اجتمع الرئيس تبون، مع الطاقم الجديد للحكومة، بداية الأسبوع الجاري، في أول لقاء جمعه بأعضاء الجهاز التنفيذي، وأسدى فيه تعليماته الضرورية، خاصة للوافدين الجدد على قصر الدكتور سعدان، وهذا بغية استكمال برنامجه الانتخابي والتزاماته التي قطعها أمام الشعب الجزائري، حيث “ذكّر الرئيس أعضاء الحكومة بأهمية الوفاء بالتزاماته أمام الشعب وتنفيذ برنامجه الرئاسي كاملا وتاما”، وهذا تجسيدا للالتزامات التي أطلقها حفاظا ودعما لديناميكية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المسجلة في الخمس سنوات الأخيرة.
ملف: هيام لعيون وفايزة بلعريبي
وفاء والتزام لاستكمال مشروع الجزائر المنتصرة
من بين أهم الالتزامات التي ستتولى الحكومة بقيادة نذير العرباوي متابعتها، استكمال مهمة تنويع الاقتصاد الوطني، من خلال تكييف منظومتها التشريعية مع الإصلاحات الشّاملة بالجزائر التي تعيش على وقع فتح ورشات كبرى سواء اجتماعية، اقتصادية ومالية وهذا استجابة للتحولات الاقتصادية العميقة والتحديات التقنية والتكنولوجية التي تعرفها الجزائر، من خلال دعم وترقية الاستثمارات وبعث المشاريع المهيكلة الكبرى، إلى جانب ترقية التحول الطاقوي والإسراع في الرقمنة الشاملة لمصالح الدولة لدعم اقتصاد المعرفة، مع التحكم في تسيير الديْن العمومي، في إطار استكمال مشروع النهضة الاقتصادية الشاملة.
وتقع على عاتق الحكومة الجديدة مهمة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، خاصة وأن رئيس الجمهورية يضع المواطن في صلب اهتماماته، وحث المسؤولين على خدمته لأنه أساس الجمهورية وجوهرها، بداية من تحسين مستوى معيشته وضمن الرئيس الرفع من أجور الجزائريين بحوالي 50٪ خلال عهدته الأولى، وتحقيق زيادات في الأجور حتى سنة 2023، في انتظار تحقيق زيادات أخرى بداية من سنتي 2026- 2027 وفي التوجه نحو مضاعفة الأجور، وهو ما سيجعل الزيادة في الأجور تصل إلى الضعف (100٪).
استبعاد الاستدانة
على طاولة الحكومة أيضا ملفات ثقيلة ومهام كبرى، ضمن المعركة الاقتصادية المستمرة التي تخوضها الجزائر منذ سنة 2020، في ظل وجود تحديات كبيرة من أجل بلوغ الأهداف المنشودة في البرنامج الانتخابي للرئيس، خاصة ما تعلق بالوصول بالناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار، وبلوغ معدلات نمو مرتفعة. كما يصبو الرئيس إلى أن تحقق الجزائر المراتب الأولى إفريقيا وعربيا ضمن أقوى الاقتصاديات.
لذلك سترمي الحكومة بكل ثقلها من أجل وضع إجراءات حاسمة وتدابير هامة، وذلك باعتماد رؤية استشرافية للقيادة العليا للبلاد، ستسمح بالتحكم أكثر في مؤشرات اقتصاد البلد والتوجه نحو التخلي التدريجي عن اقتصاد الريع بترقية الصادرات خارج المحروقات وترشيد الواردات بالاعتماد على المنتوج الوطني المحلي، مع مرافقة الإيرادات الاستثنائية للمحروقات من خلال الاعتماد على القدرات المالية الذاتية، ورفض التوجه نحو الاستدانة الخارجية.
على صعيد التجارة الخارجية، تتواصل المهام بترقية المنتوج المحلي وتأمين حياة الجزائريين، بعدما قطعت الجزائر أشواطا كبيرة في الاعتماد على الاقتصاد المنتج للثروة بدل اقتصاد المحروقات الذي يتعرض دائما لأزمات عالمية وصدمات متعددة فجائية.
بالمقابل، يحرص رئيس الجمهورية على توفير حياة كريمة لجميع المواطنين دون استثناء، من خلال حجم المخصصات المالية والاستثمارات العامة الضخمة التي وجهتها الدولة للتوسع في خدمات الحماية الاجتماعية وشبكات الضمان الاجتماعي، وتحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي والنهوض بمناطق الظل عبر التراب الوطني بتوفير خدمات متنوعة من طرق ومنشآت صحية وتربوية، مع توفير الماء الشروب ووضع قنوات الصرف الصحي وتوفير الكهرباء والغاز.. وهي المهام الموكلة لكل القطاعات الوزارية خلال العهدة الثانية للرئيس.
وستعمل الحكومة الجديدة كذلك، وفق نظرة استشرافية للرئيس، لأجل استقطاب وفتح مناصب شغل جديدة ومحاربة البطالة في صفوف الشباب، بزيادة التوظيف. حيث التزم الرئيس تبون، ضمن برنامجه الانتخابي لعهدته الثانية، باستحداث خلالها 450 ألف منصب شغل، مع فتح المؤسسات الناشئة، التي كانت تقدر بـ200 مؤسسة فقط خلال سنة 2019 لتصبح أكثر من 2000 مؤسسة حاصلة على علامة مؤسسة ناشئة، من بين 8000 شركة ناشئة مسجلة حاليا.
في نفس السياق، ستعمل الحكومة على تجسيد 3800 مشروع استثماري مطروح، لاستحداث نحو 300 ألف منصب شغل إضافي، خاصة وأنه تم إدماج 500 ألف شاب في مناصبهم خلال العهدة الأولى، والعملية يجب أن تتواصل خلال الخمس سنوات المقبلة من حكم الرئيس، في ظل وجود برامج حقيقية تتعلق بمختلف القطاعات، ما يؤكد على استمرار الهيمنة الاجتماعية للدولة الجزائرية، مع تحقيق إقلاع اقتصادي في ظل استثمار واعد.
مليونا سكن
أما بالنسبة لقطاع السكن، تواصل الحكومة سياسة دعم البرامج السكنية وتطوير الحظيرة الوطنية، في إطار المخطط الخماسي، ببناء 2 مليوني وحدة سكنية، واستكمال المشاريع السكنية التي ستمس مختلف الصيغ، على غرار البناء الريفي وسكنات عدل، بإنجاز على الأقل 450 ألف سكن ريفي لتعزيز الإنتاج الفلاحي، ولأنه يؤمن بمقولة “لا خير في أمة لا تأكل مما لا تنتج ولا تلبس مما لا تنسج”، التي لطالما صدح بها.
تعول الجزائر خلال السنة القادمة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الاستراتيجية، خاصة الشعير والذرة. وقد فتحت باب الاستثمار واسعا في إطار محاربة الاستيراد وتقليص فاتورته وتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من السيادة الوطنية، ويعدّ الرهان الأكبر للسلطات العليا في البلاد منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية ضمن رؤية شاملة واستشرافية لرئيس الجمهورية.
مناخ الاستثمار
إلى جانب ذلك، سيتم استكمال ملف الإصلاح المالي الكبير، من خلال تعزيز التخطيط المالي والتحكم في مخاطر الميزانية، بالتنفيذ السريع لنظم المعلومات، عصرنة النظام المصرفي والمالي مع التركيز على إصلاح البنوك والمؤسسات المالية لتحسين كفاءتها وربحيتها ومساهمتها في تمويل الاقتصاد، من خلال تكييف الإطار التنظيمي والتشريعي الذي يحكم النشاط المصرفي، إلى جانب تعزيز نظم المعلومات للبنوك العمومية والفاعلين في الأسواق، فضلا عن تنويع المنتجات البنكية وتطوير التمويل الإسلامي، الى جانب تطوير الشبكة البنكية الوطنية والدولية، بما في ذلك فتح فروع لها في الخارج.
ولأنها باتت القاعدة الأساسية للذهاب في تحقيق أهداف الجزائر الجديدة والمنتصرة، المبنية على الشفافية وتحقيق المساواة بين كل الجزائريين، ولحماية البلاد من سرطان البيروقراطية ومواجهة ظاهرة الفساد، ولتحسين حوكمة القطاع الاقتصادي، كانت الرقمنة بمثابة مفتاح الإصلاحات التي باشرها القاضي الأول في البلاد، من خلال استكمال مشروع التحول الرقمي الشامل، برقمنة كل القطاعات وبكل ما تحمله من أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية.
على الصعيد الدولي، تنتظر الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس، ملفات هامة وثقيلة، على غرار الملف الفلسطيني وقضية الصحراء الغربية ومواجهة تحديات التغييرات الجيوستراتيجية الإقليمية والعالمية، مع استكمال مهام الدبلوماسية الاقتصادية، من خلال تواجد اقتصادي جزائري بارز.
كل هذه الجهود الحكومية، تدخل في إطار الوصول بالجزائر خلال سنة 2027، مثلما كان قد تحدث عنه الرئيس سابقا، كقوة ناشئة اقتصادية من خلال هذه الديناميكية والتكامل والتفاعل ما بين الأطر القانونية والمؤسساتية والمؤسسات المالية وديناميكية استثمارية، سواء كان استثمارا محليا أو أجنبيا.
”مناطق الظل” تتحول إلى مناطق صناعية.. العدالة التنموية تتجسد
بميزانية تعد الأضخم منذ الاستقلال بلغت قيمتها 126 مليار دولار، خصص ثلثها للتحويلات الاجتماعية، وضمن مسار إصلاحي يعتبر استكمالا لعهد جديد التزم به رئيس الجمهورية منذ بداية عهدته الأولى ذات 12 من ديسمبر 2019، تربع خلاله المواطن على عرش الفخامة وتصدر أولويات السياسة الحكومية واهتمامات الجهاز التنفيذي، تواصل الدولة الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حصد الإنجازات وتجسيد اجتماعيتها واقعا وليس شعارا، من خلال الحرص الدائم على جعل المواطن في منأى عن التداعيات الاقتصادية للتحولات الجيو-استراتيجية التي يعرفها العالم، باستمرارها في دعم المواد الأساسية، وتخصيص أغلفة مالية ضخمة للمنح والأجور، صونا لكرامة المواطن وحفاظا على اجتماعيتها.
خصص رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء الذي ترأسه، الأحد، للتأكيد -كما فعل طيلة خمس سنوات من قيادته للبلاد- على تأمين حاجيات المواطن، والمرور إلى السرعة القصوى في تجسيد المشاريع التنموية وعدم الاكتفاء بسنّ الاستراتيجيات، جاعلا من الميدان الحكم الرئيس والمقياس الحقيقي لقوة وفعالية الأداء لكل قطاع وزاري.
دعـم لن يتوقف
ولن تكون هناك لغة أكثر بلاغة من لغة الأرقام في التعبير عن الإرادة السياسية الحقيقية في تحسين مستوى معيشة المواطن، وحماية قدرته الشرائية وصون كرامته وحقه في العيش الكريم، فمن معتبرة إلى ضخمة إلى أضخم ميزانية في تاريخ الجزائر، تواصلت ميزانيات الدولة خلال خمس سنوات في الارتفاع محققة أرقاما قياسية من حيث قيمة الدعم والتحويلات الاجتماعية.
وقدرت ميزانية 2022 بـ9858,4 مليار دج ما يعادل 74 مليار دولار، خصصت 19,7% منها للتحويلات الاجتماعية، أي ما يعادل 19042 مليار دج. في حين قدرت ميزانية 2023 بـ13786,8 مليار دج ما يعادل 98 مليار دولار، رافقتها ميزانية تصحيحية سمحت برفع ميزانية الدولة إلى 14706,8، خصصت منها 20714 مليار دج للتحويلات الاجتماعية ما يعادل 18,4% على أساس الميزانية العادية. أما ميزانية 2024 فقد قدرت بـ15275,28 مليار دج ما يعادل 113 مليار دولار، 2895 مليار دج منها خصص للتحويلات الاجتماعية، أي ما قيمته 19,17%.
وبالنسبة لسنة 2025، فقد كانت سنة متميزة من حيث السخاء الاجتماعي الذي خص به رئيس الجمهورية المواطن كأهم محور في السياسة الحكومية، تنصب حوله جميع المشاريع التنموية، وتعتبر ذات الميزانية الأضخم في تاريخ الجزائر المستقلة وأكثرها سخاء من حيث قيمة التحويلات الاجتماعية، حيث بلغت 16794,6 مليار دج، ما يعادل 126 مليار دولار، خصص 35% منها للتحويلات الاجتماعية، أي ما قيمته 5928,16 مليار دج؛ أرقام أكدها مدير السياسات المالية بوزارة المالية، خالد دحماني، موضحا أن ميزانية 2025، قد تم إعدادها لتكون متوافقة مع الثلاث السنوات المقبلة على ضوء الأوضاع الدولية وبسعر مرجعي لبرميل النفط قدر بـ60 دولارا/ البرميل.
ووزعت التحويلات الاجتماعية على النحو التالي، 660 مليار دج لدعم الأساسيات، تم تخصيص 349 مليار دج منها لدعم الحبوب و100 مليار دج لدعم الحليب و88 مليار دج لدعم المياه المحلاة، 23 مليار دج لدعم استهلاك الطاقة، و100 مليار دج لدعم مادتي السكر والزيت.
الشغل والعلاج
أما بالنسبة لمناصب الشغل، فقد التزم رئيس الجمهورية ببرنامجه الانتخابي المخصص للعهدة الثانية -الذي هو في حقيقة الأمر استكمال لما باشر به من إصلاحات وإنجازات خلال العهدة الأولى- باستحداث 25 ألف منصب شغل، 69 ألف منها خلال سنة 2025، موزعة على 43 ألف منصب شغل مخصصة لقطاع التربية و19 ألف منصب شغل مخصصة لقطاع الصحة و2000 منصب للتعليم العالي.
صحة المواطن هي الأخرى كانت في صلب أولويات رئيس الجمهورية، فإضافة إلى جملة الإجراءات المتخذة لدعم المنظومة الصحية ببلادنا، التي تستحق رفع القبعة لما أبانت عنه من صمود وقوة صد للأزمات الصحية غير المتوقعة التي من الممكن أن تتعرض لها الجزائر، على غرار جائحة كورونا وغيرها من الأوبئة والأزمات الصحية.
مبدأ العدالة الاجتماعية…
وكأصدق مثال على حرص رئيس الجمهورية على تكريس العدالة التنموية والاجتماعية، افتكت مناطق الظل حصة الأسد من البرنامج التنموي للجهاز التنفيذي، وقد اتخذ هذا البرنامج طابعا استعجاليا، عكف رئيس الجمهورية شخصيا على متابعته ورصد له ميزانية ضخمة، إضافة إلى تعبئة كل الهياكل وتفعيل العديد من الميكانيزمات التي بإمكانها أن تشكل مصادر تمويل له.