على ضوء حصيلة مهمة لأداء الخدمات المالية الإسلامية، في ظرف زمني لا يتعدى الأربع سنوات، برزت الرؤى وتجدد النقاش حول أهمية الدور المقبل للصناعة المالية الإسلامية في امتصاص المزيد من الموارد المالية المكتنزة في دائرة السوق الموازية، إذ يرى خبراء أن مواصلة نهج الإصلاحات يشكل حتمية حيوية لإدماج المزيد من الأموال بالعملة الصعبة، ضمن إطارها الرسمي المتمثل في البنوك والمؤسسات المالية. ومازال الانشغال الأكبر يتمحور حول ضخ المزيد من الأموال ضمن آلية الادخار وتنويع الخدمات الإسلامية، بل وإنشاء بنوك إسلامية مستقلة كخيار ذي أولوية، بعد أن أثبت نجاعته.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
إن الجزائر عازمة على المضي نحو تحقيق المزيد من المكاسب وتوفير مختلف المزايا لتعزيز نجاعة المنظومة المالية أكثر، في وقت قطعت فيه الرقمنة أشواطا معتبرة وسجل تغيير كبير ومحسوس في التسيير بهدف تسريع الأداء على مستوى العمليات المالية خاصة السرعة القياسية المطلوبة في التحويلات وتعميم آليات الدفع عن بعد، وفي خضم هذا التحول فإن الصيرفة الإسلامية باتت تحتل حصة الأسد من حيث الاهتمام والإرادة القائمة في طرح المزيد من التنويع وخدمات أوسع. وأثبتت خدمات الصيرفة الإسلامية على أنها بديل مالي قوي وطويل الأمد، يمكن أن يعول عليه مستقبلا في جذب المزيد من الأموال المكتنزة وتعزيز محفظة الادخار لتمويل الكثير من المشاريع الاستثمارية الإستراتجية والمساهمة في بناء منظومة مالية مرنة وكذلك بهدف تعزيز الشمول المالي وبالتالي تنويع أكبر للمنتجات المالية.
مدير الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي: ودائع الشبابيك الإسلامية تجاوزت 817 مليار دينار
تماشيا مع متطلبات السوق المالية وفي إطار الإصلاحات الشاملة التي باشرت بها الجزائر، أعطى قانون النقد والصرف الجديد، حيزا رسميا وواسعا للصيرفة الإسلامية كنشاط مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية، تسهر على مرافقته ومراقبته هيئة الرقابة الشرعية التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، المتكونة من كبار مشايخ وعلماء الجزائر، من أجل تقديم منتجات بنكية حلال، متوفرة على مستوى البنوك والمصارف على غرار القرض الشعبي الجزائري الذي قدم ما يزيد عن 20 منتجا حلال خلال السنتين الأخيرتين.
أوضح مدير الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي الوطني، سفيان مزاري، في اتصال مع “الشعب”، أن المالية الإسلامية أصبحت رافعة هامة لتعزيز الشمول المالي وتنويع المنتجات البنكية منذ إطلاقها في الجزائر عام 2020، حيث شهد هذا القطاع نموا ملحوظا، مما يعكس اعتمادا متزايدا من قبل السوق على المنتجات المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
واستند في طرحه هذا إلى الحصيلة المسجلة نهاية سبتمبر 2024، التي تشير إلى أن ودائع المالية الإسلامية قد تجاوزت عتبة 817 مليار دج، موزعة على 745 ألف حساب من خلال شبكة تضم 861 وكالة وشباك مخصص. يعكس هذا الانتشار الواسع الجهود المستمرة التي تبذلها البنوك لتلبية الطلب المتزايد والمتنوع على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. أما بالنسبة للتمويلات الإسلامية، فقد تم تخصيص437 مليار دج للمؤسسات، بينما تم منح 68 مليار دج للأفراد، ليصل إجمالي التمويلات إلى أكثر من 505 مليار دج.
وفي قراءة لهذه الأرقام، أفاد مزاري أنها حصيلة مهمة بالنظر إلى المدة القصيرة التي انتشرت خلالها، لا تعكس فقط التزام البنوك بدعم وتمويل الاقتصاد الوطني، بل تسلط الضوء على مدى اهتمام المتعاملين الاقتصاديين، إضافة إلى شريحة واسعة من المواطنين بالصيرفة المالية كبديل مالي.
حلول مبتكرة..
وبالحديث عن أهداف هذه الصيغة البنكية التي تمكنت من اكتساح السوق المالية، مباشرة بعد الإصلاحات التي عرفتها المنظومة النقدية والمصرفية في الجزائر، فتح مزاري قوسا ليشدد أن تحقيق الشمول المالي هو أحد أهم أهداف النظام المالي، ويمكن القول إن الصيرفة الإسلامية في الجزائر قد قطعت خطوات ملموسة نحو تحقيق هذا الهدف. في هذا السياق استند إلى تجربة البنك الشعبي الجزائري التي تظهر أن أكثر من %75 من عملاء المالية الإسلامية ينتمون إلى خارج قاعدة عملائه التقليدية.
علاوة على ذلك، يساهم هؤلاء العملاء الجدد بأكثر من 50% من إجمالي الودائع المسجلة على مستوى الشباك الإسلامي. مؤشر يعكس بوضوح قدرة الصيرفة الإسلامية على استقطاب شريحة كبيرة من الأفراد غير المنخرطين في النظام المصرفي التقليدي، مما يعزز من مستويات الشمول المالي في الجزائر.
وبنهاية 2024، تمكن الشباك الإسلامي للقرض الشعبي الجزائري من جمع ودائع إسلامية تقارب 49 مليار دينار، مع تسجيل معدل نمو مذهل بنسبة 40% مقارنة بالسنة الماضية.
وتابع ذات المتحدث يقول إن الشمول المالي لا يقتصر فقط على استقطاب الأموال غير الرسمية، بل يشمل أيضا تعزيز الوعي المالي وتوفير حلول تمويلية مبتكرة وموجهة للفئات التي تواجه صعوبة في التعامل مع النظام المصرفي التقليدي. لتقدم المالية الإسلامية الحل، بفضل مبادئها القائمة على الشراكة والشفافية وعدم استغلال الفائدة، مما يمكن من إقناع واستقطاب هذه الفئات المتحفظة من الالتحاق بالنظام المصرفي الكلاسيكي.
في سياق متصل، اعتبر سفيان مزاري أن الصكوك السيادية وبفضل التدابير المنظمة والمؤطرة لبيئة الصكوك السيادية، التي جاء بها قانون المالية لسنة 2025، تشكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ المالية الإسلامية بالجزائر، حيث سمح للخزينة العامة بإصدار صكوك سيادية كمنتجات سيادية مبتكرة وأداة مالية تعد الأولى من نوعها في الجزائر، تهدف إلى تمويل المشاريع الاقتصادية التابعة للقطاع العمومي التجاري وتمكن من استقطاب الأموال المكتنزة.
وتعتبر الصكوك السيادية خيارا استراتيجيا لتعبئة الموارد المالية -أردف مزاري- دون الاعتماد المفرط على القروض التقليدية. كما أنها تتيح فرصة لجذب مستثمرين محليين وأجانب من المهتمين في بالاستثمار في أدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وبالنظر إلى وجود سيولة كبيرة خارج النظام المصرفي الرسمي، تقدر بحوالي 9 آلاف مليار دج، يمكن للصكوك السيادية أن تلعب دورا هاما في استقطاب جزء كبير من هذه الأموال وإعادة تدويرها داخل الاقتصاد الرسمي.
حوكمة جديدة
واغتنم مزاري الفرصة ليوضح أن أهمية المالية الإسلامية في الجزائر لا تقتصر على الشمول المالي فقط، بل تمتد لتشمل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتمويلات الإسلامية، على غرار المرابحة والمضاربة والإجارة، تقدم حلولا تمويلية مبتكرة تلبي احتياجات مختلف الشرائح الاقتصادية، فعلى سبيل المثال توفر المرابحة خيارا مناسبا للأفراد الراغبين في اقتناء مساكن أو سيارات بطريقة تتوافق مع قيمه، في حين تساعد الإجارة المؤسسات على تمويل أصولها الإنتاجية دون الحاجة إلى التملك المباشر.
كما تقدم كل من المشاركة والمضاربة إطارا ملائما لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يعزز من فرص الابتكار وخلق الوظائف. في هذا السياق، يمكن للمالية الإسلامية أن تلعب دورا محوريا في تمويل القطاعات الإستراتيجية مثل الزراعة، الطاقات المتجددة، والبنية التحية التي تحتاج إلى تمويل طويل المدى، وهو ما توفره الأدوات المالية مثل الصكوك والاستثمارات المشتركة.
أما فيما يتعلق بالتحديات والفرص المطروحة بقطاع المالية من خلال منتجاته الإسلامية المبتكرة، أجاب مزاري، أنه وعلى الرغم من التطورات الإيجابية، لا يزال القطاع يواجه عددا من التحديات التي يجب معالجتها لتعزيز الاستفادة من قدراته، أهمها الثقة والوعي حيث لا تزال الحاجة ملحة لبعث المزيد من الوعي والثقة بين العملاء حول المنتجات الإسلامية وطبيعتها التشاركية، خاصة وأن العديد من المواطنين يخلطون بين المنتجات الإسلامية والتقليدية بسبب عدم وضوح الفروق أو نقص الشفافية.
وتطرق المتحدث إلى مسألة المنتجات الإسلامية وأكثرها تداولا وانتشارا، موضحا أن البنوك في الجزائر قد ركزت بشكل خاص على بعض المنتجات مثل المرابحة، بينما تظل أدوات أخرى مثل المضاربة المشروعة والمشاركة والصكوك محدودة التطبيق وتحتاج إلى المزيد من الجهود من أجل توسيع رقعة استعمالاتها، ويبقى الاستثمار في الابتكار وتطوير منتجات جديدة الوسيلة الأنجع لتوسيع قاعدة العملاء -حسب ذات المتحدث- الذي شدد على الإطار التنظيمي وضرورة تطوير نظام رقابي شامل يضمن الامتثال الكامل للشريعة الإسلامية ويعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
بنوك رقمية..
ولا يمكن الحديث عن حوكمة عصرية ومنتجات مبتكرة، دون التطرق إلى الرقمنة التي اعتبرها سفيان مزاري، أحد المحركات الرئيسية لنمو المالية الإسلامية في المرحلة الراهنة، من خلال إدخال حلول تكنولوجية مبتكرة مثل البنوك الرقمية الإسلامية والتطبيقات الإلكترونية، بإمكانها المساهمة في تحسين الوصول إلى الخدمات وتعزيز آفاق النمو ومحركات التطوير لاستغلال أمثل لإمكانات المالية الإسلامية في الجزائر وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية.
ولتحقيق ذلك ركز المتحدث، على عدة محاور إستراتيجية أهمها، تعزيز الثقة وضمان الشفافية الكاملة والامتثال للمنتجات الإسلامية لكسب ثقة العملاء والمستثمرين الجدد، إلى جانب الاستثمار في التكوين وتطوير الكفاءات المتخصصة في المالية الإسلامية من خلال برامج تكوين موجهة للإطارات البنكية والجهات الرقابية، وتصميم منتجات مالية تتماشى مع احتياجات السوق، خاصة في ما تعلق بتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الزراعية والطاقة المتجددة.
وخلص إلى أن تحقيق المشروع الوطني لتعميم الرقمنة سيسمح بدمج المالية الإسلامية ضمن الحلول الرقمية المتقدمة، مثل منصات البنوك النقالة والمصرفية الإسلامية الرقمية. كما شدد مزاري على ضرورة إرساء إطار مؤسساتي شامل لتسريع إنشاء سوق نقدي وبنكي بين المؤسسات الإسلامية وإنشاء بنوك مخصصة بالكامل للمالية الإسلامية.
في هذا الإطار، يتوقع مدير الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي الجزائري، مستقبلا واعدا للمالية الإسلامية كعنصر أساسي ضمن المنظومة المالية، بالنظر إلى المؤشرات التي تؤكد تأثيرها الإيجابي وآفاقها الواعدة، بفضل دعم السلطات العمومية والإصلاحات التنظيمية، ما يمنح لقطاع المالية فرصة كبيرة ليصبح نموذجا مرجعيا في مجال المنتجات المالية الإسلامية.
وربط مزاري هذا التطور المنشود، برؤية واضحة وجهود مستمرة على جميع المستويات، بدءا من الأطر التنظيمية، وصولا إلى الحوكمة والابتكار والرقمنة، مؤكدا على أنه وفي حال تطبيق السبل العصرية في تسيير القطاع المالي وإدارة الجهود المبذولة والموارد المتاحة بشكل مدروس، فإن المالية الإسلامية يمكن أن تصبح محركا رئيسيا للتنمية الاقتصادية، وعامل جذب للاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الشمول المالي في الجزائر، وتمكين جميع القطاعات من المشاركة في عملية بناء اقتصاد وطني متنوع، قائم على ركائز مالية آمنة.
الخبير الهواري تيغرسي: استعادة أموال السوق الموازية يرفع الناتج الداخلي الخام
دعا الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، إلى إطلاق المزيد من الإصلاحات العميقة لإنجاح جهود ومساعي تكريس هندسة دقيقة لنجاعة الصناعة المالية، مرافعا باستماتة لأهمية إنشاء بنك إسلامي للسكن وتحرير الصيرفة الإسلامية من الخدمات المالية الكلاسيكية حيث تكون خدمات قائمة بذاتها في بنوك عمومية مستقلة، مقدما حلولا ملموسة لاستقطاب أكبر لمكتنزات السوق الموازية وضخها في المنظومة المالية والمصرفية.
رسم الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي بنظرة تقييمية واقع الخدمات المالية الإسلامية، مسلطا الضوء على الدور الذي تقوم به وحجم الإقبال المسجل منذ انطلاقها بقوة منذ عام 2020، وفي البداية حاول الخبير تقديم شرح مفصل والمتمثل في تحديد الفرق بين البنوك الإسلامية ونظيرتها الكلاسيكية، وحصر ذلك في الجانب العقائدي والديني.
وفي سياق متصل، اعترف تغرسي الملم في تحليلاته الاقتصادية بالجانب المالي، بتسجيل إقبال كبير ومهم على هذا النموذج من الخدمات المالية، ومحاولة السوق الرسمية استقطاب أموال تتحرك ضمن نطاق السوق الموازية، وقدر الأموال الناشطة في الدائرة غير الرسمية بما يتراوح بين 80 و100 مليار دولار، في ظل غياب الأرقام وصعوبة الوقوف على حجمها بشكل دقيق، وإلى جانب تطرقه إلى السعي نحو إيجاد طرق لاستقطاب كتلة معتبرة، على اعتبار أنه تم إطلاق أزيد من 10 منتجات لخدمات المالية الإسلامية، ووصفها بحلول مرتبطة بالدين والعقائدية، وقال أن المستهلك الجزائري حر في الولوج إلى هذه السوق المالية.
وعلى صعيد تشجيع المتعاملين الاقتصاديين والتجار الذين تتوفر لديهم كتلة مالية مهمة، تطرق تغرسي إلى طريقة تشجيع أكبر، لضخ المزيد من الأموال المكتنزة وانتقالها التلقائي من السوق الموازية نحو السوق الرسمية، مؤكدا وجود أموال معتبرة لدى التجار وبعض المتعاملين الاقتصاديين، على مستوى السوق الموازية غير أن هاجس الرسوم الجبائية والتخوف من المحاسبة يجعلهم يترددون في ضخها على مستوى المنظومة البنكية.
واقترح الخبير الاقتصادي حل هذه الإشكالية من خلال إيجاد معايير وحلول بهدف استقطاب هذه الأموال واسترجاع ثقة أصحابها وإقناعهم بالانتقال إلى السوق المالية الرسمية، لأنها تعد الأفضل والطبيعية لحركية هذه الأموال، لأن إضفاء الشفافية في استقطاب هذه الأموال كما يتفق عليه الخبراء في الصيرفة الإسلامية يزيل الكثير من التخوفات وفي نفس الوقت ينجح مساعي استقطاب الأموال وانتقالها من الاكتناز إلى دائرة الادخار.
ووفق المقاربة المالية، أكد تغرسي أنه كلما زادت وتيرة حركية الكتلة النقدية وتدفق السيولة ازداد ونما الناتج الداخلي الخام، داعيا إلى ضرورة الاستفادة من النظريات الاقتصادية في هذا المجال.
مراجعة نسب الفائدة
وأثار الخبير الاقتصادي تغرسي مسألة جوهرية حاسمة، تعد مفتاحا حقيقيا لاستقطاب الزبائن نحو منتجات المالية الإسلامية والمتعلق بضرورة إعادة النظر في معدلات الفائدة على اعتبار أنها ترتفع كثيرا على مستوى خدمات الشبابيك الإسلامية في حين تنخفض على صعيد البنوك الكلاسكية، ولأن المستهلك الجزائري ينجذب ويهمه كثيرا معدل الفائدة وعامل الربحية، مقترحا إدخال الجانب الاجتماعي في هذه النقطة التي وصفها بالمركزية، بحيث تكون نسبة الفائدة تساوي أو تقل عن معدلات الفائدة على مستوى البنوك والخدمات الكلاسيكية لاستقطاب أكبر قدر من الأموال.
كما دعا الخبير في سياق متصل إلى أهمية التفكير في إنشاء بنك إسلامي عمومي مستقل مرتبط بقطاع السكن، لأن الإشكالية المطروحة من طرف العديد من المواطنين حسب الخبير تيغرسي، تكمن في أن الشباك الإسلامي على مستوى البنك الكلاسيكي، يتوفر على مزيج بين الأموال الإسلامية ونظيرتها التقليدية وهذا ما يرفضه بعض المواطنين، ويعتقد الخبير أنه حان الوقت لتحرير الصيرفة الإسلامية لأن عنصر المخاطرة سيظهر أكثر عندما يفصل في التمويل في الشباك الإسلامي والكلاسيكي.
ومن بين مقترحات الخبير، نذكر ضرورة التوجه من أجل مرافقة الاستثمار الحقيقي وإنتاج الثروة، وقال أنه من المستبعد أن تمارس البنوك الإسلامية نفس عادات البنوك الكلاسيكية على غرار عملية اقتناء السيارات، مشددا على أهمية مرافقة الفلاحين في منطقة الجنوب الكبير، على اعتبار أن ربحية الفلاح في الجنوب مضمونة بنسبة 100 بالمائة ودافع عن مقترح إقحام البنوك الإسلامية في تمويل المشاريع الإستراتيجية، إلى جانب ترقية وتكوين المورد البشري ومنح نظرة جديدة وإيجابية عن صناعة المالية الإسلامية، في ظل الإقبال الكبير على خدماتها من طرف المواطن الجزائري.
وتحدث تغرسي في جملة المقترحات عن أهمية انفتاح البنوك الإسلامية على إصلاحات منظومة التسيير والامتيازات، ومن ثم الارتقاء إلى نوعية الاستثمارات الضخمة والمهمة، على خلفية أن الأموال معتبرة، والحاجة في الوقت الراهن إلى إصلاحات عميقة للبنوك، مشيرا في نفس الوقت إلى أن شبابيك الصيرفة الإسلامية تتواجد على مستوى 10 ولايات فقط، ويتطلب الأمر توسيع نطاقها من حيث التوطين وإرساء منظومة رقمية لتسهيل المعاملات التجارية من أجل بلوغ 50 بالمائة من امتصاص السوق الموازية حسب تقديره.
الدكتور محمد بوجلال: المالية الجديدة قدّمت تمويلات بقيمة 505 مليار دينار
أقرت الإصلاحات المالية في الجزائر، منذ الشروع فيها خلال السنوات الأولى للعهدة الرئاسية السابقة للرئيس عبد المجيد تبون، أدوات جديدة للسياسة النقدية، تستهدف جعلها أكثر نجاعة وتعزز آليات انتقالها، حيث يتيح تكييف أدوات التدخل على مستوى السوق النقدية مع خصوصيات العمليات المصرفية، لاسيما تلك المتعلقة بالصيرفة الإسلامية التي تعرف نموا مطردا لدى البنوك التقليدية، والشبابيك الإسلامية في البنوك التي تعرف إقبالا كبيرا على حساباتها.
من شأن الخدمات الإسلامية التي انطلقت سنة 2020، أن توسع من نطاق الشمول المالي وصيرفة المجتمع وتقليص حجم المعاملات خارج القطاع المصرفي أي المعاملات “الموازية”، سواء في مجال الادخار أو في مجال استثمار الأموال أو تمويل المشاريع الاقتصادية، ما سيسمح للكثير من أصحاب المشاريع وللمتعاملين الاقتصاديين، من توسيع مشاريعهم بصيغ تمويلية إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومعتمدة من قبل هيآت رقابة شرعية، تدقق في هذه العمليات وتصحح في بعض الأخطاء، التي يمكن أن تساهم في ضبط مثل هذه المعاملات من الناحية الشرعية، حتى تكون معاملات المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين متوافقة مع أحكام الشريعة.
في السياق، أكد خبير الصيرفة الإسلامية وعضو المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور محمد بوجلال، أن تجربة المصرفية الإسلامية، لاقت نجاحا باهرا منذ أن قررت السلطات العمومية وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، توجيه البنوك العمومية لتسويق المنتجات البنكية المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وقال إن “الشبابيك الإسلامية التي أنشأتها البنوك العمومية منذ منتصف عام 2020 وباقي المؤسسات البنكية الأخرى نجحت في استقطاب ما لا يقل عن 817 مليار دج وتقديم تمويلات بما يقدر بـ 505 مليار دج استفادت منها المؤسسات بأكثر من 86% والباقي كان من نصيب الأفراد.”
وفي هذا الإطار، أبرز الخبير أن “ هذه الأرقام لا تشمل ما يحققه صندوق ضمان الصفقات العمومية من نجاح في خدمة الاقتصاد الوطني عندما أقدم مديره العام، وبترخيص من مجلس الإدارة، على تجسيد الإرادة السياسية للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بتسويق منتجات الكفالة وخطابات الضمان التي أصدرت بشأنها الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية فتوى خاصة بها والتي مكنت الصندوق وكذلك البنوك من الاستجابة لطلبات المتعاملين الاقتصاديين من القطاع العام والقطاع الخاص على هذا المنتج بالذات”.
وأشار في السياق، إلى أنه بهذه الخطوة يكون صندوق ضمان الصفقات العمومية أول مؤسسة مالية عمومية متخصصة تقدم منتجات متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني بالنظر للنتائج الجيدة التي حققها في فترة وجيزة.
وبلغة الأرقام، عاد الخبير في مجال الصيرفة الإسلامية للحديث عن هذه المعاملات المالية، وقال إن “أهمية تبني البنوك العمومية للصيرفة الإسلامية، تكمن في استحواذ هذه البنوك على أكثر من 85% من السوق المصرفية الوطنية، وعلى شبكة وكالات تتعدى 1.600 وكالة من بين 1.735 وكالة المنتشرة عبر التراب الوطني”.
وضمن هذا السياق، أشار ذات المتحدث، إلى البنك الوطني للإسكان، وهو سابع بنك عمومي تم إنشاؤه سنة 2022 (ليخلف الصندوق الوطني للإسكان)، وقال إنه “يسعى لإنشاء شباك إسلامي استجابة لرغبات المواطنين في شراء سكناتهم عن طريق المنتجات التي تقدمها البنوك الإسلامية والمتمثلة أساسا في المرابحة وفي الإجارة المنتهية بالتمليك”.
كما تطرق إلى البنوك الخاصة التي تعتمد الصيغة الإسلامية ذاتها، عندما أكد أنه “لمن الإنصاف، ذكر ما تقدمه البنوك الخاصة لدعم الصيرفة الإسلامية سواء تعلق الأمر ببنك البركة الجزائري أو مصرف السلام وكذلك البنوك التي أقدمت على إنشاء شبابيك للصيرفة الإسلامية وهي المؤسسة المصرفية العربية وبنك الجزائر الخليج وبنك الإسكان وبنك ترست .
إنشاء بنكين إسلاميين عموميين
ولأن نجاح تجربة الشبابيك الإسلامية كان مميزا وفي ظرف قصير وفي ظرف عالمي مميز شهد خلال سنة 2020 أزمة صحية ونفطية أثرت على اقتصاديات الدول الكبرى ولا تزال تبعاتها ليومنا هذا، شدد بوجلال على أن “هذا النجاح الذي تحقق في وقت وجيز يحتاج إلى دعمه بإنشاء بنكين إسلاميين عموميين، لأن الشبابيك الإسلامية حققت المبتغى وبلغت فعلا مرحلة النضج والتشبع، حيث أصبح من الضروري الانتقال إلى مرحلة جديدة تثمن النتائج المحققة وتساهم في تعبئة المزيد من الأموال لتوجيهها إلى تمويل الاقتصاد الوطني عبر القنوات الرسمية”.
وأضاف عضو الهيئة الدينية العليا في البلاد قائلا “بحيث نحصل على المعادلة الذهبية: رابح – رابح. أصحاب الودائع يحصلون على عائد حلال تطمئن به نفوسهم، والأعوان الاقتصاديون يتمكنون من تمويل مشاريعهم عن طريق الصيغ التي حازت على شهادة المطابقة الشرعية التي تصدرها الهيئة الشرعية الوطنية بالمجلس الإسلامي الأعلى”.
ضرورة تعميم الدعم
وتطرق الخبير في الصيرفة الإسلامية، إلى “الحاجة الماسة لتعميم الدعم الذي تقدمه السلطات العمومية عن طريق البنوك التقليدية بتخفيض سعر الفائدة على بعض القطاعات كالصناعة والفلاحة والسياحة، وقال “ تعميم الدعم ليشمل الصيرفة الإسلامية، على غرار ما تم على مستوى تمويل السكن العمومي الترقوي للأفراد حيث استحسن المواطن الجزائري صدور المرسوم التنفيذي 24-232 الذي يتعلق بخفيض نسبة الفائدة وكذا النسبة من هامش الربح على القروض العقارية التي تمنحها البنوك والمؤسسات”.
وبرر اقتراحه هذا بالقول إنه “في غياب هذا التعميم على النشاط الاستثماري، سيكون من العسير ضخ الأموال المعبأة من طرف البنوك الإسلامية في شريان الاقتصاد الوطني، وهذا ما يفسر أن 14% من الودائع تبقى حبيسة الأدراج في البنوك في غياب المساواة بين القروض الكلاسيكية والتمويلات الإسلامية”.
وفي منظور آخر، أشار ذات الخبير إلى أن قانون المالية لعام 2025، قد وضع الإطار القانوني للصكوك السيادية، أي الصكوك الإسلامية وهي أوراق مالية تصدرها الخزينة العامة وتسمى صكوكا سيادية أو تصدرها مؤسسات القطاع الخاص، وهو ما سيمكن الدولة من تنويع مصادر التمويل لمشروعاتها الربحية.
وخلص المتحدث إلى الإشارة إلى ضرورة التطرق لنشاط التأمين الإسلامي (التكافلي)، إضافة إلى التمويل الخيري من أوقاف وزكاة، ضمن مجال الصناعة المالية الإسلامية في الجزائر، والتي تعرف تطورا ايجابيا منذ تاريخ إطلاقها في سنة 2020. حيث تبتكر منتجات مالية تستجيب لمتطلبات الحياة المعاصرة، في وقت تسوق البنوك حاليا عدة منتجات إسلامية ابتكارية تتلاءم مع احتياجات الزبائن في مختلف المجالات.