أكّد نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عصمان ديون، في تصريحاته الأخيرة بالعاصمة الجزائر، أن الاقتصاد الجزائري يشهد تقدماً إيجابياً، مشيراً إلى النتائج الملموسة التي تحقّقها الجزائر في مختلف المجالات وانتعاشاً قويا منذ 2021.
ملف من اعداد علي عويش، ك.حياة، ز. كمال
وتشير تصريحات ديون إلى الاستقرار الاقتصادي الملحوظ نتيجة السياسات الاقتصادية الناجعة التي تبنّتها بلادنا منذ سنوات، والتي تعكس الجهود التي بذلتها الجزائر لتحقيق التوازن المالي بعد الأزمة العالمية المترتّبة عن أزمة كوفيد-19.
تشكّل النتائج الإيجابية التي أشار إليها نائب رئيس البنك الدولي، أساساً لتحقيق المزيد من الإنجازات في المستقبل، وتجعل من الجزائر أنموذجاً يُحتذى به في المنطقة، من حيث التوجهات التنموية الناجعة، وهو ما أكّده الأستاذ الدكتور بودالي محمد بالمركز الجامعي علي كافي بتندوف، الذي قال إن صندوق النقد الدولي قد توقّع تحقيق ناتج محلي إجمالي بالجزائر يصل الى 266,78 مليار دولار لسنة 2024، أي بمعدّل نمو يبلغ 3,9%.
صـدارة في الدول الإفريقية ودول الشرق الأوسط مـن حيث معدّل النمو
وقال بودالي، إن هذه التوقّعات والأرقام تضع الجزائر في صدارة الدول الإفريقية ودول الشرق الأوسط من حيث معدّل النمو، الذي هو المعيار الأكثر دلالة من الناحية الاقتصادية، مذكراً بمساعي رئيس الجمهورية بلوغ 400 مليار دولار كناتج محلي إجمالي بنهاية 2027.
وتابع المتحدّث قائلاً، إن تحسّن أسعار النفط أدى إلى ارتفاع معدّل النمو. كما ساهمت كذلك باقي القطاعات في زيادة معدّلات النمو، وهذا راجع الى الاستثمارات التي أطلقتها الحكومة، على غرار قطاع الفلاحة الذي حظي باهتمام خاص وأعطى نتائج جيدة كمّا ونوعاً بفضل حزمة التسهيلات والإعانات التي منحتها الدولة للفلاحين، الأمر الذي ساهم بشكل ملحوظ في ارتفاع معدّل النمو خارج المحروقات وارتفاع مساهمة قطاع الفلاحة في الناتج المحلي إلى 18%.
عرّج بودالي في حديثه على تصريحات نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيراً أن هذه التصريحات قد جاءت بمقارنة بين أسعار السلع بالجزائر وغيرها من الدول وخلُصت إلى استنتاج أن السلع واسعة الاستهلاك بالجزائر أقل من نظيراتها بالدول الأخرى، وهو مؤشر آخر على تحسّن المستوى المعيشي للجزائريين.
وأردف قائلاً، إن التضخّم الذي يشهده العالم بعد أزمة كورونا وما خلّفته من ركود كبير في معظم دول العالم، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري للسلع وزيادة الطلب العالمي عليها في الأسواق الدولية، كلّها أسباب أدّت إلى زيادة التضخّم.
المتحدّث وهو يعدّد نتائج الركود الاقتصادي العالمي، نوّه إلى أن الاقتصاد الجزائري بقي بمنأى عن هذه التحوّلات، حيث بقيت أسعار السلع في مستواها المعقول بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية وهذا ما يجعل باقي العملات الأجنبية ذات قدرة شرائية أعلى للسلع الجزائرية، بالإضافة الى سياسة الدعم التي لم تتخل عنها السلطات العليا، إلى جانب سياسة الرقابة التي تمارسها على المضاربين، ما يحقّق استقراراً نسبياً في أسعار السلع.
أشاد بودالي كذلك، بالمجهودات التي بذلتها السلطات العليا في السنوات الأخيرة، خاصة فيما تعلّق بإنشاء الهياكل القاعدية والمشاريع التنموية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، على غرار محطّات تحلية مياه البحر، والتي تعتبر الجزائر من الدول القليلة التي تنفق أموالاً طائلة في هذه المشاريع التي ترفع من تصنيف الجزائر في مؤشر التنمية البشرية. إلى جانب توجّه الجزائر نحو الرقمنة، التي ترفع من الكفاءة الاقتصادية وتحسّن الخدمات العمومية، معرباً عن أسفه لعدم الترويج لهذه الإنجازات على المستوى الخارجي.
تطرّق المتحدّث بإسهاب عن المكانة الجيواقتصادية للجزائر، سواء الأورومتوسطية أو الإفريقية، داعياً الى استغلالها بما يعود بالنفع على الاقتصاد في الجزائر، كونها بوابة الولوج إلى أعماق إفريقيا، بحسب تعبيره.
وجدّد بودالي التذكير بمجهودات الدولة للرفع من المكانة الاقتصادية للجزائر، والتي تجسّدت بإنشاء مناطق حرة للتبادل في الحدود لشرقية والجنوبية وكذا بين تندوف وموريتانيا، والتي من شأنها تعزيز المبادلات التجارية بين الجزائر وعمقها الإفريقي. إلى جانب مشاريع تصدير الكهرباء إلى الدول الإفريقية، تصدير الطاقة بمختلف أشكالها إلى أوربا، وكلها مقوّمات –يقول المتحدّث- هي عبارة عن فرص منحها الموقع الجغرافي للجزائر وجب استغلالها على أكمل وجه.
البنك الدولي يؤكد القفزة الكبيرة للجزائر في مجال الاقتصاد الكلي
يرى البروفسور مراد كواشي أستاذ في الاقتصاد، أن تصريح نائب رئيس البنك الدولي حول الاقتصاد الجزائري، هو اعتراف بالجهود الجبارة التي بذلتها الدولة في جميع المجالات الاقتصادية منذ 2020، ويضعها في خانة الدول الناشئة. مشيرا إلى أن هناك إنجازات أخرى كثيرة لم تأخذها هذه الهيئة بالحسبان، خاصة ما تعلق بالجانب الاجتماعي، على غرار البرامج السكنية وخطوط السكك الحديدية الممتدة حتى إلى دول من إفريقيا.
بذلت الجزائر مجهودات كبيرة منذ سنة 2020، سواء في الشق الاقتصادي أو الاجتماعي وهذا من أجل تحسين تنافسية الاقتصاد الجزائري. وهناك جهود كبيرة أخرى في مجال التسويق والدبلوماسية الاقتصادية التي روجت للجزائر كوجهة استثمارية مميزة، بالمنتجات الجزائرية التي دخلت الأسواق الخارجية. ويؤكد ذلك، بحسب البروفسور كواشي، المعارض الكثيرة المنظمة، سواء داخل البلد أو خارجها، زيادة على ذلك ارتفاع عدد رحلات رجال الأعمال من وإلى الجزائر.
قال المتحدث في تصريح لـ« الشعب”، إن الجزائر اختارت إفريقيا لتعزيز تواجدها، لأن السوق الإفريقية واسعة جدا وبها حوالي 1.5 مليار نسمة، مشيرا إلى أنها خيارها الاستراتيجي استهدف سوق غرب إفريقيا مثل السينيغال وموريتانيا؛ هاتان الدولتان اللتان فتحت فيها الجزائر فروعا لبنوكها.
ويدخل كل ذلك في إطار تعزيز تنافسية الاقتصاد الجزائري، والبحث عن أسواق جديدة لبلوغ الهدف الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية 30 مليار دولار من التبادلات البينية مع الدول الإفريقية في آفاق 2030. بالنسبة لتصريح نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي أشار إلى انتعاش الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أفاد البروفسور كواشي بأن الجزائر استقطبت عشرات الاستثمارات خلال السنتين الماضيتين، سواء ملكية كاملة للمستثمر الأجنبي أو بالشراكة مع مستثمرين جزائريين، أبرزها المشروع الجزائري- القطري للألبان بحوالي 3,5 ملايير دولار، والمشروع الجزائري- الإيطالي في مجال زراعة الحبوب والصناعات الغذائية.
ولفت المتحدث إلى أن هناك إنجازات لم يأخذها هذا البنك الدولي بالحسبان، على غرار البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، كتخصيص ثلث ميزانية 2025 للشق الاجتماعي، لتمويل البرامج السكنية، مشاريع السكك الحديدية.. وغيرها من المشاريع التي تهدف لتحسين الإطار المعيشي والرفاهية للمواطن، وإنما اقتصرت دراستها لواقع الاقتصاد الجزائري على مؤشرات الاقتصاد الكلي كنسبة النمو والتضخم والقدرة الشرائية.
وبحسب الخبير كواشي، فإن استقطاب هذه الاستثمارات جاء تتويجا لسلسلة من الإصلاحات التي قامت بها الجزائر خلال السنوات الأربع الماضية، خاصة في المجال القانوني، من خلال “قانون استثمارات جديد والامتيازات التي تضمنها لصالح المستثمر وطنيا كان أم أجنبيا، وآخر للعقار… إضافة الى الجهود الكبيرة التي بذلت والإجراءات التي تم اتخاذها على أعلى مستوى من الدولة، من أجل تحسين مناخ الأعمال، من خلال الرقمنة لمحاربة البيروقراطية، وكذا التسهيلات الممنوحة، ما سمح للوكالة الوطنية لترقية الاستثمار بتسجيل أكثر من 10 آلاف مشروع استثماري.
وذكر هذا الخبير، بالتطور الذي بلغه القطاع الفلاحي حتى أصبح ثاني أكبر القطاعات المساهمة في الاقتصاد الوطني، بحيث قاربت قيمة الإنتاج الفلاحي 37 مليار دولار، مشيرا الى ان الفلاحة تساهم في الاقتصاد الوطني بنسبة 15٪، وكل ذلك يصب في اتجاه تدعيم الزراعات الاستراتيجية، كزراعة الحبوب في الجنوب، حيث وضعت السلطات العمومية هدفا، يتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي سنة 2026 في مواد أساسية وحيوية كالقمح بنوعيه والشعير..، ما سيسمح لخزينة الدولة بتوفير ما قيمته 1.2 مليار دولار سنويا.
شهادة واعتراف من قبل هيئة مالية دولية مختصة
اعتبر الباحث والخبير الاقتصادي هشام بن حميدة، التصريحات الإيجابية لنائب مدير البنك الدولي حول مؤشرات النمو الاقتصادي العام للجزائر، أنها بمثابة “شهادة واعتراف من قبل هيئات مالية دولية لحجم الديناميكية الاقتصادية التي تعرفها الجزائر منذ سنة 2021، بفضل السياسة الرشيدة المنتهجة من قبل الحكومة لتحقيق التنمية الشاملة بواسطة المشاريع الاستثمارية الكبرى دون التخلي عن النهج الاجتماعي للدولة وحماية القدرة الشرائية للمواطن..”.
ثمن الأستاذ ورئيس مخبر أداء المؤسسات الاقتصادية الجزائرية في ظل الحركية الاقتصادية الدولية بجامعة بومرداس هشام بن حميدة، التصريحات والمؤشرات الإيجابية التي قدمها نائب مدير البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عصام ديون، عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه الجزائر ونسبة النمو المحققة التي قاربت 4٪ خلال سنة 2024.
وقال في هذا الخصوص، “أن تصريحات ممثل البنك الدولي تعبر بصدق وواقعية عن هذه الديناميكية والتحولات العميقة التي تعرفها بلادنا في شتى المجالات، خصوصا الجانب الاقتصادي وحجم الاستثمارات الضخمة التي باشرتها الدولة التي انعكست إيجابا على الواقع الاجتماعي للمواطن”.
وأكد الخبير الاقتصادي، “أن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي بفضل الاستقرار والسياسة الناجعة في مجال الاستثمار وإطلاق جملة من المشاريع المهيكلة الضخمة، من أهمها مشروع استغلال منجم غار جبيلات وعدد هام من المشاريع الصناعية، مع إعطاء أهمية متزايدة للإنتاج الفلاحي والزراعات الاستراتيجية في إطار تنويع المصادر والمداخيل خارج قطاع المحروقات، المتوقع أن تصل 16 مليار دولار حتى نهاية السنة، بحسب تصريحات وزير المالية.
في حين من المتوقع أن يصل الدخل القومي للجزائر إلى 400 مليار دولار نهاية سنة 2027، بحسب تصريحات رئيس الجمهورية، وهي من المؤشرات الإيجابية التي أشار إليها ممثل البنك الدولي في تناغم تام مع التقارير المحلية وتصريحات المسؤولين الجزائريين في عرضهم لواقع النمو الاقتصادي ونسبة التضخم التي تضاءلت إلى أقل من 4,3٪”.
وتطرق الباحث هشام بن حميدة، إلى جملة المشاريع الاستثمارية، خصوصا في البنى التحتية، من طرق ومشاريع لتوسيع شبكة السكك الحديدية المرافقة لهذه التحولات الاقتصادية والتنموية، مشيرا بالقول “إن مجال الاستثمار وتجسيد المشاريع الصناعية الكبرى رافقته عدة عمليات تنموية تم إطلاقها في السنوات الأخيرة، خصوصا في مجال السكة الحديدية لربط مناطق الوطن والأقطاب الاقتصادية بالجنوب وكلها معطيات حقيقية وثابتة على الأرض، دفعت بالكثير من المنظمات والهيئات المالية الدولية المختصة إلى الإشادة بهذا التحول الكبير الذي جعل من الجزائر قوة اقتصادية بالمنطقة الإفريقية”.
وفي سؤال عن البعد الاجتماعي ضمن هذه السياسة الاقتصادية المنتهجة من قبل الجزائر، التي أشادت بها الهيئات المالية الدولية، أكد المحلل الاقتصادي “أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 وما حمله من مكاسب اجتماعية من خلال النسبة الهامة المخصصة لدعم القدرة الشرائية ومواصلة دعم المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع التي قاربت 33٪ من حجم الميزانية الضخمة المقدرة بحوالي 26 مليار دولار، لهو أكبر دليل على تمسك الدولة بهذا البعد وعدم التخلي عنه، وبالتالي إذا استندنا إلى تصريحات نائب مدير البنك الدولي فإن الجزائر تعتبر نموذجا عالميا ومن الدول القليلة التي أعطت أهمية كبيرة لحماية القدرة الشرائية لمواطنيها”.