الحادي عشر من ديسمبر يوم عظيم من أيام التاريخ، يعود كل عام محمّلا بالانتصارات والإنجازات والملاحم.
فيثير آلام ومفاخر الذّاكرة الوطنية، ويعيد على الجيل الجديد سردية الانتفاضة الشعبية العارمة في المدن الجزائرية، وذلك بتفاصيلها التي لا تموت، والتي وسمت الشهر وشكلت محطة حاسمة في تاريخ الأمة الجزائرية. مظاهرات 11 ديسمبر 1960، بسياقاتها ورسائلها وتأثيراتها على مسار التحرر من نير الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، وانعكاساتها الإيجابية على الحركات التحررية في إفريقيا والعالم.
يوم عظيم يعود محملا بالانتصارات والإنجازات والملاحم فيثير آلام ومفاخر الذاكرة الوطنية
تعود المناسبة مصاحبة لذكرى تأسيس جريدة “الشعب” التي اختارت تاريخ ميلاد من رحم التاريخ، وفضّل مؤسّسوها أن يرتبط اسمها بالشعب الذي جاءت لتعبّر عنه وتنقل تطلعاته، وأن يقترن وجودها بيوم مشهود من عمر ثورة نوفمبر المجيدة صنعه الشعب بتضحيات جسام، فرأت النور في الذكرى الثانية للمظاهرات التي خرج فيها الشعب الجزائري إلى الشوارع معبّرا عن رفضه القاطع للمشروع الاستيطاني الفرنسي القديم منه والجديد.
إنّ الهبّة الشّعبية التي غمرت المدن الجزائرية لاسيما منها أحياء العاصمة، هي جزء منير من التاريخ النضالي للشعب الجزائري الأبي، وقد صنعت مشهدا بطوليا نادرا واجه فيه أبناء نوفمبر قمعا دمويا رهيبا، لم يثنهم عن المطالبة بحقهم في تقرير المصير والاستقلال، ولم يمنعهم من التعبير عن تمسّكهم الثابت بحزب جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني وبالحكومة الجزائرية المؤقتة، عشرات الآلاف من الجزائريات والجزائريّين هتفوا بحرية الجزائر المستقلة، وأعادوا الجنرال شارل ديغول إلى الواقع بعيدا أن أوهامه التي صاغها في حل ثالث، وفي إصلاحات مزعومة، وشعار جديد للجزائر جزائرية ليتحايل به على الشعب.
لقد قطع الشعب الجزائري في هذه المظاهرات شك المستوطنين بيقين الثوار، ورفض ضخ الحياة في دماء الاستعمار الفرنسي بعد أن أوهنته انتصارات ثورة أول نوفمبر 1954..إنّها صورة ناصعة للوعي الثوري عكستها هذه الانتفاضة، فكل الحلول التي قدمتها سلطات الاستعمار سقطت أمام حل واحد فرضه الشعب بثورته وكفاحه، وأيده المجتمع الدولي بعد الصدى العالمي لهذه المظاهرات، وهو استقلال الجزائر.
إن انتشار حقيقة القضية الجزائرية ثم تداولها في منظمة الأمم المتحدة، وإقرار حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره يعود في جزء منه إلى قدسية العمل الصحفي، ونبل رسالته وقوة تأثيره حين يكون نزيها إنسانيا، خاليا من المصالح والصفقات، قريبا من الحق ومن هموم الشعوب، فقد نقل صحفيان إيطاليان صور المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد الجزائريات والجزائريين المسالمين العزل، وبثّهم التلفزيون الإيطالي، فانكشف القناع عن الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية الاستبدادية، وشاهد العالم أجمع وحشية جيشها السفاح الذي أباد جموع المتظاهرين بدم بارد.
الجريدة في عامها 62 تحفظ في أرشيفها الكثير من الإنجازات الإعلامية
الإعلام النّزيه يعرض الحقيقة، ومشهد إعلامي صادق يضاهي في تأثيره ترسانة إعلامية مجندة للأكاذيب، لذلك ترتبط مظاهرات 11 ديسمبر وتأسيس جريدة “الشعب” ارتباطا سلسا، يحفظ تراتيبية الأحداث التي دفع بها الصدى الإعلامي الكبير إلى واجهة العالم، ففي الحروب التحريرية تكتسي السردية الإعلامية أهمية بالغة، وتقوم رسالة الصحافة بمصداقيتها وشرف مهنتها بدور محوري في توجيه الرأي العام العالمي نحو تأييد القضايا العادلة، ومناهضة الاستعمار وتكريس حقوق الشعوب.
وجريدة “الشعب” في عامها الثاني والستين، تحفظ في أرشيفها الكثير من الإنجازات الإعلامية التي دعمت من خلالها القيم الإنسانية، ودعت إلى تجسيد الشرعية الدولية، وعبّرت عن الشعب بلغته العربية الأصيلة، وساهمت في الحفاظ على هويته التي حاول الاستعمار الاستيطاني الفرنسي طمسها وتعويضها بهوية مسخ…لقد حمل ميلادها بُعيد استقلال الجزائر رمزية، وتعبيرا عن امتداد قيم ثورة نوفمبر بالقلم الجزائري الحر، وانتقال الإرث التاريخي لملاحم الثورة إلى الأجيال المتعاقبة بقوة وصدق الكلمة.
أمّ الجرائد “الشعب” حفظت الإرث الثقافي للأمة الجزائرية، وواكبت كل المراحل التي شهدتها الجزائر المستقلة، وهي اليوم تدوّن انتصاراتها المحققة في كافة المجالات، وترافق إنجازاتها وتهتم بانشغالات المواطن، وتساهم بمهنية طاقمها وثقة مصادرها ونبل هدفها، وبخطابها الإعلامي المسؤول في بناء الجزائر المنتصرة، لاسيما في ظل الاستعداء الذي تتعرض له بلادنا من طرف المتربصين بأمنها والحاقدين على استقلالية قراراتها، وكذا الواهمين بعودة عجلة التاريخ الى الخلف من دعاة الكولونيالية الجديدة..تحتمي الجزائر بأبنائها ومنهم رجال ونساء الإعلام الوطني، وتتقوّى بوطنيتهم وإخلاصهم وتفانيهم وتشبعهم بالقيم النوفمبرية الخالدة.
تساهم بمهنية طاقمها وثقة مصادرها ونبل هدفهـا وبخطابها الإعلامي المسؤول في بناء الجزائر المنتصرة
إنّ الخدمة الإعلامية الراقية هي نضال نبيل لا تستقيم النهضة بدونه، لذلك كرس دستور2020 حرية الإعلام كمبدأ ثابت لا رجعة فيه، وأحاط رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون الأسرة الإعلامية بالدعم الذي تستحقه، ووفّر لها البيئة المناسبة لممارسة عملها في إطار إصلاحات امتصت النقائص وواكبت التطورات، وذلك من أجل تعزيز مساهمتها في ترقية الممارسة الديمقراطية ومواكبة الحركية التنموية، واستكمال بناء جزائر المؤسسات الآمنة القوية المزدهرة والمنتصرة.
في كل مرة أتحدث عن جريدة الشعـب أستحضـر رواد إعلام الثورة الأشاوس
إنّني في كل مرة أتحدث عن جريدة”الشعب” وعن الجرائد الوطنية عموما، أستحضر روّاد إعلام الثورة الأشاوس، والدور الجوهري الذي قاموا به بالصوت والصورة والقلم من أجل تكريس التواصل والحشد والتعبئة، وإيصال الخبر الصحيح إبان ثورة التحرير المجيدة، وفي التعريف بالقضية الجزائرية من المنابر الدولية ومحاربة التضليل الإعلامي، وكشف حقيقة الانتهاكات التي مارسها الاستعمار الفرنسي. إعلام الثورة كان صوتها الحر وصداها في كل بقاع العالم رغم كل الصعوبات..وعلى هديه يسير إعلام الجزائر الحرة المستقلة اليوم، ومنه جريدة “الشعب” التي تحتفي بميلادها كلما احتفى الشعب الجزائري بانتصاراته…