تسعى الجزائر إلى تنمية تربية المواشي وتعزيز إنتاج اللحوم الحمراء من خلال عدة مبادرات وإجراءات تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالتوجه للاستغلال الإنتاج الوطني في صناعة أغذية الأنعام، وتنمية هذه الثروة محليا لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية للجزائريين.
تواجه شعبة تربية المواشي تحدّيات عديدة، بداية من التقلبات الاقتصادية وصولا إلى الضغوطات البيئية والتي تتمثل خصوصا في الجفاف الذي عرفته الجزائر لسنوات متتالية والتي أدّت إلى تدهور المراعي ونقص كبير في الأعلاف الذي كان له أثر كبير في نقص عدد القطيع، وهذا ما أكدته نتائج الإحصاء لسنة 2022-2023، الذي قامت به الدولة لأوّل مرّة، والذي خلص إلى تراجع هذه الثروة الحيوانية إلى 21.7 مليون رأس منها17.3 مليون رأس غنم من بينها 13 مليون من النعاج تتعرّض لاستغلال الذبح غير القانوني، أما فيما يخص الأبقار فإن عددها لا يتعدى 1.16 مليون رأس منها 525.000 من الأبقار الحلوب.
ولضمان استقرار شعبة اللّحوم الحمراء وتنميتها، أكد رئيس الجمهورية على توفير اللّحوم الحمراء وضبط أسعارها، والمحافظة على الثروة الحيوانية ومضاعفتها، عن طريق الانخراط في تنفيذ مخطط النهوض بشعبة اللّحوم الحمراء وحماية القطيع الوطني.
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش
تربيـة المواشي.. ثرواتٌ ومفاتيح في خـدمة الاقتصـاد الجديـد مخطط وطني النهوض بالشعبة وحمايـة القطيــع المحلـي
تحويل الجزائر من بلد مستهلك إلى منتج للحوم
تشتهر الجزائر منذ القدم بتربية المواشي، تشمل الأبقار والأغنام والماعز، وبالرغم من توفر الموارد الطبيعية، إلا أن معدلات الإنتاج لا تزال غير كافية لتلبية الطلب المحلي، ما أدى إلى استيراد كميات كبيرة من اللّحوم، ولكن كإجراء ظرفي ومؤقت وليس دائما، دفع رئيس الجمهورية للتدخل، لإعادة ضبط سياسة القطاع بتوجيهها نحو تعزيز الإنتاج ودعم القدرات الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة، خاصة وأن مقدرات وإمكانيات الجزائر تسمح بتحويلها من بلد مستهلك إلى بلد منتج ومصدر.
يقتضي رفع تحدي الإنتاج المحلي للحوم الحمراء إحداث القطيعة مع الاستيراد، سواء أغذية الأنعام أو اللحوم بنوعيها، وقد تحدث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في لقائه الأخير بالفلاحين، خلال إحياء ذكرى تأسيس اتحادهم، بلغة الصراحة، وعبّر لهم عن رفضه الاستمرار في استيراد أغذية الأنعام، واللّحوم الحمراء في نفس الوقت، حيث قال «من غير المعقول استيراد أغذية الأنعام واللّحوم مع بعض»، حاثا على إيجاد حل لهذه المسألة.
انجاز 3 ملايين محمية رعوية وتهيئة 430 ألف هكتار من الأغراس الرعوية تحسين المردودية العلفية للمراعي إلى أكثر من 200 وحدة للهكتار
كما رفض السماع لنداء بعض الأطراف التي دعت إلى استيراد المواشي لنحرها في العيد، وقال «لن نستورد فيه دول أقل مساحة من الجزائر وأقل إمكانيات تصدر في اللحوم اليوم». ودعا الموالين إلى تحديد مكامن الخلل، خاصة وأن الجزائر تمتلك اليوم الإمكانيات لتوفير أغذية الأنعام والمواشي، سواء الذرة، أو النخالة، وحتى مخلفات مصنع الزيت بجيجل، التي يمكن استغلالها لإنتاج أغذية مركبة للتسمين.
دعوات رئيس الجمهورية إلى تنمية تربية المواشي وتعزيز إنتاج اللحوم الحمراء، ترجمتها الوزارة الوصية، بتنصيب لجنة وطنية لانتعاش إنتاج اللحوم الحمراء في ديسمبر 2024، تهدف إلى تطوير قطاع اللحوم الحمراء وضمان استقرار سوق المواشي، وتضم اللجنة ممثلين عن الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والغرفة الوطنية للفلاحة، والفدرالية الوطنية لتربية المواشي، بالإضافة إلى مدراء المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي، والمعهد الوطني للطب البيطري، والشركة الجزائرية للحوم الحمراء.
النزول للميدان، واشراك الفاعلين في اتخاذ القرارات المصيرية سيما تلك المتعلقة بتطوير الشعب الفلاحية الهامة التي تعزز الأمن الغذائي للبلاد، جزء من استراتيجية الرئيس الذي أمر في أكثر من مناسبة «عدم مركزة القرارات على مستوى مبنى الوزارة بشارع عميروش بالعاصمة» واعتماد اللامركزية في وضع الخطط الاستراتيجية لتعزيز الإنتاج المحلي وتطوير البنية التحتية اللازمة لدعم هذا القطاع الحيوي.
ويواجه قطاع اللحوم الحمراء في الجزائر بحسب المختصين عدّة تحدّيات، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والحاجة إلى تحسين تقنيات التربية والتغذية، وهو ما يحتاج تعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص، وتقديم الحوافز للاستثمار في مشاريع تربية المواشي وإنتاج اللّحوم، مثل تحسين مرافق التبريد والنقل، وتطوير مراكز التلقيح الاصطناعي، وتعزيز البحث العلمي في مجال تحسين السلالات الحيوانية، تقديم قروض ميسرة ودعم تقني للموالين والمستثمرين، مما يسهم في زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحسين جودة اللّحوم المنتجة محليا.
وتعدّ منطقة السهوب أهم منطقة لتنمية حاجيات السكان من اللّحوم، حيث تحتوي على ما يعادل 80 بالمائة من الماشية الوطنية بحكم أنها تشكل نظاما بيئيا يسمح باستغلال كافة الموارد الطبيعية واحتياجات النشاط الذي يمارس بهذه المناطق.
ونظرا لأهمية هذه المنطقة وما تحتويه من مؤهلات طبيعية سانحة لتطوير شعبة اللّحوم الحمراء، وضعت الحكومة في وقت سابق عدّة برامج لاستغلال هذا الفضاء وخاصة المراعي وكذا تطوير هذه الشعبة الاستراتيجية، مما يستوجب العمل على المستوى المركزي والولائي قصد تحسين مردودية النشاط الرعوي بتقليص عجز العلف، تحسين المردودية العلفية لهذه مراعي من 30 وحدة للهكتار الى أكثر من 200 وحدة للهكتار للمحميات الرعوية وأكثر من 600 وحدة للهكتار للغراسة الرعوية، تجهيز وتهيئة الآبار الرعوية، دعم الأعلاف من شعير النخالة والأعلاف، المرافقة التقنية للمربين لتحسين طرق تربية المواشي، تفعيل ثلاث مجمعات للذبح في الجلفة، أم البواقي والبيض، وهذا بهدف خلق ديناميكية بين الفاعلين في القطاع والتقرب من مناطق الانتاج العالي وانشاء أقطاب انتاج اللحوم الحمراء، كما تم انجاز أكثر من 3 ملايين محمية رعوية مع تهيئة 430 ألف هكتار من الأغراس الرعوية.
ولأن إحصاء الثروة الحيوانية اجراء بالغ الأهمية، لأنه يسمح بتوفير معلومات موثوقة وقابلة للتحقق من الأرقام الحقيقية لمواردنا، يعكف مكتب الدراسات الخاصة بالتنمية الريفية على مراقبة معطيات الإحصاء العام للفلاحة، في قاعدة البيانات، وهذا قبل نشر النتائج الأولية، وكل اللجان المشكلة في وزارة الفلاحة ستستغل هذه المعطيات في أشغالها، بما فيها تلك الخاصة بتربية المواشي وإنتاج اللحوم الحمراء والعقار وغيرها، وهو ما يسمح بتحقيق تقدّم ملموس في هذا المجال، مما يسهم في مستوى المعيشة للمواطنين وضمان استدامة الموارد الطبيعية.
نائب رئيس الفدرالية الوطنية لمربي المواشي إبراهيم عمراني: هذه إستراتيجيتنا لضمان وفرة اللّحوم بأقّل الأسعار
أبدت الفدرالية الوطنية لمربي المواشي، استعدادها للمشاركة في مساعي السلطات الوطنية، لتنمية شعبة تربية المواشي، حتى تكون اللحوم الحمراء في متناول المواطن الجزائري بأقل الأسعار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه الشعبة، انطلاقا من إحصاء دقيق لعدد رؤوس الماشية الموجودة في الجزائر وتوجيه الدعم للمهنيين الحقيقيين واعتماد الطرق الحديثة في تربية الأغنام والأبقار خاصة.
قدّم نائب رئيس فدرالية مربي المواشي إبراهيم عمراني في تصريحه لـ «الشعب» مقترحات للوزارة الوصية، وصفها بـ «المستعجلة» لرفع الإنتاج الوطني من اللحوم الحمراء وجعله في متناول المستهلك الجزائري بسعر أقل عبر تنمية الثروة الحيوانية الوطنية، أوّلها التوقف عن ذبح الأنثى سواء في الأبقار، الماعز، أو الأغنام، لأنها وحدة الإنتاج مثلما ذكر.
وأشار إلى أن الفدرالية قدمت لوزارة الفلاحة منذ عامين، المحاور التي يجب اعتمادها لتطوير شعبة المواشي، حتى يكون الإنتاج وفير، وبسعر في متناول المواطن الجزائري، من بين المحاور التي رآها مستعجلة، التوقف عن ذبح الأنثى سواء في الأبقار، الماعز، أو الأغنام، لأنها هي وحدة الإنتاج.
وثمّن في هذا السياق، البرنامج الذي سطره رئيس الجمهورية لإعادة إحصاء الثروة الحيوانية، وترقيم رؤوس المواشي، سواء عن طريق الشرائح الإلكترونية، أو بأي وسيلة أخرى، معتبرا أن هذا الإجراء سيسمح بتحديد عدد الإناث، والجهات المنتشرة فيها والموزعة عليها، وهذا ما سيضع كل مربي في أي منطقة كان تحت رقابة السلطات الوصية، خاصة وزارتي الداخلية والفلاحة، اللذين عليهما تشديد الرقابة على القطعان المتوفرة لأنها وحدات إنتاج اللحوم الحمراء عبر الوطن.
ونبّه نائب رئيس فدرالية مربي المواشي، إلى أن الإجراءات السابقة، لم تحقق تقدم في تطوير هذه الشعبة، لأن إحصاء حجم الثروة الحيوانية في الجزائر لم يكن دقيقا، بدليل الأرقام المتداولة سابقا التي كانت تشير إلى توفر الجزائر على 30 مليون رأس من الماشية، ليتضح بعد الإحصاء الأول، وجود 17 مليون رأس، وحتى هذا الرقم يحتاج بحسبه إلى تحديد مكان انتشاره، لذلك ترقيم عدد رؤوس الماشية يجب أن يكون شاملا عبر كل التراب الوطني، انطلاقا من القرى والمداشر، البلديات، الولايات.
وتسمح عملية ترقيم رؤوس المواشي بحسب المتحدث، بمراقبة ومتابعة قطعان الماشية خاصة المتنقلة، حتى في حال بيعها، حيث يتم تتبع مسارها عن طريق الرقم التسلسلي الخاص بها، وهذا ما يبقيها تحت عين الدولة، مثلما قال « تعلم من أين أتت وإلى أين ذهبت، لأنها وحدات إنتاجية، وإذا احتاج الموال أي شيء تتدخل الدولة لمساعدته بطريقة منظمة وتحت رقابة مشددة، وليس بمنح أموال الدعم لشراء العلف والدواء، ثم تصطدم بعدم توفره على المنتوج».
وتحدث عمراني على ضرورة تقديم الدولة الدعم للمربي المتواجد في الشمال أو الجنوب، الذي يمارس مهنته بأرضه، عن طريق توفير المياه، لأن الماشية تحتاج للكلأ، وهذا الأخير توفيره يجب أن يكون بطرق متطورة، بزرع بذور النباتات العلفية مثل الخرطال، التريتيكال، وغيرها من المواد التي تدخل في تربية المواشي، ولكن هذا المشروع يحتاج بحسبه إلى توفير الأرض والمياه، وهذه من الشروط الأساسية لتطوير شعبة تربية المواشي، والشرط الثالث توفير البذور بحسب حاجيات المربيين، الأسمدة، الغطاء الصحي للماشية، بحيث تكون تحت مراقبة الدولة، لأن قطعان الماشية صحيح ملك للمربيين والموالين، ولكن ملك للجزائر ككل، مثلما ذكر، لذلك ينبغي تنميتها وتطويرها، على أن تتدخل السلطات الوطنية برفع العراقيل والمشاكل التي تعترض هذه الشعبة حسب خصوصية كل منطقة.
ورأى عمراني، أن الأعلاف المدعمة التي تمنح للفلاح والموال، غير كافية، موضحا أنه يحتاج إلى كميات من الشعير لفترة محددة تمتد من سبتمبر إلى مارس أفريل، وخلال هذه الفترة التي تتراوح بين 4 إلى 5 أشهر، يستفيد الموال مرة واحدة أو مرتين على أكثر تقدير من الدعم بالأعلاف، ولكن باقي الفترة يضطر لشراء الأعلاف بـ 4000 أو 6000 دج للقنطار، ولتوفير الكمية التي يحتاجها يضطر أحيانا إلى بيع عدد من رؤوس المواشي، بسبب المضاربة في أسعار العلف، التي تصل معدلات قياسية خاصة في فترة الجفاف، ونقص الأمطار.
ولضمان الاستقرار في هذه الشعبة، شدّد عمراني على ضرورة تشجيع المربيين على الحفاظ على رؤوس الأغنام والأبقار بتنميتها وتطوير طرق تربيتها، وتدخل الدولة لمنع بيع رؤوس المواشي، خاصة الإناث، وتقديم الإعانات للمربيين خلال فترة الجفاف أو نقص الأمطار، ولو عن طريق قرض لشراء الأعلاف أو الأدوية، على أن يقوم المربي بتسديده بعد بيع المنتوج أو بيع رؤوس المواشي لمذابح الدولة.
وسجل عمراني، تقديم دعم كبير للمستثمرين في قطاع الفلاحة من طرف الدولة، ولكن دعا إلى إعادة النظر في هذا الأمر، بتوجيه الدعم للمهنيين الحقيقيين، أو ما أسماهم بـ «أصحاب المهنة»، مشيرا إلى أن الظروف الطبيعية دفعت العديد من الموالين إلى التخلي عن هذه المهنة، ببيع نصف قطعانهم، وآخرون اتجهوا إلى مهن أخرى، لذلك ينبغي إزالة كل العقبات أمام الموالين، واستمرار تقديم الدعم للموالين حتى لا يتركوا هذا المجال، لأنهم أدرى بتطويره.
المفتشة البيطرية د. سميرة جعفري: تحقيق نقلة نوعية في إنتاج اللّحوم بالسـلالات المحلية
أكدت هدى سميرة جعفري المفتشة البيطرية والخبيرة المستشارة في المجال الفلاحي أن تأسيس لجنة وطنية متخصصة في انعاش إنتاج اللحوم الحمراء عبر تنمية الثروة الحيوانية يمثل خطوة إيجابية وفرصة لتحقيق نقلة نوعية في هذا القطاع الحيوي، على أن يكون ذلك بمساهمة الأطباء البياطرة، على اعتبار أن الطبيب البيطري يمثل أمن الدولة في الإنتاج الحيواني المستدام، ووفق خطة عمل تخضع لرزنامة محددة برؤية استشرافية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى.
اعتبرت د. جعفري في تصريح لـ «الشعب» انتاج الثروة الحيوانية ذو أهمية كبيرة نظرا لارتباطه بأهداف استراتيجية تتعلق بالأمن الغذائي من خلال ضمان توفير اللحوم الحمراء بسعر معقول وبجودة عالية للمستهلك المحلي، والمساهمة في التنمية الاقتصادية عبر استحداث فرص عمل جديدة، وزيادة الدخل القومي، ولما لا التصدير، إلى جانب تحقيق الاستدامة باعتماد ممارسات زراعية مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية.
وترى المفتشة البيطرية أن اللجنة المستحدثة ستضطلع بوضع استراتيجية وطنية شاملة لتطوير خطة عمل واضحة المعالم تحدد أهداف قصيرة وطويلة الأجل، وتحدد الموارد اللازمة لتحقيقها، بهدف تنمية الثروة الحيوانية لزيادة أعداد رؤوس الماشية وتحسين سلالاتها، وتوفير الأعلاف والخدمات البيطرية اللازمة.
وبحسب المتحدثة يتعين العمل على تطوير سلسلة القيمة من خلال تحسين عمليات الإنتاج والتسويق والتوزيع، وتطوير صناعة الأغذية الحيوانية، ناهيك عن دعم المربيين وذلك بتوفير الدعم المالي والتقني للمربيين الصغار والكبار، وتسهيل حصولهم على التمويل، إلى جانب البحث والتطوير وذلك بتشجيع البحث العلمي في مجال الثروة الحيوانية، وتطوير تقنيات جديدة لزيادة الإنتاجية، والانفتاح على التعاون الدولي في هذا المجال من خلال بناء شراكات مع الدول الأخرى لتبادل الخبرات والتكنولوجيا.
وقدمت الخبيرة المستشارة في المجال الفلاحي مقترحات مهمة لتنفيذ الاستراتيجية التي تعكف اللجنة على التحضير لها حتى تكون شاملة وواقعية، توفر الدعم اللازم للمربيين، وتمكن من تحقيق أهداف الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية والاستدامة، خاصة وأنه يتم الاعتماد على استيراد اللحوم الحمراء والبيضاء كإجراء استعجالي للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، علما أنه بالنسبة للأغنام يمكن الاعتماد على تطوير السلالات المحلية أما الأبقار فلا مهرب من الاستيراد.
ومن بين المقترحات المقدمة، تشكيل لجنة تقنية تضم خبراء في مجال الثروة الحيوانية والاقتصاد الزراعي والتسويق، تقييم الموارد المتاحة للقطاع سواء كانت طبيعية، بشرية أو مالية، في المقابل يتعين بحسب د. جعفري تحديد العقبات والتحديات التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية، مثل نقص المياه، وتدهور الأراضي، وانتشار الأمراض، واقتراح حلول عملية للتغلب على هذه التحديات، مع تحديد مؤشرات لقياس أداء القطاع وتقييم نجاح الاستراتيجية والذي لن يكون إلا بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية وتقييم نتائجها بشكل دوري.
شعبة لأغذية الأنعام ضرورة..
وترى المتحدثة أنه لإنجاح انتعاش الثروة الحيوانية لا بد من إنشاء شعبة متخصصة في أغذية الأنعام، وهو الأمر الذي يعتبر عنصرا أساسيا في نجاح هذه الاستراتيجية، حيث ستقوم هذه الشعبة بتطوير أعلاف ذات جودة عالية وبتكلفة مناسبة، وضبط الجودة في الأعلاف المستخدمة في تغذية الحيوانات، مع توعية المربيين بأهمية تغذية الحيوانات بشكل صحيح.
ولاستعادة الجزائر لثروتها الحيوانية أكدت المتحدّثة على أهمية رقمنة القطاع الزراعي، لأنه بالرقمنة تبنى الاستراتيجيات، بما فيها انشاء منصة رقمية مركزية على مستوى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري للتحكم الفوري في التصريح الصادر عن الطبيب البيطري لمتابعة الحالة الوبائية «النواقل».
تجريم ذبح الأنثى لضمان التكاثر..
كما يتعين تفعيل عدة إجراءات ميدانية على غرار تفعيل قانوني تجريم ذبح الأنثى وتجريم الذبح العشوائي للحفاظ على الاناث، واعتماد برنامج لمدة 5 سنوات من تربية الأنثى مقابل تجميد التضحية بالخروف المحلي مقابل الخروف المستورد المضحى به في المسلخ «لعدم خلط السلالات».
في المقابل لابد من تفعيل دور المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي من أجل المحافظة على السلالات الجزائرية المحلية من الأغنام خاصة سلالة الدغمة وأولاد جلال، الرامبي، تعظيمت، الدمان والسيداون، واستعمال السائل المنوي المحدد للجنس في عملية التلقيح الاصطناعي من أجل الحصول على الاناث للتكاثر، ناهيك عن تفعيل دور المعهد التقني لتربية الحيوانات في التكوين للحصول على اليد العاملة المؤهلة بالتقنيات الحديثة، ومرافقة البحث العلمي لإنتاج الاعلاف بمواد محلية وادخال تقنيات جديدة كالأزولا والشعير المستنبت والفول.
المزارع الذكية للأغنام لزيادة الإنتاجية..
من جهة أخرى ترى الخبيرة المستشارة في المجال الفلاحي ضرورة الذهاب نحو الذكية للأغنام التي تستخدم تقنيات متقدمة لتحسين عملية تربية الأغنام وزيادة كفاءتها، وتشمل هذه التقنيات نظم المراقبة، أجهزة الاستشعار، نظم التحكم الآلي ونظم تحليل البيانات.
وبحسب د. جعفري تسمح المزرعة الذكية للأغنام بزيادة الإنتاجية، تحسين جودة المنتجات الحيوانية والحليب، تقليل التكاليف، تحسين ظروف العمل، فمثلا إن تم توفير محور 50 هكتارا (طول 400 متر) الطاقة الشمسية 150 كيلو واط، توفير من 3300 الى 4000 رأس خروف، ومروج البرسيم 45%، الذرة الرفيعة (السورغو) 50%، المركز 5%، التسمين في 6 أشهر، سينتج الحقل 10 طن للهكتار من المروج في 6 أشهر، وبمعدل استخدام 80%، سيكون لدينا 400 طن لأغنامنا على مساحة 50 هكتارا.
وإلى جانب ذلك لابد من انشاء المزارع النموذجية والتعاونيات الفلاحية لتنظيم المهنة، واجبارية التأمين الفلاحي، والأهم من كل ما سبق حماية الحدود من عمليات تهريب ماشيتنا الى الدول المجاورة للحفاظ على جدوى الجهود المبذولة من الدولة.
المختص في العلوم الزراعية والبيطرية عاشور مناني: في الجزائر أجود سلالات الأغنام في العالم
يرى الأستاذ المحاضر بجامعة المسيلة، قسم العلوم الزراعية والبيطرية د. عاشور مناني أن التفكير في إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرارا صائبا لارتباطه الوثيق بالأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات المتزايدة للاستهلاك الوطني لمادة اللحوم، وهذا للخروج من المناسباتية وحتى تلتحق بمختلف الشعب الفلاحية التي حققت نتائج جد مرضية مقارنة بالسنوات الفارطة، ما من شأنه ضمان سلسلة تكاملية بين مختلف الشعب وتحقيق تنمية اقتصادية يضيف الأستاذ في حوار مقتضب لـ» الشعب»، وذلك انطلاقا من إمكانياتها المحلية من خلال الاستثمار في سلالاتها المحلية وكذا بالاستفادة من مختلف التقنيات والتكنولوجيات الحديثة لرفع الإنتاجية من أجل إحداث نقلة نوعية في هذا المجال ما يعود بالفائدة على المواطن والاقتصاد.
الشعب: إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرار جاء تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية اقتداء بالنتائج الإيجابية المحققة في الفلاحة، ما مدى أهمية القرار خاصة في تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك بعيدا عن المناسباتية؟
د. عاشور مناني: إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرار جاء تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية اقتداء بالنتائج الإيجابية المحققة في الفلاحة وفي الشعب الفلاحية الأخرى، يعتبر هذا القرار هام جدا لعدة اعتبارات أهمها التكامل الموجود بين مختلف الشعب الفلاحية فمثلا نشاط تربية المواشي يكون في أغلب الحالات مرتبط بزراعة الحبوب Élevage-céréalicuture، فزراعة الحبوب تمثل المصدر الأول لتوفير العلف الموجه للماشية بعد عمليات حصاد ودرس الحبوب.
فأهم هذه المصادر هو التبن الذي يعتمده الموالون كعلف أساسي للماشية أو الرعي في الحقول التي كانت مزروعة بالحبوب بعد عملية الدرس. أما فيما يخص تربية المواشي في المناطق السهبية التي تعتمد على الرعي، فمادة الشعير تستعمل في فترات عديدة على مدار السنة وبكميات جد معتبرة خاصة في فترات تكاثر الماشية وفترات الولادة والإرضاع، لذا فإن كل ما تنتجه شعبة زراعة الحبوب من مادة الشعير يوجه لاستعماله كعلف للماشية.
كذلك شعبة انتاج الخضروات فهي توفر أيضا مصدر معتبر لأغذية المواشي، وهذا باستعمال مخلفات هذه الزراعات للرعي وبالتالي تغطية جزء من الاحتياجات الغذائية للمواشي.
شعبة أخرى شهدت تطور ملحوظ في السنوات الاخيرة وخاصة بمنطقة الجنوب الكبير وهي شعبة إنتاج الأعلاف الموجهة لتغذية المواشي، فما تنتجه هذه الشعبة الفلاحية يوجه مباشرة لتغذية المواشي خاصة منها الأعلاف الخضراء والتي تساعد كثيرا على توفير مصدر غذائي غني ومتكامل خاصة في فترة نقص الأعلاف الخضراء في فصل الشتاء.
كل هذه المعطيات تبين التكامل الحاصل بين شعبة تربية المواشي والشعب الفلاحية الأخرى وهو ما يخلق توازن واستمرار لهذه الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يمكننا القول بأن مختلف الشعب الفلاحية تخدم شعبة تربية المواشي بتوفيرها لمصدر غذائي هام على مدار السنة، وهو أهم عامل للحفاظ على استقرار شعبة تربية المواشي كون تكلفة الأعلاف تمثل حوالي 70% من التكلفة الإجمالية للإنتاج في شعبة تربية المواشي.
هل ترى أن بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر يكون بالسلالات المحلية أم باستقدام سلالات أخرى معروفة بإنتاجها الوفير؟
فيما يخص هذه النقطة بالذات فإنه يجب التذكير بأن الجزائر تمتلك أحسن سلالات الأغنام في العالم وأجودها من ناحية القدرات الإنتاجية أو من ناحية جودة ونوعية اللحوم، لكن ما شهدته البلاد مؤخرا من تذبذب في توفير احتياجات السوق الوطنية من اللحوم هو ناتج أساسا عن الذبح العشوائي للإناث الذي استنزف الثروة الحيوانية وكان سببا في نقص عدد رؤوس الأغنام فمن المفروض أن المذابح لا تستقبل نهائيا النعاج وتسمح فقط بذبح الذكور، لذا فنحن في حاجة ماسة لسن قانون يجرم ذبح الأنثى للحفاظ على ثروتنا الحيوانية التي تمثل المصدر الأساسي لإنتاج اللحوم الحمراء، وفرض رقابة صارمة على المذابح وكذا نقل اللحوم عبر الطرق.
اللجوء إلى الاستيراد حاليا أراه قرار مؤقت فقط يسمح لنا بإعادة التوازن إلى قطعان الماشية المحلية وبالتالي الحفاظ على السلالات المحلية التي تعتبر من أحسن السلالات العالمية وهذا لا يكون كما ذكرنا سابقا إلا بمنع ذبح الإناث والرقابة الصارمة للمذابح.
هل تعتقد أن إمكانيات المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي، والمعهد الوطني للطب البيطري، كافية أم أن الشعبة مطالبة بالانفتاح على شراكات أخرى وفتح المجال أمام الخواص من أجل الاستفادة من أحدث التقنيات التكنولوجية والعلمية المستعملة في هذا المجال؟
بعث شعبة تربية المواشي اليوم يحتاج إلى تكافل عدة شركاء، منهم المؤسسات البحثية كالجامعات والمعاهد الوطنية المتخصصة في تربية المواشي، المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي والمعاهد التقنية لتربية المواشي وفيدراليات وجمعيات تربية المواشي والموالين.
تظافر جهود كل هذه الأطراف الفاعلة في شعبة تربية المواشي يمكنه رسم خطة عمل محكمة تتماشى والظروف الحالية التي تعيشها الشعبة، وهذا لن يكون إلا بتشخيص الوضع الحالي للشعبة ثم طرح مجموعة من الحلول التي تساهم في إعادة بعث شعبة تربية المواشي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء.
ومن أهم هذه الحلول هو مراقبة المذابح بالدرجة الأولى لأنها كانت السبب في استنزاف الثروة الحيوانية وهذا نتيجة الذبح العشوائي للإناث وهو ما أدى إلى تراجع أعداد الماشية، ناهيك عن رفع القدرات الإنتاجية للمواشي وهذا بتوفير الأعلاف ذات الجودة العالية وبكميات كافية على مدار السنة.
إلى جانب الاعتماد على التقنيات الحديثة والمتطورة للرفع من إنتاجية المواشي والاعتماد على طرق الإنتاج المكثفة، لأن الاحتياجات الوطنية تبقى في تزايد مستمر، بالإضافة إلى التكوين المستمر للمربيين والفلاحين المتخصصين في تربية المواشي يساعد على تطبيق الحلول المقترحة للرفع من إنتاجية المواشي، وهذا لن يكون إلا بتحسيس الفلاحين لأهمية تطبيق الطرق الحديثة في تربية المواشي ومسايرة التطور العلمي وكذا الظروف المناخية التي تشهدها مختلف مناطق العالم عامة والجزائر خاصة والناتجة عن التغيرات المناخية، فالتأقلم مع هذه الظروف يفرض علينا اعتماد تقنيات حديثة لم نعتد على استعمالها من قبل.