“دار الواسطي 1925-1972″، للكاتبة رشيدة زيوش لزرق، تنقل فيه شهادة حية على نضال الجزائريين في المغرب، ومعاناتهم بعد حرب الرمال في 1963.
غاصت الكاتبة رشيدة زيوش، في حياة الجزائريين بديار الغربة وارتباطهم بالجزائر، ونضالاتهم من أجل دعم استقلال بلادنا، الذي كان يئن تحت وطأة استعمار وحشي، فهي شاهدة على أحداث خزنتها ذاكراتها في تلك الفترة.
هذا الكتاب الجديد، الذي يباع بالإهداء في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر في طبعته الـ27، والصادر عن دار خيال للنشر والترجمة ببرج بوعريريج، بمناسبة الذكرى الـ70 للثورة الجزائرية، يسرد بالتفصيل حياة جزائريين عاشوا في مدينة فاس بالمغرب وكانوا مناضلين من أجل القضية الجزائرية.
ينحدرون من عائلات بسيطة، لكنهم كانوا مجاهدين وقدموا ابنائهم قربانا لبلدهم، منهم والد الكاتبة رشيدة زيوش، التي عادت إلى الجزائر في 1972، للدراسة في جامعة الجزائر شعبة علم الإجتماع.
تروي الكاتبة سيرة والدها المجاهد محمد حسين زيوش، الذي عاش في فاس، لكنه كان مرتبطا بوطنه، غرس حب الجزائر في وجدان أطفاله، وبعد استرجاع السيادة الوطنية أوصى أولاده بالعودة إلى الجزائر، أرض أجدادهم للمساهمة في بناءها.
تقول رشيدة زيوش في حديث لـ”الشعب أونلاين”، إن والدها زرع فيهم الروح الوطنية وهم أطفال، وكانت وصيته دائما الإخلاص للجزائر وخدمتها.
وتضيف محدثتنا: “المجاهدون قدموا كل ما لديهم للثورة الجزائرية، مع الأسف لا يوجد مؤلفين تحدثوا عنهم، لكن هناك مؤرخين قاموا ببحوث جيدة، عن الجزائريين في القرن العاشر، والذين كانوا يسافرون الى جامع القرويين لتدريس المذهب المالكي وهذا عمل مهم”.
“جزائريون دوزيام فرنسيس”
وتشير الكاتبة، في مؤلفها إلى كيفية معاملة بعض المغاربة ودعاية المخزن ضد الجزائريين، حيث أطلق عليهم تسمية “الواسطي” وليس الجزائريين، وهذا هو سبب اختيارها عنوان الكتاب، ومن كانوا يكنون الحقد على الجزائر بعد حرب الرمال في 1963 كانوا يسمونهم “دوزيام فرنسيس”.
قدمت الأديبة، شهادة حية في روايتها عن رفقاء والدها في النضال بالمغرب أمثال الشهيد الشاعر عبد الكريم العقون، وهو ابن عمتها، كان ينشط في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والذين كانوا يلتقون عند الحلاق أو دار المجاهدين، مبرزة دور الكشافة الإسلامية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تشكيل الوعي الوطني للجزائريين بالمغرب وبالتحديد في مدينة فاس، حيث كانت الجمعية جد نشطة.
وتروي رشيدة زيوش كيف كان يتصل والدها بالمجاهدين في المغرب باستمرار، وفي سرية تامة. تقول: ” والدي كان يحدثنا دائما عن حب الجزائر ويقول نحن حررنا الوطن وهناك من استشهدوا من أعمامي ومنهم فدائيون ومجاهدون، وانتم اذهبوا لخدمة الوطن وهذه هي وصيته لنا”.
وتنقل الكاتبة شهادة حية عن معاناة الجزائريين بعد حرب الرمال في 1963، وكيف عاشوا مرارة الشتم والنظرة الدونية لجيران كانوا يقاسمونهم الخبز والملح، حيث كان الحاقدون على الجزائر من المغاربة يسمونهم “دوزيام فرنسيس”، كما تطرقت رشيدة زيوش، التي عاشت تلك الفترة وكانت فتاة صغيرة، إلى إضراب الثانويين في 23 مارس 1965 والإنتفاضة الجماهيرية الكبيرة، في الدار البيضاء بالمغرب، وكيف كان رد المخزن بالقمع والسجن.
وتروي أيضا مقتل المناضل المغربي المهدي بن مباركة، الذي أكمل دراساته العليا في الجزائر العاصمة، وكان لديه اصدقاء من المثقفين الجزائريين، ويضم الكتاب ايضا شهادة لشقيق الأديبة، الذي كان آنذاك تلميذا في التكميلية، وسجنه المخزن بعد اتهامه بأنه يناصر جبهة البوليساريو، فقط لأنه جزائري.
شغوفة بالتراث الثقافي الجزائري
الكاتبة صحفية متقاعدة، لديها شغف كبير بالتراث الثقافي الجزائري، خاصة فنون الطبخ والمائدة والأكل والمنتوجات الزراعية القديمة، اصدرت كتابا حول الطبخ الجزائري التقليدي في 2013 بالفرنسية، لاقى رواجا وشهرة داخل وخارج الجزائر وهو حاليا قيد الترجمة لإعادة اصداره باللغة العربية.
وكانت من منشطي أول حصة تلفزيونية للطبخ بعنوان”كنك شاف”، وعضو أساسي في لجنة التحكيم، لديها كتب أخرى ستصدر قريبا، منها كتاب يتحدث عن نضال الجزائريين في المغرب وكيف ساهموا في بناء الجزائر بعد الإستقلال، وتكشف زيوش، عن أن الكتاب الجديد الذي عرض بالصالون الدولي للكتاب “سيلا 2024” ستصدره في ثلاثية.
ومن مشاريعها المستقبلية أيضا كتاب حول الجزائريين، الذين اضطروا لمغادرة الجزائر في العشرية السوداء وهي منهم، لأنها كنت صحافية ومستهدفة من طرف الإرهاب، تقول: “نحن لا نبيع ضمائرنا. والدتي من فاس، لكنها عشقت الجزائر، عاشت في سطيف وبلكور ولقد ذكرتها في الكتاب، كانت تتمنى الموت على أرض الجزائر.”
توثيق الشهادات مهم
وتلح الكاتبة على ضرورة توثيق الشهادات لنضال الجزائريين ولأحداث سياسية وإجتماعية حدثت داخل الجزائر أو خارجها لتترك للأجيال، كصون للذاكرة وأرشيف. وتشدد الصحفية المتقاعدة، على الكتابة والإهتمام بمجال السينما بإنتاج أفلام وثائقية وتاريخية عن تاريخ بلادنا، وعظماءها.
وتجدر الإشارة، الى الكاتبة والصحفية المتقاعدة رشيدة زيوش لزرق، من مؤسسي الإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية في السبعينيات، كات عضوا في المجلس الوطني، مع خمس فتيات فقط، ثم انخرطت في العمل النقابي، بعدها تفرغت للصحافة، وتقاعدت. شاركت في حملات التطوع لفائدة الثورة الزراعية، ومن الرئيس الراحل هواري بومدين.