عرفت الأيام الماضية سلسلة من اللقاءات التي جمع خلالها الرئيس تبون عدداً من رؤساء الأحزاب الكبرى بمختلف توجهاتهم السياسية، وهو ما يعكس جدية القيادة في الاستماع إلى مختلف الأطراف والانفتاح على كل المقترحات. واعتبر حزب جبهة التحرير الوطني هذه الخطوة بمثابة “إشارة هامة” قبل الشروع رسميا في الحوار الوطني، مما يعكس دعمًا سياسيًا واسعًا لهذه المبادرة التي تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية.
ملف: علي مجالدي سفيان حشيفة وكمال زقاي وآسيا قبلي
يرى العديد من المتابعين أن توقيت إطلاق المبادرة يحمل دلالات سياسية غاية في الأهمية، إذ تأتي في ظل ظرف إقليمي ودولي معقد، يتطلب بناء جبهة داخلية موحدة متوافقة وقادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تلوح في الأفق، خاصة وأن الجزائر تبقى مستهدفة على أكثر من صعيد. ومن خلال هذه الخطوة، يدرك رئيس الجمهورية أن استقرار الجزائر الداخلي يتطلب حوارًا مفتوحًا وشاملًا لا يستثني أي طرف سياسي، بما يعكس التعددية التي أصبحت سمة أساسية في المشهد السياسي الجزائري، خاصة وأن المبادرة تتجاوز مجرد المشاورات الشكلية، بل تسعى إلى إشراك جميع الأطراف في صياغة رؤية وطنية جامعة تعبر عن تطلعات كل الجزائريين وتستجيب للتحديات المقبلة.
كما أن الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، يمثل تحولًا في طريقة إدارة الملفات السياسية في البلاد. وتؤكد هذه الخطوة، أن القيادة السياسية تعي تمامًا أهمية تكريس التعددية السياسية كركيزة أساسية في بناء الدولة الحديثة. فالجزائر، بتاريخها السياسي الطويل وتجاربها المتنوعة، تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى فضاء حواري يتيح لكل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين التعبير عن رؤاهم واقتراحاتهم في إطار يخدم المصلحة الوطنية العليا.
ووفقًا للأصداء الأولية، فقد حظيت المبادرة بترحيب واسع من معظم الطبقة السياسية في البلاد ومنظمات المجتمع المدني، التي ترى فيها طرحًا جادًّا ونية صادقة للمضي قُدمًا نحو تكريس تعددية سياسية حقيقية في الجزائر. وأضاف الدكتور طويل، أنه مقارنة بمبادرات سابقة، فإن هذه الخطوة تبدو أكثر واقعية ووضوحًا في أهدافها، ما يعكس رؤية عميقة لبناء دولة قائمة على الشفافية والحوار الوطني.
وخلال شهر جانفي الحالي، أجرى رئيس الجمهورية سلسلة لقاءات مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية، شملت رئيس حركة مجتمع السلم السيد عبد العالي حساني شريف، والأمين الوطني الأول لحزب “الأفافاس” يوسف أوشيش، ورئيس حزب “صوت الشعب” السيد لمين عصماني. كما استقبل رئيس الجمهورية، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي مصطفى ياحي. وناقش الرئيس مع كل منهم مجموعة من الملفات الهامة، من بينها قانون الأحزاب الجديد، إلى جانب قضايا ذات طابع وطني ودولي.
وتهدف هذه اللقاءات إلى ترسيخ أسس جديدة ومتكاملة للعمل السياسي في الجزائر، حيث يسعى رئيس الجمهورية إلى إحداث تغيير جوهري في قانون الأحزاب بما يتماشى مع التحولات التي يشهدها المجتمع. كما يتطلع إلى وضع قواعد أكثر فعالية لإدارة الشأن المحلي من خلال تحديث قانوني البلدية والولاية، لضمان تأقلم أكبر مع المتغيرات وتعزيز التنمية المستدامة على المستوى المحلي. كما تعكس المبادرة رؤية شاملة لإشراك الطبقة السياسية في صياغة مستقبل البلاد، بما يضمن الاستجابة لتطلعات المواطنين وتعزيز أسس الحكم الرشيد.
أستاذ العلوم السياسية وديع مخلوف: رئيس الجمهورية والأحزاب.. ثقة وأبعادٌ اتصالية
أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة 8 ماي 1945 في ولاية قالمة، الدكتور وديع مخلوف، أن لقاءات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مع الأحزاب والفعاليات الوطنية، منحت الساحة الداخلية نشاطا وزخما غير مشهود من قبل، نتيجة اعتماد بُعد اتصالي مرن ميّز تعامل الرئاسة مع مختلف ممثليات الطبقة السياسية.
قال وديع مخلوف، في تصريح خصّ به “الشعب”، إن استقبال رئيس الجمهورية لرؤساء الأحزاب، أتى في إطار تبنّي مجموعة من الأعراف والسُّنـن السياسية التي لم تعهدها من قبل الجبهة الداخلية الجزائرية، لتُضاف إلى اللقاءات الدورية الرسمية الأخرى مع مختلف الفاعلين الوطنيين، مثل اللقاء مع وسائل الإعلام والصحافة الوطنية.وأبرز وديع، أن الفترة الحالية تشهد كثيرا من التحديات والمساعي، في سياق تعزيز المسار الدستوري وتحسين أداء مؤسسات الدولة الجزائرية، من خلال العمل على سنّ قوانين متعلقة بعديد القطاعات على رأسها قانونا البلدية والولاية، وقانون الأحزاب السياسية وقانون الجمعيات، إذ يكتسي هذا الأمر أهمية كبيرة في مسار ترسيخ الديمقراطية في الجزائر، خصوصا في شقّها التّشاركي.وقد أبانت اللقاءات الأخيرة بين رئيس الجمهورية ومختلف الأحزاب والجمعيات الوطنية، ملثما أضاف محدثنا، عن وجود تصميم على اتخاذ القرارات وسن القوانين بطريقة تشاورية وتشاركية في إثرائها؛ كونها تصب في مصلحة الوطن واستقراره وتقوية جبهته الداخلية.كما تندرج الخطوة ضمن تعهداته في إطار بعث حوار وطني جامع لكل الفعاليات السياسية الوطنية، بالاعتماد على النّهج التّشاركي في ضوء بروز بيئة دولية وإقليمية متعددة المتغيرات والتحديات، يستوجب مواجهتها بتدعيم وتقوية الجبهة الداخلية، وإقرار حوار شامل يساهم ويشارك فيه الجميع من أجل صنع مستقبل البلاد، بحسب قوله.وتابع مخلوف: “الحوار لابد أن يجمع بين أمرين؛ فجهة الرئاسة لطالما أبدت وعملت على تكريس الحوار مع مختلف الفعاليات، سواء الحزبية أو المجتمعية. وفي المقابل، يقع على عاتق الأحزاب السياسية والجمعيات، القيام بقطيعة مع مختلف الممارسات السابقة والذهنيات البائدة، حتى تكون العملية في مستوى طموحات وتطلعات الشعب الجزائري، وليس بالاعتماد على الحسابات الحزبية الضيقة أو إعطاء الأولوية للمصالح الشخصية على حساب المصالح الوطنية الجامعة”.وفيما تعلق بفحوى اللقاءات الرئاسية، اعتقد الدكتور أنها مرتبطة أساسا بالتشاور حول مختلف القضايا الوطنية، على غرار تعديل قانوني البلدية والولاية، الذي يهدف إلى تعزيز مكانة المنتخبين المحليين على مستوى المجالس المنتخبة، وإعطاء دفعة قوية للتنمية وتسيير الجماعات المحلية، بالإضافة إلى مناقشة قانون الأحزاب بغية منح جرعة إضافية للمسار الديمقراطي في الجزائر، وفتح المجال لمختلف الفاعلين في الساحة السياسية الجزائرية لإبداء الرأي وتقديم الاقتراحات حيال مشاريع القوانين المطروحة للتعديل والإثراء.وخلص أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة 8 ماي 1945 في ولاية قالمة، الدكتور وديع مخلوف، إلى أن الجزائر أصبحت اليوم في مواجهة عديد التحديات الإقليمية والدولية، التي تُحتِّم مواكبتها واحتواءها ببناء وتعزيز اللحمة الداخلية، واعتماد حوار وطني شامل، وتفعيل آليات التشاور والتشارك في صنع السياسات والقرارات، والتكاتف والتعاون للوصول بالوطن إلى برّ الأمان؛ ذلك أن حروب العصر ساحتها الفكر ووسيلتها المعلومة بشقيها الصحيح والخاطئ.
البروفيسور شكاكطة: الأجندة السياسية الداخلية في صلب الاهتمامات
أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور عبد الكريم شكاكطة، في قراءته لسلسلة اللقاءات التشاورية التي أجراها رئيس الجمهورية مع ممثلي الأحزاب السياسية الوطنية، “أن اللقاء يدخل أساسا في إطار التشاور وتنسيق الجهود مع الشركاء السياسيين لتمتين الجبهة الداخلية وتوحيد الرؤى ولغة الخطاب نحو الكثير من الملفات والمسائل الراهنة داخليا وخارجيا، ومواجهة بعض التحديات التي تواجه الجزائر حاليا، إلى جانب الأجندة السياسية الداخلية وبعض الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطن.
اعتبر الخبير السياسي الأستاذ عبد الكريم شكاكطة، “أن لقاء رئيس الجمهورية مع ممثلي الأحزاب الوطنية الفاعلة في الساحة الوطنية، حمل الكثير من الدلالات، خاصة في هذا التوقيت بالذات، الذي عرفت فيه الجزائر حملة شعواء من اليمين الفرنسي المتطرف، الذي حاول عبثا استغلال بعض القضايا الهامشية للتشويش على العلاقات الثنائية وهي القضية التي تفطنت لها الجزائر من خلال طريقة تعاملها الدبلوماسي الحكيم وفضح تلاعبات الطرف الآخر بطريقة احترافية ومسؤولة مع السياسة العدائية”.
وأكد أيضا، “أن اللقاءات التشاورية مع ممثلي الأحزاب والجمعيات تناولت عدة نقاط وملفات داخلية وخارجية، في محاولة لتقاسم الرؤى حول هذه المسائل، من أبرزها ملف الجماعات المحلية، من خلال مناقشة ومواصلة إصلاح الجماعات المحلية، خاصة مع مواصلة دراسة وإثراء المشروع التمهيدي لقانوني البلدية والولاية الذي سيفتح المجال واسعا أمام المنتخبين المحليين ومنح صلاحيات أوسع في معالجة المسائل التي لها علاقة مباشرة بالتنمية وتطلعات المواطنين. وأيضا التمهيد لاستقبال الاستحقاقات الانتخابية المحلية والولائية وكذا انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، المنتظرة شهر مارس القادم”.كما أشار الخبير السياسي البروفيسور شكاكطة، إلى أهمية بعض الملفات والنقاط المدرجة في جدول اللقاءات التشاورية، خصوصا منها الملفان الاقتصادي والاجتماعي، حيث أكد “أن آراء المشاركين في هذه اللقاءات، أجمعت على ضرورة المضي قدُما لمواصلة سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها رئيس الجمهورية منذ انتخابه والتي بدأت تؤتي أكلها وتعطي نتائج ملموسة في الميدان، بفضل جملة المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تعرفها الجزائر، خاصة في الجانب الاقتصادي والصناعي، الأمر الذي جعل بلادنا ترتقي إلى الصف الثاني من حيث القوة الاقتصادية وحجم الناتج الوطني الخام في إفريقيا”.نقطة مهمة أخرى توقف عندها الباحث وأستاذ العلاقات السياسية والدولية، تتعلق بالعودة القوية للديبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة وتأثيرها الفاعل على مسرح الأحداث الدولي والتي كانت من ضمن النقاط المبرمجة. وقال في هذا الشأن، “لقد حققت الدبلوماسية الجزائرية عدة انتصارات ومكاسب سياسية دولية، بفضل مواقفها الثابتة ودفاعها المستميت عن القضايا الدولية العادلة، على رأسها القضية الفلسطينية، الذي أثمر وقف العدوان الصهيوني على غزة بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار وانعكاس ذلك على الأوضاع الإنسانية للشعب الفلسطيني مع بداية دخول المساعدات الإنسانية”.وأشار الخبير السياسي في الختام، إلى ملف آخر لا يقل أهمية في جلسات التشاور، يتعلق بالدور الاستراتيجي للجزائر في المجال الأمني، خاصة بمنطقة الساحل الإفريقي، حيث أصبحت الكثير من الدول الكبرى تراهن على الجزائر باعتبارها قوة فاعلة بالمنطقة ومحور معادلة مهمًّا في العلاقات الديبلوماسية إلى جانب عدد من المسائل الأخرى، خصوصا الاقتصادية ومنها مسألة ترقية التعاون مع دول الجوار كموريتانيا، النيجر، ليبيا وغيرها من الدول.
أستاذ القانون العام موسى بودهان: المشـاورات السياسيـة.. تمتـين التماسـك الداخلـي
أكد أستاذ القانون العام الدكتور موسى بودهان، في اتصال مع “الشعب”، أمس، أن الحوار فضيلة من الفضائل تمسّك بها رئيس الجمهور عندما وعد ببدء مشاورات هادفة وجادة تفضي إلى تماسك الجبهة الداخلية وتقوية الجبهة الاجتماعية ومنه إلى سنّ قوانین خاصة بالأحزاب السياسية والجمعيات.
أكد الدكتور موسى بودهان، أن المستجدات المنتظرة تقتضي الذهاب لمشاورات جادة. وما يقوم به السيد الرئيس، سواء من حيث طرح مجموعة من النصوص القانونية على الأحزاب والبرلمان أو من خلال النصوص الأخرى المنتظر طرحها بالطريقة نفسها، أو من حيث استقباله لقادة الأحزاب والجمعيات، حتى يجسد الحوار والتشاور على أرض الواقع، وهو ما يسمح بتفادي العديد من الإشكالات وتعزيز الجبهة الداخلية، خاصة في مواجهة التحديات التي تتعرض لها الجزائر داخليا وخارجيا. وتسمح هذه المشاورات بتوحيد الرؤى في مواجهة محاولات التدخلات الخارجية وبالتالي يمكن اعتبار المشاورات حصنا داخليا ضد التكالب الخارجي.
وأضاف، أن ذلك يحتم اتخاذ المشاورات السياسية سبيلا لتوحيد الصف وتمتين الجبهة الداخلية. وخص بالذكر، ما تعلق بالقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية 04/12 والقانون المتعلق بالجمعيات 06/12 وقد تجاوزتهما الأحداث بعد 12 سنة من التطبيق، أبانت عن محدودية هذه القوانين، وكذلك ضرورة سن قوانين متسقة مع الدستور الحالي، دستور 2020، خاصة إذا علمنا أن سَنّهما تم في ظل دستور 1996، ولذلك أصبح من الضروري تعديل القانونين، وغيرها من القوانين ذات الصلة.وأضاف بودهان، “كما أنه وبعد استدعاء الهيئة الناخبة للتجديد النصفي لثلثي أعضاء مجلس الأمة، أي استدعاء المنتخبين في المجالس الشعبية البلدية والولائية، تتضح أكثر أهمية هذه القوانين وكذا القوانين الأخرى المتعلقة بتقسيم المقاعد بالنسبة للبرلمان والمجالس الشعبية البلدية والولائية، بعد رفع عدد الولايات إلى 58 ولاية، وسيرفع إلى مئة ولاية مستقبلا.يذكر، أن رئيس الجمهورية، كان وعد بفتح حوار وطني، نزولا عند طلب الطبقة السياسية، والبداية كانت بإطلاق مشاورات سياسية مع قادة الاحزاب، حيث اجتمع السيد الرئيس بهم شهر ماي 2024، مؤكدا أن هذا الحوار الوطني الذي سيجري مع نهاية سنة 2025 أو بداية 2026، سيتم “الشروع فيه بعد الانتهاء من مراجعة القوانين المتعلقة بأجهزة الدولة العصرية، على غرار قانوني البلدية والولاية”.
وقال السيد الرئيس حينها، “إن الحوار الوطني يهدف إلى تحصين الجزائر من التدخلات الأجنبية والقضاء على محاولات زرع الفتنة”، مشيرا الى أنه سيكون “مسبوقا بجملة من الأولويات المتصلة بالاقتصاد الوطني وجعل الجزائر في مأمن ومناعة من التقلبات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم، ليتم المرور بعد ذلك الى مرحلة بناء الديمقراطية الحقة”.