أكد البروفيسور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، أن اللغة العربية تواجه تحدّيات كبيرة في ظل العولمة، خاصة في مجالات التعليم والاستخدام اليومي. رغم كونها لغة حضارية غنية، إلا أنه مع تزايد استخدام اللغات الأجنبية وتطور التكنولوجيا، تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة لتطوير تعليم اللغة العربية وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات.
أشار البروفيسور صالح بلعيد في تصريحه لـ “الشعب” إلى أن العالم اليوم (18 ديسمبر) يحتفل باليوم العالمي للغة العربية، مما يعكس أهمية هذه اللغة التي تمثل جزءًا من الهوية الثقافية العربية. وفي هذا السياق، يتعين علينا التفكير في سبل جديدة للنهوض بها، وضمان استمرارها في مواجهة التحديات المعاصرة.
وأكد صالح بلعيد، إلى أن اللغة العربية تواجه العديد من التحديات التي تؤثر في استخدامها الفعّال سواء في التعليم أو في وسائل الإعلام والمجالات المهنية، ومن أبرز هذه التحدّيات -بحسب بلعيد- فقر التعليم اللّغوي، أي عدم استخدام المهارات اللغوية بشكل جيد في النطق، الكتابة، والحوار.
هذه المشاكل تعود إلى ضعف الأساسيات في تعلم اللغة، وهو ما ينعكس سلبًا على قدرة الأفراد في استخدامها بشكل صحيح في مختلف السياقات. “ومن هنا تبرز الحاجة إلى معالجة هذه المشاكل من جذورها لضمان بناء قاعدة قوّية للغة، خاصة في عصر تزداد فيه الحاجة إلى التكيف مع التغيرات التكنولوجية.”، يقول صالح بلعيد.
كما أكد رئيس المجلس، على ضرورة إعادة النظر في الكتاب المدرسي، ودور المعلم، والمنهج التعليمي، وأساليب التدريس المتبعة. لافتا إلى أنه يجب أن يكون هناك توافق بين مستويات اللّغة في النصوص المكتوبة والتي تقترب من الأسلوب الشفاهي، ليتسنى للطلاب تعلم اللّغة العربية بشكل سليم.
وأوضح بلعيد، أنه إذا كانت أساسيات اللغة العربية ضعيفة في التعليم، فسيكون من الصعب بناء مهارات متقدمة في استخدامها. كما أنه من المهم تعزيز احترام قواعد اللغة في المجالات المختلفة، مثل الإعلام، الكتابات الإدارية، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تشهد تراجعًا في مستوى اللغة العربية.
المحتوى الرقمي العربي
من جهة أخرى أشار رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، إلى أنه في ظل تقدم التكنولوجيا، لا بد من تطوير المحتوى الرقمي باللغة العربية ليواكب العصر. قائلا انه مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات التصوير تواجه اللغة العربية مشكلة في الاستفادة من هذا التطور، خاصةً في مجال الأبحاث والمخطوطات القديمة التي لم تتم رقمنتها. كما لفت إلى ضرورة تحسين هذا الجانب من خلال تفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لترجمة واستعادة التراث العربي.
وفي سياق متصل ذكر بلعيد، أن من أكبر التحديات التي تواجه اللغة العربية في ظل العولمة هي كيفية التعامل مع الأنظمة الذكية، خاصةً فيما يتعلق بترميز اللغة (اليونيكود) الذي لا يتناسب بشكل كامل مع خصائص اللغة العربية. أيضًا، تواجه اللغة صعوبة في التفاعل مع الأنظمة الصوتية والتقنيات التي تعتمد على الصوت، مثل الترجمة الآلية.
ولمواجهة هذه التحدّيات، أشار بلعيد إلى ضرورة وجود تنسيق فعّال بين مختلف المؤسسات، بما في ذلك وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي، المجلس الأعلى للغة العربية، ومجمع اللغة العربية، كما يجب أن يكون هناك أيضًا تنسيق مع المؤسسات التعليمية التي تعمل على تطوير المهارات الرقمية في مجال اللغة العربية، سواء في المدارس أو الجامعات.
ولفت رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، إلى أنه لا ينبغي أن ننسى أن اللغة العربية ليست فقط لغة للجزائريين أو العرب، بل هي جزء من التراث الإنساني، يجب أن نعمل على تعزيز مكانتها في جميع أنحاء العالم، خاصة في مجالات البحث العلمي والتراث الثقافي.
كما يجب أن نتبنى مقاربة منفتحة على التعدد اللغوي، مع الحفاظ على خصوصية اللغة العربية. على سبيل المثال، يجب أن نحدد متى نحتاج إلى استخدام لغات أخرى مثل الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها في بعض المجالات، وفي الوقت ذاته نحافظ على دور اللغة العربية في مختلف السياقات.
وختم بلعيد بقوله: “في ظل هذه التحدّيات، فإن الحلول ليست مستحيلة، بل هي قريبة المنال إذا تم اتخاذ الخطوات اللازمة. يجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة للتطوير اللغوي، تشمل تحديث المناهج التعليمية، تفعيل التقنيات الرقمية، وتعزيز المحتوى العربي الرقمي. في النهاية، إن تعزيز مكانة اللغة العربية يتطلب جهدًا جماعيًا من جميع الأطراف المعنية، من الهيئات الحكومية إلى المجتمع المدني. اللغة العربية هي جزء من هويتنا الحضارية ويجب أن نعمل جاهدين على تطويرها، لأنها ليست فقط لغة أمة أو مجموعة معينة، بل هي لغة تساهم في بناء الحضارة الإنسانية. من خلال الجهود المشتركة، يمكننا أن نحقق ما نسعى إليه، بناء مجتمع معرفي متطور يتعامل مع التحديات الرقمية والتكنولوجية بشكل فعال، ويضمن الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية للأجيال القادمة.