تتكون المستحضرات الراديو-صيدلانية أو الصيدلانية الإشعاعية من نويدات مشعة (النظائر المشعة)، وجزيء كيميائي يستخدم لنقلها حيث يكون له تقارب، أي قوة ربط قوية، مع نسيج أو وظيفة خاصة مع عضو من جسم الإنسان.
الأستاذ الدكتور عمار منصوري
باحث في الهندسة النووية – متقاعد
يتم اختيار النظائر المشعة وفقًا لنوع الإشعاع، الذي ينبعث منها (ألفا أو بيتا أو جاما). بالنسبة لبعض المستحضرات الراديو-صيدلانية، يلعب النظير المشع أيضًا دور الناقل، على سبيل المثال بالنسبة لليود I-131 أو I-123 لأن العنصر نفسه له صلة بالعضو المستهدف (مثل الغدة الدرقية).
يتم الحصول على النظائر المشعة في أغلب الأحيان عبر مختبر صيدلاني على شكل مولد. ويمكن أيضًا إنتاجه في الموقع باستخدام المسرع الدوراني (Cyclotron): وهذا يسمح باستعمال النويدات المشعة ذات فترة نصف الحياة قصيرة (مثل الكربون C-11، اليود I-123، إلخ) والتي لا يمكن نقلها.
بالنسبة للنظائر المشعة ذات فترة نصف حياة متوسطة أو طويلة، تنتج في المفاعلات النووية (مثل اليود 131I-، التكنيسيومm 99Tc، إلخ).
تُستخدم المستحضرات الراديو-صيدلانية، بشكل رئيسي في التصوير الطبي لأغراض التشخيص أو المتابعة والمراقبة: التصوير الومضاني (Scintigraphie) ، والتصوير المقطعي بانبعاث فوتون واحد (Tomographie à Emission Monophotonique (Single-Photon Emission Computed Tomography, ou SPECT)، والتصوير المقطعي بانبعاث بوزيترونات (Tomographie à émission de Positrons – Positron emission Tomography PET)، هاذين الأخيرين اللذان يعدان طريقتي التصوير الأكثر استعمالا في الطب النووي.
يمكن وصف أيضًا المستحضرات الراديو-صيدلانية لأغراض علاجية، على سبيل المثال في علاج بعض أنواع السرطان. إن التداوي بالمستحضرات الراديو-صيدلانية يكون عن طريق الفم أو عن طريق الحقن أو بوضعها في العضو المستهدف.
للإشارة، يتم وصف المستحضرات الراديو-صيدلانية من قبل أطباء متخصصين في الطب النووي.
كأمثلة للمستحضرات الراديو-صيدلانية: فإن التكنيسيوم 99م (Technétium 99m) هو العنصر المشع الأكثر استخدامًا في الطب النووي لتشخيص سرطان العظام ووظائف الكبد ووظائف الكلى. الزينون-133 (Xénon-133) هو أحد المستحضرات التي يتم استنشاقها لاختبار وظائف الرئة. كما يستخدم جزيء ميتا-يودو-بنزيل-جوانيدين meta–
Iodo-Benzyl-Guanidine (m131IBG) المطبع باليود المشع (I131) لتشخيص أورام الأروية العصبية وأورام القواتم (يتميز هذا الجزيء بتقارب مع الغدد الكظرية). كما يستعمل كلوريد الثاليوم (TI201)، الذي له خصائص مشابهة للبوتاسيوم، في التصوير الومضاني لعضلة القلب.
بعض النظائر المشعة الأكثر استعمال في الطب النووي وخصائصها
النظير المشع |
الإنتاج |
”
فترة نصف الحياة |
السرطان المعني |
|
1 | I-131اليود |
المفاعل النووي (Réacteur Nucléaire) |
8.02 يوم | الغدة الدرقية، الأورام |
2 | Tc99mالتكنيسيوم | 6.01 ساعة | العظام، الكبد والكلاء | |
3 | Xe-133 الزينون | 5.2 يوم | الرئة | |
4 | I-123اليود |
المسرع الدوراني (Cyclotron) |
13.2 ساعة | الغدة الدرقية |
5 | TI-201الثاليوم | 3.04 يوم | عضلة القلب | |
6 | C-11الكربون | دقيقة20.364 | التشخيص المبكر للسرطان |
الطب النووي في خدمة صحة الانسان
لقد أصبحت التطبيقات البيولوجية والطبية للنشاط الإشعاعي، أدوات أساسية لاستكشاف وتشخيص وعلاج العديد من الأمراض. ولذلك فإن الطب النووي يشهد تزايدًا في مؤشراته يومًا بعد يوم ويتسع نطاق تطبيقاته. وكان هذا ممكنا بفضل التفاعلات الحميمة بين العديد من التخصصات، البيولوجية والفيزياء والكيمياء والطب والاعلام الالي والإلكترونيات.
إن استعمال التقنيات النووية في العديد من التطبيقات، قد حقق فوائد اجتماعية واقتصادية وعلمية بالغة الاهمية في مختلف الميادين منها الصحة والزراعة وحماية البيئة وحفظ المنتوجات الزراعية، والبحوث العلمية والتكنولوجية المتقدمة وعلى هذا الاساس فان أول استعمال للنظائر المشعة كان في الطب وذلك باستعمال اليود 131.
الطب النووي هو التخصص الطبي، الذي يستخدم خصائص النشاط الإشعاعي للأغراض الطبية. تتمتع العناصر المشعة، أو النويدات المشعة، بخصوصية إصدار أنواع مختلفة من الإشعاع. تمر هذه الأشعة عبر الأعضاء بشكل مختلف حسب كثافتها. ويتم استغلال هذه الخاصية لمراقبة الأعضاء أثناء عملها، مما يسمح بدراسة وتشخيص ومراقبة العديد من الأمراض.
الطب النووي، الذي يقدم صورًا ثنائية الأبعاد والآن ثلاثية الأبعاد، يكمل الفحص الاشعاعي (Radiologie) والموجات فوق الصوتية (Echographie) والتصوير بالرنين المغناطيسي (-Imagerie par Résonance Magnétique -IRM).
للحصول على الصور، يقوم الطبيب النووي بحقن عناصر مشعة تسمى الكاشفات. باستخدام معدات الكشف المناسبة، فإنه يتصور إنتشار التتبع في الأعضاء التي يريد الحصول على صورة وظيفية لها. حيث يتعايش نظامان رئيسيان للكشف:
- التصوير الومضاني بأشعة غاما La Scintigraphie Gamma,
- التصوير المقطعي بإنبعاث البوزيتروني La Tomographie à Emission de Positons (PET-Scan) .
إنها تجعل من الممكن الحصول على صور دقيقة للغاية لعضلة القلب والرئتين والغدة الدرقية والدماغ وما إلى ذلك. وتمكن هذه الصور على وجه الخصوص من اكتشاف الآفات العميقة والأمراض في المراحل المبكرة جدًا من تطورها.
للإشارة، تقنية التصوير المقطعي بانبعاث بوزيترونات (PET scan) التي تستعمل النظائر المشعة الصيدلانيّة ذات نصف الحياة القصيرة والمنتجة بالمسرع الدوراني (Cyclotron)، على غرار الفليور Fluor-18 المرتبط بالجزئيات السكرية والتي تستغلّ خصوصية الخلايا السرطانية بامتصاصها تمكن من اكتشاف هذه الخلايا الخبيثة ومراقبة نجاح العلاجات الكيمياوية والإشعاعية لأمراض السرطان.
تسمح فحوصات التصوير الومضاني (Scintigraphie)، في الطب النووي بإجراء دراسة وظيفية للأعضاء، على عكس التقنيات الأخرى المتاحة (التصوير الشعاعي (Radiologie)، التصوير بالرنين المغناطيسي (IRM) ، الماسح الضوئي (Scanner)، الموجات فوق الصوتية((Echographie) التي تسمح بإجراء دراسة تشريحية.
يشهد الطب النووي تطورا غير مسبوق نتيجة التطور التكنولوجي في المعدات الطبية وكذلك في استحداث نظائر مشعة صيدلانية جديدة سواء فيما يخص التشخيص أو العلاج على غرار Gallium68 Psma في التشخيص و 177 Lutetium Psma في العلاج التشخيصي النووي (Theranostique)، حيث يعتبر هذا النمط العلاجي نهج ثوري في مكافحة أمراض السرطان المختلفة.
يتم تحديد الاستعانة بأخصائي الطب النووي بشكل عام من قبل أخصائي (أخصائي الأورام، أخصائي الأعضاء)، الذي يحتاج إلى صور دقيقة لإجراء التشخيص ومراقبة تقدم المرض أو العلاج. ويمكن أيضًا أن يقرره فريق متعدد التخصصات لمتابعة مريض يعاني من السرطان نظرًا لاهتمام هذه التقنية ببروتوكول العلاج المتبع.
لا يمثل التصوير النووي أي خطر معين، حيث أن الجرعات ووقت التعرض للنويدات المشعة منخفض. كما يتميز استعمال النظائر والمصادر والمستحضرات الراديو-صيدلانية بأنه أمن وخال من الحوادث بشكل عام، وعليه فإن الاعتبارات الأساسية في حسابات التعرض للإشعاع تتمثل في الزمن والمسافة وخصوصيات الذراع الواقي.
ومنه تعتبر الوقاية من الاشعاع أمر لا يستهان به، حيث أن الحماية من الإشعاع في العلاج تتطلب ضبط مخاطر التعرض للإشعاع والتلوث الاشعاعي ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار احتمال ضياع أو عدم حساب مادة النشاط الاشعاع، وفي هذا الإطار يجب اتباع القواعد النموذجية المعروفة ويمكن تطوير قواعد مماثلة للاستعمال الأمن للمستحضرات الرادو-الصيدلانية.
الطب النووي في الجزائر بإيجاز
لقد كان استخدام النظائر المشعة في الجزائر ممكنا منذ السنوات الأولى للاستقلال من قبل قسم الغدد الصماء في مركز CPMC بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، باستخدام اليود I-131 والتكنيسيوم Tc-99m في أمراض الغدة الدرقية.
وفي جانفي 1987، أنشئ أول قسم مستقل للطب النووي بالمستشفى العسكري المركزي (HCA). وفي 1990، استحدث قسم مستقل ثان للطب النووي بالمركز الاستشفائي الجامعي بن باديس بقسنطينة. وهكذا رفعت مختلف التحديات حيث تخرج في 1992 الدفعة الأولى من المتخصصين المكونة من أربعة أطباء تم تكوينهم في الجزائر (الجزائر العاصمة)، وتلتها الدفعة الثانية في 1998 المكونة من عشرة أطباء نوويين (الجزائر العاصمة وقسنطينة).
إن التكوين في هذا الاختصاص مستمر في إطار مرسوم سنة 1982المتعلق بإنشاء شهادة الدراسات الطبية الخاصة(DEMS) في الطب النووي.
نظرا للحرص الدائم على ترقية هذا التخصص، أنشأت الجمعية الجزائرية للطب النووي (Société Algérienne de Médecine Nucléaire (SAMN)) في 1989، من أجل رفع الطب النووي إلى مرتبة التخصص المتطور في خدمة الصحة العامة. وبعدها تم اعتماد الجمعية الجزائرية للطب النووي الخاص في ديسمبر 2017 برئاسة الدكتور بوروبة محمد صدر الدين، في العهدة الأولى والدكتور يحياوي محمد، في العهدة الثانية وحاليا الدكتور غضبان عماد الدين المصطفى.
في العهدتين الأوليتين كانت الجمعية تمثل القطاع الخاص و في أفريل 2024 تم تغيير إسم الجمعية لتشمل كل من القطاع العام والقطاع الخاص والهدف منه دعم تكاثف الجهود من اجل تطوير اختصاص الطب النووي وتحسين ظروف التكفل بالمريض الجزائري.
حاليا هذه الجمعية تسمى الجمعية الجزائرية للطب النووي (Algerian Association of Nuclear Medicine (AANM)). أما فيما يخص وضع الطب النووي حاليا في الجزائر: نحن نعيش اليوم تطورا ملحوظا في هذا الاختصاص، حيث توجد العديد من المصالح في مختلف المراكز الاستشفائية الجامعية بتأطير أطباء نوويين جزائريين زيادة على العيادات الخاصة.
لكن المستحضرات الراديو-صيدلانية لا زالت تستورد من الخارج وإلى يومنا هذا. وعليه، هذا الاختصاص من الطب له مستقبل واعد نظرا للإمكانيات المتطورة المتوفرة، التي هي في مستوى ما يوجد بمصالح الطب النووي في الدول المتقدمة .. وتستمر الحياة.