تطمح الجزائر إلى تحقيق 13 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، آفاق 2025، و30 مليار دولار نهاية العهدة الثانية، وما استحداث وزارة للتجارة الخارجية وترقية الصادرات وانعقاد اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الخميس الماضي، خصّص حصريا للتصدير، إلا دليل على الأهمية القصوى التي يوليها الرئيس للتصدير كتوجّه لا بديل عنه من أجل تنويع وتحرير الاقتصاد الوطني، وتأمين مصادر جديدة للعملة الصعبة. توجّه تدعمه وتؤكّد إمكانية بلوغه جودة المنتجات المحلية وقدرتها التنافسية العالمية، على غرار التمور، زيت الزيتون، الحمضيات، النسيج والجلود وغيرها من المنتجات الجزائرية التي أصبحت ماركات عالمية مسجلة.
أكّد الخبير في الاعتماد والمطابقة نور الدين بوديسة، أنّ تركيز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال عهدته الثانية على التصدير، كمرحلة ثانية بعد تلبية حاجيات السوق المحلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، حيث تعتزم الجزائر تحقيق اكتفائها الذاتي من القمح الصلب، الشعير والذرة، نهاية 2025، في حين تمّ الاستغناء عن العديد من المنتجات من الصناعات الغذائية والتحويلية، كانت تستنزف ملايير الدولارات من الخزينة العمومية.
كما أحرزت الجزائر فائضا في الإنتاج في العديد من القطاعات، سيتم توجيهها إلى التصدير، خاصة في ظل الاهتمام الأجنبي بالمنتج الجزائري، ما يتطلّب تنظيما أكثر للسوق الخارجية وتأطيرا محكما للعلاقة التعاقدية التي تجمع المتعامل الاقتصادي المحلي بمحيطه التسويقي الخارجي، من خلال إعادة النظر في الاتفاقيات التي تربطه به، على غرار اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي.
بالمقابل، أضاف بوديسة، أنّه تجب إعادة النظر في معايير الجودة التي يجب أن تتوفر بالمنتوج المحلي من خلال استحداث خط رقابة، وإدراج قائمة جديدة للمنتجات الجزائرية القابلة للتصدير نحو السوق الأوربية، ومدى مطابقتها للمعايير التقنية المحددة من طرف هذه الأخيرة، خاصة وأنّ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي الممضاة سنة 2005، بين الجزائر و21 دولة أوربية منضوية تحت لواء الإتحاد الأوربي، قد تضمّنت ضمن بنودها قائمة المنتجات القابلة للتصدير نحو أوروبا.كما تضمّنت قائمة المنتجات المستوردة من دول الاتحاد الأوربي، إذ التزمت الجزائر، منذ تاريخ إمضاء ذات الاتفاقية، بجميع بنود الشراكة التي تضمّنتها، والاستجابة للوائح التقنية والمعايير التي تفرضها السوق الأوربية.
تحديد المعايير
اليوم، وقد مرّ على هذا التاريخ ما يقارب العقدين من الزمن، يقول نور الدين بوديسة، عرفت الجزائر خلالها قفزة تاريخية، من حيث تطوير اقتصادها الوطني سواء من حيث الجودة والنوعية أو من حيث الكمية، جعل منتجاتها الأكثر تنافسية عالميا، ممّا مكّنها من الظفر بعدة اتفاقيات تجارية لتسويق المنتوج الجزائري بالاتجاهات الخمس من العالم، بداية من العمق الإفريقي إلى أوروبا، إلى الشرق الأوسط. وفي ظل هذا التطور الذي عرفه المنتوج الوطني، بات من الضروري إعادة النظر في الاتفاقيات والمواثيق التي تحدّد تسويقه نحو الخارج والآليات التنظيمية والهيكلية التي تؤطر المعايير الواجب توفرها عليها.
في هذا الصدد، يقترح نور الدين بوديسة استحداث هيكل تنظيمي سيادي يسهر على مراقبة مدى مطابقة منتجات المؤسسات الصناعية والفلاحية والخدماتية لمعايير المطابقة، ومدى تكيف المنتوج الوطني مع المعايير التي تفرضها اللجنة التجارية للاتحاد الأوربي الكائن مقرها ببروكسل البلجيكية، خاصة ونحن على مشارف إعادة النظر في بنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوربية، باعتبار أنّ هذه الأخير يفرض معايير صارمة متعلقة بالبطاقة التقنية للمنتوج فيما يخص المواد المكونة له وشروط التغليف والحفظ، ومدة الصلاحية وغيرها.
وشدّد الخبير في الاعتماد والمطابقة على ضرورة بذل المزيد من الجهود والعمليات الرقابية على المنتجات الوطني لفرض شروط الجودة والنوعية من أجل القدرة على خوض غمار المنافسة العالمية، والوصول إلى تسجيل 13 مليار دولار سنة 2025، وهو الطموح الذي التزم به رئيس الجمهورية خلال عهدته الثانية. طموح يستوجب تضافر الجهود عبر جميع سلاسل الإنتاج والتخزين والتوزيع والتسويق، خاصة وأن المقدرات الطبيعية والبشرية للبلاد تسمح بتحقيقه.
بالإضافة إلى فرض التنسيق بين مختلف القطاعات المنتجة، بدءا بوزارة الفلاحة المطالبة بتموين منتجات تتوافق ودفتر الشروط الذي يمليه الطرف الأجنبي، إلى جانب حتمية إنتاج منتجات تخضع للمواصفات المطلوبة ومراقبتها وتنظيمها من طرف وزارة التجارة وترقية الصادرات، كهيئة سيادية تقع على عاتقها مسؤولية تنظيم السوق الخارجية، ومراقبة المنتوج المحلي من حيث مطابقته لمعايير الجودة النوعية، واستجابته لمتطلّبات الأسواق الخارجية على المستوى الإفريقي والأوروبي والخليج يوما تمليه دفاتر شروطها.
الاستثمار في العلاقات الدّبلوماسية
وأكّد بوديسة مرة أخرى على ضرورة إعادة النظر في بنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي، من خلال إعادة النظر في قائمة المواد والمنتجات المتبادلة بين الطرفين وضبط معايير المنتجات. كما شدّد على ضرورة إعادة النظر في آليات جمركة المواد المصدرة، وإخضاعها للإعفاء الجمركي وتطبيق ضرائب تفضيلية – لم يغفل قانون المالية لسنة 2025 عن إدراجها ضمن بنوده – إضافة إلى ضرورة التعاون التقني مع الشريك الأجنبي لتسهيل حركية المنتوج الوطني.
في هذا السياق، أشار بوديسة إلى ضرورة الاستجابة إلى متطلبات السوق المحلية، والتنسيق على الجبهتين المحلية والدولية بمعايير تنافسية، ولأجل تحقيق هذه الأخيرة، يقول بوديسة، لابد من توعية المتعاملين الاقتصاديين، وإرشادهم إلى ضرورة احترام دفاتر الشروط والمواصفات التي تمليها الأسواق الخارجية، وبالتالي احترام العلاقة التعاقدية التي تربط المنتج أو المصدر بالمستورد – حسب ذات المتحدث – الذي شدّد بالمقابل على ضرورة استحداث شروط تنظيمية صارمة تفرض على المتعامل الاقتصادي من القطاع الصناعي أو الفلاحي أو الخدماتي، إجبارية إخضاع منتوجه لعملية التقييم والفحوصات على مستوى مخابر معتمدة ومحايدة، وذات خبرة واسعة بالمعايير العالمية الحصول على شهادة المطابقة لمرافقة المنتوج سواء ذلك الموجه للاستهلاك المحلي أو الموجه للتصدير.
ومن جهة أخرى، دعا بوديسة إلى التعامل مع عملية التصدير على أنها عملية مستدامة ودائمة، وليست ظرفية متعلقة بتسجيل الفائض من الإنتاج من عدمه، مؤكّدا على ضرورة إشراك الجالية الجزائرية في توطيد العلاقات التجارية مع البلدان المتواجدة بها ـ إلى جانب الاستثمار في العلاقات الدبلوماسية التي تجمع الجزائر بدول صديقة وشقيقة من أجل بعث علاقات تجارية تعاقدية معها تسمح بالارتقاء بالمنتوج الوطني إلى مستوى تنافسي عالمي، وتوسيع تواجده بالأسواق الخارجية.