدث المجاهد بألم شديد عن ما يعانيه الشعب الفلسطيني أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا، داعيا لأن تتوقف الحرب والمجازر الشنيعة، التي يرتكبها جيش الكيان الصهيوني في حق أشقاءنا.
وتطرقت رئيسة المنظمة الوطنية الجزائرية للجفاظ على الذاكرة والموروث الثقافي وترقية السياحة والبيئة، إلى دور هذه الأخيرة في صون الذاكرة الوطنية من خلال تنظيم ندوات تاريحية ينشطها أكاديميون ومؤرخون لتخليد المحطات التاريخية البارزة وإيصال رسالة الشهداء إلى الأجيال الحالية للحفاظ على مكتسبات ثورة نوفمبر المجيدة.
وبالمناسبة كرم البروفيسور حسان مغدوري، ومجاهدون.