تحظى الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج باهتمام ومتابعة دائمين لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي لا يفوّت فرصة لدعوتها للمشاركة في مسار البناء الديمقراطي والتنموي، باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من الأمة، وعصبا حيويا في بناء اقتصاد الوطن، من خلال التحويلات المالية، والاستثمارات، ونقل المعرفة، ودعم الأنشطة الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية، ما يمكّن هذه الفئة من المساهمة بشكل كبير في تنمية الجزائر.
ملف: زهراء بن دحمان وسـعـاد بوعبوش وأم الخير سلاطني
الرئيس تبون يشجّع أبناء الجالية على الاستثمار وتقوية الاقتصاد
مدّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في أكثر من مناسبة، يده للجزائريين المتواجدين في المهجر، للأخذ بهم والعودة بهم للوطن الأم ليس لوصل حبل الود بين العائلات فقط، أو الاهتمام بالانشغالات والاستجابة لاحتياجات الجالية فقط، وإنما أيضا لتعزيز روابطها مع الوطن وإشراك أفرادها في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجزائر، عن طريق تجسيد استثمارات ومشاريع في جميع المجالات، والمشاركة في معركة التجديد الوطني، رفقة مواطني الداخل، ومواكبة التحولات التي يعيشها العالم.
وشكّلت استراتيجية الرئيس تبون لدعم الجالية الجزائرية في الخارج منذ توليه سدة الحكم في الجزائر، واحدة من الاتجاهات المهمة في سياسته الوطنية، حيث ترمي إلى تعزيز الروابط بين الجزائر والمواطنين المقيمين خارج البلاد، وتحفيزهم على الاستثمار في البلاد، فالجالية الجزائرية في الخارج حسب الخبراء تمثل “قوة” اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، حيث تنتشر عبر مختلف الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، ومساهمتها في الاقتصاد الوطني ستكون إيجابية سواء من خلال التحويلات المالية أو عن طريق دعم المشاريع.
ولم يغفل رئيس الجمهورية يوما على تعزيز التواصل بأفراد الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، حيث اهتم بإقامة قنوات تواصل رسمية وفاعلة مع الجالية، عن طريق تنظيم لقاءات وندوات خلال زياراته الرسمية لدول العالم من أجل تعزيز مشاركة المغتربين في الشأن الوطني.
أما في إطار تحفيز الاستثمار، فتمّ إطلاق مبادرات لتقديم حوافز للمستثمرين من الجالية الجزائرية، مثل تخفيض الضرائب وتسهيل الإجراءات الإدارية، كما تمّ التأكيد على أهمية توفير بيئة استثمارية جذابة تتوافق مع المعايير الدولية، والحرص على تقديم الدعم المادي للمشاريع التي ينوي المغتربين الاستثمار فيها بالجزائر، من خلال تطوير برامج إرشادية ومشاريع ترويجية.
ويرى مختصّون أنّ استثمارات أفراد الجالية الجزائرية في مشاريع داخل الوطن، سواء من خلال إقامة شركات جديدة أو دعم المشاريع القائمة، تعد محرّكا للنمو الاقتصادي، حيث تستحدث فرص عمل جديدة وتحفّز الابتكار، وهو ما يعمل الرئيس على تشجيعه من خلال تسهيل الإجراءات، وتقديم التسهيلات المختلفة للاستثمار.
ويمتلك أفراد الجالية الجزائرية خبرات ومهارات حيوية اكتسبوها في البلدان التي يعيشون فيها، يمكن أن تلعب دورا مهما في نقل هذه المعرفة إلى الجزائر، سواء من خلال التعاون مع المؤسسات التعليمية أو عبر تبادل الأفكار في مجالات الأعمال والتكنولوجيا، كما تساعد هذه الخبرات تعزيز القدرات المحلية وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وفي هذا السياق، تعمل الحكومة على إنشاء هيئة وطنية تعنى بالكفاءات العليا المعترف لها بذلك عالميا، ووضع بوّابة إلكترونية تخصص لهذه الكفاءات وجعلها حاضنة للتنمية، تكون همزة وصل بين الباحثين الجزائريين والكفاءات الوطنية بالمهجر ومؤسسات البحث والشركات بما يسمح لهذه الفئة بالمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجزائر.
وتهدف الحكومة إلى تعزيز روح الوطنية والانتماء لدى المواطنين المغتربين، من خلال الإشارة إلى أهمية دوره في المستقبل الاقتصادي للبلاد عبر استغلال خبراتهم وكفاءاتهم في الجهود الوطنية وتعزيز العلاقات مع الوطن.
الخبير عبد الصمد سعودي: إرادة سياسيــة كبيرة لإدماج الجالية في تنمية الجزائر الجديدة
يؤكّد أستاذ المالية والتحليل الاقتصادي عبد الصمد سعودي، أنه منذ تولي رئيس الجمهورية لمقاليد الحكم، عمل على إدماج الجالية الوطنية في الاستثمارات داخل الوطن وإشراكهم في كل القوانين والتشريعات التي يتم سنها في الجزائر، وهو ما ترجمه ونقله في كل زياراته للخارج.
يوضح سعودي في تصريح لـ “الشعب”، أن رئيس الجمهورية كان دائم الحرص على الاجتماع بأبناء الجالية من خلال عقد جلسات معهم في البلدان التي يزورها على غرار قطر، البرتغال، إيطاليا وفي كثير من الدول، ومن الناحية الدبلوماسية دائما ما يسند لوزارة الخارجية كتابة خاصة الجالية في الخارج، وهذا في محاولة إدماجهم ما يترجم وجود إرادة سياسية كبيرة من طرف رئيس الجمهورية في إدماج الجالية الوطنية.
وحسب الخبير الاقتصادي تعكس هذه الرؤية في الرغبة في الاستفادة من الكفاءات والامكانيات الكبيرة التي تتمتع بها الجالية الجزائرية، سيما فيما يتعلّق خدمة البلاد من الناحية العلمية وحتى المالية، بدليل وجود الكثير من المجالس العلمية الخاصة بالبحث العلمي وغيرها، وإن كانت هناك يعني عضويات شرفية لكثير من الأدمغة الجزائرية في الخارج. ويرى المتحدّث أنّ الجزائر اليوم خطت خطوة أخرى من خلال محاولتها استقطاب الأموال الموجودة لدى الجالية بالخارج، حيث تبقى التحويلات الموجودة في الخارج ضعيفة مقارنة بدول أخرى، على غرار مصر أكثر من 25 مليار دولار، ودول أخرى أقل من الجالية الجزائرية، إلا أن تحويلاتهم أكبر بالنسبة لدولهم الأصلية ما يعني ضرورة العمل على استقطاب هذه الكفاءات حتى من الجانب المادي. ويرى المتحدّث أنّ استكمال البناء التشريعي والمؤسساتي في الجزائر خاصة بعد صدور قانون الاستثمار، جاء الدور الآن لكيفية استقطاب الأموال الموجودة في الخارج، مؤكّدا أنّ هذا لا يميز بين المستثمر المحلي والأجنبي بين المقيم والموجود في الخارج، وبالتالي هو يعطي كامل الحقوق والواجبات بالنسبة للمستثمرين فقط يجب أن يستثمر في الجزائر، ولا يهم أن يكون محليا أو أجنبيا مهاجرا أو جزائريا. وأوضح أستاذ التحليل الاقتصادي أنّ قانون الاستثمار فيه كثير من المميزات مقارنة بالسنوات السابقة، أهمها الاستقرار فهو لن يعدل على الأقل لمدة عشر سنوات، ناهيك عن الشفافية التي يكرّسها، وتبنّي الرقمنة من خلال الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ووضع عقار صناعي في خدمة المستثمرين المحليين وحتى الجزائريين الموجودين في الخارج عبر تمكينهم من الاستفادة منه.
وأشار سعودى إلى قوانين أخرى كقانون النقد والمصرفي الجديد، الذي أقرّ للبنوك الجزائرية بفتح فروع لها في الخارج، ضمان التحويلات بسلاسة أكثر، اعتماد الرقمنة، الدفع الإلكتروني، بل وأصبح الحديث في الجزائر اليوم على الدينار الرقمي، ناهيك عن محاولة تفعيل البورصة وفتح رؤوس أموال لكثير من البنوك الجزائرية والمؤسسات وإدراجها في البورصة، كل هذ المعطيات ستدفع الجزائريين المقيمين بالخارج للاستثمار بوطنهم، بعد ملاحظتهم توفّر الكثير من التعاملات المالية بالجزائر، والتي كانوا يتمنون أن تكون موجودة في الجزائر من أجل أن يكون هناك استقطاب لها وإقناع لها لتستثمر.
رئيس المنظّمة الجزائرية للتّجارة والاستثمار الاجتماعي: أبناء الجالية ثروة بشرية واقتصادية لا غنى عنهـا
يعتبر رئيس المنظمة الجزائرية للتّجارة والاستثمار الاجتماعي، جابر بن سديرة، دعوة رئيس الجمهورية أفراد الجالية الجزائرية لاستغلال المناخ الاستثماري المحفز، حرصا منه على مدّ جسور التواصل بين الجالية ومؤسسات الدولة عبر مبادرات مشتركة، كما تعكس التزام الرئيس بتعزيز الروابط بين أفراد الشعب، وتقوية التلاحم الوطني بإشراك الجالية في المشاريع التنموية الكبرى، موضحا أن الجزائريين في الخارج يمثلون ثروة بشرية واقتصادية لا غنى عنها، ما يستدعي الاستفادة من هذه القوة بتوفير بيئة حاضنة ومحفّزة تلبّي طموحات أبناء الوطن أينما كانوا.
يرى بن سديرة، أنّ أفراد الجالية الجزائرية في مختلف دول العالم، سفراء للوجهة الجزائرية والمنتوج الجزائري، من خلال تفاعلها مع مختلف المستجدات، أو تعريفها بما تزخر به الجزائر من مقومات للاستثمار المحلي، والتعريف بكل القوانين التي سنّتها الجزائر، خاصة في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى التزام رئيس الجمهورية المصرح به في سياق الخطاب الموجه للأمة، في ما يتعلق بعدم تغيير قانون الاستثمار، لعشر سنوات على الأقل، لافتا أن الجالية الجزائرية تعتبر حجر الزاوية في الترويج للمنتج الجزائري، خاصة لما نتحدث – حسبه – عن وجود ما يزيد عن 7 ملايين جزائري شمال فرنسا، ما يعني أن هذه الكتلة البشرية من الجالية الجزائرية، تمثّل رقم أعمال كبير في مجال التصدير، دون إغفال الحديث عن الجالية الجزائرية التي تمارس أنشطة اقتصادية في الخارج، والتي يمكن استغلال كفاءتها في التسويق والربط بينها وبين مختلف المنتجين – الأمر الذي تعمل عليه المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار، وسجلت بشأنه نتائج ايجابية – على حد قوله، من حيث ربط الجالية الاقتصادية مع مختلف المنتجين في الجزائر.
وتحدّث بن سديرة عن آليات جلب المستثمرين الأجانب، من خلال المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين من أفراد الجالية الجزائرية في المهجر، موضّحا أنّ ما يزيد عن 11 ألف مستورد جزائري يمكنهم تفعيل علاقات الشراكة والاستثمار مع الأجانب، في ظل حرص رئيس الجمهورية والتزامه بتذليل العقبات وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار داخل الوطن، لافتا أنّ تعزيز دور الجالية الجزائرية في الخارج، يبقى ضرورة ملحة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل الوطن، فبفضل خبراتهم، رؤوس أموالهم، وحبهم لوطنهم، يمكن للجالية أن تكون جزءاً لا يتجزأ من النهضة الاقتصادية التي تسعى الجزائر لتحقيقها.
الخطّة الاقتصادية سبب لبروز شركات جديدة ومؤسّسات ناشئـة
أما بالنسبة لمنسّق المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار الاجتماعي في أوروبا، كمال ياكر، فقد أكّد هو الآخر الدور البارز للجالية الجزائرية في المهجر، في التنمية الاقتصادية، نظرا للتحديات التي تمر بها الجزائر ودول العالم، والتي تعتبر تحديات اقتصادية بحتة وبالغة الأهمية، مؤكدا باعتباره واحد من أفراد الجالية، أن الخطة التي رسمتها الدولة تمثل استراتيجية حقيقية لتشجيع الاستثمار في الجزائر، إلى جانب التصدير الذي يعتبر – حسبه – عنصرا أساسيا لفتح المجال أمام اكتساح المنتوج الجزائري لدول العالم.
وأشار ياكر إلى أنّ الاستراتيجية المتخذة لدعم وتشجيع الاستثمار والمستثمرين في الجزائر، كانت سببا لبروز شركات جديدة ومؤسسات ناشئة، لاسيما في السنتين الأخيرتين، وقد أعطت نتائج ايجابية مهمة، في انتظار فتح مجالات أخرى للتصدير في ظل هذه الاستراتيجية، محصيا أزيد من 16 ألف منتج جزائري قابل للتصدير، مؤكدا جاهزية الجالية الجزائرية للترويج للمنتجات الجزائرية في أوروبا، في ظل الطلب المتزايد عليه من طرف الجالية.
وثمّن منسّق المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار في أوروبا، دعوة رئيس الجمهورية، القوية والصادقة لدعم المستثمرين من أفراد الجالية الجزائرية، وخطابه الذي احتوى الكثير من الدعم والتحفيز، أمام غرفتي البرلمان، مبرزا حكمة الرئيس تبون وحرصه على رسم خطة لجلب القدرات الجزائرية، وإشراكها في بناء قواعد الاقلاع الاقتصادي، موضحا أن العمل الجواري لمكاتب المنظمة في كل أنحاء أوروبا، قد أظهر تجاوبا لدى أفراد الجالية الجزائرية، التي لمست نقلة نوعية في الخطاب السياسي الداعم لسواعد الاقتصاديين الجزائريين داخل وخارج الوطن.
أستاذة جامعة ريو دي جانيرو بالبرازيل نادية نجاح: العقول الجزائرية بالمهجر قوّة دافعة للنّمو الاقتصـادي
تؤكّد د – نادية نجاح أستاذة بجامعة ريو دي جانيرو بالبرازيل، والمختصة في علوم وأنظمة الكمبيوتر والعضو في إدارة الجمعية البرازيلية للذكاء الحاسوبي، أنّ دعوة رئيس الجمهورية للجالية الجزائرية بالمهجر للاستثمار داخل الوطن، “خطوة جريئة” تعكس رؤية مستقبلية للجزائر، يعتمد نجاحها على قدرة الحكومة على خلق بيئة مشجّعة للمشاركة والاستثمار الفعال، وإطلاق العنان لموارد قوية من أجل تنمية الجزائر وتعزيز مكانتها افريقيا ومتوسطيا، مشيرة في حوارها مع “الشعب” إلى أنّ الدبلوماسية الاقتصادية تمثّل حجر الزاوية في الجهود المبذولة لجذب استثمارات الجالية الجزائرية، ونجاحها يعتمد على تكاملها مع سياسات داخلية شفافة وبيئة داعمة ومشاركة مستمرة مع الجالية، كقوة دافعة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
الشعب: وجّه رئيس الجمهورية دعوة صريحة للجالية للاستثمار بالجزائر وربط ذلك بالوطنية، ماهي قراءتكم لهذه الدعوة؟
البروفيسور نادية نجاح: دعوة رئيس الجمهورية للجالية الجزائرية المقيمة في الخارج للاستثمار في الجزائر تعكس تحوّلا استراتيجيا في نهج البلاد تجاه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وربط هذه الدعوة بالواجب الوطني يعكس عدّة جوانب أساسية وهي الاعتراف بقدرات الجالية أولا للمساهمة الاقتصادية، كون أن الجزائريين المقيمين بالخارج غالبا ما يمتلكون موارد مالية كبيرة، ومهارات وشبكات علاقات يمكن أن تكون مفيدة في تعزيز تنمية الجزائر، ناهيك عن الخبرة والابتكار، حيث يمتلك العديد من أفراد الجالية خبرات في مجالات متنوعة من التكنولوجيا إلى التمويل، ممّا يساعد في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد وتعزيز النمو.
ثانيا: تعزيز الهويّة الوطنية، حيث إنّ ربط الاستثمار بالوطنية يهدف إلى تعزيز روح الوحدة والهدف المشترك بين الجزائريين، سواء كانوا في الداخل أو الخارج، من خلال تأطير هذا الجهد كمهمة وطنية جماعية تسعى الحكومة إلى تعميق الروابط بين الجالية والوطن.
ثالثا: إعادة تموضع الجزائر، فرؤية الرئيس للجزائر كدولة رائدة في إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط تعكس طموحا لتوسيع نفوذها الإقليمي، ويمكن أن يكون حشد جهود الجالية وسيلة لتسريع هذه العملية من خلال الاستثمارات التي تدعم الصناعات الرئيسية والبنية التحتية والابتكار.
رابعا: إشارة إلى استراتيجية اقتصادية جديدة، فالدعوة قد تشير إلى أن الجزائر تسعى إلى تنويع اقتصادها الذي يعتمد على المحروقات، وقد تكون مشاركة الجالية جزءا من استراتيجية أوسع لجذب رأس المال الأجنبي، وتعزيز ريادة الأعمال وإنشاء قطاع خاص أكثر قوة.
تعمل الحكومة على إطلاق منصة جديدة للمعلومات والتواصل بين الكفاءات الجزائرية المقيمة في الخارج، والمواهب المقيمة على التراب الوطني بهدف دعم التبادلات وإطلاق مشاريع الشراكة، هل تعتقدين أنها ستكون بمثابة آلية تفاعلية بين مستثمري الداخل والخارج؟
إنشاء منصّة للمعلومات والاتصال بين الجالية الجزائرية المتخصصة والمقيمة في الخارج وأصحاب المصلحة المحليين في الجزائر يعد خطوة واعدة، إلا أنها ليست كافية وحدها لتحسين استثمارات الجالية بشكل كبير، لكي تكون هذه المنصة فعالة، يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية أوسع ومدروسة جيدا.
وفيما يلي العناصر الرئيسية التي يجب أن تكمل المنصة لتعظيم تأثيرها، بداية بالإطار الواضح للاستثمار وحوافز مشجعة على غرار الشفافية، إذ يجب أن توفر المنصة معلومات مفصلة عن فرص الاستثمار، والمتطلبات القانونية، والقطاعات الاقتصادية ذات النمو المحتمل، أما الحوافز فيجب تقديم إعفاءات ضريبية، أو منح أو إجراءات مبسطة للمستثمرين من الجالية يمكن أن يشجعهم على المشاركة.
تسهيل ودعم الخدمات، إذ يجب أن تتجاوز المنصة دورها كمصدر للمعلومات، وتشمل خدمات مثل المساعدة في الإجراءات البيروقراطية كالحصول على التراخيص وتأسيس الشركات، ربط المستثمرين بشركاء محليين موثوقين وموردين، توفير خدمات استشارية أو إرشادية لمساعدة أعضاء الجالية على فهم بيئة الأعمال في الجزائر.
التركيز على القطاعات ذات التأثير العالي، إذ ينبغي أن تسلط المنصة الضوء على القطاعات التي يمكن أن تحقق فيها استثمارات الجالية أكبر تأثير، مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، والسياحة، والزراعة، وتحديد المشاريع التي تتماشى مع الاتجاهات العالمية وخبرات الجالية سيجعل الاستثمارات أكثر جاذبية واستدامة.
الشراكة مع أصحاب المصلحة المحليين عبر تشجيع التعاون بين الجالية ورواد الأعمال المحليين والجامعات والشركات، يمكن أن يخلق بيئة استثمارية أكثر تكاملاً وفعالية، إذ يمكن أن تكون الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تشمل مستثمري الجالية وسيلة لتعزيز الثقة وتقاسم المخاطر.
المتابعة والتغذية الراجعة لضمان فعالية المنصة، يجب أن تكون هناك آليات لتتبع النتائج (مثل عدد الاستثمارات وتأثيرها الاقتصادي)، وتكييف المنصة بناءً على ملاحظات المستخدمين.
لهذا فالمنصّة مبادرة ممتازة، ولكن يجب اعتبارها الأساس لجهود أوسع لتحرير إمكانيات الجالية الجزائرية بالكامل، يجب على الحكومة دمج هذه الأداة مع سياسات مشجعة، ودعم مؤسسي قوي، وتواصل مستمر، فقط بهذه الطريقة يمكن للجزائر تحويل جاليتها إلى قوة دافعة للنمو والتنمية الاقتصادية.
تبادل الكفاءات الجزائرية على المستوى المحلي والدولي، مطلب ومسعى يحظى بالدعم والرعاية من المسؤول الأول بالبلاد، وفي كل المجالات سيما العلمية والتكنولوجية، لخلق القيمة المضافة المرجوة، كيف يمكن الاستفادة من الدياسبورا الموجودة في الخارج خدمة للمصالح العليا للبلاد؟
يمكن للجالية الجزائرية في الخارج أن تلعب دورا محوريا في تحقيق أهداف تعزيز التقدم العلمي والتكنولوجي، وخلق قيمة مضافة، وتعزيز التنمية المستدامة ونقل التكنولوجيا. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن للجالية من خلالها المساهمة على أعلى مستوى:
نقل المعرفة ومشاركة المهارات سواء بالإرشاد والتدريب، إذ يمكن للمهنيين من الجالية تقديم الإرشاد وتدريب العلماء والباحثين ورواد الأعمال المحليين، ونقل الخبرات وأفضل الممارسات من الدول المضيفة، بالتعاون من خلال إنشاء مشاريع بحثية مشتركة أو شراكات أكاديمية بين الجامعات الجزائرية والمؤسسات الدولية، أو تنظيم ورش العمل والمؤتمرات والمشاركة في فعاليات لنقل التقنيات والابتكارات المتقدمة.
الاستثمار في القطاعات ذات التأثير العالي عبر تمويل الشركات الناشئة، فالاستثمار فيها يكون بالتركيز على التكنولوجيا ومراكز الابتكار في الجزائر، إلى جانب تقديم المنح البحثية بهدف تمويل الأبحاث العلمية والتطوير التكنولوجي في المجالات الحيوية مثل الطاقة المتجددة والزراعة والرعاية الصحية، ناهيك عن تطوير البنية التحتية عبر دعم إنشاء مرافق بحثية ومختبرات متقدمة
تعزيز نقل التكنولوجيا لسد الفجوات من خلال العمل كوسيط لتسهيل الشراكات بين الكيانات الجزائرية والشركات التقنية الدولية، وتبني التقنيات عبر إدخال وتوطين أحدث التقنيات والحلول بما يتناسب مع احتياجات الجزائر، بناء الشبكات من خلال إنشاء منصات لربط المبتكرين المحليين بالأسواق والموارد الدولية.
الدعوة إلى السياسات ودعم المؤسسات سواء لأداء الأدوار الاستشارية عبر المشاركة في المجالس الاستشارية أو فرق العمل لتوجيه الحكومة بشأن سياسات واستراتيجيات الابتكار، تطوير المؤسسات عبر المساعدة في إنشاء مراكز التميز أو مراكز الفكر أو حاضنات الابتكار، بناء القدرات من خلال المساهمة في تحسين الأطر المؤسسية لدعم التقدم العلمي والتكنولوجي.
تعزيز التعليم وتنمية القوى العاملة من خلال التعاون الأكاديمي عبر الشراكة مع الجامعات الجزائرية لتطوير برامج متخصصة في مجالات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الحيوية، المنح والزمالات لتوفير فرص للطلاب والمحترفين الجزائريين للدراسة والتدريب في الخارج، التعلم عن بعد بتقديم دورات افتراضية وندوات عبر الإنترنت والإرشاد عبر الإنترنت لجمهور أوسع.
تشجيع ثقافة الابتكار عبر تبني النماذج الملهمة بإبراز قصص نجاح أفراد الجالية، الذين تفوقوا في مجالاتهم لإلهام الجيل القادم، والترويج لريادة الأعمال عبر تشجيع عقلية الابتكار، وحل المشكلات من خلال الاستثمار في الشركات الناشئة المحلية أو تقديم المشورة لها.
بناء شبكات أقوى عبر الجمعيات المهنية لإنشاء أو توسيع شبكات مهنية تربط أفراد الجالية الجزائرية عبر الصناعات المختلفة، أو عبر مراكز التعاون لإنشاء منصات رقمية أو مراكز فعلية يمكن أن يتعاون فيها المحترفون المحليون وأفراد الجالية، أو المنتديات العالمية عبر المشاركة في الأحداث العالمية للترويج لإمكانيات الجزائر وتعزيز الشراكات الدولية.
فالجالية الجزائرية في الخارج تملك الإمكانيات لتكون جسرًا بين الجزائر والمجتمع العلمي والتكنولوجي العالمي. ومن خلال الاستفادة من خبراتهم وشبكاتهم ومواردهم، يمكنهم المساهمة بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية الطموحة للبلاد. ومع ذلك، يعتمد النجاح على تهيئة الظروف الملائمة، مثل السياسات الشفافة، والبنية التحتية القوية، والمشاركة المستمرة بين الجالية وأصحاب المصلحة المحليين.
هل تعتقدين أنّ الدّبلوماسية الاقتصادية يقع عليها عبء كبير في إنجاح أي جذب للاستثمارات، سيما أبناء الجزائر من المهجر نحو الداخل؟
الدبلوماسية الاقتصادية تعتبر بالفعل أداة حيوية لجذب الاستثمارات، بما في ذلك تلك التي تأتي من الجالية الجزائرية ولكنها ليست العامل الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق النجاح في هذا المجال، إذ يتطلب الأمر نهجا متعدد الجوانب يجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية وعوامل أخرى مكمّلة لضمان تحقيق استثمارات مستدامة وفعالة.
وتركّز الدبلوماسية الاقتصادية على استغلال العلاقات الدولية والاتفاقيات التجارية والشبكات الدبلوماسية لجذب الاستثمارات؛ وهو أمر يمكن أن يشمل الجالية الجزائرية من خلال التفاعل عبر السفارات والقنصليات، تنظيم منتديات استثمارية خاصة بالجالية، الترويج لصورة الجزائر، تشجيع الشراكات العابرة للحدود.
أما العوامل المكمّلة لتحقيق النجاح، فإنه على الرغم من أن الدبلوماسية الاقتصادية تمثل الأساس، إلا أن تحقيق الاستثمارات وضمان استدامتها يتطلب الاهتمام بعدة عوامل منها بيئة ملائمة للأعمال، إصلاحات تنظيمية بالعمل على تبسيط الإجراءات البيروقراطية وضمان الشفافية في إدارة الأعمال، حوافز جذابة تُشجع الجالية على الاستثمار، تبني أطر قانونية واضحة لتوفير ضمانات قانونية لحماية حقوق المستثمرين، بالإضافة إلى آليات موثوقة لحل النزاعات.
إلى جانب البنية التحتية والربط لضمان وجود شبكات نقل وطاقة واتصالات موثوقة لدعم العمليات التجارية، ناهيك عن المنصات الرقمية تطوير بتطوير أنظمة إلكترونية لتسجيل الشركات والحصول على التصاريح، وتوفير المعلومات مما يسهل على أفراد الجالية الانخراط في المشروعات الاستثمارية
التركيز على القطاعات الاستراتيجية بتحديد القطاعات ذات الأولوية، مثل الزراعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والصناعات التحويلية، التي تتماشى مع احتياجات الجزائر وتقدمها، وأخيرا قياس النجاح لضمان فعالية الدبلوماسية الاقتصادية، يجب على الجزائر تتبع الاستثمارات القادمة من الجالية الجزائرية وتأثيرها على الاقتصاد الوطني ونموها على المدى الطويل، تقييم مدى سهولة تعامل المستثمرين من الجالية مع بيئة الأعمال في الجزائر، تحليل جودة الشراكات الناتجة عن المبادرات الدبلوماسية.
هل تعتقدين أنّ الجزائر تتوفّر على كل المزايا لتكون تنافسية دوليا سيما في ظل تحديات الذّكاء الاصطناعي؟
تمتلك الجزائر القدرة على أن تكون تنافسية على الساحة الدولية، بما في ذلك مجالات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مع موقعها الاستراتيجي، وقاعدة المواهب الشابة، والبنية التحتية المتنامية، فإن الأساس موجود. ومع ذلك، يجب على البلاد معالجة التحديات من خلال توفير بيئة ملائمة للابتكار، والاستثمار في التعليم والبحث، وبناء شراكات عالمية. يمكن أن تضع الجزائر نفسها كقائد إقليمي في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة إذا تمّ تنفيذ استراتيجية مركزة ومدروسة.
تتمتّع الجزائر بموقع جغرافي متميز في شمال إفريقيا، ممّا يجعلها بوّابة إلى أوروبا وغرب إفريقيا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. يمكن لهذا الموقع أن يعزّز الشراكات الدولية ويجذب الاستثمارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وغيرها من الصناعات التكنولوجية، ناهيك عن رأس مال بشري شاب وديناميكي يوفر قاعدة كبيرة من المواهب، فهناك عدد متزايد من الطلاب والمهنيين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، إلى جانب الجالية الجزائرية في الخارج، التي تضم العديد من الأفراد ذوي المهارات العالية، تمثل مصدرا غير مستغل للخبرات والتعاون في تطوير الذكاء الاصطناعي.
في المقابل قامت الجزائر بالاستثمار في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك توسيع الوصول إلى الإنترنت عريض النطاق وتحديث شبكات الاتصالات، هذه الجهود تمهّد الطريق لقطاع الذكاء الاصطناعي والصناعات المدفوعة بالبيانات، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية خاصة في قطاع الهيدروكربونات، ممّا يوفر الموارد المالية للاستثمار في صناعات جديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، واستخدامه في تحسين الصناعات الحالية مثل النفط والغاز، يرافق ذلك وجود مبادرات حكومية لتنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار وتطوير مراكز تكنولوجية، ممّا يتماشى مع الاتجاهات العالمية في تطوير الذكاء الاصطناعي.