في تصريح خصوا به «الشعب»، أكد أساتذة قانون أن التزام رئيس الجمهورية بالتكفل بالقضايا الاجتماعية للقاضي، نابع من الأهمية التي يوليها إلى سلك القضاء، مثمنين فحوى خطابه.
أشرف رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، السيد عبد المجيد تبون، أمس الاثنين، على مراسم افتتاح السنة القضائية 2024- 2025، بمقر المحكمة العليا بالعاصمة.
وقال رئيس الجمهورية في كلمة له بمناسبة إشرافه على مراسم افتتاح السنة القضائية 2024/ 2025 بمقر المحكمة العليا، إن «الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية محصنة بثقة الشعب»، مشددا على أن «مؤسسات الجمهورية قوية بالنساء والرجال المخلصين النزهاء ومنهم السادة القضاة».
ملف من اعداد: حياة.ك، علي مجالدي وعلي عويش
الالتزام الاجتماعي للرئيس يُعزّز من استقلالية القاضي
ثمنت الأستاذة المحامية (قاضية سابقا) ليندة سعد العود، ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية، لاسيما بشأن التكفل بالمشاكل الاجتماعية والشخصية والعائلية للقضاة، مؤكدة على أن المحور الاقتصادي والاجتماعي مهم جدا، لأنه سيعزز حقا استقلالية القاضي.
أوضحت المحامية سعد العود، في تصريح لـ»الشعب»، بأن التزام رئيس الجمهورية بالتكفل بالقضايا الاجتماعية للقاضي، نابع من الأهمية التي يوليها إلى سلك القضاء. ولأنه عندما يتوفر للقاضي السكن اللائق والسيارة التي تقله، وفتح نوادي للقضاة في مختلف مناطق البلاد أين يمكن لهم الالتقاء، وأماكن الترفيه والاستجمام خاصة بهم، مشيدة بهذا الاهتمام الذي يوليه القاضي الأول للبلاد إلى رجال القضاء.
بالنسبة للسكن اقترحت المحامية والقاضية السابقة تخصيص وعاءات عقارية في مختلف مناطق البلاد لفائدة قطاع العدالة، تنجز فيه سكنات خاصة للقضاة، يقتطع من رواتبهم شهريا لمدة معينة حتى يُستكمل دفع مبلغ السكن كاملا، واعتبرت هذه القضية «مستعجلة» وحلها قابل للتطبيق.
فيما يتعلق بمسألة محاربة الفساد والانحرافات التي شدد عليها الرئيس في خطابه، ذكرت المحامية سعد العود بالقوانين التي وضعتها الدولة لمحاربة التزوير وأكدت على أهميتها، وكذا تلك الخاصة بمحاربة الفساد في الإدارة. وترى ضرورة تكثيف الرقابة على الأخيرة التي يتعامل معها المواطن بصفة مباشرة، والرقابة تعود للقاضي.
ولفتت المتحدثة إلى أن القضاء مثل حجر الزاوية، كما أن القاضي يعد الضامن للسياسة الأمنية للدولة، وبالتالي نزاهة القضاة شيء أساسي.
وأضافت في السياق، أن هذه الأخلاق التي يجب أن يتصف بها القاضي تجعله يحكم ويحاسب المسؤول كالمواطن العادي.
وثمنت الأستاذة سعد العود العصرنة التي بلغها قطاع العدالة، بعد إدخال الرقمنة ووضع المنصات الرقمية، منها منصة تبادل العرائض على مستوى المحاكم في الجانب المدني،
وهي ما سهلت مهمة المحامين ورفعت عنهم الحضور إلى المحكمة، بالإضافة الى تسهيل الحصول على السجل القضائي باستعمال الرقمنة، وأكدت أن هناك تغييرا كبيرا فيما يتعلق بالسهولة والمرونة التي يتمتع بها القطاع القضائي.
إضافة لما حققته العدالة من تطور في مجال العصرنة، ترى المحامية انه من الضروري تسجيل الجلسات، هذا ما سيضفي، بحسبها، الشفافية والنزاهة عند النطق بالأحكام القضائية، حتى تبقى مرافعة المحامي مسجلة، لأن كل شيء سيصبح ظاهرا للعيان.
رقمنة القضاء.. خطوة استراتيجية نحو التنمية الشـاملة
أكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في كلمته خلال افتتاح السنة القضائية 2024-2025، على أهمية تعزيز العصرنة والرقمنة في قطاع العدالة، مشددًا على أن الرقمنة الشاملة تُعد جزءًا أساسيًا من التنمية الشاملة للبلاد. ورقمنة العدالة، تعتبر خطوة مهمة وركيزة أساسية لدعم السلطة القضائية في الجزائر، وهي أحد المحاور الأساسية لتحقيق برنامج رئيس الجمهورية وتطلعات الشعب الجزائري.
تعتبر الرقمنة في قطاع العدالة خطوة حيوية نحو تحسين كفاءة النظام القضائي في حد ذاته، حيث تسهم في تسريع الإجراءات القضائية، تقليل البيروقراطية واختصار الوقت وتعزيز الشفافية، وذلك من خلال اعتماد التقنيات الحديثة، حيث يمكن للمحاكم والجهات القضائية تقديم خدمات أكثر فعالية للمواطنين، مما يعزز ثقتهم في النظام القضائي بشكل عام.
رحالي: مرحلة نوعية تتعلق بالتبادل الإلكتروني للعرائض بالقضاء المدني خارج الجلسات
في هذا السياق، أشار أستاذ القانون الدكتور محمد رحالي، في تصريح لـ»الشعب»، إلى أن الجزائر قطعت أشواطًا كبيرة في مجال رقمنة قطاع العدالة والملفات القضائية، وحاليًا تنتقل إلى مرحلة ذات نوعية تتعلق بالتبادل الإلكتروني للعرائض على مستوى القضاء المدني خارج الجلسات.
وأضاف، أن هذه الخطوة ستُمكّن المحامين من تسجيل عرائضهم على مستوى الاستئناف في المجلس، حيث يتم التبادل خارج الجلسات تحت إشراف قاضٍ، مما يسهم في تسريع الإجراءات وتخفيف العبء عن المحاكم.
ويضيف الدكتور رحالي، أن الرقمنة تعد أداة فعّالة في مكافحة الفساد على جميع المستويات، سواء داخل قطاع العدالة نفسه أو في بقية القطاعات، من خلال توفير منصات إلكترونية لتقديم الخدمات القضائية، حيث يمكن تقليل التفاعل البشري المباشر، مما يقلل من فرص الفساد. كما أن توثيق العمليات إلكترونيًا يتيح تتبعها بسهولة، مما يعزز الشفافية والمساءلة.
ومن الجوانب المهمة التي يجب التركيز عليها في عملية رقمنة قطاع العدالة، هو تأثيرها على تكوين القضاة وتعزيز قدراتهم. في هذا السياق، أشار أستاذ القانون الدكتور أحمد بن يوسف، في تصريح لـ «الشعب»، إلى أن «الانتقال إلى نظام قضائي رقمي يتطلب تكوينًا مستمرا للقضاة والعاملين في القطاع القضائي على استخدام التقنيات الحديثة، هذا التكوين لا يهدف فقط إلى تحسين كفاءة الأداء، بل يسهم أيضًا في تعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي من خلال تقديم خدمات أكثر شفافية وسرعة.
ويرى العديد من المراقبين، أن رقمنة قطاع العدالة تعد خطوة استراتيجية نحو تحقيق التنمية الشاملة في الجزائر، من خلال تبني التقنيات الحديثة، ما يمكن النظام القضائي من أن يكون أكثر كفاءة وشفافية، ويعزز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة ويُسهم في مكافحة الفساد.
كما أن التزام القيادة السياسية، ممثلة في رئيس الجمهورية، بتطوير هذا القطاع، يعكس رؤية مستقبلية تهدف إلى بناء دولة حديثة تعتمد على التكنولوجيا في تقديم خدماتها وتحقيق العدالة للجميع.
أخلقة العدالة.. كلمة سرّ تعزيز ثقة المواطن في القضاء
أشار نائب مدير المركز الجامعي لما بعد التدرج والبحث العلمي الدكتور بن منصور عبد الكريم، إلى أن ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية خلال افتتاحه السنة القضائية، يُعدُّ تأكيداً على مواصلة الرئيس لنهجه الإصلاحي لقطاع العدالة، وقرينة ثابتة لعزم الرئيس على الاستمرارية في رقمنة القطاع ونوعية التكوين لسلك القضاة.
المجلس الأعلى للقضاء والسلطـة القضائية يكرّسان استقلالية القضاء
تحدّث بن منصور بإسهاب عن فحوى كلمة رئيس الجمهورية التي تطرّق فيها الرئيس الى عدة محاور، كان أهمها التأكيد على مبدإ الفصل بين السلطات واستقلالية العدالة، وهي جوانب هامة تؤكد مدى حرص رئيس الجمهورية على إعطاء كافة الصلاحيات للعدالة من أجل ممارسة دورها على أكمل وجه.
إلى جانب ذلك، أشاد بن منصور في تصريح لـ «الشعب»، بحديث رئيس الجمهورية عن مسألة تعزيز دور المجلس الأعلى للقضاء، وهي الهيئة العليا التي كانت مغيّبة لعدة سنوات، بحسب تعبيره، «والتي استعادت مركزها ودورها في مجال تكوين القضاء وتعزيز مسارهم المهني». وأضاف قائلاً، إنه من خلال دور المجلس الأعلى للقضاء والسلطة القضائية، سيتم العمل على توفير كافة الظروف المناسبة من أجل ضمان استقلالية القضاء، ثم الوصول بعد ذلك إلى الهدف الأسمى وهو تحقيق دولة القانون، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات بين الحريات والحقوق والواجبات، من خلال نوعية القضايا والتكوين القاعدي للقضاة الذي تتكفّل به المدرسة العليا للقضاء من أجل مسايرة كافة المستجدات والتطورات التي تحدث في المجتمع.
وتابع بن منصور، أن الخطاب السنوي الذي تعوّد عليه رئيس الجمهورية خلال افتتاحه السنة القضائية، جاء هذه السنة مميزا، حيث تطرّق فيه رئيس الجمهورية لكل الجوانب المتعلقة بالقضاء في بلادنا وإلى حقوق المتخاصمين، مشيداً بدعوة رئيس الجمهورية لكافة الحقوقيين ورجال القانون إلى رفع دعوى قضائية لدى محكمة الجنايات الدولية ضد الاحتلال الصهيوني.
كما أشاد المتحدث بتثمين رئيس الجمهورية لمجهودات المؤسسة التشريعية ومواكبتها للحركية الكبيرة للمجتمع، من خلال إسهامها في إصدار عدة نصوص قانونية عالجت العديد من القضايا في مجالات عدة، «والتي أغفلها التشريع سابقاً»، ومسايرتها للتغيير الحاصل في مختلف المجالات، خاصة في مجال العدالة والاقتصاد والتنمية وكل الحركية الكبيرة التي تعرفها بلادنا في الفترة الراهنة.
رحّب الدكتور بن منصور بمساعي رئيس الجمهورية الرامية إلى أخلقة العمل القضائي تحت رقابة المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما اعتبره المتحدّث السبيل الوحيد لإنصاف المتقاضين، مؤكداً في الوقت ذاته على علاقة التكوين الجيد للقاضي بإصدار أحكام قضائية تنعكس إيجاباً على المتقاضين وهو ما يعزّز ثقة المتقاضين في القضاء.
ولَفَتَ محدّثنا إلى أن حديث رئيس الجمهورية عن القضايا التي تستمر لسنوت، خاصة على مستوى المحكمة العليا ومجلس الدولة ودعوته إلى تقليص الفترة إلى أقصى حد ممكن، من شأنه تعزيز ثقة المواطن في العدالة ويرفع من جودة العمل القضائي، وهذا كله يصبّ في سبيل سيادة القانون وتحقق دولة القانون.
واختتم الأستاذ بالمركز الجامعي علي كافي، بالتأكيد على أن كل هذه الإصلاحات التي جاء بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، قد تؤدي في الفترة القادمة إلى الأمن القضائي أو الأمن القانوني، الذي له أبعاد دولية وداخلية، من خلال المساهمة في محاربة الفساد والإجرام، تماشياً مع الظروف المحيطة التي يعيشها العالم مؤخراً، من تنامي ظاهرة الإجرام والفساد الذي أصبح لا يعترف بحدود الدول.