أبرز باحثون ومختصون البعد الروحي والإنساني والإستراتيجية العسكرية والتخطيط العمراني للأمير عبد القادر، وذلك في اليوم الثاني من الملتقى الدولي بعنوان “في ضيافة أمجاد الأمة، التجليات التاريخية و الحضارية والتراثية للأمير عبد القادر”، المنظم بالنادي الوطني للجيش ببني مسوس.
تطرق البروفيسور محمد رزيق، رئيس المجلس العلمي بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر 03، إلى استراتيحية الأمير عبد القادر تجاه الاستعمار الفرنسي للجزائر- المقاربة العسكرية والدبلوماسية، موضحا انه بعد احتلال فرنسا الجزائر في 1830، جابهت المقاومات الشعبية هذا الاحتلال.
وأكد البروفيسور رزيق، أن مقاومة الأمير عبد القادر كانت أهم وأكبر هذه المقاومات من حيث التنظيم والانتشار والأثر، ما جعل الاحتلال يعاني من ظروف صعبة أمام الرؤية الإستراتيجية للأمير عبد القادر من خلال مقاربته العسكرية والدبلوماسية لوضع حد نهائي لهذا المحتل الغاصب، حسب المحاضر.
وأكد رئيس المجلس العلمي بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر 03، أن الأمير طيلة 17سنة من الجهاد لم ينعم إلا بـ 44 شهرا من الهدنة.
بيعة الأمير عبد القادر
أكد الدكتور ودان بوغفالة، أستاذ التعليم العالي ورئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن خلدون، بتيارت، أن الأمير عبد القادر بعث الدولة الجزائرية الحديثة بمقتضى نظام شرعي دستوري، وأرسى قواعدها الشعبية بموجب عقد اجتماعي سياسي وهو البيعة، كما أسس جيشا بمواصفات تنظيمية وفنية عالية يخوض به حربا لاستعادة سيادة دولته.
وأبرز الدكتور بوغفالة، الأهمية التي أولاها الأمير عبد القادر، للمؤسسة العسكرية ابتداء بتنظيم الجيش وترتيب أقسامه وقياداته وتحديد صلاحيات ومسؤوليات المعنيين ورتبهم، بما يحاكي الجيش الاحترافي في الوقت الحاضر، كما انشأ المصانع الحربية وتأمين إنتاج الأسلحة والذخيرة العسكرية.
وأشار المحاضر، إلى أن الدين الإسلامي وتراث الأمة الجزائرية الحربي عبر التاريخ شكل المرجعية الأساسية للأمير في مبادئه القتالية وخططه العسكرية، ومنها تكتيك الاستطلاع والتضليل، وحملات المطاردة والترهيب والردع وغزوات الكر والفر، والهجوم المباغث ونصب الكمائن، وأشكال التضييق وقطع الدعم اللوجستيكي.
وقال:” حارب الأمير عبد القادر عدوه الفرنسي بتفوق وأثبت خلال مراحل الحرب بأن الروح الإنسانية كانت تسكنه بامتياز في أسمى معانيها، ونبل مبادئها وقيمها”.
شخصية عالمية
تطرق الدكتور محمد معتز السبيني، من جامعة سوريا، إلى البعد الحضاري لشخصية الأمير عبد القادر الذي جعل منه شخصية عالمية على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والدينية والفكرية.
وأشار الدكتور السبيني، إلى أن الأمير عبد القادر، دخل دمشق واتخذها دار سكني بعد أن حكم عليه بالنفي من قبل المستعمر الغاصب، وفي دمشق ظهرت مواهب الأمير وظهرت إبداعاته الإنسانية والإسلامية بكل الاتجاهات.
وقال:” لقد اتصل الأمير بالمجتمع الدمشقي وتفاعل فيه حتى غدا كأنه منه مع الاحتفاظ بكل مواقع السيادة والنجلة والاحترام”.، وأضاف:” لقد ترك الأمير عبد القادر، سجلا حافلا من العطاء بدمشق.. لازالت ٱثاره الحميدة إلى يومنا هذا”.
وتحدث الأستاذ علاء ابراهيم سرحان المختار، من جامعة القادسية بكلية التربية قسم التاريخ بجمهورية العراق، عن التربية والتعليم عند الأمير عبد القادر، ونشأته وكيف درس منذ ولادته وحتى تعلم علومه العسكرية، وما اكتسبه علميا من رحلته إلى الحج برفقة والده محي الدين، التي مروا خلالها بمصر وإلتقائه برواد النهضة الفكرية والأدبية والعلمية التي شهدتها مصر في عهد محمد علي باشا، وكذلك مروره ببغداد، ودمشق، حيث اطلع على النهضة الفكرية والحضارية والعمرانية..
وتطرق الباحث، إلى ما اكتسبه الأمير عبد القادر، من المنفى في فرنسا وتفاعله مع الحضارة الغربية وانفتح عليها فكريا وحضاريا وعلميا، واهم مؤلفاته العلمية والدينية والتربية وعدد من المقالات والمحاضرات التي ألقاها في دمشق.
حصن تازا
وتناول الدكتور بويحياوي عز الدين، أستاذ التعليم العالي تخصص علم الٱثار، العمارة والعمران في دولة الأمير عبد القادر، من خلال حصن تازا الشاهد على المقاومة في عهد الأمير عبد القادر.
وأكد الدكتور بويحياوي، أن حصن تازا معلم أثري ذي قيمة تاريخية وبعد حضاري، جاء ضمن منظومة دفاعية شاملة تؤكد الاستراتيجية الدفاعية، التي انتهجها الأمير عبد القادر، ويثبت دوره الفعال في قرار الجهاد وإبراز أهميته في الصناعة الحربية في تلك المرحلة.
وقال المحاضر:” كاد حصن تازا، الذي يقع شمال شرق مدينة تسمسيلت، أن يضيع منا كشاهد على مقاومة الأمير عبد القادر للإستعمار الفرنسي من جهة، وكمصدر لكتابة ورقات تاريخية لسياسة الأمير في إنشاء المدن والحصون من جهة أخرى.”
العمارة والتخطيط في دولة الأمير
سلطت الباحثة ومستشارة التراث والعمارة بمؤسسة الأمير عبد القادر الدولية للثقافة والتراث بدمشق، أميرة زاتير، الضوء على العمارة والتخطيط العمراني في دولة الأمير عبد القادر كبعدين للهوية الحضارية والسيادة، والتي يجهلوها الكثير.
وتحدثت الباحثة، عن ما شيده الأمير في منفاه والتشييدات العسكرية والمدنية والدينية والتخطيطات العمرانية بمعسكر، تاقدميت، بوغار، سعيدة، تازة، سبدو، تلمسان، بسكرة، حصن شرشال، وحصن سيبا، وغيرها، وأيضا التخطيط العمراني للمدن الدفاعية التي بناها، وأبرزت معالمها كتراث ثقافي.