أجمع خبراء في الاقتصاد على أن مراجعة اتفاقية الشراكة وفق مبدأ رابح-رابح بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، كما أكده أمس رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، من شأنها أن تعيد التوازن للعلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لا سيما بعد القفزة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة.
أبرز الخبراء في حديثهم لـ “وأج” أن مراجعة الاتفاق تأتي في سياق بناء شراكة متوازنة ومستدامة تراعي المصالح المشتركة للطرفين، مع التركيز على خلق بيئة اقتصادية جاذبة وتطوير مشاريع تحقق المنفعة للطرفين وفق مبدأ رابح-رابح.
وأكّد رئيس الجمهورية، لدى ترؤسه اجتماع لمجلس الوزراء أمس الأحد، أن مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي “تفرضه معطيات اقتصادية واقعية”، إذ منذ دخوله حيز التنفيذ في 2005 “كانت صادرات الجزائر تعتمد أساسا على المحروقات، بينما اليوم تنوعت وتوسعت صادراتنا خارج المحروقات لا سيما في مجال الإنتاج الفلاحي، المعادن، الإسمنت والمواد الغذائية وغيرها”.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أن مراجعة هذا الاتفاق “ليست على خلفية نزاع وإنما دعما للعلاقات الطيبة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي، ترتكز على مبدأ رابح-رابح”، حسب ما جاء في بيان مجلس الوزراء.
وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير محفوظ كاوبي أن “نتائج قرابة 20 سنة من تطبيق اتفاق الشراكة كانت غير متوازنة ومجحفة بالنسبة للاقتصاد الوطني، حيث غلب الطابع التجاري على الجانب الاستثماري والتنموي”، مبرزا أهمية القيام بـ”تشخيص موضوعي” من قبل الطرفين لتحديد الأسباب التي حالت دون تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن “الضروري تغليب منطق البناء بدلا من الصراع، حيث يمكن للطرفين الاستفادة من تعاون اقتصادي قائم على الاستثمار وتنويع الاقتصاد”، يضيف كاوبي، الذي ذكر بالتحولات التي يشهدها العالم والتي تتطلب رؤية مشتركة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لتحقيق توافق مع المتغيرات الجيو- استراتيجية والاقتصادية.
وأضاف بالقول: “الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى شريك موثوق، والجزائر توفر بوابة استراتيجية نحو السوق الإفريقية. إذا تم التركيز على بناء رؤية مشتركة، فإن الاتفاق الجديد يمكن أن يحقق أبعادا اقتصادية وتنموية تفيد الجانبين”.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني أن الجزائر تسعى لترقية اتفاق الشراكة استجابة للمعطيات الاقتصادية والتنموية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، لافتا إلى أن “الوضع القائم يفرض على الطرفين مراجعة هذا الاتفاق والوصول إلى الشراكة الحقيقية تحت قاعدة رابح-رابح، وبما يضمن استدامة في تدفق الاستثمارات الأوروبية ونقل التكنولوجيا والمعرفة”.
وأكد على أن الجزائر تريد بناء “شراكة حقيقية” على “أرضية صلبة” مع الاتحاد الأوروبي، مذكرا بأن الجزائر التي كانت تستورد تقريبا كل شيء قبل حوالي 20 سنة، حققت اليوم الاكتف
اء الذاتي في العديد من المنتجات وتوجهت نحو التصدير، وهو ما وضعها في مصاف الاقتصاديات الناشئة.
أما الخبير هواري تيغرسي، فأكد أن الجزائر لم تعد اليوم كما كانت سنة 2005، حيث عرفت البلاد تحولات اقتصادية جذرية تشمل تنويع الاقتصاد الوطني، تعزيز الإنتاج المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عدة قطاعات مثل الفلاحة.
ولاحظ تيغرسي أن “90 بالمائة من بنود الاتفاق الحالي مع الاتحاد الأوروبي لم تفعل، لا سيما وأنها كانت تهدف إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، دعم التنمية الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات الأوروبية في الجزائر”، مشيرا الى أن غياب تفعيل هذه البنود أدى إلى “فشل الاتفاقية في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة”.
وذكّر بأن المبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كانت تميل لصالح الطرف الأوروبي، حيث اقتصر دور الجزائر على تصدير الموارد الطاقوية، لافتا إلى أنه منذ توقيع اتفاقية الشراكة “كان هناك غياب ملحوظ للاستثمارات الأوروبية في عدة قطاعات بما فيها الطاقة”.
وعليه، “يجب مراجعة اتفاقية الشراكة بندا بندا لضمان تحقيق مبدأ “رابح-رابح”، وكذا استقطاب التكنولوجيا ورأس المال الأوروبي لتعزيز القطاعات الحيوية مثل البحث العلمي والتعليم، مع التركيز على تطوير بنية تحتية تكنولوجية متقدمة تسهم في تحسين الاقتصاد الوطني”، يضيف الخبير.
وكان السفير الجديد لبعثة الاتحاد الأوروبي في الجزائر، السيد دييغو ميادو باسكوا، في تصريح له عقب مراسم تقديم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في أكتوبر الماضي، قد صرح قائلا:”نحن ندرك أن مصيرينا مرتبطان ببعضهما البعض، ونأمل في مواصلة العمل سويا والسهر على أن يكون الاقتصاد الجزائري والاوروبي متكاملين، ونأمل كذلك في أن نرى الحوار السياسي يتواصل”.
وعبر عن رغبته في رؤية الطرفين يعملان “في إطار التضامن الأوروبي وكل الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي مع الجزائر، التي تمثل شريكا مميزا وضروريا واساسيا لأوروبا”.