تؤكد تشكيلة الحكومة الجديدة، برأي مراقبين، توجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نحو “النجاعة الحكومية”، لتنفيذ الشطر الثاني من الإصلاحات التي باشرها قبل 5 سنوات، مانحا الأولوية للقطاعات الاستراتيجية التي يراهن عليها لتعزيز مكانة البلاد في الخارج ورفع مؤشرات النمو الاقتصادي.
جدد الرئيس تبون، ثقته في محمد النذير العرباوي، وأمره بمواصلة مهامه على رأس الوزارة الأولى، بينما أجرى تغييرات شملت 17 قطاعا وزاريا، واستحدث مناصب وزارية جديدة برتبة “الوزير المنتدب” و«كاتب الدولة”، وأدمج بعض القطاعات.
رئيس الجمهورية، الذي فضل التأني في قبول استقالة الحكومة، عقب تأديته لمراسم اليمين الدستورية، في سبتمبر الماضي، لأسباب تتعلق بالصالح العام، اختار أيضا الاستقرار على رأس الجهاز، بتجديد الثقة في العرباوي، لكنه في المقابل، أكد التوجه القوي نحو ضمان النجاعة الحكومية، بردم كل فجوة ممكنة بين القرارات وبين تجسيدها الميداني.
ومن خلال التشكيلة المعلنة، مساء الاثنين، يتجلى بوضوح اهتمام الرئيس تبون، بأولويات برنامجه الخماسي الذي سينطلق فعليا، وعلى رأسها القطاعات الاستراتيجية، حيث منح لقطاعي الخارجية والمناجم صفة “الوزارة الكبرى”.
وفي السياق، عين أحمد عطاف وزيرا للدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية. وعين، لأول مرة، كاتبين للدولة في القطاع وهما سفيان شايب “كاتب دولة لدى وزارة الشؤون الخارجية مكلف بالجالية الوطنية بالخارج”. وسلمة بختة منصوري “كاتبة دولة وزيرة الشؤون الخارجية مكلفة بالشؤون الإفريقية”.
وإلى جانب كونها سيادية، حظيت وزارة الخارجية بثقل أكبر، يعكس اهتمام الجزائر بمصالحها في الخارج، وبعمقها الإفريقي من خليل تضمين الشؤون الإفريقية ضمن التسمية الجديدة لها، ومنحت وسائل الجاهزية للتعامل مع الملفات الشائكة المطروحة على الساحة الدولية، في ظل تزايد أخطار انهيار السلم والأمن الدوليين.
ويكون رئيس الجمهورية، قد تبنى “التجزئة التكاملية” للملفات، من أجل ضمان نجاعة أكبر، مع وزارة الطاقة والمناجم، حيث عين محمد عرقاب وزيرا للدولة وزيرا للقطاع، ولديه كاتبان للدولة، هما كريمة طافر مكلفة بالمناجم، ونورالدين يسع مكلفا بالطاقات المتجددة.
وأعاد بذلك تجميع المزيج الطاقوي، ضمن دائرة وزارية كبيرة، بدمج الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي ضمن مهامها، ومنح أهمية خاصة لقطاع المناجم، بما يعكس تصميمه على استكمال مشاريع استغلال المناجم الكبرى، كغار جبيلات للحديد، وبلاد الحدبة للفوسفات ووادي أميزور للزنك والرصاص.
تنظيم إدارة هذه الملفات الحيوية بالنسبة للبلاد، داخل قطاع وزاري واحد، يتوخى منه النجاعة وسرعة الإنجاز، لأن رئيس الجمهورية، كان واضحا في تحديد أهداف النهوض بالاقتصاد الوطني عبر استغلال القدرات الوطنية من الموارد، بما يسمح بتحقيق التنمية الشاملة وتنويع الاقتصاد وبلوغ 400 مليار دولار كقيمة للناتج الداخلي الخام سنة 2027.
ولأن تحقيق الأمن الغذائي من الأهداف الاستراتيجية في برنامجه، خاصة في ظل التحولات الدولية، فضل رئيس الجمهورية، الاستقرار في القطاعات المعنية مباشرة بهذا الرهان، لكنه عزز أدواتها، حيث دمج مجددا قطاع الصيد البحري مع الفلاحة، وكلما تم الإسراع في استغلال الفوسفات، كلما تمكنت البلاد من ضمان تكثيف الإنتاج بفضل الأسمدة الوطنية، في ظل صعوبة الحصول عليها من الخارج.
وآثر رئيس الجمهورية، فصل التجارة الداخلية عن التجارة الخارجية، وجعل من الأخيرة وزارة بكامل الصلاحيات، عين على رأسها محمد بخاري، وأبقى على الطيب زيتوني وزيرا للتجارة الداخلية وضبط السوق.
هذا القطاع الذي ظل ساحة للتلاعب بأعصاب المستهلك، من خلال فوضى الأسعار واختلاق المضاربة غير المشروعة في بعض المواد، بحاجة ماسة إلى الضبط والمراقبة، تنفيذا لمسعى حماية القدرة الشرائية للمواطن ومكافحة التضخم غير المبرر.
ولابد أن تضطلع وزارة التجارة الخارجية بمهمة ضبط الواردات، وفق حاجيات السوق الوطنية، بما يمنع حصول الندرة ويحفظ موارد البلاد من العملة الصعبة، وأيضا تنفيذ خارطة الطريق المرتبطة برفع قيمة الصادرات خارج المحروقات.
الرئيس تبون، أكد، مرة أخرى، ومنذ 2020، اهتمامه البالغ بقطاع الصناعة الصيدلانية، حيث يؤكد دائما على قدرة البلاد على تحقيق طفرة في هذا المجال وتغطية نسبة معتبرة من الأدوية المصنعة محليا. وتفاديا لأي ارتباك في سوق الأدوية أو دعم العمل الجاري على مستوى المصانع، عين فؤاد حاجي وزيرا منتدبا لدى وزير الصناعة مكلفا بالإنتاج الصيدلاني.
في المقابل، وباستثناء قطاع العدالة، الذي عين على رأسه لطفي بوجمعة، خلفا لعبد الرشيد طبي، الذي استدعي لمهام أخرى، أبقى على أغلب وزراء القطاعات السيادية، بينما أنهى مهام 8 وزراء، وعين آخرين بدلهم لتحفيز النفس الجديد، في بعض القطاعات.