بعد ترقّب لم يدم طويلا، تم الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة لاستكمال مسار الإنجازات في خضم التحوّل الجاري في الجزائر المنتصرة، قدّمت الخطوط العريضة لبرنامج رئيس الجمهورية لعهدته الثانية، ورقة طريق دقيقة، تجعل من الطاقة والصناعة والتجارة والفلاحة عصب الاقتصاد الوطني، أولوية مطلقة، تحمل الكثير من المكاسب على الأمدين المتوسط والطويل.
وكان من بين الجديد الذي جاء به التعديل الحكومي الجديد، استحداث مناصب كتابة الدولة بعدة وزارات إلى جانب الفصل بين الاختصاصات على غرار وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني ووزارة التجارة وترقية الصادرات التي تم تفكيكها إلى وزارتي التجارة الخارجية وترقية الصادرات ووزارة التجارة الداخلية وتنظيم الأسواق.
ملف: الشعب وهيام لعيون وفايزة بلعريبي وفضيلة بودريش
ملفات للإقلاع الاقتصادي.. والمواطن في صلب اهتمامات الرئيس
يراهن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على تطوير الصناعة والصناعة الدوائية، خلال عهدته الرئاسية الثانية، جاعلا المواطن نصب عينيه ومن بين أولى أولوياته، من خلال اعتماد استراتيجية واضحة المعالم، وذلك بإعطاء نفس جديد للقطاع الصناعي بعد ضخّه لدماء جديدة في حكومة الوزير الأول نذير العرباوي التي عيّنها قبل أيام قليلة، حيث تبرز وجود حقيبتين وزاريتين في قطاع الصناعة والإنتاج الصيدلاني بشكل واضح، أهمية القطاع الصناعي في النسيج الاقتصادي الجزائري وتحقيق النهضة المنشودة في البلاد.
تنتظر سيفي غريب، وزير الصناعة المعيّن حديثا ملفات ثقيلة في إطار تعهدات الرئيس تبون بالعمل على بلوغ 15 مليار دولار كصادرات خارج المحروقات، وبـ 30 مليار دولار كصادرات خارج المحروقات خلال العهدة الثانية له، والحفاظ على احتياطي الصرف وتعزيزه.
وعلى طاولة الوافد الجديد إلى قصر المرادية الدكتور سعدان وهو ابن القطاع ملفات ثقيلة ومهام كبرى، ضمن المعركة الاقتصادية المستمرة التي تخوضها الجزائر منذ سنة 2020، في ظل وجود تحدّيات كبيرة، من أجل بلوغ الأهداف المنشودة في البرنامج الانتخابي للرئيس، خاصة ما تعلق بالوصول بالناتج الداخلي الخام الى 400 مليار دولار، وبلوغ معدلات نمو مرتفعة، كما يصبو الرئيس بأن تحقّق الجزائر المراتب الأولى إفريقيا وعربيا ضمن أقوى الاقتصاديات.
تحدّيات كبرى
هذه المهام الملقاة على القطاع، قابلها الوزير سيفي غريب خلال تسلم مهامه، بالقول أنه سيعمل على “على دفع صناعة تطويرية حديثة بحسب المستلزمات التي نعيشها حاليا، تحت شعار صناعة تطويرية، تعتمد على أساليب علمية وحديثة من خلال انتهاج إستراتيجية جديدة، تعتمد على تثمين الإطارات الجزائرية لرفع التحدي داخل وخارج الوطن، والعمل على مشاريع إستراتيجية لتثمين المنتوج الوطني وبعث الصناعة الجزائرية بالعمل سويا”.
ويقينا منه بأن الجزائر تعيش معركة اقتصادية، مستمرة ومقبلة على تحديات عديدة، فقد تعهد الرئيس ضمن برنامجه الانتخابي على رفع سقف الطموح الاقتصادي، وأشار إلى أنه لابد أن يساهم قطاع الصناعة بـ 12 بالمائة في الناتج الداخلي الخام، خاصة وأن القطاع يعد من بين أكبر القطاعات استقطابا للاستثمارات عموما، حيث يمثل 47 بالمائة من إجمالي المشاريع المسجلة بالوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بعد سنتين من بدء نشاطها. حيث تسعى الوصاية من الرفع من المشاريع ذات الصلة للجزائريين أو الأجانب.
ومن بين أهم التحديات المرتبطة بقطاع الصناعة ضرورة وضع سياسة تصنيع جديدة موجهة نحو الصناعات المصغرة والصغيرة ومتوسطة الحجم بهدف، تلبية الطلب الوطني، والعمل المستمر على دعم الشباب عبر المؤسسات الناشئة لتقوية نشاطها في استقطاب المزيد من المشاريع الاستثمارية في قطاع الصناعة واستبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية لتخفيض الواردات والحفاظ على احتياطي الصرف مع استحداث وإعادة تنظيم خارطة المناطق الصناعية برؤية جديدة تساهم في خلق التوازن الصناعي ما بين الولايات، وتهيئة المناطق الصناعية بكل الوسائل العصرية.
وتبرز هنا أيضا شعبة الصناعات التحويلية، حيث أنها تشهد حاليا تراجعا شبه كليا للمنتوجات الغذائية المستوردة وتطور كبير للمنتوج الوطني، خاصة وأن منحى ارتفاع الصادرات خارج المحروقات، يتوقف على القدرة على الاستمرار في تطبيق الإجراءات والتدابير المتخذة لحد الٱن والاستمرار في معالجة كل المشاكل المرتبطة بالتصدير، تمكنها من الإسهام في إخراج الاقتصاد الجزائري من التبعية التاريخية للمحروقات، من خلال تبسيط وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين بشكل كبير.
ملف السيارات .. المواطن في صلب الاهتمام
ولا يمكن فتح موضوع آفاق الصناعة خلال السنوات الخمس المقبلة، دون التطرق لملف السيارات الذي يعني المواطن بالدرجة الأولى، حيث من المنتظر وبعد التأخر المسجل، يتجه القطاع لاعتماد استراتيجية التصنيع الحقيقية وفق تعهدات الرئيس، وهذا لتحقيق صناعة سيارات من المنتوج المحلي والذهاب بعيدا، لم لا الى التصدير، وهو ما سيسمح بخلق فرص عمل للشباب وبخلق الثروة، خاصة وأن الجزائر تسجل حاليا حوالي 200 مؤسسة في مجال المناولة مستعدة للعمل وإنتاج قطع غيار السيارات مصنعة محليا.
كما تعمل الوصاية حاليا على إنشاء مصانع السيارات، التي يفترض أن تخصّص لها عقارات خاصة، تتضمّن مساحات كبرى ومناسبة وقد فتح مفاوضات أخرى مع شركات ناشطة في هذا المجال، بعدما دخلت العديد من العلامات على الخطّ، ودخول أخرى الى الجزائر، مما سيوفر نوعا من المنافسة، والهدف هو إيصال السيارة إلى المواطن الجزائري بسعر مناسب، الى جانب إيجاد الحلول المناسبة لقطع غيار السيارات الذي يجب أن يفتح الباب فيه واسعا للاستثمارات بالجزائر.
رهانات كبيرة
ولثقلها، ووعيا منه وحرصه على ضرورة التأمين الصحي للجزائريين، عيّن الرئيس تبون فؤاد حاجي كوزير منتدب لدى وزير الصناعة، مكلّف بالإنتاج الصيدلاني، حيث يولي رئيس الجمهورية هذا الملف أهمية كبيرة، إذ يسعى لتطوير المجال وجعل من الجزائر قطبا صناعيا صيدلانيا بين الدول، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد.
كما يسعى الرئيس إلى تعزيز الإنتاج المحلي وضبط الواردات الصيدلانية الوطنية، من أجل تقليص فاتورة الاستيراد، للحفاظ على احتياطي الصرف، والسعي لتصدير المنتوج الجزائري الذي بات مطلوبا لدى الكثير من دول الإفريقية، خصوصا أن الجزائر أصبحت من أهم منتجي الأدوية في إفريقيا بـ 203 شركة، في حين بلغت الصادرات الصيدلانية 12.6 مليون دولار سنة 2023، مع تسجيل تطور الصناعة الصيدلانية وتجاوزها نسبة 70 بالمائة من تغطية السوق الوطنية، وفق أرقام رسمية.
ويبقى الهدف المنتظر من الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة المكلف بالإنتاج الصيدلاني، هو تعزيز الإنتاج وتطوير النّسيج في هذه الشعبة الصناعية، وفتح باب الاستثمار واسعا أمام المتعاملين الاقتصاديين بعد رفع العراقيل، بغية الوصول الى تحقيق الأمن الصّحي في الجزائر عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية.
وزارتا التجارة الداخلية والخارجية.. مفاتيح متعدّدة لهدف واحد
قرّر رئيس الجمهورية فصل اختصاص التجارة الداخلية عن التجارة الخارجية، لتوسيع صلاحيات ومهام الوزيرين القائمين على مستوى كل من وزارة التجارة الداخلية وضبط الأسواق.
من المهام المنتظرة من الطيب زيتوني بعد تجديد الثقة فيه وإسدائه حقيبة التجارة الداخلية وضبط الأسواق، تجسيد تعهدات رئيس الجمهورية بخصوص ضبط السوق الوطنية وحماية القدرة الشرائية للمواطن ومحاربة التضخم ومحاربة المضاربة وكل ما من شأنه الإساءة الى الفعل التجاري، بما فيها مهمة القضاء على الوسطاء على مستوى الأسواق وتكريس فكرة البيع من المنتج الى المستهلك واختصار الحلقة الإنتاجية في طرفين اثنين فقط، المنتج والمستهلك من خلال استحداث أسواق جوارية ومساحات تجارية تمنح للفلاح فضاء تجاريا لبيع منتوجه مباشرة للمستهلك. مهمة تزداد أهمية وتعقيدا في نفس الوقت مع اقتراب الشهر الفضيل أين تتكالب ممارسات الانتهازيين وتنهك الميزانية العائلية.
منظومة تجارية
بالمقابل تم إسداء الحقيبة الوزارية المتعلقة بوزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات الى محمد بوخاري، الذي شغل سابقا منصب مستشار رئيس الجمهورية مكلف بالمالية والنظام النقدي والمصرفي، حيث ينتظر منه تجسيد التزام رئيس الجمهورية المتعلق بتنفيـذ سياسـة تجارية منسـجمة مع تطلعات الدولة الجزائرية في الانفتاح علـى الاقتصاد العالمي، بدءا بمحيطها القاري والإقليمي العربي مــن خــلال منطقــة التبــادل الحر العربيــة ومنطقـة التبـادل الحر القاريـة الإفريقي، ويعول على محمد بوخاري كثيرا في تقديم أداء اقتصـادي وتجاري يليق، ويعزز ما وصلت إليه الجزائر من مراتب عالمية ضمن الاقتصاديات الدولـية من حيث قوة النمو وتجاوز التهديدات المحيطة بها من توترات وهزات اقتصادية عالمية في ظل سياسة الجزائر التنموية خارج عائـدات المحروقات، التـي أرادها رئيس الجمهورية أن تكون وسـيلة فعالـة للنمـو الاقتصادي.
فتوجه الجزائر التجاري اليوم نحو العمق الأفريقي في إطار التعاون جنوب-جنوب، كمشروع سياسي اقتصادي، تبنته الجزائر الجديدة وتعمل على تعزيزه الجزائر المنتصرة، ضمن عقيدتها الدبلوماسية القائمة على احترام انتمائها القاري، من جهة أخرى توفر فرص كبيرة للانتعاش التجارة الخارجية الجزائرية على المستوى الإفريقي باعتبار إفريقيا سوق نهمة ومتعطشة لجميع أنواع المنتجات بتعداد سكاني يزيد عن مليار نسمة.
وتعتبر مهمة وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات بالجوهرية بحسب ما أدلى به وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات محمد بوخاري على هامش استلام مهامه على رأس هذه الأخيرة، نظرا لأهمية التجارة الخارجية في معادلة الاقتصاد الوطني، ينتظر منها أن تشكل قوة هجومية لحمايته من التبعية وتحويل ترتيبه من مصاف الاقتصاديات المستهلكة إلى مصاف الاقتصاديات المنتجة والمصدرة، وتحقيق القيمة المضافة من حيث الحفاظ على الموارد المالية للبلاد في إطار تلبية الحاجيات المحلية.
ومن أجل تأطير أفضل للتجارة الخارجية، من المتوقع أن يتم تحيين ملف انضمــام الجزائر إلــى منظمــة التجــارة العالمية، في ظل الأزمات متعــددة الأبعاد التــي يعرفها العالم، مما يتطلب حوكمة استشرافية تقوم على رصد الكفاءات وتجنيدها ومحاربة الفساد والإهمال ومحاولات التربص بالمال العام من طرف لوبيات الاستيراد.
الطلب المحلي
من جهتها، ستكون الدولة الجزائرية، من خلال ما تعهد به دائما رئيس الجمهورية، سندا لجميع القطاعات الوزارية المطالبة اليوم، بمزيد من التنسيق فيما بينها من أجل تثميـن الإنتاج الوطنـي للصناعـات الزراعيـة والصناعيـة والخدماتية مـن خـلال حوافـز ضريبيـة ووضـع سياســة تصنيــع جديــدة موجهــة نحــو الصناعــات المصغرة والصغيــرة ومتوســطة الحجم بهــدف تلبية الطلب الوطني واسـتبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية لتخفيـض الـواردات بشـكل كبيـر وتوفيـر احتياطـي الصـرف.
دون التغاضي عن دور الشركات الناشئة في خلق ومضاعفة وتوجيـه الاستهلاك الوطنــي والطلــب العمومــي نحــو إنتاجهــا والعمــل علــى ظهــور جيـل جديـد مـن رجـال الأعمال، وتفضيــل وتشــجيع أي اســتثمار صناعــي يســتخدم “المدخلات” والمواد الأولية المحلية ويخلـق فـرص العمـل ويدعـم النمــو الاقتصادي.
وبالتالي يتعين على كل من وزارة التجارة الداخلية ووزارة التجارة الخارجية تعزيــز وتثمين الإنتاج الوطني باعتبــاره العامــل الأول في خلـق فـرص العمـل والثـروة والدخـل في ميزانيـة الدولـة والتصديــر، من خلال فتح الأسواق المحلية والخارجية أمامه.
مع التركيز على تطهيـر المجال الاقتصادي والتجـاري، عن طريق إدراج أنشــطة التجــارة الموازية ضمن المجال الرســمي مــن خـلال مراجعـة النظـام القانونـي وتطويـر شـبكات التوزيـع الكبـرى وإنجاز أسـواق البيـع بالجملة.
أوراق رابحة لنجاعة طاقوية مُستدامة
حسمت الجزائر في خياراتها الطاقوية، بعد أن جعلت الاستثمار مفتاحا لتطوير البنى واستغلال أكبر لمختلف مواردها الباطنية والطبيعية، وفي هذا الإطار تعكف على استغلال مواردها البشرية والباطنية لتحويل الثروات إلى قيمة مضافة، وتراهن على استغلال مداخيل الطاقة، لتنمية اقتصادها وتنويع قاعدتها الإنتاجية، وأدركت جيدا أن التحوّل الطاقوي السلس والحتمي، ينبغي أن يكون متنوّعا يجمع بين إنتاجها للمحروقات الأحفورية والغاز الطبيعي وكذا الطاقة النظيفة، كما أنها تنوي الشروع في إطلاق أولى مناقصاتها للتنقيب عن النفط في عرض البحر كأقصى تقدير في آفاق عام 2026.
ركز برنامج السيد الرئيس على التعجيل في تجسيد الانتقال الطاقوي الذي انطلق بنجاح وثقة كبيرة، مرتكزا على النجاعة الطاقوية ومعمقا الاستثمارات في مجال الطاقات المتجدّدة، بشكل يستجيب لاحتياجات الاستهلاك المحلي والرفع من مستويات التصدير نحو أسواق خارجية، لأن الزبائن خاصة في القارة الأوروبية، ينظرون إلى الجزائر كشريك مفضل وموثوق وآمن، وتسعى الجزائر من خلال هذا البرنامج الكبير، للوصول بحلول آفاق عام 2030 إلى 30 بالمائة من الطاقات المتجدّدة في المزيج الطاقوي الوطني.
ومنذ السنوات القليلة الماضية، بدأت خطوات الجزائر تتمدّد للمحافظة على موقع مهم في أسواق الطاقة العالمية والتي لا تهدأ من حيث المنافسة وتذبذب الأسعار واختلال العرض والطلب، وسط تنامي الطلب المتزايد على مورد الطاقة، وحملت الإستراتيجية الوطنية للطاقة التي شدّد فيها رئيس الجمهورية على ضرورة رفع الإنتاج خاصة في الغاز الطبيعي والمسال، والذي يعدّ طاقة نظيفة على العديد من التعليمات الصارمة والذكية، وشكّلت ورقة الطريق، تسعى الجزائر من خلالها لرفع قدرات إنتاجها من الغاز الطبيعي بنسبة لا تقل عن حدود 30 بالمئة خلال الخمس سنوات المقبلة.
ونجحت بالفعل في الرفع من قدراتها الإنتاجية، بل وتمكنت من تحقيق العديد من الاستكشافات المهمة في مجال الغاز والمحروقات، وفوق ذلك تسير بثقة من أجل مواصلة الاستثمار في مجال الطاقات المتجدّدة لاسيما الشمسية، لأنها تعد البلد الرائد من حيث الإمكانيات، ولعلّ من الأهداف الجوهرية المرجوة من خلال الرهانات المرفوعة بناء مستقبل طاقوي مستدام.
إن مكانة الجزائر كأحد أكبر عشرة بلدان منتجة للغاز الطبيعي في العالم، عزّز ثقتها أكبر في شق الطريق لاستغلال هذه الإمكانيات في الانتقال الطاقوي المنشود، وفي كل مرّة تحقق وثبة محسوسة، وخبرتها الطويلة في مجال صناعة الغاز والطاقة بعمر ستة عقود، أهلتها بتفوق لتصبح قبلة للمستثمرين والزبائن بهدف تحقيق المزيد من الاستكشافات الكبرى والرفع من القدرات الإنتاجية، ولتتقاسم معهم التكنولوجيا والخبرة وكذلك الأرباح.
عملاق رائد
في كل مرّة، يؤكد مجمع سوناطراك أنه أحد الشركات العملاقة في قطاع الطاقة، وعلى مدار عقود من الزمن، أثبت ريادته وخبرته المهمة ونجاعة أدائه، ومازال يلعب دورا محوريا كمحرك للتنمية الاقتصادية، على اعتبار أنه رصد ما لا يقل عن 50 مليار دولار كاستثمارات مهمة للفترة الممتدة من 2024 إلى غاية 2028، ومن المقرر أن توجه هذه الموارد المالية لفائدة الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز، وإلى جانب تطوير صناعة البتروكيماويات التي بدأت ترتسم أفق تطويرها وضخّها للثروة في ظل إمكانيات الجزائر المعتبرة.وتعوّل سوناطراك على تطوير البحث وتعميق الاستكشاف، من أجل رفع قدراتها الإنتاجية وهل هذا الهدف القائم متاح. ومن الطبيعي أن يتم تسخير نحو 36 مليار دولار للاستكشاف والإنتاج في الصحراء الجزائرية الغنية بالنفط والغاز والعديد من المناجم النفيسة، أما الغلاف المالي المقدر بحوالي 14 مليار دولار موجه لفائدة عدة أنشطة، على غرار تحديث المنشآت وتجهيزها بأحدث التقنيات، وتأهيل المصافي، وتقوية الاستثمارات في مجالات عديدة، من بينها نذكر كل من البحث والتطوير والابتكار. ومعتمدة على إطاراتها في مجمعي سوناطراك وسونلغاز تطمح الجزائر لأن تكون منتجا وممونا عالميا محوريا في العالم، لأنها انطلقت في تجسيد مشاريع ضخمة وعملاقة، يتصدره مشروع ضخم لربط شبكة كهرباء الجنوب الكبير بالشبكة الشمالية، وضخت استثمار لا يقل عن سقف 3 ملايير دولار، بهدف تعزيز إمدادات الكهرباء المحلية وفتح آفاق التصدير إلى القارة أوروبا عبر فتح قنوات جديدة لتموين العديد من البلدان المجاورة، بما فيها الإفريقية، ويرمي المشروع المدمج “ميدلينك” إلى إنتاج 5000 ميغاوات من الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى إنجاز شبكة نقل عبر خط بحري بقدرة 2000 ميغاوات توتر عالي مستمر، يربط الجزائر بإيطاليا، ينتظر منه الكثير على صعيد التحول في مجال الطاقة المتجددة وتغيير الوجه التنموي للمنطقة.وكانت شركتي “سوناطراك” و«سونلغاز”، خلال الأسابيع القليلة الماضية، قد وقعت على مذكرة تفاهم مع عدة شركات أوروبية بقيادة الشركة الألمانية VNG، من أجل القيام بدراسات للشروع في إنتاج الهدروجين الأخضر. كما أبرمت سوناطراك مذكرة تفاهم مع شركة “سيبسا” الإسبانية للتعاون في إنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة 200 ميغاواط، ودراسة إمكانيات تصديره إلى إسبانيا، وجذبت الجزائر بقدراتها اهتماما أوروبيا لأن تكلفة إنتاج الهدروجين الأخضر في الجزائر منخفضة، من خلال استعمال الطاقة المتجددة على غرار الرياح والطاقة الشمسية، وترشح الجزائر في السنوات المقبلة أن تصبح محورا هاما في إنتاج الطاقة الخضراء وتموين جيرانها في القارة الأوروبية على وجه الخصوص.